الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حرب واحدة وليست أثنتان

عماد حياوي المبارك
(Emad Hayawi)

2018 / 1 / 20
مواضيع وابحاث سياسية


حرب واحدة وليست أثنتان
واهماً من يعتقد أن الحربين العالميتين كانتا طيلة أيامهما وسنينهما معارك متواصلة ودمار وويلات، فقد كانت وفي داخل أوربا نفسها أيام وأشهر وحتى سنوات سلم وأمان وكان الطلبة يتجهون لمدارسهم والكهرباء عامرة والمياه تتدفق نقية صافية لأبعد القرى، وكانت نهضة شاملة وفرص عمل وفرتها الحرب بالأنخراط بالتصنيع العسكري وإعادة بناء وصيانة ماتدمره القنابل وسرف الدبابات، وكان الأنتاج يحتاج لهمّة الرجال بالمعامل ووقوف النساء بالمواقع الخلفية كالمستشفيات والمعسكرات لإعداد الملبس والمأكل لأزواجهن وأخوتهن، هذا يعني أن أسلوب الحياة هو الذي تغير عما لو أنها أيام سلم.
وإذا كان هذا حال سنوات الحربين العالميتين، فإن مابينها ما كان زمن هدوء وسلام ولم يكن خالٍ من توترات ونزاعات سياسية وحتى عسكرية، الأمر الذي يمكن أن يجعل الحربين حرباً واحدة طويلة الأمد، كان أبطالها بلا منازع هم الألمان، بدأت في نوفمبر 1914 ولم تنتهِ إلا بسقوط النازية وتوقيع صك الأستسلام في سبتمبر 1945، فالعشرون عاماً بين الحربين (من 1918 لغاية 1939) كانت فترة أحتقان، تخللتها حروب ونزاعات، كالحرب الأهلية الأسبانية التي كانت تجري بداخل القارة الأوربية، وسعي بعض الدول لأستعمار دول بعيدة والوصول لمصادر الطاقة والمواقع الجغرافية الحساسة، ليس هذا فحسب بل كانت الدول الغربية تقتحم دول ضعيفة بدافع الأنتقام مثلما حل بالحبشة التي أنتقم منها الطليان، والحربين اللتان شنتهما اليابان، الدولة الصناعية القوية، على شرق الصين بمنطقة منشوريا بتحدٍ للروس وفي جنوبها قبالة المستعمرة البريطانية هونك كونك بدافع الغيرة وأستعراض العضلات.
بعد توقف الحرب العالمية الأولى عملياً ظلت الأوضاع متفجرة بسبب مقررات مؤتمر فرساي 1919 للدول المنتصرة (أنكلترا وفرنسا وأميركا)، لأن ما فرض على الألمان كان قد مزق وحدتهم الإقليمية والبشرية والأقتصادية وسلب مستعمراتهم وأشعرهم بالإهانة، وأفرز أيضاً شعوراً بخيبة الأمل لدى الدول المتضررة بالحرب كفرنسا وتجاهل طموحاتها الأستعمارية. وهنا يمكن أعتبار السلام خلال العشرينات والثلاثينات هشاً لأن جميع الدول ما كانت راضية والحرب الأقتصادية والسياسية كانت قائمة بينها فعلياً. كانت الدول التي سميت بالديمقراطية (أمريكا وأنكلترا وفرنسا) ومستعمراتها تحتكر ثلاث أرباع التجارة العالمية وهو الأمر الذي أدى لحفيظة دول متقدمة صناعياً كاليابان وألمانيا وأيطاليا فنشأ عداء أيدلوجي وقامت أنظمة دكتاتورية فيها، وكان على الدول الأخرى الأختيار إما بالترغيب أو بالترهيب لتكون حليفة لأحد الطرفين.
لقد فشلت عصبة الأمم المتحدة حال نشأتها ليس بألزام الدول على نزع سلاحها فحسب، بل وعدم كبح جماحها في تحديث وتطوير وأنتاج أسلحة تميزت وحسمت معارك الحرب العالمية الأولى كالطائرات والدبابات والغواصات، فسميت الثلاثينات بفترة التسابق التسليحي. وما أن تندد العصبة ببلد حتى يخرج من المنظمة دون رادع بل بالعكس يصبح دون رقيب، أما العقوبات التي فرضتها العصبة على أيطاليا بعد غزوها الحبشة فقد دفعتها للأبتعاد عن الدول الديمقراطية والتخندق مع ألمانيا التي ساعدتها بكسر الحصار الأوربي فمثلت لأقتصادها طوق نجاة فتحول نظامها بالنتيجة لدكتاتوري على يد موسوليني. أما أمريكا البعيدة فكانت غالباً ما تقف متفرجاً على الأنظمة التي تتحول من ديمقراطية لدكتاتورية. الفرنسيون كانوا منقسمون من الداخل بين يمين متشدد متعاطف مع أيطاليا ضد القطيعة الأقتصادية ويسار مؤيد للأتحاد السوفيتي، فأشعرها بالعجز وعدم الوحدة في مواجهة ألمانيا التي تعاضمت قدراتها العسكرية. أما الاسبان فأنقسامهم كان بين ديمقراطيون فازوا بالانتخابات ومحافظون مدعومون من المانيا قادوا أنقلاباً ضد الشرعية أدى لنشوب حرب أهلية دامت ثلاث سنوات، لم يتدخل أحداً لفضه خوفاً من سخط الألمان.
وأضافة لتجاهل وتحدي المنظمة الدولية، كانت سمة نهاية الثلاثينات تشكيل المحاور، كحلف المحور الذي جمع برلين بروما (هتلر ـ موسوليني)، تسبب هذا المحور بمشاكل لألمانيا وكاد أن يسحب رجلها لحروب ثانوية بجنوب القارة حينما تورط الطليان في اليونان، لكن سرعان ما تنبه الألمان لذلك، لقد كان موسوليني يحلم بأستعادة أمجاد الأمبراطورية الرومانية فأقدم عام 1940 على محاولة غزو مصر من ليبيا للسيطرة على قناة السويس ليضرب مصالح الأنكليز بأفريقيا ويتحكم بمصادر البترول، هذه الطموحات المريبة دفعت الأنكليز للمحافظة على التفوق بالبحر فأشتروا كافة الغواصات والمدمرات الأمريكية القديمة. أما اليابان فقد كان لخشيتها من التمدد الشيوعي على حدود الصين، فريستها السهلة، أن تميل لهذا المحور، عينها على مستعمرات هولندا وفرنسا في الشرق.
لقد كان شعور هتلر بآيدلوجية التفوق العرقي الألماني والقوة المنفردة جعله يطالب بإعادة أراضي منطقة السار الغنية بالفحم التي ضمت لفرنسا، كما لوح لوزير دفاع فرنسا برشوة مقابل تنازل الأخير عن مستعمرات فرنسية، الأمر الذي جعل الفرنسيون يتيقنون لما يضمره هتلر لهم فراحوا يبنون السواتر والخطوط الدفاعية طول الحدود بينهما وعلى غرب نهر الراين وعلى الحدود الرخوة بينهم وبين بلجيكا. بنفس الوقت فقد نظر الألمان بأرتياح تجاه النمسا التي تمسكت بلغتها الألمانية فضموها لاحقاً دون قتال. أما العداء الألماني لبولونيا فقد كان له أكثر من سبب، منحها أطلالة على بحر البلطيق على حساب أراضٍ ألمانية وتواجد جالية ألمانية مهملة ونفوذ متزايد لليهود الذي كان يتهمهم هتلر بلعب دور خبيث بسياسات بلدانهم ضد الألمان، كلها أمور جعلت العلاقة بينهما غير ودية بالمرّة.
كان لمؤتمر ميونخ 1938 الأثر بقيادة الألمان لفترة حرجة من تاريخ أوربا بنهاية الثلاثينات ودفعها لأتون حرب، فقد لبى المؤتمر أطماع الألمان بأبتلاع الجيك دون ردة فعل تذكر كون الأخيرة قد ضمت لها أراضٍ سلبت من الأمة الألمانية بحسب مؤتمر فرساي، وتم بالمؤتمر توقيع موسوليني وهتلر على مايسمى (الحلف الفولاذي) الذي مهد للطليان أبتلاع بعض أراضي شبه جزيرة البلقان وكل ألبانيا. كان هتلر شديد الحذر من نمو الأتحاد السوفيتي كقوة عظمى فوقع معهم أتفاقية عدم أعتداء كي يؤمن ظهره في أية حرب محتملة على حدوده الغربية، من بين بنودها أقتسام أراضي بولونيا التي ناصبها هتلر العداء للأسباب التي سبق ذكرها. حين رفضت بولونيا سياسة هتلر ومقررات مؤتمر ميونخ معولة على أسناد الدول الديمقراطية لها، خاب ظنها وصارت لقمة سائغة أبتلعها هتلر وفتح باباً لجبهة شرقية فضرب بذلك أتفاقيته مع الروس عرض الحائط. وهنا خرجت فرنسا وأنكلترا عن صمتهما ونددتا بألمانيا لأجتياحها بولونيا وطالبتا الألمان بالأنسحاب وإلا سيعتبران أن الحرب أصبحت قائمة ولا رجعة عنها، هكذا أعتُبرَ أجتياح هتلر لبولونيا في العام 1939 البداية الفعلية للحرب العالمية الثانية.
إن أزمات ماقبل الحرب العالمية الثانية قد مهد فعلياً للحرب وهي فترة لم تخلُ من شحن وتخندق ودسائس وفتن طيلة عشرون عاماً، وهي ما قادت في النهاية لأندلاع معارك فعلية لست سنوات، شهدت أول سنيها أجتياح ألمانيا لنصف القارة، وأستخدمت فيها جميع أنواع الأسلحة وأمتدت نيرانها لتحرق حتى البحار وتصل رحاها لشرق العالم البعيد حيث الأمبراطور الياباني المتغطرس على رأس قوة دوخت العالم ولم يكبح جماحها الأمريكان إلا بتطبيق نظرية الصدمة وإبادة مدن بحالها.
بعد سقوط النازية وأنتحار هتلر، أفاق العالم خريف 1945 على خسارة الألمان وهزيمة الطليان وأنصياع اليابان ودمار أمتد لمعظم البلدان.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تهدد بحرب واسعة في لبنان وحزب الله يصر على مواصلة ال


.. المنطقة الآمنة لنازحي رفح | #غرفة_الأخبار




.. وثيقة تكشف تفاصيل مقتل الناشطة الإيرانية نيكا شكارامي عام 20


.. تقرير إسباني: سحب الدبابة -أبرامز- من المعارك بسبب مخاوف من




.. السعودية تسعى للتوصل لاتفاقيات شراكة أمنية مع الولايات المتح