الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أي عالم سيظل هناك؟

رضا تليلي أياكان
(Ridha Tlili Ayanken)

2018 / 1 / 23
الادب والفن


الظهيرة.١
الرجال يقفون في شكل دائري٬ الرؤوس مغطاة بعمائم بيضاء٬ مسدسات صيد تتدلى على أكتافهم٬ الخيول تصهل وهي تدور على أعقابها٬ النسوة يراقبن المشهد. الحرارة اليوم مرتفعة٬ رياح الشهيلي هبت بقوة البارحة. يقفزرجل بخفة وسط الحلقة٬ يقوم بحركة دائرية رشيقة٬ يتجه نحو البارشمان٬ يمسك الميكروفون بيده: هل بدأت التسجيل٬ تست..تست..تطلق إمرأة ضحكة ناعمة وسط الحاضرين٬ ينظر إليها الرجل٬ يلتقط الرغبة في عينيها البنيتين المرأة: أترك الساحة للفرسان٬ هل ستغني مرة أخرى٬ ياللعار من قال لك أن صوتك جميل..تتعالى همهمة الرجال وضحكاتهم الحذرة.الرجل: مقبولة منك ياإمرأة..لم لا تتركي الحكم لهؤلاء الشابات الجميلات؟ سنرى إن لم يقفز قلبك في كفي..ساخرة تلوح المرأة بيدها٬ أنا أبحث عن رجل شاب ووسيم وليس عجوزا مثلك٬ لايجيد سوى الثرثرة.يرتبك ملتقط الصوت٬ ينظر إلي٬ أشير عليه بمواصلة التسجيل٬ لخضر يدور وسط الحلقة٬ يضع إصبع سبابته في أذنه٬ ثم يخرج صوتا قويا وعذبا يتردد صداه في الفضاء القاحل٬ يتلوى جسده أشبه بشجرة تتكسر وهو يغني: أهديت قلبي لأجمل نساء القبيلة٬ لكنها لم تعتن به جيدا٬ لقد تركته معلقا في خلخالها٬ كما ترون ياأحبتي ٬ أنا لاأزال موجوعا..النساء يطلقن الزغاريد٬ يتنهد الرجال بصوت مسموع..فجأة يرتمي شاب مفتول العضلات وسط الحلقة٬ يطلب بلهجة حادة التوقف عن التسجيل٬ ماهذا الهراء٬ توقفوا عن المغالطة والكذب٬ في كل مرة تأتي الإذاعة وتقوم بتسجيلنا ٬ ولا شيء يبث..نحن لسنا إذاعة٬ نحن لسنا تلفزيون! ماذا ستفعلون بهذ التسجيلات إذا؟ فقط لتسجيلها٬ لتبقى في الذاكرة. هل تريد حقا أن نوقف التسجيل؟لماذا لانرى أصواتنا في التلفزيون؟ لماذا ابتلينا بوطن يرانا زائدين عليه؟
رأيت الناس عطشى
رأيت الوجوه شاحبة
رأيت القسوة في العيون
رأيت الإنتظار
رأيت رجالا ينامون مثخنين بالغضب
رأيت نساء يشربن الأسى
رأيت أطفالا بلا طفولة
رأيت عجائز تغزلن اليأس
رأيت مخبرين ينامون في كل نهج
رأيت شبانا يصعدون جبلا من طين وماء
يبحثون عن وطن يحبهم
رأيت كل هذا٬
وبكيت..

ليلة رطبة.

الهواء ثقيل هذه الليلة٬ والرطوبة مرتفعة في هذه المدينة البحرية المكتظة٬ وصفها صديق بالقول: تبتسم لك وهي لاتتمنى سوى أن تغيب من أمامها٬ الساعة المعلقة في باحة النزل تشير إلى الواحدة ليلا٬ الجميع يغادر النزل إلى الفضاء الخلفي أين وضعت كراسي وطاولات بلاستيكية بيضاء٬ في الجهة اليسرى٬ وضعت ثلاجة كبيرة وآلة حاسبة٬ رجل بشارب كثيف يعد قوارير البيرة٬ أمامه طابور طويل من الشباب ينتظرون بداية بيع السلتيا٬ هناك شاب يجلس فوق العشب٬ إلى جانبه فتاة سمراء٬ يعزف لحنا غير مفهوم٬ و في الحقيقة فلاأحد يهتم لما يفعله باستثنائي أنا وحتى الآن لا أفهم السبب.مضت ساعة٬ بدأ الحديث عن السينما وسيليه الحديث في السياسة وشتم السلطة٬ ثم الرب٬ بعدها هناك وقت للتحسر على الماضي٬ قبل أن يسأل النديم الجالسين بجانبه٬ من شرب من بيرته. الخصومات بلا سبب في غالب الأحيان٬ إنها مسألة تتعلق بالملل٬ لابد من عدو لليوم القادم٬ يردد بائع السلتيا ذو الشارب الكثيف. رجلان يمثلان دور السكارى٬ وهم ليسو كذلك٬نظراتهم مرتبكة ومقززة٬تختلط عليهم الأصوات والوجوه٬ يبدو عليهما التضايق والتقزز٬النادل يجمع قوارير السلتيا الفارغة.
ماذنب العين التي رأت كل شيء٬
ماذنب الأذن التي سمعت كل شيء٬
يردد ذلك على مسامع الرجل ذو الشارب الكثيف٬ في الصباح يطرق باب المدير٬ يرمي في أذنه خلاصة الليل٬ قاعة إستقبال النزل برائحة البيرة والبول٬ رجل ينزل من الأعلى مزمجرا٬ يشتم وزير السياحة٬ سأغلق هذا النزل الماخور٬ لم أنم طيلة الليل بسبب الضجيج والعراك.


صباح صامت

الريح قوى ومهين٬ ثلاثة بحارة٬ يمرون حاملين صنارات فوق أكتافهم٬ متثاقلين يجلسون في المقهى المحاذي٬ سميته المقهى الأزرق بلون الكراسي٬ يحتسون القهوة الفلتر في صمت٬ ويدخنون السجائر المهربة.. أحدهم يحتسي قهوة الفلتر السوداء في جرعة واحدة ويقف: سأغادر٬ إنه أمر لايحتمل..


المساء.٢

قدرنا أن نذهب إلى الأشياء ٬ لاشيء يأتي إلينا. يكرر العجوز لجودان هذه الجملة أكثر من مرة٬ إذا كنت تريد رؤية العالم إبقى هنا٬ حيث يمكنك أن تشاهد مايحدث من بعيد٬ أما إذا كنت ترغب في أن يراك العالم٫فإذهب إلى هناك٬ إلى العاصمة.صحيح أن كل شيء يسير نحو الأسوأ ولكن الأسماء لها رنينها. العاصمة دائما مغرية مثل عاهرة في وسط عشرة رجال مخمورين٬ بين كل عشرة رجال يوجد إبن عاهرة٬ لاتنسء هذا٬ عليك دائما أن تتثبت من الأشياء بنفسك.
هذا ماحدث معي٬ منسي هنا في هذه القرية٬لامعنى لكل هذه الأوسمة٬يسحب وسام كتب عليه معركة الجلاء٬يقول :حين أعطاني بورقيبة هذا الوسام أمر بأن تصرف لي منحة تساوي دينارا كل شهر٬ كان هذا في السبعينات٬ لاشيء من كل هذا حصل٬ أعيش منسيا في منزل مهدد بالسقوط..
إنها قصص منسية٬ من سيرويها؟ أفلام التحررالوطني لم تكن كثيرة٬ وللأسف لم تعطي حق الدماء التي نزفت..الحقيقة توجد دائما في مكان آخر٬ يردد هذه الجملة وهو يمرر سابته على عينه اليسرى. لاشيء يأتي إلينا٬ قدرنا أن نذهب إلى الأشياء٬ كلنا سنموت في النهاية٬ وحدها القصص المنسية لاتموت..هذه القصص المنسية من سيرويها..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمسيات شعرية- الشاعر فتحي النصري


.. فيلم السرب يقترب من حصد 7 ملايين جنيه خلال 3 أيام عرض




.. تقنيات الرواية- العتبات


.. نون النضال | جنان شحادة ودانا الشاعر وسنين أبو زيد | 2024-05




.. علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي