الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وداعا .. ياسمين

محمد دلومي

2006 / 3 / 4
الادب والفن


تقدم مني صديقي بهدوء وهمس في أذني بلطف :
_ لم تعد تسأل عنها ...
_ أسأل على من ..؟
_ ..... ياسمين

ياسمين حكاية حب ولد ميتا ’ او ولد ليموت , لا أعرف لما كلما يتسلل الى مسمعي اسم الياسمين يقشعر بدني وأشعر بالحزن , غصت في ذاكرتي إلى أول لقاء كان بيننا يوم تعرفنا على بعضنا البعض في المعهد بدأ تعارفنا باختلاف وانطلقنا باتفاق واثمر اتفاقنا حب كان رائعا في بدايته جميل بريء مثل الاطفال جميل مثل الربيع وبعدما اثملتنا سكرة الحب قضينا عليه بالانفصال ..
ياسمين كانت جميلة عينيها زرقوين مثل السماء , كانت جميلة لكنها عنيدة .. طيبة لكنها متمردة .. لازل صوتها الملائكي ولهجتها العاصمية ترن في أذني ...
وقطع عني صديقي شريط الذكريات بسؤال جديد كان مثل صفعة أيقضتني من غفوة الذكريات .

_ الا زلت تحبها ..؟
!!_ ..؟ ..؟ ..؟...
وكرر علي السؤال نفسه ..
لم يعد في قلبي المثقل بالطعنات مكان للحب ولا للكره , لم تعد ثمة امرأة تغريني او تستحق حبي ’ كل امرأة ذمية كانت او جميلة تحب من يكذب عليها بمشاعره حتى تحبه ’ والصادقون في مشاعرهم عليهم ان يتحملوا طعنة غدر . كان هذا جوابي له .
ومرة اخرى يسالتي :
_ لكنك لم ترد على جوابي . .. الازلت تحبها ..؟
وهذه المرة كان علي ان ارد على الاقل لأخرج من هذا الموضوع الذي لا اريد الرجوع اليه .
_ صدقني لم اعد احب احدا ولم أعد قادرا على الكره أيضا ربما تبلدت مشاعري او تلاشت فهذا القلب الذي بين ضلوعي أضحى مجرد مضخة لضخ الدم الى العروق هذا دوره في هذه الساعة الى ان اشعار آخر .

غرقنا في صمت اشبه بصمت المقابر واختلطت علي الافكار او ربما حاصرتني جراح الماضي فاستسلمت لخيالي وذكريات بعيدة مضت ليوقضني صديقي هذه المرة على نبأ كان مثل طعنة لم اكن انتظرها ..
_ ياسمين دخلت المستشفى منذ شهر ولم تخرج بعد
كان كل كلامه الاول واسألته تمهيد لما قاله لي الآن .
لا أعرف كيف تحولت المضخة التي بين ضلوعي الى كتله حية تنبض بعنف وراحت ترق وتلين لتملأ المآقي عبرات دافئة .. لم أجد ما أقوله ..
ويكبر الجرح بحجم السماء , يكبر ويتوسع مثل شرخ زلزال يشق الارض نصفين وأنا أسمعه يردف بصوت ثقيل يملأه الحزن .
_ التحاليل أثبتت أنها مصابة بسرطان الدم .

أحاول أن أتمالك وأن اثبت .. لكن الارض تدور وتلف واشعر بثقل في راسي وطنين حاد .. آه يا كبدي اي جرح فيك سينزف ..؟ لما ايتها الدنيا ..؟ آه يا دنيا ما صنعت أنا ..؟ كل هذا كان صراخ الروح في عتمة النفس .. كل هذا كانت احلامي المهدورة المعلقة على مشانق الواقع ..
وقفز الى خيالي طيفها ’ اراها الآن مثلما رايتها أول مرة في براءة الأطفال .. ضحكتها الجميلة وجهها الذي يشبه القمر , ثغرها العذب الذي تطل منه الشمس صافية في ربيع جميل عيونها الزرقاء االتي تطل علي من خلف اهداب كحيلة طويلة تتاملني مثل طفلة وأنا أخط خاطرة او قصة أو شيء من تفهاتي التي كانت تقول عنها جميلة .. يا لأناملها وهي تمسك يدي .. يا للمستها الحانية التي تشق صلابة الصخر فتجعله لينا طريا ’ يا لصوتها العذب الذي يذكرك بصوت الطبيعة في ربيع باسم .. آه يا كبدي اي جراح تحتملي .. ؟ يغدر البشر ويحكم القدر , وبين غدر البشر وحكم القدر قصة عذابي .
جفت الكلمات من حلقي مثل نبع ماء ابتلعه شق أرض على حين غرة , أبتلع بقايا ريقي الذي احسه مرا مثل العلقم .
الكبرياء الزائف ان لم يكن في محله يقتل الحب الصادق , كان فراقنا صنيعة الكبرياء الزائف وفي الحب لا وجود للكبرياء فالحب الصادق يحطمه الكبرياء ويشتته الشك وتقتله الأنانية كان علي ان اذبح الكبرياء في لحظتها , اخطأت وكلنا نخطئ كان علي أن أسامح وأغفر فالحب ان لم نغفر فيه لمن نحب فذاك امضاء لشهادة وفاته , نعم كنت أنانيا وكنت مغفلا لأني قتلتها مرتين يوم خيرت نفسي بين حبها وكرامتي فاخترت كرامتي وكان علي أن اختار من احببت ..
آه يا كبدي اي الجراح احتملتي ..؟
وأستيقض من غفوة الذكريات على جسد هزيل أطل عليه من خلف زجاج الإنعاش أختلس النظر إليه فاراه ممددا تخترقه الأجهزة الصماء ’ ذلك الجسد الاشبه بالياسمين أصبح مثل الهيكل تتردد في ارجاءه رياح الخريف الباردة ’ تلك العيون التي كانت تطل علي منهما الحياة أضحت بلا اهداب غارقتين في مقلتين في ظلال من سواد ,و تلك الوجنتين التي كانتا مثل الورود الحمراء اصبحتا نحيفتين ذابلتين .
زهرة الياسمين البيضاء أضحت مثل هيكل أو مثل الخراب الذي يكاد يهوى على حين غفلة .
هاهو الموت يطوف على رأسك يا ياسمين ولا أحد يمنعه عنك .. وتنحدر دموعي بلا توقف ويحترق القلب ويتقد نارا ,, ليت الايام تعود يوما ليتك تبقين يا ياسمين .. ليتك .. ليتك ..
تمهل أيها القدر .. أنه قلبي .. تمهل أيها الموت واشفق فانها روحي .. تمهل ايها الزمن . انها أنفاسي
تلك العيون التفتت نحوي نظرت الي ورمت الي بسمة ذابلة التقطتها مثل اللاهث خلف السراب .. مثل التائه في صحراء جرداء بسمة فيها كثير من الفرح وحركات شفاه وهمهمات , لم أكن افهم منها شيء , لكني ادركت انها سعيدة بوجودي .. مثل زهرة الياسمين . مضى عليها الربيع وهاهي اليوم على حافة صيف يكاد يقضي نحبه ليسلمها الى خريف قاس لا يرحم لتذبل بعدها الى الابد . كنت أتلمس زجاج الإنعاش بأنامل مرتعشة احاول ان اتسرب خلفه لأغوص في روحها لأنزع من عمري عمرا واعطيه لها .. لأقتسم الحياة معها نصفين .. كانت تلك أماني الخائبين والخاسرين في الحياة .
جذبتني الممرضة من ذراعي بلطف وأخرجتني وراحت عيوننا تتهامس ربما لآخر مرة ورحت أبتعد وبصري معلق بها وبسمتها الذابلة تلحق بي تتبعني مثل طفلة , وترتفع يدها ببطء تودعني وذاك الثغر الجميل يبتسم لي , اهو موتي او موتها ...؟ اهو عمري ام عمرها ..؟
واختفت ياسمين خلف المآزر البيضاء والات الصماء ويعم الصمت على الكائنات .
وداعا ياسمين .. وداعا .

محمد دلومي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أسرة الفنان عباس أبو الحسن تستقبله بالأحضان بعد إخلاء سبيله


.. ندى رياض : صورنا 400 ساعةفى فيلم رفعت عينى للسما والمونتاج ك




.. القبض على الفنان عباس أبو الحسن بعد اصطدام سيارته بسيدتين في


.. تأييد حكم حبس المتسبب في مصرع الفنان أشرف عبد الغفور 3 سنوات




.. عاجل .. إخلاء سبيل الفنان عباس أبو الحسن بكفالة 10 آلاف جنيه