الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وفاء الكلاب

نورة العبيدي

2018 / 1 / 14
كتابات ساخرة


فوبيا الكلاب كانت تلازمني منذ طفولتي إلي أن مزق قلبي نباح جرو صغير إحتمي بحاوية للقمامة، يستعطفني و يحاول الخروج وكأنه يطلب مني إحتضانه تناسيت خوفي ما أن إلتصق بي و أختبأ تحت وشاحي .. كنت أعلم مسبقا انه لا مجال لإدخاله لمنزل يؤمن بأن وجود حيوان لطيف هكذا يبعد الملائكة و يجعله مرتعا لشياطين ، جعلت من صندوق عداد الماء الموجود بجانب المنزل بيتا له ، أطعمه و أقوم بتنظيفه و أحاول جاهدة إزالة شوائب الماضي عنه من أوساخ و ندوب لحقت به ، و كنت سعيدة جدا وأنا في طريق العودة من المدرسة أنتظر رؤيته لي من أخر الزقاق لتبدأ مراسمه الخاصة لأستقبالي .. علمني ذاك الصغير درسا في الحب والوفاء و الإعتراف بالجميل وكنت كلما كتبت مذكراتي وأذكره أترك نقاطا مسترسلة بعد طرح سؤال العادة ، الي متي سيذكرني؟ كنت أحزن في تلك اللحظة وأنا أرسم نقطة الإستفهام علي الورق .. لقد كان وفيا لأخر يوم في حياته قبل أن تقتله رصاصة صوبت لجمجمته الصغيرة في إطار حماية الحي من الكلاب السائبة..
خمسة عشر سنة مرت علي كتابة مذكرتي تلك ، لكن الدمع كان نفسه والحزن نفسه وأنا أقرا بنهم هذيان طفلة تسكنني الي الأن .. طفلة تطرح أسئلة في النهاية دائما لتنطلق منها من جديد ، كان السؤال صفعة سمعتها وأحسست أثرها علي وجهي ، هل الكلاب وفية أكثر منا؟
صور و أصوات و مواقف مرت سريعة أمامي و أنا أردد هل الكلاب أوفي منا.. صور دم ، جنائز متتالية ، نشيد وطني في الساحات ، توابيت ألبسوها الأحمر والأبيض، ليل يمر بطيئا جدا تحت وطئة الترهيب و دخان العجلات المطاطية ، الحليب و طماطم علي وجوه المصابين بعبوات الغاز المسيل لدموع ، صورة و صورة و أخري فهدوء.. عودة المنفي و حرية السجين ، كسر الألجمة، العلنية ... فأعتراف بالجميل
الكل يمجد و يشكر و يمدح و يقدس و يثني ، الكل مدينون و ممنونون .. الي متي؟
ضحكت طويلا ضحكت ساخرة متهكمة وانا أقارن سؤال الطفولة بسؤال الحاضر ، كلب مات وفيا وبشر لبسو جبة الإمتنان إضطرارا لا إقتناعا ، أراهم اليوم عراة تماما ، ناكرين، متسلطين، حاقدين، ، بعد أن تمكنوا من الصعود علي ظهورنا و الجلوس فوق رقابنا .. تمردوا علي الليالي التي عشناها نواجه الموت وجها لوجه، تمردوا علي أجساد عانقها التراب قبل الاوان ، تمردوا علي صوت نحيب الأمهات و قهر الأباء، علي أحلام الصعاليك بمستقبل بعيد عن قضبان ، عن الحق في العيش الكريم و الحرية معا ، تمردوا علي تاريخ لولاه لما كانوا اليوم في هذا البلد .. تمرد ناكريوا الجميل و أطلقوا علي من فك أسرهم و غربتهم " شرذمة"
بعد خمسة عشر سنة أجيب علي سؤال الطفولة
حين يصبح البشر بلا وفاء أسيادا ، علي الشرذمة التمسك بوفاء الكلاب لنهاية...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا


.. صباح العربية | الفنان السعودي سعود أحمد يكشف سر حبه للراحل ط




.. فيلم تسجيلي عن مجمع هاير مصر للصناعات الإلكترونية


.. جبهة الخلاص الوطني تصف الانتخابات الرئاسية بالمسرحية في تونس




.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل