الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العنف اللغوي في الاغنية العراقية

حيدر سالم

2018 / 1 / 16
الادب والفن


العنف اللغوي في الاغنية العراقية !

اللغة مرآة كاشفة ، ما أن نبصر جوانبها الخفية ، وجذورها المتوراثة ؛ حتى نقف إزاء دهشة لا تنقشع .
لم يكن للغتنا الاستغناء عن العنف ، حتى في التعبير عن العواطف ، و نحن أبناء ظروف قاحلة ، متصخرة ، فماذا ننتظر من اللغة الا أن تكون صلدة حتى و إن عبرنا عن حبنا لفرد أو اله ، فنحن دائما نتلاشى " فدوة " أو ندعوا على أنفسنا " يخرب بيتي " إذا ما دق قلبنا لجمال أو تفاعلنا وجدانيا مع حدث معين .
أطالع الاغاني العراقية التي سادت الان ، و أعجب لكمية العنف الذي تحتويه . يهجم شابان و خلفهم عشيرتهم على جمهرة تقابلهم ، و من ثم يصرخون " مخابيل ذوله ويامن اندكوا ؟ " ، نعم كيف لهم ان يصتدموا بهم وهم " خوشية " ، و ان لم ينتهوا من فعلتهم فسيقطعون الشارع بإشارة لا واعية لغياب دور الدولة ، فهم سيأخذون حقهم بيدهم ، و يقطعون الشارع دون خوف من قانون لا يحاسبهم !
العنف اللغوي ليس وليد اليوم ، فقد رافقناه في " الحلوة و المرة " . من أجل حب أو إنتماء ، رافقن تفانينا تاريخنا البشري على إختلاف الحضارات و تداعياتها و إزدهارها ، و كان للغة ان تأخذ هيئتها من الاسقاطات النفسية ، مع أجسادنا الضئيلة في مواجهة طبيعة غير محدودة ، طبيعة عنيفة تغرقنا و تزلزلنا و تحرقنا .
كان العنف اللغوي نتيجة طبيعتنا الإنسانية العنيفة ، فنحن حسب فرويد ما أن نهدم غريزة و نحيلها للنسيان حتى تجتمع و تبني نفسها في تجديد مستمر ، و صراع بين الحياة و التشظي و الهدم ، حتى إن العملية الجنسية هي " فعل عدواني " نريد أن نصل من خلاله الى " الإتحاد " مع الشريك ، و اذا كنا نمارس الجنس فنتبختر حيث يصبح أحدنا " قاتلا جنسيا " فاننا سنخجل من نقصانه لاننا لسنا في مستوى " القاتل " المرحب به ! .
نحن العراقيون الذين " هوسنا " لجلجامش الذي إستباح أعراضنا ، و كنا نتباهى به ، كيف لا و " هو الذي رأى كل شيء " ؛ كنا خير ممثل لهذا العنف ، و ما كنا لنبخل على صدام حسين رغم أنه "ترس" بنا القبور فهتفنا " نعم للسيف و الدلة " .

العقل الجمعي العراقي يحتوي على عنف منقطع النظير ، فنحن الذين " سحلنا " الملوك ، و قطعنا الرؤوس سائرين بها الى الشام ، و فلقنا الهامات ، و من الامثلة ما لا يعد ، و كان لهذا العنف القديم منذ بداياتنا الأولى أن يمد جذوره في اللاشعور الجمعي ، و يخرج من مفرداتنا بصورة تلقائية .

تغني المطربة الساحرة عفيفة سكندر متوعدة حبيبها " الله لو تسمع هلي / شلون بغرامك مبتلي " ، و هذا التهديد المبطن نصادفه في حياتنا اليومية ؛ فنقول للصبي الذي يدخن خلسة ( ابوك يدري بيك ؟ ) ، و هكذا هي تنبه حبيبها من خطر ان يعرفوا أهلها بما سببه من ألم لها ، كيف لا و هم سيفزعون لابنتهم ، هي ذاتها المطربة التي تقول " حركت الروح لمن فاركتهم " . ليس هذا و حسب فمطربتنا الساحرة هي الاخرى ؛ زهور حسين ، تشتكي من الهوى ، و تقدم شكوتها لأهل الهوى نفسهم ، و هي ترتجي أن يعينوها ، تقول " انه عدكم دخيل / من عذاب الخليل " ، و الدخيل هو من يلتجأ عند كبير قوم ، و يطلب نصرته ، و يؤجج حميته العشائرية ، فهو " حماي الدخيل " ، يحميه و يذود عنه .

و نحن نتغنى بالجمال بإسقاطات و حشية ، فنقول لصبية تأسرنا عينيها " يام عيون حراكه / كولي شوكت نتلاكه " ، و لا نعرف كيف نسطير على مازوشيتنا إزاء العيون التي تحرق ، و ذات العيون السوداء هذه يقال لها " خدج الكيمر انه اتريك منه " ، هكذا نحن نتلذذ بأكل الاخر و أكله لنا ، فلأجل " غيده " يسعتد المرء أن يسكن " البيده " جنبكم الله عطش البيداء ، و يصير أحدكم يطوي " الدرب ورماله " . و للحزن الجنوبي النصيب الاكبر في التلذذ ، و المغالاة في تعذيب النفس ، فتقول المرأة الجنوبية و هي تدير رحاها " ما تنسمع رحاي بس ايدي اتدير / اطحن بقايا الروح موش اطحن شعير " .

و مع الادلجة السياسية للأغنية العراقية ، و زجها كوقود للحروب ، و هي الحطب الأوفر لتغذية النار ، سارع صدام في جمع المطربين و الممثلين كلهم في جمهرة ضخمة ، و حشود تشبه الانتفاضة العشائرية في الفزعات و كأن الاغنية " عركة " و " مصايح " صوب الأعداء " يا كاع اترابج كافوري / عالساتر هلهل شاجوري " ، فتختلط الهلهولة مع أزيز الرصاص و يتلاحم الفرح و العنف ليشكلان كتلة هجينة تربض فوق أيامنا . و نقاوم أحزاننا بطحن أرواحنا ؛ يغني طالب القره غولي مناجيا الليل " حيل اسحن كليبي سحن / و علمني عالهم و الحزن / ما كول انه احاه و أون " ، نعم فيا ويل أحدكم أن قال آه ، لانه " زلمة " و لا يحق له هذا .

و مع غياب دور الدولة بعد 2003 ، تجلت النعرة العشائرية في الاغنية العراقية ، و نجدها في ابهى صراخها مع ( نور الزين ) ، فيصارخ أحدهم " انه الطك و انه الحك و اشهك موت من اهشك و ينه الكاره الدنيا اخلصه اليوم من شرها " ، و لا نفاجئ اذا ما تغنى احد بأنه " داكوك " ، و الدكه هي أن يذهب أناس " لينخلوا " بيت آخرين بالرصاص لخلاف ما ، و نصرخ " يلاوينه ؟ جا وينه ؟ " تحت ايقاع الهوسة ، و رقصة الهوسة هي موضوع لوحدها ؛ نضرب أقدامنا في الارض ، حيث يتطاير التراب ، بحركة تشبه ما يقوم به الفرس من ضرب الارض بحوافره ، و هوس الرجل أي جنونه أو خفة عقله .

يجب أن ننبؤ العالم بأننا " مخابيل " و عليه أن يتجنبنا ، فنحن" ويا الجبل جتف بجتف " و نسحب " بالضلوع أقسام " ؛ و لهذا عليك أن تحذر أيها العالم !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم #رفعت_عيني_للسما مش الهدف منه فيلم هو تحقيق لحلم? إحساس


.. الفيلم ده وصل أهم رسالة في الدنيا? رأي منى الشاذلي لأبطال في




.. في عيدها الـ 90 .. قصة أول يوم في تاريخ الإذاعة المصرية ب


.. أم ماجدة زغروطتها رنت في الاستوديو?? أهالي أبطال فيلم #رفعت_




.. هي دي ناس الصعيد ???? تحية كبيرة خاصة من منى الشاذلي لصناع ف