الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مسارات مشاريع القوانين التنظيمية للأمازيغية: التشخيص والبدائل

الحسين أيت باحسين

2018 / 1 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


التنويه:
بداية أشكر شبيبة التجمع الوطني للأحرار- محلية تيزنيت، و منظمة المرأة التجمعية لتيزنيت، لهذا اللقاء التواصلي من أجل التحسيس بأهمية تفعيل القوانين التنظيمية المتعلقة بقضية لا تقل أهمية من القضية الوطنية (القضية الترابية) والقضية الدينية وقضية المرأة وقضية الشباب؛ بالنسبة للورش السياسي والتشريعي والحقوقي الذي دشنته الدولة منذ بداية الألفية الثالثة وكرسته في مقتضيات دستور 2011؛ خاصة وأن تنظيم هذا اللقاء التواصلي قد استهدف جيل المستقبل، الذي يشكل جزءا من شبيبات هيئاتنا ومنظماتنا المغربية، والذي سيعتمده بلدنا، مستقبلا، لمواجهة مختلف تحديات العولمة ويضمن استقلاليته ويحافظ على هويته؛ وأنتم، كشبيبة حزب التجمع الوطني للأحرار جزء من هذا الجيل المعول عليه لتحقيق هذه المهمة الحضارية لبلدنا.
كما ننوه، معكم، بمبادرة النائب البرلماني؛ الأستاذ عبد الله غازي المنتمي لحزبكم؛ المتعلقة بالتذكير بمطالبة الحركة الأمازيغية منذ سنوات بالاعتراف الرسمي بالسنة الأمازيغية عيدا وطنيا ويوم عطلة مؤدى عنها لكل المغاربة.
وأتمنى للجميع، بمناسبة حلول السنة الأمازيغية الجديدة، 2968، الموافقة ل 1439 هجرية و2018 ميلادية؛ سنة سعيدة، وتنزيلا عادلا ومنصفا للقوانين التنظيمية الخاصة بتفعيل ترسيم الأمازيغية لغة وثقافة وهوية وحضارة.

أولا: مسارات مشاريع القوانين التنظيمية للأمازيغية: التشخيص:

1- مطلب ترسيم الأمازيغية بين ترافع المجتمع المدني واستجابة الدولة :
بعد أن قدمت "الحكومة السابقة/الحالية" مشروعي القانونين التنظيميين اللذين ينص عليهما الفصل الخامس من دستور 2011 بالبرلمان والخاصين بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وبإحداث المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية؛ في آخر يوم من ولاية الحكومة السابقة وقبل الانتخابات التشريعية الجديدة بيوم واحد؛ ينتظر البدء في مناقشتهما في إطار "لجنة التعليم والثقافة والاتصال" في البرلمان، مناقشة عامة ثم مناقشة تفصيلية قبل إدخال تعديلات اللجنة لتتم المصادقة على تلك التعديلات في البرلمان قبل أن يحال المشروعان على مجلس المستشارين.
لكن تجدر الإشارة إلى أنه خلال 50 سنة؛ أي منذ تأسيس أول جمعية (الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي في 10 نونبر 1967) تطالب الحركة الأمازيغية بالاعتراف الرسمي للأمازيغية وبالخصوص منذ إصدار "ميثاق أكادير" في 5 غشت 1991 بأكادير؛ كما راسلت مختلف مؤسسات الدولة، وأصدرت بيانات، وعقدت ندوات، ونظمت لقاءات، وأيام دراسية مع الأحزاب السياسية، والفرق البرلمانية، وهيئات ومنظمات وجمعيات المجتمع المدني، من أجل ترسيم الأمازيغية لغة وثقافة وهوية وحضارة.
أما بعد ترسيم الأمازيغية في دستور 2011، ترسيما مشروطا بقوانين تنظيمية، فقد ثم إصدار بيانات في شأن تفعيل القوانين التنظيمية الخاصة بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وإحداث المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية؛ واقتُرِحت مذكرات ومقترحات قوانين تنظيمية حول الطابع الرسمي للأمازيغية وإحداث المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية، تم توجيهها لرئيس الحكومة ولكل الأحزاب السياسية والقطاعات الحكومية والمؤسسات الوطنية والفرق البرلمانية؛ وعقد ندوات حول هذه القوانين التنظيمية؛ كما تمت المشاركة في تنظيم أيام دراسية مع قطاعات حكومية ومؤسسات وطنية وفرق برلمانية.
هذا في ما يخص ترافع المجتمع المدني، وأما في ما يتعلق باستجابة الدولة لمطالب الحركة الأمازيغية فتتمثل بدايتها في خطاب 20 غشت 1994؛ حيث تمت الدعوة إلى إدماج "اللهجات البربرية" (كما سماها الخطاب آنذاك) في التعليم وفي الإعلام، دعوة لم يتحقق منها إلا تخصيص بعض الدقائق لكل تنوع من التنوعات اللهجية؛ أما بالنسبة لإدماج الأمازيغية في التعليم، فمنذ 1994 إلى حدود 1999 فقد تعالت أصوات مقاومة الإدماج المعبر عنه ولم يؤخذ بعين الاعتبار مطلب دسترة الأمازيغية أثناء مراجعة الدستور سنة 1996 تمهيدا لحكومة التناوب، ولم يعتبر ميثاق التربية والتكوين (الكتاب الأبيض) لسنة 1999 الأمازيغية إلا أداة لتعلم اللغة العربية؛ كما أنه اعتبرها، في أحسن الأحوال، لغة مدرسة وليس لغة تدريس.
إلا أن الدولة؛ منذ خطاب العرش في 30 يوليوز 2001؛ ستُحدث طفرة في طبيعة الاستجابة لمطلب الحركة الأمازيغية، منذ خطاب أجدير وإحداث المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية بتاريخ 17 أكتوبر 2001، وبصفة خاصة في خطاب 9 مارس 2011، وفي ترسيم الأمازيغية في دستور فاتح يوليوز 2011. وتحققت مجموعة من المكتسبات خاصة منذ 2003 حين تم إدماج الأمازيغية في التعليم وفي الإعلام، وتم ترسيم "أبجدية تيفيناغ" كحرف لكتابة الأمازيغية، وإحداث قناة تلفزية خاصة بالأمازيغية (القناة الثامنة تامازيغت المغربية). وتوالت الخطابات الملكية، بمناسبة افتتاح جلسات الدورات الخريفية للبرلمان، حول ضرورة تنزيل القوانين التنظيمية الخاصة بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وإحداث المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية والتعجيل بتفعيلها ضمن القوانين التنظيمية الخمس الأولى، وصدرت مذكرات من قبل مكونات الحركة الأمازيغية، ومن طرف المؤسسات الرسمية المعنية بالتعليم والإعلام والثقافة، وكذا من المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، تتضمن مقترحاتها.
ومنذ سنة 2003، حيث تم إدماج الأمازيغية في التعليم وفي الإعلام إلى فاتح يوليوز 2011 حيث تم ترسيم الأمازيغية في الدستور، يمكن الفصل بين ثلاثة مراحل:
- الأولى تمتد من 2001 إلى 2007 حيث تحققت المكتسبات المشار إليها أعلاه؛
- والثانية تمتد من 2007 إلى 2011 حيث تمت تراجعات كثيرة وتعالت بعض الأصوات المعزولة التي تدعو إلى التراجع عن بعض المكتسبات وتشكك في مدى صلاحية بعضها الآخر.
- أما مرحلة ما بعد ترسيم الأمازيغية في دستور فاتح يوليوز 2011 إلى الآن فتتسم، من جهة، بتصريحات حكومية متلكئة ومتنصلة من واجبها الدستوري، مع إيداع مشروع القانون التنظيمي في آخر يوم من الولاية الحكومية السابقة (يوم الخميس 6 أكتوبر 2016)، أي يوما قبل إجراء انتخابات يوم الجمعة 7 أكتوبر 2016 التشريعية؛ ومن جهة أخرى بإصدار بيانات ومذكرات ومقترحات تخص القانونين التنظيميين الواردين في الفصل الخامس من الدستور، وتنظيم أيام دراسية مع الأحزاب السياسية ومع بعض الفرق البرلمانية التي استجابت لمطلب الحركة الأمازيغية التي التأمت معها الحركة النسائية والحقوقية.

2- تنزيل القوانين التنظيمية الخاصة بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وإحداث المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية ومؤسسات الدولة الثلاث الرئيسية:
بالنسبة للمؤسسة الملكية: يمكن العودة إلى تصريح السيد عبد اللطيف المنوني المستشار الملكي وريس لجنة مراجعة الدستور، بمناسبة الاحتفال بالذكرى الأولى؛ (حفل أقيم في المكتبة الوطنية للملكة المغربية بالرباط، والذي حضره مسؤولون حكوميون وممثلين عن المجتمع المدني وعن هيئات سياسية وفاعلين أكاديميين)؛ لترسيم الأمازيغية في الدستور، التصريح الذي مفاده أن المؤسسة الملكية قد قامت بواجبها، وعلى المؤسسات الأخرى أن تقوم بواجبها.
وبالنسبة للمؤسسة التنفيدية: التصريح، من جهة، بكون الملف يتجاوزها (أي يتجاوز صلاحياتها)، وفي نفس الوقت خلق بريد إلكتروني كوسيلة لإشراك المجتمع المدني في إعداد مشروع القانون التنظيمي الخاص بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية ووضعها في البرلمان في آخر يوم من ولايتها، أثار كثيرا من ردود الفعل من قبل الحركة الأمازيغية التي اعتبرت موقف الحكومة تنصلا عن واجبها الدستوري في تنزيل القوانين التنظيمية، في الوقت المناسب، تنزيلا عادلا ومنصفا.
أما بالنسبة للمؤسسة التشريعية: فنظرا لأهمية عمل ودور لجنة التعليم والثقافة والاتصال بالبرلمان، حتى مقارنة مع المناقشة في الجلسة العمومية، حيث تتم المصادقة أثناءها على مشاريع القوانين؛ فإننا لا نبخس المسؤولية التاريخية للجنة في مناقشة وتعديل تلك المشاريع؛ وذلك بالأخذ بعين الاعتبار آراء ومقترحات الخبراء وكذا مكونات المجتمع المدني المعنية بالقضية. علما أننا نعيش سياقا سياسيا وثقافيا عرف تراجعات كثيرة تجاه القضية الأمازيغية لغة وثقافة وتعليما وحتى إعلاما.

3- تفعيل ترسيم الأمازيغية بين التمييز الإيجابي وبين التمييز ضد كل ما هو أمازيغي:
في الوقت الذي نتمنى أن تستفيد الأمازيغية المرسمة في دستور 2011 من التمييز الإيجابي، نظرا لما عانت منه من إقصاء وتهميش وتبخيس لعقود، نتيجة عدة عوامل يعرفها المهتم وغير المهتم بشؤونها؛ يظل الاستمرار في التماطل في المصادقة على القوانين التنظيمية الخاصة بها، طابعا رسميا ومجلسا للغات والثقافة المغربية، عنوانا للاستمرار في التمييز السلبي، أي التمييز ضد كل ما هو أمازيغي؛ ويكرس هذا التمييز السلبي ما عرفته الأمازيغية من تراجعات حتى على ما تحقق لها من مكتسبات منذ خطاب أجدير وإحداث المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، والمصادقة على اختيار حرف تيفيناغ لكتابة الأمازيغية من طرف أعلى سلطة في البلاد؛ كما بدأت تتبخر أحلام المبادئ الأربعة الخاصة بتعليم وتدريس الأمازيغية: التوحيد ومبدأ التعميم (الأفقي والعمودي) والإلزامية واعتماد حرفها تيفناغ لكتابتها.
وعلينا أن نستحضر، أيضا، ما تحذر منه اليونيسكو، كل حين، من ازدياد معدل تسارع انقراض لغات بشكل كبير، بسبب العولمة وغيرها من أسباب الهيمنة، حيث تهيمن اللغات القوية اقتصاديًا على اللغات الأخرى؛ واسمحوا لي أن أذكركم بما عانت منه الأمازيغية عبر تاريخها، منذ تواجدها مع لغات كتابة سادت ثم انقرضت، مثل اللغة المصرية القديمة والفينيقية والسريانية والعبرية القديمة الويونانية القديمة واللاتينية وغيرها؛ إنها (أي الأمازيغية) عانت في هذا المضمار، من شيئين إثنين لا ثالث لهما، وهما: الكتابة والمأسسة؛ اللهم إذا استثنينا "كتابات" و"مأسسات" جد محلية في فترات قصيرة من فترات تاريخها العريق؛ فحتى الممالك الأمازيغية في العصور القديمة؛ ولا الإمبراطوريات الأمازيغية في العصور الوسطى؛ التي سادت في ربوع شمال إفريقيا وكانت مستقلة سياسيا ومؤسساتيا وإداريا؛ لم تبادر بمأسستها (أي بجعل الأمازيغية لغة تدبير مؤسساتهم). وأنتم تعلمون أن لغة مّا لا تعتبر لغة المؤسسات إلا إذا كانت، في نفس الوقت، يُتَحدثُ بها ويُكْتَبُ بها ويُقْرَأ بها (أي لغة التواصل والتدبير، ولغة الكتابة والإبداع، ولغة القراءة والذاكرة الجماعية)؛ وإن فقدت أحد هذه المرتكزات الثلاث (أو الأتافي الثلاث) فإن مصيرها إلى الزوال، عاجلا أو آجلا.
إن المقصود بالكتابة ليس هو "مجرد مسألة الرسم / الكتابة بالحروف" (simple question de tran-script-ion)، فالمقصود بالكتابة هنا، هو ترقية الأمازيغية بإخراجها من الشفوية إلى حقل الكتابة والقراءة، قصد تدوين الرصيد الثقافي الهائل في مختلف المجالات؛ ذلك الرصيد الذي تمت الإشارات إليه من طرف ابن خلدون، وفي ما كتب عنه في لغات أخرى، والذي يضيع مع مرور الزمان بسبب طابعه الشفوي، والذي يشكل الذاكرة الجماعية لذلك الرصيد الثقافي الهائل غير المحرف، ولا حتى المنسوب ل "مجهول"، كما هو الشأن لعديد من الكتب التاريخية التي نسبت لمجهولين لكونها لجأت إلى هذا الأسلوب حتى تتمكن من إنصاف الأمازيغ والتاريخ الأمازيغي؛ كما شكلت ذاكرة العيش المشترك للناطقين بالأمازيغية مع من توافد عليهم من أقوام أخرى أو بمن احتك بهم الأمازيغ من شعوب ذات لغات وثقافات أخرى، عبر تاريخهم العريق.
أما المقصود ب "المأسسة"، هنا، فهو أن تكون الأمازيغية لغة المؤسسات (أي لغة تتكفل المؤسسات بها لتدبير شؤونها)، خاصة بعد الاعتراف الرسمي بها، منذ الخطابات الملكية ل 20 غشت 1994، وخطاب 30 يوليوز 2001، وخطاب 17 أكتوبر 2001، وخطاب 09 مارس 2011، وفي مجموعة من الخطابات الملكية في افتتاحيات الدورات البرلمانية الخريفية بعد ترسيم الأمازيغية في دستور 2011، قصد إدراجها في إطار مشروع الديناميات المواطنة التي تسعى لتعزيز التعدد اللغوي والتنوع الثقافي في السياسات العمومية بالمغرب، تفعيلا لمضامين دستور 2011؛ واستجابة لمقتضيات المواثيق الدولية لحقوق الإنسان التي صادق عليها المغرب، ولتوصيات اليونسكو، ولتوجهات المجتمع المدني تجاه الحقوق اللغوية والثقافية؛ تلك الحقوق التي ما انفكت الحركة الأمازيغية تترافع من أجل تجسيدها على أرض الواقع منذ خمسة عقود (بالمناسبة لقد تم الاحتفاء، هذه السنة، بالذكرى الخمسينية لتأسيس أول جمعية أمازيغية (الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي) نصت في قانونها الأساسي، ضمن ما نصت عليه، على الارتقاء بالأمازيغية من وضعها الشفوي إلى وضعها الكتابي وإنقادها من الانقراض، وذلك ما بين 1967-2017)؛ ذلك الترافع الذي كان القصد منه مأسسة هوية مبنية (لا معطاة)، عمادها العيش المشترك، المبني على السلم الاجتماعي والأمن الثقافي، والتنمية المستدامة، وضمان شروط العيش المشترك الكريم لأجيالنا المستقبلية؛ مع تحصين الناشئة بقيم المؤسسات المدسترة والمبنية على الديناميات المواطنة المشار إليها سابقا.

ثانيا: مسارات مشاريع القوانين التنظيمية للأمازيغية: البدائل:

1- حول مبادئ تفعيل ترسيم الأمازيغية:
إن "تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية" ليس "قضية تقنية"، بل هو مسألة "إرادة سياسية حقيقة" بامتياز، ومقاربة قانونية منصفة وعادلة. إذ على "الإرادة السياسية الحقيقية"؛ (علما أن الإرادة السياسية ليست هي "النوايا الحسنة")؛ أن تطرح العلاقة بين اللغتين الرسميتين: العربية والأمازيغية، طرحا يستند إلى مجموعة من المبادئ، من بينها مبدأ المساواة بين اللغتين الرسميتين، ومبدأ التشارك، الذي هو في نفس الوقت، مبدأ وآلية من آليات تفعيل الفكر الديمقراطي والديموقراطية التشاركية، عوض الاكتفاء فقط بالديموقراطية التمثيلية؛ ومبدأ الشمولية الذي يوفر للغتين الرسميتين التعايش التام دون أي نشاز من أي نوع كان، مع تفادي السياجات الدوغمائية، وحتى الديماغوجية أحيانا، كما هو الشأن بالنسبة لانبعاث أصوات من جديد تشوش على عملية التفعيل المنصف للقوانين التنظيمية للأمازيغية (بن عبد القدر، المقرئ أبو زيد، رشيد الإدريسي، ...)، وغيرهم من الخصوم العقائديين لواقع التعدد اللغوي والتنوع الثقافي الذي يتميز به بلدنا ومجتمعنا عامة، وللأمازيغية خاصة. وهذه النظرة الشمولية تقتضي إعادة النظر في الترسانة القانونية المغربية بكاملها قصد جعلها تتلاءم مع الطابع الرسمي للغة الأمازيغية. وبذلك يمكن إصدار وتفعيل قانون تنظيمي يضمن للأمازيغية الحماية المطلوبة وكذا النهوض الشامل بها على كافة المستويات والأصعدة حتى تتمكن من القيام بوظائفها، بوضعها لغة رسمية للدولة، والإسهام في تحقيق التقدم المدني والسياسي والاقتصادي والاجتماعي والبيئي. ولن يتم التمكن، أيضا، من ذلك إلا باعتماد آليات من شأنها بلورة الطابع الرسمي للغة الأمازيغية بلورة منصفة وعادلة، أي بالشرعية القانونية للأمازيغية (قوانين تنظيمية ومراسيم وقوانين عادية منصفة وعادلة؛ احترام مقتضيات الدستور كأسمى قانون للبلاد؛ الالتزام بمقتضيات العهود والمواثيق الدولية التي وقع عليها المغرب)، وضمان التعدد اللغوي والتنوع الثقافي، دون إهمال التعابير الجهوية؛ مع توفير شروط البحث العلمي والأكاديمي الضرورية للإدماج المؤسساتي، وبالدعم التقني ل "المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية"، من خلال مؤسسة "المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية"، لمختلف المؤسسات والهيئات والسلطات العمومية المعنية بتنفيذ أحكام القانون التنظيمي الخاص بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية. كما على السلطات الوزارية، والجماعات الترابية، والمؤسسات العمومية، والهيئات الدستورية؛ كل حسب اختصاصاتها الدستورية؛ تقديم توصيات ومقترحات، ووضع مخططات عمل تتضمن كيفيات ومراحل إدماج اللغة الأمازيغية بكيفية تدريجية في الميادين التي تخصها، دون خرق للمقتضيات الدستورية.

2- ضرورة المواءمة بين القوانين التنظيمية لتفعيل ترسيم الأمازيغية مع باقي القوانين التنظيمية التي تمت المصادقة عليها مع المساواة بين اللغتين الرسميتين:
على سبيل المثال، يلاحظ أن مسودة مشروع القانون التنظيمي الخاص بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، لم توضع، انطلاقاً من مبدأ المساواة بين اللغتين الرسميتين، حيث جاءت خالية من القرارات الدقيقة والحاسمة التي تسمح بوضوح الرؤية عند التفعيل داخل دواليب الدولة، كما أنها تُحيل على مؤسسات أخرى في قضايا تخص التوجهات الكبرى التي من المفروض أن يحددها القانون التنظيمي بوضوح، وذلك باعتباره المرجع الذي تم انتظاره من طرف الجميع لهذه الغاية، كما ينص على ذلك الدستور. فالإحالة على "المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية"، أو "المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي" في التوجهات الكبرى المتعلقة بسياسة الأمازيغية، هو أمر مُنافٍ للدستور، وقد يؤدي إلى عرقلة تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية عوض تسريع وثيرته، وذلك بتحديد مراحل التفعيل وكيفياته وأسسه وتوجهاته في هذا القانون، ذلك أن الأُوْلَى هو أن يسترشد المجلسان بالتوجهات العامة التي يحددها القانون التنظيمي المتعلق بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، الذي يَرْسُم آفاق وآليات حماية الأمازيغية والنهوض بها.
إن تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية مؤسساتيا هو، في نفس الوقت، قضية الدولة وقضية المجتمع؛ كما أنه، في نفس الوقت أيضا، قضية رؤية مستقبلية، وقضية صون لما تحقق من مكتسبات طيلة عقد ونصف من الزمن بعد الاعتراف الرسمي بالأمازيغية لغة وثقافة وهوية وحضارة في بداية الألفية الثالثة وبعد ترسيمها في دستور 2011.
على سبيل المثال أيضا، لا الحصر، يمكن الإشارة إلى الجهود الجبارة التي بذلتها الدولة من أجل إدماج الأمازيغية في التعليم وفي الإعلام العمومي، وما أنجزه "المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية" طيلة عقد ونصف من الزمن من أبحاث ودراسات علمية وأكاديمية، وما أصدره من كتب في مختلف مجالات العلوم الإنسانية ومن دعائم بيداغوجية وديداكتيكية، وما قام به من تكوينات بيداغوجية وديداكتيكية في مجالات التربية والتعليم، وما قام به من إبرام لعدة اتفاقيات شراكة مع مؤسسات وطنية وأجنبية؛ الشراكات التي ساهمت في تحقيق العديد من المكاسب والمنجزات في سبيل النهوض بالأمازيغية؛ استجابة وتنفيذا لما جاء في الخطاب الملكي السامي لأجدير 2001، وفي الخطاب الملكي لتاسع مارس 2011 وفي ديباجة دستور 2011 وفي الفصل الخامس منه. مما مكن المغرب من احتلال مكانة متميزة على الصعيدين الجهوي والدولي، كمرجعية في سياسة تدبير شأن إدماج الأمازيغية مؤسساتيا. الشيء الذي سيساهم بقوة في تعزيز شعور الانتماء إلى هوية ثقافية ووطنية جماعية، ويكرس التماسك الثقافي والاجتماعي بين كافة مكونات المجتمع المغربي، ويوفر الآليات التواصلية التي تتيح الانفتاح على مختلف الحساسيات والفعاليات المجتمعية، وبالتالي الانخراط في الدينامية التي يعرفها المجتمع المغربي في اتجاهه نحو ترسيخ قيم الحداثة والانفتاح على الغير، مع العمل على ضمان السلم الاجتماعي والأمن الثقافي والتنمية المستدامة لأجيالنا المستقبلية.

3- الالتزام بالمقاربة التشاركية التي أكد عليها الدستور
لكن؛ ولكل قضية لكِنَّها؛ هذا الحلم لن يتحقق إلا إذا كان حلما جماعيا ، ما دام دور المجتمع المدني (من خلال حقه في "المقاربة التشاركية" التي نص عليها الدستور)، وبالمناسبة ل"المبادرة المدنية من أجل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية" مقترح نوعي في هذا المجال وقد عرضته على المجتمع المدني والسياسي والمؤسسة التشريعية (البرلمان بغرفتيه)؛ من خلال دورها ومسؤوليتها عن "المقاربة التشريعية المنصفة والعادلة" للقضية الأمازيغية؛ لم يساهما بعد بدورهما في تحقيق هذا الحلم المؤسساتي للقضية الأمازيغية التي لا تقل أهمية من القضية الوطنية والقضية الدينية وقضية المرأة وقضية الشباب.

ثالثا: أية مقاربة تُنتظر من لجنة التعليم والثقافة والاتصال؟
عوض أن أستعرض عليكم مختلف أدبيات الحركة الأمازيغية بصدد موضوع لقائنا، سأقتصر على مجموعة من المباديء التي نتمنى أن تأخذ بها اللجنة الموقرة في مناقشاتها للمشروع الحكومي (إننا نضيف للمقاربة الترافعية كقوة اقتراحية، مقاربة مبدئية من أجل إنصاف الأمازيغية لغة وثقافة وهوية وحضارة كملك لكل المغاربة بدون استثناء، ومن أجل تملك كل المغاربة للغتيهما الرسميتين وكذا لتعابيرهم المتعددة ولثقافتهم المغربية المتنوعة)؛ وذلك من خلال ربط القوانين الوطنية بالقوانين المتعارف عليها دوليا، خاصة المتعلقة منها بجيل الحقوق اللغوية والثقافية والاجتماعية؛ اعتماد مبدأ المقاربة الشمولية، ومبدأ المساواة بين اللغتين الرسميتين العربية والأمازيغية، ومبدأ "العدالة اللغوية" و"الهوية اللغوية"، ومبدأ الحفاظ على المكتسبات، ومبدأ الإنصاف والتمييز الإيجابي كلما اقتضته الضرورة، ومبدأ التوحيد (اعتماد اللغة الأمازيغية المعيار في التعليم)، ومبدأ الإلزامية (إلزامية تعليم الأمازيغية لكل المغاربة بدون استثناء)، ومبدأ التعميم (تعميم تعليم اللغة الأمازيغية أفقيا وعموديا)، ومبدأ اعتماد حرف تيفيناغ لكتابة الأمازيغية، ومبدأ التشاركية التي نص عليها الدستور.

الحسين أيت باحسين
باحث في الثقافة الأمازيغية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مظاهرات الطلاب الأمريكيين ضد الحرب في غزة تلهم الطلاب في فرن


.. -البطل الخارق- غريندايزر في باريس! • فرانس 24 / FRANCE 24




.. بلينكن في الصين.. مهمة صعبة وشائكة • فرانس 24 / FRANCE 24


.. بلينكن يصل إسرائيل الثلاثاء المقبل في زيارة هي السابعة له من




.. مسؤولون مصريون: وفد مصري رفيع المستوى توجه لإسرائيل مع رؤية