الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السلطة مفهوم جامد في عالم متغير

حسين عجمية

2006 / 3 / 3
مواضيع وابحاث سياسية


تتفاعل الحياة الإنسانية منذ أمد بعيد مع بنيتين للتعايش التاريخي هما أساس جميع التقلبات والتغيرات الجارية وحافزا هاما لتنشيط الأفعال والأفكار الصادر عن كلا الموقفين موقف السلطة وموقف الشعب التابع لها السائر في ركابها وخلف قيادتها وقد تراكمت حصيلة معرفية توضح المواقف المختلفة للسلطات وعلاقاتها المندرجة تحت عناوين مختلفة ووسائل متباينة في علاقاتها مع الواقع الشعبي . فالسلطة كواقع فوقي له معاييره وقواعده العامة في التعامل مع جميع المستجدات والمتغيرات في البنية الاجتماعية والبنى الأخرى المكملة لها , فلم يعد خافيا على أحد بأن السلطة في تمركزها الإجمالي في جميع المؤسسات الضرورية لقيادة المجتمع مع إدراكها لوعي وجودها القائم على مواجهة جميع المؤامرات التي تحاك ضدها واستخدام الوسائل الكفيلة بسحق المعارضة بوسائل متعددة يكون العنف أحد مظاهرها وما يرافقه من اغتيال وإعدام لكل من يشكل خطرا على وجودها ويمكن أن يكون للعنف وجه أخر غير وجه القتل من خلال العمل على تمزيق المعارضة من الداخل بإثارة الفتن في داخلها لتدمير نفسها بنفسها وتفكيك البنية الفكرية القائمة على أساسها وتبني مبادئها كمبادئ للسلطة ذاتها وكأنها هي من يقود الأهداف الرئيسية للشعب واتخاذ كافة الوسائل الضرورية لمنع ظهور المنظمات والأحزاب السرية وملاحقتها حتى النهاية وشراء بعض رموزها وتهمش دورهم في الحياة السياسية. وتوفير المناخ الملائم لكل جماعة تشكل حزبا أن ينجر مع مواقف السلطة ويرتبط بها واحتكار المعرفة والوسائل الخاصة المخصصة لسلامة السلطة , وتلجأ السلطة إلى وسائل أخرى في احتكار جميع القرارات الهامة والأساسية للشعب لأنها صاحبة الشأن في توجيه مقوماته ونشاطاته المختلفة ومنع المعارضة من المشاركة في القرارات المتخذة وإلغاء نزعة المعارضة للمعارضة فقط .
وتستطيع السلطة الوصول إلى النجاح في تدعيم وجودها بالتضحيات المتعددة تقدمها كإنجازات تخدم الواقع العام للشعب مما يعطيها صفة الثقة والموثوقية تجعلها رائدة في مجال البناء والتشييد وكان الرابطة القائمة بينها وبين الشعب قائمة على المنفعة المشتركة والمسؤولية الوطنية .
وان الاختلاف في الأدوار المتعلقة بجميع المفاصل الأساسية بين السلطة والشعب , فالامتيازات المرافقة لواقع السلطة ليست كافية فينبغي عليها تنفيذ جميع الواجبات لإعطائها صفة الاحترام . فالشعب لن يضر السلطة التي تسخر طاقات الوطن من اجله وتوجه كل طاقاتها العقلية وفنونها السياسية والدبلوماسية لتعزيز دوره في العالم.
فالشعب يفخر بكل من يقوده نحو تعزيز مكانته في كل المجالات ويقوده نحو النصر , انه يقف باحترام أمام جلالة الأبطال .
ويمكن أن تقف القيادة خلف الناطقين باسمها وتركز سيطرتها على نظام الجيش وضمان قدرة توجيهه وقيادته بما يوفر سلامتها واتخاذ كافة الإحتياطات الحذرة من ظهور شخصيات لا تعمل لصالح السلطة , وضمن الأجواء السائدة في واقع الحرص على مقاليد السلطة وسلامتها يتسرب الانتهازيون الراغبون بشق طريقهم بأية كيفية مناسبة وهم غير ميالين إلى الجدية والعناء ولا يعتمدون على الفكر الواعي للوصول إلى المراكز الحساسة وغالباً ما تكون الأساليب المتبعة خسيسة تغذي الروح المريضة في نفسية السلطة ذاتها .
وقد تؤدي ظاهرة الانتهازية إلى إشاعة القلق وعدم الاستقرار في الواقع الاجتماعي , لأن غايتها تحطيم صدق المجتمع وانهيار بنيته القوية في الدفاع عن ذاته وصيانة مكتسباته التاريخية .
إن إشاعة التفكير بالمنافع الآنية والوقتية والاكتفاء بالأغراض التي ترضي هذه الطموحات تجعل العلاقات الاجتماعية والثقافية هزيلة ومتفككة تغذي روح التبعية والانهزام في نفسية الفرد والمجتمع وتفرض جواً من الميوعة والاستهتار بجميع الأفكار الطموحة والمستقبلية . وتعزز إثارة الألقاب والصفات الفخمة على رموز السلطة , وجعلها تعيش نوعاً من التعالي على الشعب وامتلاكها الشعور المغذي للتفرد وجنون العظمة ( كما حدث لهتلر ) وهذا ما يعميها عن التفكير بسلبياتها وعدم إخضاع أفعالها للنقد , فالدعاية والترويج للشخصيات تلهيها عن التفتيش لمواقع القصور في مواقفها ويجعلها معصومة من الأخطاء ويعطي كل الأفكار والأفعال التي تقوم بها صفة الشرعية .
فالوجود المختلف للواقع الإنساني وقدرة الاختلاف في الذات الفردية والطبيعة البشرية لا يمكن أن تفهمها السلطة ,لأن من يغذيها بالمعلومات هو القادر على التآمر عليها بحجب الحقائق عنها ومعرفة جميع متاهاتها ومناطق ضعفها وجميع الوسائل المؤدية إلى إنهاكها وإفنائها والعمل على إنهاء وجودها بإرادتها .
وللوصول إلى غايات السلطة الأساسية سواءً أكانت عظيمة أو وضعية تتبع كافة الوسائل المتاحة مهما كانت للوصول إلى هذه الأهداف وتحقيقها في الواقع دون الأخذ بعين الاعتبار جميع الملابسات والانهيارات الناتجة عن تحقيقها .
إذا كان الموت هو النهاية الطبيعية للإنسان فإنه يكون أسرع لمن يفهم مقاصد وغايات السلطة ويتآمر على سلامتها وخاصة عندما يكون إحدى مكوناتها لأن أهل البيت أدرى بما فيه من نواقص وعيوب . وتعمل السلطة دائماً لتكون القوانين غير واضحة وقابلة للتأويل ولا تفي بالحاجات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية , وتحرص السلطة على وجود ثغرات في القانون وتتجاهل واقع الجمود في القضاء وتجعل منه واقع ينفذ القانون بدون أي اعتبار للنواحي الإنسانية .
وإن إساءة استخدام القضاء وعدم المسؤولية الواضحة تجاه القانون يجعل الفوضى ظاهرة عامة في جميع مفاصل الإدارات المترابطة والمتكاملة لإتمام وظيفة اجتماعية. فظاهرة الخفاء والتستر والتقصير تجعل الإدارة قاصرة وغير قادرة على مواكبة التطور الاجتماعي وغير معبرة عن الحاجات الاجتماعية . ويصبح التحصيل وبناء الثروة من خلف الطاولات سمة من سمات السلطة , فتظهر المراكز الإدارية وكأنها معادية لجميع أفراد الشعب . فالتربية الإدارية ضرورة أساسية من ضرورات الحفاظ على السلطات ومعرفة خطورة المناصب وأهميتها الإدارية ووظيفتها الحيوية أكثر أهمية من كل ذالك وتساعد في مكافحة البطر الناتج عن فورة الجاه.
فالرقابة الإدارية للموظفين عندما تكون فعّالة وتسعى لتوفير موظفين إداريين صالحين لشغل مناصبهم الحكومية بجدارة عندها تستحوذ السلطة على رضاء الشعب ويتعاون معها .
فالظروف الطبيعية لوجود الإنسان تقوده لأن يكون في علاقة احترام وتبادل العطاء , فالظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية حتى الظروف البيئية تجعل الإنسان في حالة تبعية لمقتضياتها الخاصة , والسلطة في طبيعتها يجب أن تخضع لمعايير تحد من عنجهيتها وقدرتها على القمع وأن تكون قادرة على ضبط الواقع العام وليس بتفجيره, وإن الحفاظ على علاقة وطيدة مع الشعب وتفهم مشاكله وحاجاته والعمل لحلها قدر المستطاع يساعد على خلق أمة قوية ومتماسكة قادرة على مواجهة الصعاب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القضية الفلسطينية ليست منسية.. حركات طلابية في أمريكا وفرنسا


.. غزة: إسرائيل توافق على عبور شاحنات المساعدات من معبر إيريز




.. الشرطة الأمريكية تقتحم حرم جامعة كاليفورنيا لفض اعتصام مؤيد


.. الشرطة تقتحم.. وطلبة جامعة كاليفورنيا يرفضون فض الاعتصام الد




.. الملابس الذكية.. ماهي؟ وكيف تنقذ حياتنا؟| #الصباح