الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شخصيات على مسيرتي..وتكوين المثقف الليبرالي

أسامة عرابي
(Osama Shehata Orabi Mahmoud)

2018 / 1 / 15
مواضيع وابحاث سياسية




في جديده "شخصيات على مسيرتي "الصادر عن دار الشروق، للدكتور حازم الببلاوي؛ المفكر الاقتصادي، والفقيه القانوني، والأكاديمي المرموق الذي عمل أستاذًا للاقتصاد في جامعة الإسكندرية وأستاذًا زائرًا في جامعة كاليفورنيا في أميركا وفي جامعة السوربون في فرنسا،وشغل العديد من المناصب المهمة؛رئيسًا لمجلس إدارة البنك المصري لتنمية الصادرات،والأمين التنفيذي للجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا بالأمم المتحدة،ومديرًا للشئون الاقتصادية في البنك الصناعي الكويتي، وفي الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي، وفي صندوق النقد العربي،ووزير المالية انائب رئيس الوزراء الأسبق،ورئيس مجلس الوزراء الأسبق في عهد الرئيس"عدلي منصور"، يقدم لنا كتابًا يجمع بين الترجمة الذاتية، والتأريخ الموضوعي، والتشكيل الفني الجمالي، لـ"مصر الولَّادة"كما يصفها جريًا على المأثور الشعبي،المعطاءة من خلال أبنائها العلماء والمفكرين الذين أثروْا الحياة المصرية في مناحيها كافة، وكانوا بتعبيره "أوفياء يستطيعون دفعها إلى الأمام"، مؤمنًا دون تبسيط ولا اختزال أنه"برغم كل الظروف المناوئة، وهي كثيرة، فإن مصر الولَّادة قادرة دومًا على استرجاع الهمَّة وتحمل المسئولية". وهو ما يدعونا إلى عدم الركون والاكتفاء "بهذه المنحة الإلهية"، بل العمل على"مراجعة نظمنا السياسية والقانونية والاقتصادية "لتجاوز ما يُكبِّل خطواتنا نحو المستقبل المنشود..ذلك أن"وجود أفراد متميزين- وإن كثرت أعدادهم- لن يكفي"؛ فتغيير وجه الحياة في مصر، وصياغة خيارات أو بدائل علمية جِديَّة مرتبطان من وجهة نظر مؤلف"محنة الاقتصاد والاقتصاديين"بوجود "نظم فعَّالة في التعليم والصحة واحترام المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان، وقبول الغير والعمل الجاد وتحمل المسئولية".وبذلك يطالبنا صاحب"في الحرية والمساواة" بإعادة النظر في جوهر البُنى الكفيلة بهيكلة الحياة في مصر، والانطلاق من فكرة رئيسة مُفادها أن الديمقراطية عامل مُحرِّك في تاريخ التقدم الاجتماعي، وتأسيس مجتمع مؤنسن بشكل حقيقي؛ممَّا يَسَّر له أن يلعب دورًا أساسيًّا في عودة"حزب الوفد"إلى الحياة السياسية بعد أن قام بتجميد نشاطه؛احتجاجًا على القيود التي فرضها الرئيس السادات عليه،ناصحًا زعيمه فؤاد سراج الدين ومستشاريه القانونيين بعدم التركيز على الشِّق الإداري؛حتى لا تتعلل وزارة الداخلية بالدواعي الأمنية؛وبذلك لا تُعرض على المحكمة مسألة"وجود أو عدم وجود الحزب"،وإنما قد يقتصر الأمر على مناقشة مدى جدية الاعتبارات الأمنية،وهل هي أسباب مبرَّرة أم لا؟وأن عليه (الحزب) أن ينتظر حتى انتخابات المحليات،ليتقدم بقوائمه،وترفض الداخلية،فيقوم برفع دعوى أمام مجلس الدولة،ويومها يكون لكل حادث حديث،وهو ما كان،وحكمت المحكمة لصالحه. الأمر الذي دفع واضع"عن الديمقراطية الليبرالية:قضايا ومشاكل" إلى تقديم حوارية بينه وبين عدد من الشخصيات السياسية والفكرية التي لمعت في الحياة العامة المصرية خلال النصف الثاني من القرن العشرين، وأتيح له سواء في سنوات الطلب الجامعي،أوبحكم اهتماماته وشواغله السياسية والثقافية، أوالمواقع التي تسنمها على الصعيديْن الإقليمي والدولي، أن يلتقى بها ويعرفها عن كثب من طراز: الكاتب الصحفي محمد حسنين هيكل، وأستاذيْه د.إسماعيل صبري عبد الله ود.سعيد النجار، وزميله وصديقه د.إبراهيم شحاتة، والأساتذة: أحمد بهاء الدين ود.زكي نجيب محمود ود.عبد العظيم أنيس ود.بطرس غالي ود.فؤاد مرسي ومحمد سيد أحمد وأحمد نبيل الهلالي ود.إبراهيم سعد الدين وزوجه د.علية وسواهم، ورفاق بعثته العلمية الباريسية:د.حسام عيسى ود.أحمد جامع ود.عبد الحميد حشيش.وبعضها الآخر شخصيات سياسية في الحكم أو المعارضة مثل:الرئيسيْن السادات ومبارك ود.كمال الجنزوري وفؤاد سراج الدين وإبراهيم فرج ود.مصطفى الفقي..أو مع أفراد عائلته، بما ينطوي عليه هذا كله من إعادة تمثيل للوعي والذات والهوية والشخصية؛ بحثًا عن لغة مثيرة للأسئلة، تنتج المعنى وتصالح الحقيقة:حقيقته الداخلية، وحقيقة العالم الخارجي.ومن ثَمَّ لا يقدِّم لنا د.الببلاوي مادة حكائية مسلية، يتخللها حشو كثير، يَغلب عليه ضمير المتكلِّم بنرجسيته المتعالية، بل يربط الماضي بالحاضر، والإنسان بالعالم، في رؤيته للمستقبل، عبر التحولات النوعية في العلاقات الأساسية للمجتمع، وما مرَّ به من أطوار اقتصادية وسياسية، كما فعل عند تأريخه لجذوره العائلية، وتتبعه حيوات أفرادها، وما أصابهم من نجاحات وانكسارات، من خلال ظروف نشأتهم، وطبيعة تعليمهم، وسمات تكوينهم الاجتماعي في إطار سياقه التاريخي، ومشاركتهم في الحياة العامة"لضمان استقرار الثروة في أيدي أبنائها"، كعائلة عَمْرٍ التي ارتبطت بخريطة الملكية والحيازة الزراعية وهيكلها؛ فكانت "من أكبر ملَّاك الأراضي الزراعية في مصر"،من خلال بيع الأراضي للدائرة السنيَّة وعرفت مسارًا مغايرًا لنشأة الإقطاع الأوربي في العصور الوسطى؛ لأن تاريخ الملكية الزراعية في مصر المعاصرة من وجهة نظر كاتب "نظرات في الواقع الاقتصادي المعاصر""جِدّ حديث.والعائلات المصرية القح لم تعرف الملكية الزراعية الكبيرة إلّا خلال فترة قصيرة نسبيًّا ربما لم تتجاوز الخمسين عامًا، حتى جاء عبد الناصر في منتصف الخمسينيات (1952)، وحدَّد الملكية الزراعية فيما عُرف بالإصلاح الزراعي".غير أن واضع كتاب"التغيير من أجل الاستقرار"يبادر في تقديم كتابه إلى القول:"هذه الأوراق ليست سيرة ذاتية، ولا هي مذكرات شخصية، بقدر ما هي محاولة لتسجيل انطباعات عامة عن بعض "الشخصيات العامة"التي صادفتها في حياتي".وبذلك يلفت صاحب"دليل الرجل العادي إلى التغيير الاقتصادي"نظرنا إلى أنها تأملات يتقاطع فيها الأدب مع علم الاجتماع السياسي والتاريخ والسياسة والاقتصاد؛ من أجل تحديدٍ شاملٍ لطبيعة إنتاجهم العلمي، ومواقفهم الوطنية، وتحقيبٍ حقيقيٍّ لمجريات الحياة والزمن في تنوعهما وتعددهما، بالضد من الوحدة التي هي عماد التوتاليتارية.لهذا جاء الحرف الخافض "على"في عنوان كتابه"شخصيات على مسيرتي"اسمًا وفعلًا وحرفًا؛فتقول:شخصيات عَلَتْ مسيرتي،وعلى مسيرتي شخصيات،بالإضافة إلى كونها حرفَ جرّ في العنوان،وقد تُوضع"على"هنا موضع"مِنْ"كقوله تعالى:"إذا اكتالوا على الناس يستوفون"،أي من الناس،فتقول:"شخصيات من مسيرتي".وفي الحقيقة،جمع د.حازم الببلاوي في تكوينه العلمي بين دراسة الاقتصاد والقانون والرياضيات وفلسفة العلوم،وعشق الفلسفة والفن والأدب والتاريخ وعلم الأديان المقارن وتاريخ العلوم؛مما أتاح له رأسمالًا علميًّا أغنى،يسَّر له اكتشاف بنية العلاقات التي تُشكِّل المجال العام،وشروط إنتاجه وإعادة إنتاجه،وإذكاء روح النقد التي تُعينه على الاقتراب من الواقع الموضوعي وفضاءاته الاجتماعية،والوعي بالآليات المتحكمة في خلق الفيتيشية وأشكالها،ولاسيما ما يدعوه"ريمون آرون"ب"الدين القديم"،أي عبادة الدولة باستبداديتها،وقيامها بإضفاء المشروعية على نظام اجتماعي ينهض في جزء منه على توزيع لامتكافئ للرأسمال الثقافي.وقد اغتنم د.الببلاوي فرصة وجوده في الكويت؛حيث عمل في"الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي"،فالتحق بكلية العلوم طالبًا مستمعًا في مادة الرياضة لمدة ثلاث سنوات،أدرك من خلالها "أن أهمَّ ما يُميِّز الإنسان أنه عرف مفهوم الرموز،واستخدمها- بكفاءة- للسيطرة على البيئة المحيطة به"،مُضيفًا:"أن ظهور الرياضة انتقل بالإنسان إلى مرحلة أرقى من الرمزية في تحديد العلاقات بين الكَميَّات المختلفة،وضبط هذه العلاقات في أشكال من المعادلات الرياضيَّة".ومن ثَمَّ قاده هذا الفهم إلى اكتشاف نوع جديد من الرموز الاقتصادية،خاصة مع ظهور الأصول المالية والنقود بوصفها"وسيطًا في التبادل"و"مخزنًا للثروة"و"مقياسًا للقيم"،بل عَدَّ القانون نفسه تعاملًا مع الرموز،مُوضحًا أنه"إذا كان القانون يتعامل مع الحقوق،فإن الحقَّ لا يعدو أن يكون مجازًا أو رمزًا قانونيًّا". لذا قَرَّ في روع د.الببلاوي أن اتساع آفاق العلم وتشابكها يدعوانه إلى الإلمام بلغة العلم؛لامتلاك القدرة على التعامل معه.ألم يقلْ لنا الفيلسوف وعالم الرياضة اليوناني القديم"فيثاغورث":إن العالم عدد ونغم؟ألا تُقدِّم نظرية الكم (أوفيزياء الكم أو ميكانيك الكم) معادلة رياضية تعرفنا بوساطتها على عالمي الذرة والنواة بدقة مدهشة؟ألم يكتب فلاسفة كبار فلسفاتهم بلغة المعادلات الرياضية،كما فعل:جيل دولوز وجاك دريدا وفيلكس جواتاري ولوس إريغاري وجاك لاكان وبرونو لاتور وجان- فرانسوا ليوتار وميشيل سير وجوليا كريستيفا وسواهم؟وعلى هذا النحو؛فهم د.الببلاوي العالم كسيرورة معقدة تخضع للتحوّل والتغيرالمستمريْن،وليس محض وصفة جاهزة.لهذا نهلَ من أساتذة كُثر تباينت مشاربهم الفكرية،ومذاهبهم الإيديولوجية،ومنابتهم السياسية من طراز:د.إسماعيل صبري عبد الله ود.سعيد النجار(اللذيْن تركا بالذات تأثيرًا كبيرًا في تكوينه الاقتصادي على حد قوله) ود.مصطفى كامل(أستاذ القانون الدستوري)ود.لبيب شقير ود.رفعت المحجوب ود.صوفي أبو طالب والشيخ علي الخفيف(أستاذ الشريعة)والشيخ محمد أبو زهرة،مُفيدًا من ثقافات عدة،وخبرات شتى،مُتحرِّرًا من التحيز المقيت والرؤية الضيقة ،حتى إنه وهو الليبرالي القح لم يجدْ حرجًا في تلبية طلب أستاذه د.لبيب شقير وزير التخطيط في العمل بمكتبه في الوزارة،وإلقاء محاضرات في"المعهد الاشتراكي"الذي كان يضمّ "كبار كهنة الفكر الاشتراكي مثل د.إبراهيم سعد الدين رئيس المعهد ود.فوزي منصور وغيرهما"وفق تعبيره.لكنه أوجد لنفسه مَخرجًا من خلال اختيار"قضية فنيَّة بعيدة عن الانتماءات المذهبيَّة هي "ميكنة الزراعة"التي كانت في الأصل فصلًا من أطروحته للدكتوراه،محتفظًا طوال الوقت بعلاقات ممتازة مع زملائه الأساتذة في المعهد؛مُسوِّغًا ذلك بأن"الفارق بيني وبينهم،هو أنني- مثل ماركس- عندما قال عن نفسه:إنني لستُ ماركسيًّا،مؤمنًا(د.الببلاوي) بأن"الفكر البشري يتغير ويتطور ويفاجئ العقل نفسه؛فالعقل ليس قوالب ثابتة ولا منظومة تخضع لأجرومية معروفة مُسبقًا،مؤكدًا أن "المستقبل ليس كتابًا مفتوحًا؛لأن مجرد العلم بشكل التطور كفيل بعدم تحقيقه أو تغييره،فالتاريخ أمكر مما نتصور".وهنا يجري د.الببلاوي مجرى نظرائه الليبراليين في تفسير العالم في كُليَّته من خلال الفكر،وهو ما ينطوي على شيء من المثالية أو من الميتافيزيقا التي تُنكر أن الفكرة تكون أفعل وأقوى بقدر ما تعكس الموقف الموضوعي في لحظة معينة،وبقدر ما تنسجم مع الإمكانات الموضوعية لهذه اللحظة،أو بعبارة أخرى،يلعب العنصر الذاتي دورًا حاسمًا بقدر ما يعكس العنصر الموضوعي بطريقة صحيحة.وكما يبالغ د.الببلاوي في دور الأفكار بمعزل عن تطور الحياة المادية للمجتمع بما يخلق مهامَّ جديدة أمامه،يُغالي أيضًا في دور التطور التكنولوجي في حل التناقض بين الشرق والغرب؛بدعوى أن إدارة المشروعات سواء في الولايات المتحدة أو في الاتحاد السوفيتي السابق تتقارب في أنها تعتمد بشكل أكبر على"المديرين"التكنوقراط،وأن عصر الإدارة الحديثة يكاد يُجاوز الخلافات المذهبية،على نحو ما فصَّل القول فيه في كتابه"المجتمع التكنولوجي الحديث"،وهو ما دعا د.عبد العظيم أنيس إلى انتقاده بشدَّة في مجلة"الكاتب"كما يسرد د.حازم الببلاوي..لكن د.الببلاوي هنا يقترب من مدرسة علم الاجتماع الأميركي التي يتزعمها"ف.ف.روستو"و"دانيال بيل"و"ريمون آرون"التي ترى العولمة تجسيدًا لعملية الانتقال من المجتمع الصناعي إلى المجتمع المعلوماتي،من دون الإشارة إلى تطور أدوات الإنتاج وقواه،وجدل العلاقة بينهما؛بحيث تغدوالرأسمالية والاشتراكية محضَ شكليْن من أشكال المجتمع الصناعي،ليس أكثر.ومن ثَمَّ يترتب على استبعاد العلاقات الاجتماعية المختلفة من هذه الرؤية،إرجاع تاريخ البشرية والمجتمعات إلى الاطراد القانوني في تقدم التكنيك والمعرفة العلمية الطبيعية. وبذلك أتى حديث د.الببلاوي عن شخصيات مسيرته من عمق إيمانه بقوة الحياة الفكرية،وبدرب الآلام المُفضي إلى المعرفة،ومن ممالك الروح البرزخية،وهي تحمل رسالة"أوديسيوس"الرحَّالة الجوَّاب من العالم السفلي،واعيًا بمحيطه الخارجي بوصفه عملًا فنيًّا،ومغامرة إنسانية مفعمة بإرادة الحرية.وبذلك يستطيع أن يرى في هيكل وأحمد بهاء الدين وإسماعيل صبري عبد الله وإبراهيم شحاتة وسعيد النجار- على اختلاف توجهاتهم- تدويرًا لقضايا الثورة والحداثة والحرية، ما بين الماضي والحاضر في علاقتهما بالمستقبل، عبر الأسئلة التي يثيرها الواقع.لذا لم ينظر إلى محمد حسنين هيكل بحسبانه"صحفيًّا متميزًا ورائدًا في ميدانه فحسب"، بل بوصفه"شاهدًا مشاركًا في أحداث تركت آثارًا عميقة في المجتمع المصري والعربي"؛ ومن ثَمَّ فإن الحملة على التراث الناصري"ساعدت على اكتشاف جانب جديد في هيكل؛ هيكل المؤلف والباحث في التاريخ الحديث"، ولكنه في مهنته صاحب قضية يريد إثبات صحتها،.بينما كان أحمد بهاء الدين فارس الأسلوب "السهل الممتنع"بلا منازع،"يُبدي ملاحظات تبدو بسيطة،ولكنها عميقة وفي الصميم".إنه لاشك أقرب الكُتَّاب إلى روح"الفنان والأديب"في نفاذه إلى"الجوهر"،قادر دومًا على"رسم لوحة حية عن الواقع"،مؤمن"بحقيقة القومية العربية وضرورتها".أمَّا القانوني والأكاديمي د.إبراهيم شحاتة فقد عُنيَ في سِفره الفريد"وصيتي لبلادي"عبر أجزائه الأربعة بطرح: الخيارات المتاحة لمصر، وإعادة تنظيم جهاز الدولة، والتحكم في الزيادة السكانية، وضرورة القضاء على الأمية، ورفع مستوى التعليم، وانطلاق القطاع الخاص، والتوسع في الصادرات، وتغيير الدستور، وطرائق تناول ظاهرة الفساد ومعالجتها.في الوقت الذي وعى فيه المفكر البارز د.إسماعيل صبري عبد الله"بحسه الماركسي، ضرورة إدارة الوقائع من منظورها التاريخي"، وحيوية "التنمية القومية على المستوى العربي، وأن الاقتصاد أكبر بكثير من الكميات الاقتصادية التي يتحدث عنها الاقتصاديون؛ من استثمار وادخار، أو سياسة نقدية أو مالية عامة أو واردات وصادرات"، واضعًا نصب عينيْه دومًا"مستقبل الأجيال إن لم يكن مستقبل الكوكب الذي نعيش فيه، من خلال اهتمامه الدائم بالبيئة؛ بوصفها حديثًا عن حقوق الأجيال المستقبلة".بينما أوقف د.سعيد النجار حياته على الدفاع"عن الفكر الليبرالي في الديمقراطية واقتصاد السوق، وأن يسبح ضد التيار". لذا وجد"في النصف الثاني من الثمانينيات، وحيث كانت الحرب الباردة تعيش أيامها الأخيرة، والحكم الشمولي يُعلن إفلاسه في مختلف دول العالم"، وجد داعيًا إلى تأسيس"جمعية النداء الجديد"لإعادة إحياء الفكر الليبرالي في مصر، ونفض الغبار عليه، ومحاولة تجديده للتعايش مع روح العصر".ويؤكد د.الببلاوي أن د.النجار "أصيب في السنوات الأخيرة بعد أحداث 11سبتمبر بخيبة أمل شديدة، بل أكاد أقول بصدمة نفسية عميقة لما رآه من تطور في السياسة الأمريكية تجاه العرب والمسلمين".وبدت له الولايات المتحدة"وجهًا آخر من التسلط والهيمنة، وأحيانًا من الكذب والتضليل".كما لم يكن"أقلَّ همًّا بما يراه على الساحة العربية..وعاش مخلصًا لمبادئ الحرية والإخاء والتسامح ودولة القانون، ولم يتخلَّ لحظة عن مبادئه".وبذلك يقدِّم لنا د.الببلاوي الوعي في حالة حركة، من خلال تجربته الخاصة عن العالم، أي انتقاله من الحلم إلى الحياة، ومن الوجود إلى واجب الوجود؛ بما يكشف مستويات الواقع وآليات إدراكه.غير أن د.الببلاوي وهو يُنقّل الخطو بين شخصياته وأبطال سرده الأدبي الممتع، يُضيء جوانب عديدة لغناها من خلال اهتماماتها باللغة العربية والشعر،وإيمانها بتكامل الفنون وتآزرها؛بما يُثري منظوره إليها، ويُزيح النقاب عن عمق ثقافته الذي يَدين به لبَعْثته العلمية التي أُوفد إليها في فرنسا وإنجلترا، وتعرُّضه للثقافة الأوربية التي شكَّلت بتعبيركاتب"الاقتصاد العربي في عصر العولمة""مولدًا جديدًا، وصدمة ثقافية"،أتاحت له أن يُعاصر ثورة الطلبة في عام 1968،ويعايش أجواءها،ويكتب عنها كُتيبًا رائعًا بعنوان"مجتمع الاستهلاك أو ثورة الطلبة في فرنسا"،نُشر في ملحق مجلة"الأهرام الاقتصادي"،وكان من أوائل ما كُتب عن هذه الظاهرة وعن مجتمع الاستهلاك،وعَدَّه من أقرب ما كتبه إلى قلبه،وحَدَتْ به ثقافته الموسوعية إلى أن يطلب كتابًا في"تاريخ الفن"، بدلًا من كتاب في الاقتصاد بحكم الدراسة والتخصص، عندما سأله مدير البعثات الجديد في فرنسا حينها؛ د.فتحي سرور، عن نوع هديته التي يود تقديمها له؛ تقديرًا لتفوقه وتميُّز أطروحته للدكتوراه،كما مكَّنته ثقافته هذه من أن يُمضيَ وقتًا طويلًا مع الأستاذ محمد سيد أحمد في مناقشة"مسائل نظرية معقدة"،منتقلًا في أثنائها"إلى مجالات تطور العلوم في الرياضة والفيزياء،وتعامل القانون والاقتصاد مع الرموز".وبذلك يكشف لنا كتاب"شخصيات على مسيرتي"عن منحى أصيل في تكوين المثقف الليبرالي،وفي بُنى حياته العقلية والأخلاقية والروحية وقيمه الجمالية،عبر مجموعة من الخيارات التي يتحقق فيها التوازن بين الفرد والجماعة،بين الأهداف الاقتصادية والتطلعات الروحية،بين استقلالية الفرد والحاجة إلى الارتباط بالجماعة،من خلال دولة الحق والقانون والديمقراطية أساسًا للحرية والمساواة والتماسك الاجتماعي.وهو ماعبَّر عنه بوضوح في غير موضع وكتاب،مثل"تقرير الاتجاهات الاقتصادية والإستراتيجية"الصادر عن جريدة الأهرام عام 2010،وكتابه"النظام الرأسمالي ومستقبله"الذي نشره إبَّان ثورة الخامس والعشرين من يناير عام 2011،مدافعًا عن الديمقراطية واقتصاد السوق معًا،مُضيفًا أن للدولة دورًا أساسيًّا يتمثل في ضمان تنافسية الأسواق ومنع كل صور الاحتكار،فضلًا عن تقديم ما بات يُطلق عليه"السلع العامة"،أي التعليم والصحة والبنية الأساسية والأمن وما شاكَلَ ذلك،وكذلك دورها في توفير السلع ذات الوفرات الخارجية أو الأضرار الخارجية externalities.لهذا حرص من فور توليه مسئولية وزارة المالية في 21من يولية عام 2011في حكومة د.عصام شرف،على التأكيد على موقفها الذي يؤمن ب"اقتصاد السوق،وتوفير الضمانات الكافية للمستثمرين مع احترام مبدأ سيادة القانون"؛مُعلِّلًا ذلك"بحاجة المرحلة إلى التعايش مع الأوضاع العالمية التي تتسم بغلبة اقتصاد السوق،وأنه من الصعب على دولة صغيرة أن تقف وحدها ضد التيار العالمي".ولعل ذلك كان وراء مطالبته الدكتورة نجلاء الأهواني مستشار رئيس الوزراء للشئون الاقتصادية حين هاتفته وهو بعدُ في واشنطن؛لإفادته بصدور حكم من مجلس الدولة بإبطال عقود بيع بعض الشركات التي تمت خصخصتها والتصرف في العديد من أصولها لمشترين جدد،مطالبته لها باستنفاد كل مراحل التقاضي،وأن تقوم الحكومة بالطعن على الحكم أمام المحكمة الإدارية العليا،على نحو ما جاء في كتابه"أربعة أشهر في قفص الحكومة".وهو ما دفع القوى الوطنية الديمقراطية يومها إلى المطالبة بتفعيل القانون وإعادة الشركات التي صدرت لها أحكام إلى الدولة مثل:طنطا للكتان،والمراجل البخارية،والنيل للأقطان.غيرأن د.الببلاوي هنا ينطلق-لا ريب- من مفهوم عن العولمة يرى أن الرأسمالية تصنع البشر والتاريخ معًا،وعلى مقاسها،في ظل هيمنة دول المركز،وسيادة نظام عالمي للتبادل غير المتكافئ. بَيْدَ أن د.حازم الببلاوي في كتابه"شخصيات على مسيرتي" صهر الأحداث المختلفة في بوتقة واحدة خلقت تفاعلًا بين وقائعها؛بما أدى إلى بزوغ فهم جديد لمسارها ومَغازيها،ورسمها بدفق الفكر والقلب، ورعشات الخطوط والظلال، فإذا بها تتبدى لنا في شُكُولٍ وألوان، بما يتعاقب عليها من الأفكار والرؤى،وما يُخالجها من ذكرياتٍ ومطالعاتٍ في دروب الحياة والعلم والسياسة؛فننفتح بذلك على وعي الذات التاريخي والثقافي بالإشكاليات الواقعية لعصرنا ومجتمعنا،باتجاه تعميق الرؤية العقلانية بوصفها أداة تحليل ومنهج تفكير؛من أجل التأسيس العلمي للمستقبل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما مدى أهمية تأثير أصوات أصحاب البشرة السمراء في نتائج الانت


.. سعيد زياد: إسرائيل خلقت نمطا جديدا في علم الحروب والمجازر وا




.. ماذا لو تعادلت الأصوات في المجمع الانتخابي بين دونالد ترمب و


.. الدفاعات الجوية الإسرائيلية تعترض 3 مسيّرات في سماء إيلات جن




.. فوضى عارمة وسيارات مكدسة بعد فيضانات كارثية في منطقة فالنسيا