الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التنمية و الامن و حقوق الانسان ملفات الوطن الدامي تنتظر تشكيل الحكومة

سامي بهنام المالح

2006 / 3 / 3
مواضيع وابحاث سياسية


ليس الارهاب المنفلت وحده، رغم وحشيته و اثاره المروعة، هو ما حول الوطن و حياة المواطن العراقي الى جهنم و فوضى و حرمان و معاناة لا نهاية لها. كلا، فالمشهد العراقي اليومي ليس ملطخا بالدم فحسب، بل وانه يتشكل كذلك من فقدان المستلزمات الاساسية الضرورية لممارسة حياة عادية انسانية بسيطة، كالماء و الكهرباء و المحروقات و الصحة و السكن و التعليم و العمل و اللقمة الكريمة. و المشهد العراقي يتشكل من اليأس و فقدان الثقة بالمستقبل في ظل الفساد المستشري على كل المستويات، و في ظل الفوضى السياسية وغياب المشروع الوطني المسؤول واستمرار الصراع من اجل تقاسم المغانم و السيطرة على السلطة و على الشارع و من خلالها على ثروات البلد البشرية و المادية. والمشهد العراقي يتشكل ايضا من غياب القانون و التجاوز المشين على حرمة المؤسسات التربوية و التعليمية والخدمية الاخرى و على استقلالية مؤسسات المجتمع المدني و على حقوق الناس و كرامتها و اجبارها بشتى الاساليب على الانخراط في صفوف الميلشيات و التشكيلات الحزبية و المشاريع الطائفية.

فالعراق، و منذ سقوط الطاغية و انهيار نظامه العفن، لم يتشكل كدولة مؤسساتية تستوعب و تنظم مصالح و تناقضات كل القوى السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية في المجتمع العراقي، و ان تتمسك بمهمات الدولة المركزية المعاصرة المتمثلة بعملية البناء و التنمية و خدمة المواطن و توفير الامن و الامان و العمل و وضع المواطن الفرد في مركز الاهنمام كغاية و كهدف لا يسمو عليه هدف اخر.

وعلى ما يبدو، فان تجارب ودروس وعبر الطريق الطويل الوعر، الذي بدأ بتشكيل مجلس الحكم و بعده الحكومة المؤقتة، و عملية الانتخابات التشريعية و تشكيل الحكومة الانتقالية، ومعركة اقرار الدستور الدائم و تسمية رئيس الوزراء المقبل للحكومة المنشودة التي ستحكم لاربعة اعوام قادمة، ليست بكافية للاطراف و التحالفات الرئيسية في الملعب السياسي العراقي، كي تتعلم و تفهم بعضها البعض، ولكي تعي تعقيدات تضاريس الواقع الجديد، و كي تساعدها بالتالي في تنظيم اللعبة السياسية و ادارتها بعقلانية و مواجهة المسؤولية التاريخية امام الوطن و المواطن.
يبدو، و من متابعة اداء و طروحات و مواقف اغلب الاطراف السياسية، و في مقدمتها الاحزاب الاسلامية، الشيعية منها و السنية على حد سواء، انها تتصارع و تستثمر الانتخابات من اجل بناء الدولة المركزية الشمولية على شكل حكومة تضع نفسها فوق المؤسسات و السلطات التشريعية و القضائية، و يبغي كل طرف منها، من خلال رسم الخطوط الحمراء بلون الدم العراقي المباح، الى الحصول على المفاصل الاساسية و الاجهزة الهامة التي يعتبرها، بحكم الثقافة الموروثة و الموقف الايديولوجي من الدولة و الحكم، بانها هي القوة و السلطة الحقيقية في هذه الدولة.

يقينا، ان هذه القوى، لم تعي، لحد اليوم على اقل، حقيقة استحالة تحقيق ما تبتغيه في الاوضاع و الشروط و الوقائع القائمة على الارض في العراق المحتل. فنظام صدام حسين الذي يقف اليوم في قفص الاتهام و يواجه العدالة و الذي سيطر على العراق الموحد المقموع المخنوق بالحديد و النار قد انهار و انتهى و الى الابد، و انتهى بذلك واقع مرير و تلاشت مقومات و مستلزمات و ضرورات قيام نظام دكتاتوري بديل مشابه له، مهما اختلفت التسميات و المبررات و التخريجات. فالعراق الموحد المعافي و المزدهر لا يمكن بنائه الا بمشاركة الجميع و لا يمكن قطعا ان يصبح، مرة اخرى، اسيرا بيد دكتاتورية قوة واحدة او طرف واحد فقط.
ان الدولة التي يمكن ان تقود و تبني عراقا موحدا انما عليها ان تكون دولة مؤسسات و دولة قانون و دولة قضاء. دولة تمارس فيها السلطات الثلاثة مسؤولياتها ومهماتها باستقلالية و شفافية بعيدا عن تدخل و ضغوط المليشيات و تسليط الارهاب الفكري. دولة يعي كل من يحصل فيها على شرف تولي المهمات و المسؤوليات، بانه جزء من مشروع بناء الوطن و مؤسسات الدولة و توفير مستلزمات الحياة الكريمة للمواطن، الذي هو وحده هو مصدر السلطة.

ان الخيارات التي امام ممثلي التحالفات الثلاث ـ الاتلاف الشيعي و الكردستاني و التوافق السني ـ بالاضافة الى القائمة العراقية وهي تخوض معركة بناء الحكومة الجديدة، محدودة جدا.
فالخيار المشرف هو خيار الاسراع في الحوار الوطني الديمقراطي المسؤول، و اقرار و تطوير مصالح الجميع المثبتة في الدستور، مع الحفاظ على المصالح الوطنية و الديمقراطية الاساسية المشتركة، و ضمان اشراك كل القوى و المكونات في صياغة و اقرار و تنفيذ برنامج حكومي شامل واقعي واضح و ملموس، برنامج يرسم للعمل على معالجة الملفات الثلاث ـ التنمية والامن وحقوق الانسان ـ الساخنة و المرتبطة ببعضها عضويا. برنامج لاربعة اعوام مصيرية يهدف الى التعايش و العمل المشترك من اجل اخراج البلد من المحنة، و يضع الحلول للازمات الاقتصادية و الاجتماعية الخانقة. برنامج يضع مصلحة المواطن العراقي و حياته اليومية و حقوقه الاساسية و كرامته و امنه، بغض النظر عن انتماءاته كلها, في مقدمة الاولويات.

و اما الخيار الاخر، خيار البحث عن المصالح الطائفية و القومية و الحزبية و العشائرية و غيرها، و التشبث بها وحدها على حساب المساومة و التوافق و المرونة للوصول الى القواسم الوطنية المشتركة، سيكون، بلا ادنى شك، كارثيا على الجميع. لانه في الواقع هو خيار استمرار الارهاب الذي بات ذكيا جدا في اختراقاته للصراعات و التناقضات المستمرة، و انه خيار هدر ثروات الوطن و تدمير اقتصاده و اغراق المواطن في دوامة الحرمان و اليأس والالام و المرارات. انه خيار استمرار المعارك الداخلية و تهيئة الارضية لبروز قوى دكتاتورية فاشية جديدة تحرق الاخضر و اليابس. انه خيار خسارة و انهزام المشروع الوطني و تفتيت العراق الموحد.

ان تولي المسؤوليات و استلام السلطة، و من خلال اصوات الناخبين هي قضية اخلاقية و مسؤولية تاريخية، تضع المسؤولين العراقين اليوم امام مهمات تاريخية ملحة و صعبة و معقدة. تضعهم بالحاح امام اللجوء الى الخيار الاول، خيار التعاون و التفاعل من اجل صياغة برنامج حكومي لانقاذ البلد و بنائه و تطويره. تضعهم امام تعلم و ممارسة ثقافة و تقاليد جديدة، جوهرها، نبذ الدكتاتورية و التسلط واستغلال الموقع و الاستثراء على حساب معاناة الشعب.

في عملية تشكيل الحكومة و صياغة برنامج شامل يستجيب لحاجة الوطن و المواطن، يجب بتقديري أخذ الاسس و الامور التالية بنظر الاعتبار:
اولا ـ توظيف الكفاءات العلمية و التكنوقراط المستقل المجرب و المخلص في ادارة اكبر عدد ممكن من الوزارات و في مقدمتها وزارات الداخلية و الدفاع و المالية و التخطيط.
ثانيا ـ الاعلان عن ميزانية الدولة للشعب، و تحديد الاوليات و الخطط و اوجه استثمار الثروات لتنفيذ المشاريع و تقديم الخدمات و بناء القاعدة المادية لاقتصاد وطني قابل للتطور.
ثالثا ـ تفعيل و تطوير اليات القضاء على الفساد الاداري، و تطوير المؤسسات المسؤولة عن هذا الملف الهام و ربطها بالقضاء و ضمان استقلاليتها.
رابعا ـ الغاء كافة مظاهر التسلح و نزع سلاح المليشيات جميعها دون استثناء.
خامسا ـ التوافق على الية عملية لتنظيم التعاون و التنسيق و المشاركة بين رئاسة الجمهورية و رئاسة الوزراء و رئاسة مجلس النواب عند بلورة وصياغة و اتخاذ القرارات الهامة و المصيرية.

ان الارواح البريئة التي تزهق في كل يوم، وانين الناس جراء استمرار دوامة الالام و الحرمان و المعاناة، تناديكم يا قادة العراق و تدعوكم للعمل و تحمل المسؤولية و الاسراع في الوصول الى ما يمكن ان ينهي مأساة البلد و ان يفتح الابواب على الافاق الرحبة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصدر أمني: ضربة إسرائيلية أصابت مبنى تديره قوات الأمن السوري


.. طائفة -الحريديم- تغلق طريقًا احتجاجًا على قانون التجنيد قرب




.. في اليوم العالمي لحرية الصحافة.. صحفيون من غزة يتحدثون عن تج


.. جائزة -حرية الصحافة- لجميع الفلسطينيين في غزة




.. الجيش الإسرائيلي.. سلسلة تعيينات جديدة على مستوى القيادة