الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الكتابة النسائية بين الذاتية والانفتاح على المحيط وقضاياه رواية -على حافة الجنون- للمبدعة -سلمى محفوض- أنموذَجاً

سعيدة الرغيوي

2018 / 1 / 24
الادب والفن



الكتابة النسائية بين الذاتية والانفتاح على المحيط وقضايــــاه
رواية "على حافــة الجنون" للمبدعة "سلمى محفوض" أنموذَجاً

إعــداد: سعيدة الرغيوي
تمهيـــد:
=======


لن أنأى كثيراً عن الجهة الشرقية بالمغرب لأحط الرّحال في جغرافية وتضاريس رواية "على حافة الجنون" لكاتبتها "سلمى محفوض" .
تستيقظ فينا من حين للآخر رغبة دفينة في التفاعل مع النصوص المُنْكتبة بأقلام وبأصوات نسائية، فماذا عساها تقول الأنثى في دهاليز نصوصها وإبداعاتها؟؟.
إنَّ الكتابة اختيار حر وواعٍ وانخراط في عوالم متباينة ..تسعى من خلالها الذات المُبدعة إلى خلخلة الذات والذوات الأخرى من أجل النبش في تفاصيلها وتناقضاتها،فالمبدع يعمدُ للتنقيب في الذات الإنسانية وفي الوجود مُحاوِلاً الإمساك ببعض الخيوط ، وكثيرا ما يسعى لرتق بعض الفراغات والتصدعات، إذ لا يَألُ جُهدا في تفتيت بعض الرؤى والكشف عن بعض المواقف..إنَّه بشكل أو بآخر يعيد تشكيل العالم انطلاقا من عدة زوايا يَرْتَهِنُ إليها..لذلك هو ما يفتأ يمارس فعل الهدم والبناء وإعادة تشكيل العالم بمختلف تناقضاته وفْقاً لاقتناعاته ومواقفه..إنَّه محكوم بجنون خاص وكأنه مرآة تحاول عكس الواقع وتجلياته لكن من منظور ذات استعلائية تستعلي في الكثير من الأحايين عن واقع الإنسان العادي لتُلامس وتقارب مواضيع شائكة وعميقة ومعقدة ..
وأنت تُطالع الصفحات الأولى للرواية الموسومة بعنوان:"على حافَّة الجنون" تسافر في عوالم السرد المجنح بذات شاعرية حــرون..
إن الكاتبة تتخَفَّى وراء شخوص النص الروائي ..لا تَوَدُّ الانكشاف ولا الكشف عن المتن الحكائي بكل سهولة ويُسْرٍ، تترك للقارئ - المتلقي تلك المهمة العويصة..كما تعلن منذ بداية أسْطرِ الرواية عن إحساس شخصية " مالمي" بالضياع.. التي تحاول التخلص من تيهها وضياعها عن طريق هاجس الكتابة الذي يسكنها، حيث تشارك خواطرها ويومياتها مع شخصية " أفودا "، ..وتعلن منذ البدء عن رفضها وعدم إيمانها بالخطابات الدينية الترهيبية ، وأيضا عدم ثقتها في الحب..إذ تنتصر للمنطق والفكر الفلسفي الحر..


ومن هنا يتضح أن منحى الكتابة لدى الكاتبة قد اتضح منذ بداية الرواية ،إذ تلجأ للبوح والكتابة للتخلص من أوجاع الذات،إن الشخصية الرَّئيسة تسعى للخلاص بتوسل فعل الكتابة،إذ تعلن أنها رغم ميولاتها العلمية " البيطرة " إلا أنها تجد سلوتها في فعل الكتابة ..وكأنها بفعل الكتابة تسعى لتطهير ذاتها و للشفاء بواسطة دواء روحي يكمن في عشقها وكلفها بالكتابة.
فالشخصية الرئيسة في النص الروائي "مالمي" تسرد معاناتها مع الوجه الْمُفحم ، إذْ تُحاولُ جَاهِدَةًّ التحرر من تجاعيد الألم والموت والاحتضار بسبب هذا الوجه الذي لازمها لعدة سنواتٍ..انتكاسات وخيبات مُتتالية في العملِ والْحَيَاةِ والْحُبِّ ..ومحاولة ترميم الذات والخلاص من الوهن والألم والوجعِ بمساعدة صديقتها " ساوي" وصديقها" أفودا".
إنَّ الكاتبة تحاول خلخلة مفاهيم الثقة والحب والْكَشْف عن بشاعة الإنسان وَجَشَعِهِ ومَيْلِهِ نحو التلوث بشتى صُنُوفِه..كما تشتغل على ثنائية العلم والسحر والشعوذة، مُحاوِلَةً بذلك فهم بعض الحقائق وتفسيرها انطلاقا من المرجعية الدينية " القرآن الكريم ".

إنَّ هاته الرواية عموما تصبو لتعرية واقع السِّحْرِ والشعوذة من خلال كتابة الشخصية المحورية في هذا المُنجز الإبداعي لمذاكرتها وخواطرها وتشاركها مع شخصية " أفودا" ، إذ عانت لسنوات طوال كما ألمعنا من الوجه المفحم الذي سكنها وكان سبباً رئيساً في مكابداتها الآلام والمعاناة..كما رصدت الكاتبة ظاهرة الحسد والغيرة التي كانت سببا في التحول الجدري في شخصية "مالمي" من خلال إقدام صديقة لها بوضع شيء ما في فنجان قهوتها خلال حضورها لحفلة جماعية..هذا الفنجان الذي كان الشرارة الأولى لتغير ملامحها وشخصيتها..
تحاول الكاتبة "سلمى محفوض" بدهاء رصد هذه الأمراض المُجتمعية بأسلوبها الأدبي البسيط القائم على السرد الممزوج بالعديد من الأسطر الشعرية في ثنايا سردها للأحداث والوقائع..فهي المبدعة انطلاقا من الحرف الشعري المسكونة بجَرْسه وإيقاعاته ، إذْ لم تتخلص من سيمياءاته وهي تؤثث هذا المُنجز الإبداعي.
وهذا يَنِمُّ عن عشقها للشعر بما هو لغة تخاطب فينا الوجدان والعاطفة..
إنها لاَ تَوَدُّ الكشف عن جنس العمل الإبداعي، تترك للقارئ - المتلقي حرية سبر كنه الكتابة والتجنيس ..وإن وسمَتْ كتابها بـــ: "رواية"
إن الكاتبة "سلمى محفوض" ومن خلال شخصية "مالمي" العاشقة للكتابة تصرخ للكشف عن الأقنعة المريضة التي يرتديها العديد من المرضى في المجتمع .. حيث حاولت النفاذ لدهاليز السِّحروالسَّحرة والمشعوذين وعالم الغيبيات والتدين من خلال شخصيات النص المبدع - روايتها.
إن مسألة التدين بالنسبة لها ليست أمرا هيِّناً ..لذلك لمْ تُسَلِّمْ في البدء بما ورد في القرآن الكريم .. بل توسلت العقل والمنطق للوصول إلى اقتناعاتها الذاتية المتعلقة بالإيمان والإسلام والتوحيد ..وانتصرت أخيرا للعلم والقرآن بعدما اهتدت لحقيقة الناس والمحيط .



استنتاجات عامة :
================


إن الإبداع عُموماً الذي يصنفه البعض في خانة "الإبداع النسائي"..لا يُمْكِننا بأي حالٍ من الأحوال أن نجزم أنَّه كل إبداع تكتبه وتخطه وتُبْدِعُهُ ذات أنثى - امرأة ، وإلاَّ انْخرطْنا في دائرة تمييز العمل الإبداعي على أساس الجنس، فتجنيس العمل المبدع انطلاقاً من كاتبه ومبدعه هو في حدِّ ذاته قتلٌ للإبداع..لذلك ينبغي أن نلغي هذا التوصيف أو التصنيف والتمييز على أساس الجنس ونقارب العمل بحِيادية تامة.
كما ينبغي أن ننظر إليه ونُقَيِّمه ونفتحصه بِمَعْزِلٍ عن الذات المُوجدة لهُ...حتى لا ننخرط دونما وعيٍ منَّا في دائرة التمييز والحكم المسبق على صاحب المُنجز الإبداعي .. وبشكل غير مُباشر نكون قد مارسْنَا نوعا من السلطة على الإبداع وننتصر لإبداعٍ دون آخــر، وفي هذا تبخيس لقيمته الإبداعية.
وأنا أقرأُ للعديد من المبدعات أَجِدُهُنَّ أقدَرعلى التعبير والإيصال، فالكتابة والإبداع الحر ينبغي أن يترفع عن هذا التمييز وعن هذا التصنيف الذي كثيراً ما يكونُ مُجحِفاً لقيمة العمل المبدع.
عند قراءتي للكتاب وجدته أقرب إلى السيرة الذاتية منه إلى الرواية، وأيقنت أنَّ الجنون انتهى باختفاء الوجه المفحم من حياة "مالمي"، التي تخلصت من شبحِ الْماضي، هذا الوجه الذي أصبحت تتحدث عنه دونما خوف ووجلٍ.. لقد استطاعت كسب الرِّهان والانتصار على السِّحر والشَّعوذة لاسيما بعد تعرفها على "جيجي" الأستاذة الجامعية والطالبة الباحثة في علم الطاقة ..التي غيَّرتْ نظرتها للعالم والأشياء وجعلتها تعتبر هذه الأمور مجرد طاقات سلبية يسهل التغلب عليها وطمس معالمها وآثارها من خلال التَّسلح بالإرادة والعلم لكونها كانت تعرف الوجه المفحم جيدا.
إن الرواية تكشف النِّقاب عن بعض الأمراض المستشرية في المجتمع التي في الغالب يلجأ الأفراد الذين يكونون عُرضةً لها للصَّمت والتَّسَتُّر، فلا يُفْصحونَ عنها لكونهم لا يجسرون على مُجابهَةِ جَهْلِ الْمُجتمعِ،أو تصديقاً منهم لبعضِ أوهام وترهات الحياةِ ..
لقد استطاعت الشخصية الرئِيسة في الرواية "مالمي" شق سبيل حياتها من جديد بعد صراعٍ مريرٍ مع الوجه المفحم - قوى الشر ومع ذكرى الحب الذي كانت تعيش على صوره " خنب" ، والذي بدوره يعود لمرحلة اللاوثوق بالذات.
لكل شخصية من شخوص الرواية ذكرى التقت مع ذكريات الشخصية المحورية ..فكان الملاذُ الكتابة بما هي تحرير للذات وانعتاق من أوهام الحياة وشرورها ..
مابين بداية الرواية ونهايتها انمحت ملامح الوجه المفحم وانمحى الجنون الذي كان يهيمن على الشخصية الرئِيسة "مالمي.

خاتمــة:
=======

إنني لم أرم من خلال هاته القراءة السريعة لهذا العمل تفتيت النص المبدع ،إنما كانت قراءتي متواضعة،لم أقف عند العتبات النصية ولاسيما عند عنوان المُنجز الإبداعي" على حافة الجنون" ،لأنه يشرح نفسه بنفسه فالحافة في الغالب تكون بمثابة منزلقٍ خطير وورطة يصعب التخلص منها، فحافة كل شيء : جانبه وفي القاموس الدارج المنحدر الخطير والجانب المُفضي إلى الهاوية، أما " الجنون" : فهو حالة فقدان وزوال العقل والنأي عن جادة الصواب ..فنصبح بصدد الحديث عن الاختلال العقلي .. إن الكاتبة من خلال عتبة العنوان تدعونا للكشف عن أسباب الجنون وهي التي عكستها الرواية من خلال تنامي الأحداث والوقائع فاختزلتها في السحر والشعوذة..لتؤكد أن الخلاص هو الإيمان بلا جدوى مثل هاته الأعمال والممارسات التي تصنف في دائِرةِ الشَّرٍّ..وأن السبيل لتحرير الذوات المسكونة بالسحر والشعوذة والطاقات السلبية هو العلم والمعرفة والانتصار للروحانيات ..
إن الكاتبة "سلمى محفوض" جعلت من موضوع السحر والشعوذة تيمة - موضوعة أساسية في منجزها السردي ..والقارئ لرواية : "على حافة الجنون" سيكتشف أن الكاتبة تستحضر جزئيات من سيرتها في هذا العمل،بيد أنها تلبس الشخوص أسماء بعيدة عن عالمها الواقعي ..وفي روايتها قارنت بين الديانات:" المسيحية، الإسلام، البوذية.." لتنتهي إلى رفض كل الديانات لمثل هاته الممارسات والانتصار للحياة والإنسان والحب ..الحب بما هو أصل المشاكل والصراع ، إذ ورد في ص 225 من الروايــة :
مشكلة الإنسان هي مشكلة الحب،
يطور الصناعات ويخرب الدنيا حبا في الدنيا.
يتحكم في أبنائه ويخنقهم حبا فيهم.
يحبس الحيوانات ويحرمها حبا فيها.
يدمر ما خلق الله ويسفك دمه حبا في الله
يلتجئ للسحر وتدمير ما حصل عليه الآخرون حبا في ما حصل عليه الآخرون.
يؤذي نفسه حبا في نفسه.
الإنسان بطبعه كلما أحب شيئا دمره وخربه.

تبقى رواية "على حافة الجنون" لمؤلفتها "سلمى محفوض" توصيف بلغة السرد لحالة الشخصية المحورية "مالمي" التي عانت كثيرا من الوجه المفحم - الطاقة السلبية، هذا الأخير الذي حوَّل حياتها إلى جحيم لايطاق، والتي لم تستطع التخلص منه إلا بالعلم والكتابة ومساندة أصدقاء يمكن تصنيفهم في دائرة " الطاقات الإيجابية "، إنها تدعو بشكل غير صريح إلى التخلص من كل طاقة سلبية عن طريق التسلح بالعلم والمعرفة وعدم الانخراط في موجة الاستسلام لمثل هاته الممارسات القاتلة للحياة.



الهوامش :
==========

1- حافة الجنون رواية من تأليف" سلمى محفوض" ط1 / 2016 ، مطبوعات الأندلس حي القدس – زنقة الحجارة رقم 14 وجدة.
2- سلمى محفوض كاتبة مغربية من مدينة وجدة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم شقو يضيف مليون جنيه لإيراداته ويصل 57 مليونًا


.. أدونيس: الابداع يوحد البشر والقدماء كانوا أكثر حداثة • فرانس




.. صباح العربية | بينها اللغة العربية.. رواتب خيالية لمتقني هذه


.. أغاني اليوم بموسيقى الزمن الجميل.. -صباح العربية- يلتقي فرقة




.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى