الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الضغوط على سوريا خطوة على طريق الشرق الأوسط الكبير.. مطلوب عملاء سوريين، والأموال جاهزة 1 2

إكرام يوسف

2006 / 3 / 2
مواضيع وابحاث سياسية


أعلنت "مبادرة الشراكة الأمريكية الشرق أوسطية"، قبل أيام، عن تخصيص خمسة ملايين دولارلتسريع الإصلاحات في سوريا. وجاء في البيان الصادر عن مكتب الناطق باسم وزارة الخارجية الأمريكية "أن المبلغ الذي سيكون على شكل منح تتراوح الواحدة بين 100 ألف دولار ومليون دولا، سيقدم لبناء المجتمع المدني في سوريا،ودعم المنظمات التي تدعو إلى الممارسات الديمقراطية؛ مثل حكم القانون،ومحاسبة الحكومة،والوصول إلى مصادر المعلوماتالمستقلة، وحرية تشكيل الجمعيات، وحرية التعبير،وإجراء انتخابات حرة ونزيهة وتنافسية".
والمعروف، أن "مبادرة الشراكة الأمريكية الشرق أوسطية"، أعلنها الرئيس الأمريكي جورج بوش عام 2002 بهدف "دعم جهود الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي في الشرق الأوسط".
وفيما يتعلق بالإعلان الذي صدر يوم الجمعة 17فبراير فليس هناك من يمكنه أن يعارض تصريح اليزابيث تشيني نائبة مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية لشئون الشرق الأقصى "شعب سوريا يستحق فرصة لبناء مستقبل أفضل والعيش بحرية"، كما لا يمكن لعاقل أن يرفض شعارات الديمقراطية والحرية ودعاوى الإصلاح التي تطلع الشعوب إلى تطبيقها بما يحقق مصالحها. غير أن أي منصف لا يستطيع أن يشكك في أن هذا التصريح وهذه الشعارات عندما تنطلق من واشنطن بالتحديد، تصبح من قبيل كلمة الحق التي يراد بها باطل. فالتطورات التي شهدتها منطقتنا منذ انتهاء عصر الحرب الباردة تؤكد يوما بعد يوم أن آخر ما تهدف إليه الإدارة الأمريكية في المنطقة هو قيام نظم ديمقراطية حقيقية فيها.
ومن الواضح أن الضغوط على سوريا ليست سوى محطة على طريق جهود الإدارة الأمريكية الحثيثة بهدف تنفيذ مخططاتها ـ التي أعلنتها بصراحة على لسان مسئوليها في أكثر من مناسبة ـ لإعادة رسم خريطة المنطقة ، وإقامة ما يسمى "الشرق الأوسط الكبير"الذي كان شيمون بيريز أول من دعا لإقامته عام 1994 بما يضمن وضعا إقليميا متميزا ومهيمنا لإسرائيل. ومن البديهي أن إقامة النظام الإقليمي الجديد يتطلب القضاء على أحلام قديمة كانت تراود البعض. فلم يعد من اللائق الآن الحديث عن إقامة وحدة عربية، أو سوق عربية مشتركة، بعدما تقرر أن يصبح الجميع "شرق أوسطيون". ويكفي أن نعلم أن مراكز الدراسات الأمريكية، ومن أبرزها المركز الأمريكي لدراسات الشرق الأوسط، قررت استبدال مصطلح "الدول العربية" بمصطلح آخر ذي مغزى هو "الدول الناطقة بالعربية"؛ ولا يستغرب بالطبع أن تواكب هذا التوجه نزعات شعوبية طائفية في المنطقة، تنقلب على رابطة العروبة، وتتنكر لها من دعاوى الأكراد والتركمانستان في العراق ودعوى فينيقية اللبنانيين وفرعونية المصريين وأمازيغية دول شمال أفريقيا التي تسمى ـ حتى الآن ـ دول المغرب العربي. كما لا يستغرب بالطبع أن تكون سهام تغيير الانتماء العربي موجهة
في المقام الأول إلى البلدان التي رفعت في سنوات خلت لواء العروبة، بداية من مصر، ثم العراق، وصولا إلى سوريا الآن.

حق يراد به باطل
وعلى الرغم من أن أحدا لا يمكنه أن يجادل في حاجة جميع بلداننا العربية، ومنها سوريا بالقطع إلى الكثير من الإصلاحات السياسية والاقتصادية أيضا، إلا أنه لا يمكن لساذج أن يصدق أن الإدارة الأمريكية تؤرقها رغبة الشعب السوري في الإصلاح وتشغل بالها متاعب السوريين؛ فتتصدى ـ رغم ما تعانيه من أزمات نجمت عن تورطها في المستنقع العراقي ـ لتقديم كل ما تستطيعه من عون و"تقف بحزمإلى جانب الرجال والنساء المقدامين الذين يناضلون من أجل حرياتهم في الشرق الأوسط بما في ذلك سوريا" على حد تصريح اليزابيث تشيني.
ولا شك أن الضغوط الأمريكية على سوريا حملت أقوى الدلائل على جرأة الأمريكيين على الكيل بمكيالين دون أن يرف لهم جفن؛ فعندما أصر بوش على وجوب انسحاب سوريا من لبنان قبل انتخابات مايو القادمة "حتى يمكن أن تكون هذه الانتخابات حرة وعادلة"؛ لم يستمع إلى التساؤلات عن السبب في عدم إثارة مثل هذه النقطة بالذات أمام الانتخابات التي أقيمت في العراق المحتل – حيث لدى الولايات المتحدة 140 الف جندي يتجولون في شوارع العراق، مقارنة بأربعة عشر الف جندي سوري في جبال لبنان – ولماذا يجب أن تلتزم سوريا مباشرة بقرار الأمم المتحدة الذي ينادي بانسحابها لبنان، بينما قرارات نفس الأمم المتحدة التي تطالب إسرائيل بخروج قواتها من المناطق السورية والفلسطينية المحتلة جرى تجاهلها لمدة 38 عامادون اعتراض أمريكي؛ ولماذا أيضا لم يطالب بوش إسرائيل بالانسحاب من المناطق الفلسطينية المحتلة قبل إجراء الانتخابات هناك. بل أن أبواق الدعاية الأمريكية وجدت الجرأة لتشيد بالانتخابات العراقية والفلسطينية تحت الاحتلال؛ والزعم بأنهما دليلا على أن شمس الديمقراطية بدأت تسطع على الشرق الأوسط.

انتخابات فيتنامية الرائحة
ويرى محللون أن الانتخابات العراقية تحت الاحتلال الأمريكي لم تكن أكثر ديمقراطية أكثر من الانتخابات التي أشرفت عليها الولايات المتحدة في جنوب فيتنام في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي؛ فرغم أنها سمحت للأحزاب الكردية والشيعية بتحسين قوتها التفاوضية من أجل المساومة، إلا الملايين من العراقيين لم يستطعوا ولم يرحبوا بالاشتراك، وتم استبعاد قوى سياسية أساسية، وكانت اسماء المرشحين سرية، كما انتشرت الاتهامات بالتزوير، حيث جرى تصميم الأمر بالكامل لضمان سيطرة الولايات المتحدة والعراقيين غير قادرين على التصويت على إنهاء الاحتلال.
وتدليلا على تهافت الأسباب الأمريكية المعلنة للضغوط على سوريا، يرى الكاتب السوري عماد الشعيبي على سبيل المثال أن إعلان تطبيق قانون محاسبة سوريا تزامن مع لقاء أجراه ابراهيم نافع رئيس تحرير الأهرام وقتها مع الرئيس الأميركي جورج بوش الذي أجاب عن مبررات اتخاذ قراره تطبيق ذاك القانون بأن" سوريا لم تستجب للدور الذي طلبته منها الولايات المتحدةبخصوص الشراكة الكاملة في حملة مكافحة الإرهاب، إذ من بين المطالب الواقعية إغلاق مكتب لحزب الله في دمشق". والمعروف أنه ليس هنالك مكتب لحزب الله في سوريا أساسا، وما تم نقله عبر القنوات الدبلوماسية إلى سوريا إنما يتصل بمكاتب المنظمات الفلسطينية. ويقول الشعيبي " وفي هذه الحال يعني أن الرئيس الأميركي جاهل ولا يعرف عن أي شيء يتحدث لأن الخطأ تكرر في تسعة أشهر مرتين، أو أن هنالك من يقوم على تجهيله عبر البنتاغون واليمين الجديد لغاية "تراكمية" ضد سوريا" وهنا يتساءل الشعيبي عن مصلحة الولايات المتحدة في تفكيك تيار إسلامي غير متشددوعقلاني ويشكل جزءا من أدوات الردع والحفاظ على الاستقرار في المنطقة؛ خاصة إذا ما كان البديل المنطقي والواقعي هو القاعدة أو منطق القاعدة المتشدد.
فضلا عن أن المطلب الأمريكي بطرد القيادات الفلسطينية من سوريا ايضا غير مبرر؛ فهؤلاء القادة فضلا عن أنهم يمارسون العمل السياسي ودورهم إعلامي سياسي لا غير، إلا أنهم وعلى التوازي يبقون الفرصة الوحيدة للتفاوض السياسي والتوصل إلى حل .ثم إذا كان لسوريا أن تطرد هؤلاء - حسب التعبير الرسمي الأميركي- فإن مكانهم الطبيعي العودة إلى الأراضي الفلسطينية. فهل تتدخل الولايات المتحدة لضمان عودتهم إلى فلسطين؟
ومن الاتهام بمساندة الإرهاب إلى الاتهام بالتدخل في شئون دولة مجاورة ؛ وحتى الاتهام بإخفاء أسلحة الدمار الشامل التي ـ رددت المخابرات الأمريكية أنها نقلت من العراق إلى سوريا قبل سقوط بغداد ـ نجد أنفسنا في مواجهة نفس المزاعم التي اتخذتها واشنطن مبررا لاحتلالها العراق؛ ورغم ثبوت كذب هذه الادعاءات لم تجد الإدارة الأمريكية ما يمنع من استخدامها مرة أخرى في مواجهة سوريا، مع إضافة حجة أخرى هي نشر الديمقراطية والإصلاح ودعم المجتمع المدني؛ وهي الحجة التي تفتقت عنها الذهنية الأمريكية بعد احتلال العراق بالفعل وانكشاف زيف المبررات السابقة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل يخرق نتنياهو خطوط بوتين الحمراء؟ صواريخ روسيا نحو الشرق


.. شائعة تحرش تشعل أزمة بين سوريين وأتراك | #منصات




.. نتنياهو يبحث عن وهم الانتصار.. احتلال غزة هل يكون الخيار؟ |


.. نقل مستشارة بشار الأسد لونا الشبل إلى المستشفى إثر حادث سير|




.. بعد شهور طويلة من القتال.. إسرائيل أمام مفترق طرق استراتيجي