الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
صورة اليهودي في الشعر الفلسطيني المعاصر
عزالدين المناصرة
2018 / 1 / 25الادب والفن
صورة اليهودي في الشعر الفلسطيني المعاصر
• عزالدين المناصرة
يدرس هذا البحث"حالة العداء" بين طرفين وانعكاسها البسيط في الشعر الفلسطيني المعاصر. وحالة العداء هذه متميزة في طابعها، بل هي حالة نادرة في تاريخ العالم، ففي عام 1948، أقيمت "دولة" لم تكن موجودة من قبل، على حساب شعب طرد من أرضه، فنشأت "حالة العداء المتبادلة" لأسباب تاريخية وموضوعية لها ما يبررها... إنها تختلف – في طبيعتها مثلاً – عن صورة الفرنسي في الأدب المغربي، بل وتختلف عن صورة الإنجليزي في الأدب الفلسطيني. ولنقل بوضوح أكثر: لقد أقام الاستعماران البريطاني القديم، والأمريكي الحديث، "دولة إسرائيل" على أرض فلسطين، ركيزة لهما في الشرق العربي، واستخدمت الحركة الصهيونية التي هي أداة التنفيذ، كافة الوسائل لتحقيق ذلك سواء بالوسائل المسلحة أو الإيديولوجية أو حتى بالأوهام الميتافيزيقية المضادة لحركة التاريخ. وقد كان اليهود يعيشون في فلسطين كطائفة، ففي عام 1947، بلغت نسبتهم (سبعة في المائة) من مجموع سكان فلسطين العرب. وهنا لا ندرس منطق العدالة الفلسطينية ولا منطق القوة الصهيونية، بل ندرس "الصورة" كما وردت في الشعر. ونعني بالانعكاس البسيط أننا ندرس المعنى، فلا يحتاج الأمر في هذه الحالة إلى دراسة الانعكاس المعقد في النص الشعري الذي يتطلب دراسة (بنية النص العميقة)، لأن صورة اليهودي تتعلق بخارجية النص أكثر من "البنية العميقة".
- لقد نشأت صورة "اليهودي" في ذهن "الفلسطيني" وتشكلت عبر مراحل تاريخية طويلة، فهي صورة سلبية عموماً، نشأت في التاريخ القديم من روح العنصرية أو عقدة التعالي في كتاب "التوراة". وقد تحددت الصورة الأولى لليهودي كصورة كلاسيكية وأثرت في الوجدان الشعبي العام: إنها صورة "اليهودي التوراتي" بمعناه السلبي، فاليهودي – في التوراة – يُدمر ويحرق وينهب ويقتل ويحب السيطرة بوسائل براجماتية وميكافيلية، وهو يشعر بالتفوق والاصطفاء. كذلك تبرز ضمن الصور القديمة التاريخية لليهودي عقدة المضطهد الأبدي. وهذه الصورة تهدف باستمرار إلى استغلال الجانب العاطفي لدى شعوب العالم تجاه اليهودي (المضطهد!!). وتندمج ضمن هذه الصورة العامة، تفاصيل أخرى. ثم ولدت في عصور متأخرة الصورة الكاريكاتورية لليهودي في أوروبا، نعني بها "الشخصية الشايلوكية"(1) التي قدّمها (وليم شكسبير) كنموذج في مسرحيته (تاجر البندقية)، وقد كانت شائعة في عصر شكسبير ثم نمت بعد ذلك في الآداب الأوروبية، وهذه الصورة الكاريكاتورية ترتبط بالصورة التاريخية الأولى. ثم تشكل "الجيتو اليهودي" في أوروبا تعبيراً عن التميز والشعور بالاضطهاد والتعالي. محاولاً أن يجمع المتناقضات، والجيتو هو أول محاولة – باعتقادي – لتحويل معتقداتهم إلى عنصر من عناصر تتناقض مع (القومية الأصلية)، وخوفاً من انشقاقات الجيتو، أي بروز الجانب السلبي، تم تجميع الجوانب الإيجابية فيه، تلتها عملية تنظيم مقصودة من قبل دعاة الحركة الصهيونية الأوائل، ثم التقطوا اللحظة المناسبة، المتطابقة مع الاستعمار البريطاني، والمتطابقة مع نمو اضطهاد اليهود في أوروبا، والتي بلغت ذروتها في الحرب العالمية الثانية (الهولوكست)، ولكنهم خلقوا أساطير حول عذابهم الأوروبي ليبرروا، لاحقاً التعذيب، والاضطهاد الحقيقي الذي مارسوه ضد الشعب الفلسطيني، واستطاعوا وضع الثقافة الأوربية في موقف الشعور بالذنب تجاه "المنفى اليهودي". وجرّوهم إلى مناقشات ميتافيزيقية تتعلق بأسطورة "أرض الميعاد"، لأن هذا النوع من المناقشات يجلب لهم عطفاً أوروبياً. وهناك لعبت الإيديولوجية الصهيونية المسلحة، دورها التنفيذي في اقتلاع شعب من أرضه التي عاش فيها منذ الإنسان الأول. لقد أثبتت الحفريات المتعلقة بحضارة الأوغاريت الكنعانية أن كتاب التوراة مثلاً بلغته العاطفية – وبصورته الراهنة – قد تأثر بالأدب الكنعاني الفلسطيني، كما يقول الناقد الروسي الشهير (ياكوبسون، 1919). وأن "التوراة" جاءت بعد نصوص أوغاريت بحوالي خمسة عشر قرناً. ولكن لن ندخل في الجدل البيزنطي، لأن الصهيونية بأيدلوجيتها العنصرية كانت تهدف إلى جرّنا إلى مثل هذا الجدل الميتافيزقي وتبقى الحقيقة وهو أنه لا يحق لأي كان طرد شعب من وطنه.
والغريب أن صورة العربي في الشعر الصهيوني مطابقة تمام المطابقة للإيديولوجية العنصرية، ومتماثلة مع الفعل العنصري على أرض فلسطين، في حين نجد صورة اليهودي في الشعر الفلسطيني أكثر اقتراباً من الحقيقة الواقعية، أي من الإنسانية. وحين ندرس صورة اليهودي في ذهن العربي – الشاعر مثلاً – ننطلق من تحديدات لابد منها وهي أن "اليهودي المعاصر" لا يحمل من الرؤية التوراتية سوى الجانب التدميري منها. أي عقدة التعالي، بحيث نستطيع أن نؤكد أن (اليهودي التوراتي) غير موجود على أرض الواقع. أما "الصهيوني" فهو صاحب الإيديولوجية العنصرية المعروفة التي تشتمل على عناصر مادية أكثر. أما "الإسرائيلي" فهو اليهودي المرتبط بكيان ودولة تؤمن بالصهيونية وبالفعل العنصري، لأنه اقتلع شعباً من أرضه. قد يقال: أن هناك استثناءات، هذا صحيح، ولكنها تبقى استثناءات "فردية" أو "جماعية صغيرة"، لا تؤثر في تغيير الفعل العنصري على أرض فلسطين، في المنظور القريب. وقد تشكلت صورة اليهودي في الذهنية العربية منطلقة من "صورة ذهنية بلاغية". ثم "صورة إيديولوجية سياسية". ثم الصورة "الواقعية". تشكلت لدى جزء من العرب صورة واقعية لليهودي الواقعي. لأنه مع تشكيل هذه الصورة، ولد الإحساس بالخطر الواقعي.
نماذج شعرية مختارة
لقد اخترنا نماذج من الشعر الفلسطيني تختلف في التجربة الشعرية زمنياً وفنياً وتتشابه أحياناً. فمثلاً: إبراهيم طوقان: هو شاعر فلسطين الأول زمنياً وموضوعياً عاش في الفترة ما بين 1905 – 1941، وهو شاعر وطني يتميز بنقده للواقع السياسي الفلسطيني آنذاك ورؤيته التحذيرية. وأبو سلمى: اشتهر قبل العام 1948 وعاش في فلسطين فترة الصراع الفلسطيني مع الصهيونية والاستعمار البريطاني. كذلك عبدالرحيم محمود وهو من نفس النمط، ويضاف لذلك أنه حمل السلاح واستشهد في معركة الشجرة عام 1948. وفدوى طوقان شاعرة من مدينة نابلس من الجزء المسمى بالضفة الغربية أو الجزء الباقي من فلسطين الذي احتلته "إسرائيل" عام 1967، وقد اصطدمت بالشخصية الصهيونية بعد العام 1967. وسميح القاسم وهو يكتب الشعر – علمياً – منذ أوائل الستينات وهو من قرية "الرامة" في الجليل وبقي في فلسطين بعد تأسيس "دولة إسرائيل" أي يحمل جواز السفر الإسرائيلي وتطبق عليه كافة قوانين "الدولة الإسرائيلية" ما عدا حقوقه الإنسانية المشروعة كمواطن في أرضه. ومحمود درويش من قرية "البروة" في فلسطين 1948، والذي يطبق عليه القانون الإسرائيلي حتى عام خروجه من فلسطين المحتلة في أول السبعينات حيث غادر أولاً ثم انضم إلى منظمة التحرير الفلسطينية حوالي العام 1973. وعزالدين المناصرة من مواليد بلدة "بني نعيم – الخليل" وقد عاش في الضفة الفلسطينية ثمانية عشر عاماً حيث غادرها عام 1964 وعاش في (مصر والأردن ولبنان وسوريا وبلغاريا وتونس والجزائر)، وهو ينتمي للثورة الفلسطينية التي انطلقت في منتصف الستينات.
- ومن هنا فنحن أمام عينة أساسية مختارة في الشعر الفلسطيني. تتميز بالتنوع في التجربة ويرى البعض أنه يمكن أن نضيف للدراسة: توفيق زيّاد – راشد حسين – يوسف الخطيب – معين بسيسو – هارون هاشم رشيد، لتكون الدراسة مكتملة، وهذا صحيح.
وحتى تتضح الصورة للقارئ نحدد جدول الأولويات للنماذج المختارة في هذه الدراسة – جدول رقم (1):
الشاعر سنة الميلاد مكان الميلاد الفترة التي عاشها في فلسطين ملاحظات
1. إبراهيم طوقان 1905 نابلس 1905-1941 توفي في نابلس عام 1941
2. أبو سلمى 1907 طولكرم 1907-1948 توفي في واشنطن عام 1980، ودفن في دمشق.
3. عبدالرحيم محمود 1913
عنبتا – طولكرم 1913-1948 استشهد في قرية الشجرة ودفن في الناصرة.
4. فدوى طوقان 1917، تقريباً
عاشت في نابلس منذ ولادتها.
اقتربت من الشعر الثوري بعد عام 1967
5. سميح القاسم 1939 الزرقاء الأردن، وعاش طفولته في فلسطين، في قرية (الرامة) الجليل منذ طفولته.
6. محمود درويش 1941 البروة – الجليل 1942-1971
7. عزالدين المناصرة 1946 بني نعيم – الخليل 1946-1964
إن هذا الجدول يقول لنا ما يلي:
أولاً: إن النماذج المختارة تنقسم إلى فئتين من حيث العمر بينهما فاصل زمني واضح، أي أنهما يمثلان جيلين: جيل ما قبل 1948 (طوقان – محمود – أبوسلمى – وإلى حد ما فدوى طوقان). وجيل أوائل الستينات شعرياً (القاسم – درويش – المناصرة). هذا مع استمرارية أبي سلمى وفدوى طوقان بعد 1948 في الكتابة الشعرية.
ثانياً: يتوزعون على مساحة واسعة من فلسطين، من الجليل مروراً بطولكرم ونابلس حتى الخليل.
ثالثاً: هناك اثنان عاشا في فلسطين الموحدة حتى وفاتهما (طوقان – محمود) وهناك اثنان عاشا في ظل الدولة الإسرائيلية (درويش – القاسم)، وهناك اثنان عاشا في الضفة الفلسطينية تحت الحكم الأردني (فدوى طوقان – المناصرة) وهناك شاعر عاش أربعين سنة في فلسطين الموحدة واثنتين وثلاثين سنة في المنفى (أبو سلمى) وهناك اثنان عاشا في فلسطين والمنفى (درويش – المناصرة). أما الباقون حتى الآن في فلسطين فدوى طوقان (الضفة الغربية) وسميح القاسم في (فلسطين المحتلة). إذن هناك ثلاثة عاشوا في المنفى وهم (أبو سلمى – درويش – المناصرة). وهناك أربعة لم يعيشوا في المنفى ((القاسم – فدوى طوقان – إبراهيم طوقان – عبدالرحيم محمود). أما الذين احتكوا مباشرة مع الشخصية الصهيونية فهم: (القاسم – درويش – فدوى طوقان).
1. إبراهيم طوقان (1905-1941)
إبراهيم طوقان هو شاعر فلسطين الأول بالمعنى المعاصر في القرن العشرين. فقد كتب معظم شعره في الفترة ما بين 1927 – 1941، أي فترة الانتفاضات الشعبية الفلسطينية ضد الانتداب الإنجليزي والهجرة اليهودية الأوروبية إلى فلسطين. وقد اعتبر طوقان في شعره أن الاحتلال الإنجليزي هو العدو الأول وأحياناً اعتبر الاحتلال الإنجليزي والحركة الصهيونية هما عدو مشترك. وردت صورة اليهودي في شعره في (11 قصيدة) تقريباً بصور مختلفة. والجدول رقم (2) الذي نقدم فيه عينة للألفاظ المستخدمة في وصف اليهود وكيفية استخدامها في الجملة الشعرية:
جدول رقم (2)
القصيدة الوصف طريقة استخدامها الشعري ملاحظات
1. الثلاثاء الحمراء أعداء البلاد أنذرت أعداء البلادي بشر يوم مستطير الصهيونية والاحتلال البريطاني
2. تفاؤل وأمل 1. الذئاب وانظر بعينيك الذئاب تعُّب من أحواضها الصهيونية والاحتلال البريطاني
2. الأثيم المعتدي صحَّت عزائمكم على دفع الأثيم المعتدي الصهيونية والاحتلال
3. إلى بائعي البلاد 1. أعدائهم باعوا البلاد إلى أعدائهم طمعاً / بالمال لكنّما أوطناهم باعوا الصهيونية والاحتلال البريطاني
2. أعداؤنا صيارفة أعداؤنا منذ أن كانوا صيارفة الصهيونية والاحتلال البريطاني
3. اليهود ... بل رجعتْ إلى اليهود بكم قُربى وأطباعُ اليهود
4. الخصم خدّاع يا بائع الأرض لم تحفل بعاقبةٍ
ولا تعلْمنَّ أن الخصم خدّاع
اليهود
4. فلسطين مهد الشقاء الغاصبون منذ احتلال الغاصبين ونحن نبحث في السياسة الإنجليز
5. الفدائي خصوماً وخُصوماً ببغيهم ضجّت الأرض والسماء اليهود
6. حطين أشعبان في مصر يطمع أشعب ... وهنا تبدّى أشعبان اليهود والإنجليز
7. أيها الأقوياء وعد بلفور وخجلنا من لطفكم يوم قلتم / وعدُ بلفور نافذٌ لا محالة اليهود والإنجليز
8. 1000 الهجرة اليهودية أرى عدداً في الشؤم (حتى نهاية القصيدة) اليهود والإنجليز
9. يا قوم عدوكم يا قوم ليس عدوكم ممن يلين ويرحم اليهود والإنجليز
10. زيادة الطين احتلال منذ احتللتم وشؤم العيش يرهقنا الإنجليز
الهجرة اليهودية لنا خصمان ذو حول وطول / وآخر ذو احتيال واقتناص الإنجليز واليهود
11. مناهج خصمان بفضلكم قد طغى طوفان "هجرتهم" الإنجليز واليهود
ونلاحظ من هذا الجدول ما يلي:
أولاً: الإنجليز واليهود عدو مشترك ولا فصل بين الاستعمار البريطاني وبين اليهود. فالأول هو الذي جاء بالثاني. ولهذا فاليهودي تابع للمستعمر البريطاني.
ثانياً: يتساوى في المعنى الشعري اليهودي مع الصهيوني.
ثالثاً: هناك أوصاف سياسية لليهودي الصهيوني فهو "العدو – الخصم" – "غاصبون" وهناك أوصاف أخلاقية نابعة من الفكرة الشكسبيرية والأفكار الشعبية عن اليهود "ذئاب"، "صيارفة"، "خدّاعون" – "أشعب" بينما أطلقت صفة "المحتل" على الإنجليز في الغالب. وتتخذ لفظة"صيارفة" معنى اجتماعياً، إضافة لمعناها الأخلاقي.
رابعاً: ورود صورة اليهودي في شعر طوقان يتمحور حول معنى التحذير منه ودق ناقوس الخطر. والتحذير من اليهودي جاء بسبب اغتصابه للأرض وهجرته إليها.
خامساً: البناء الشعري يتخذ من الأسلوب الشائع للشعر الوطني منهجاً بنائياً له، مع خصوصية طوقان في مجال استخدام لغة الحياة اليومية وأسلوب السخرية التراجيدية.
2. أبو سلمى
عندما نقرأ ديوان أبو سلمى نفاجأ بأن صورة اليهودي في شعره شبه معدومة أو غير موجودة بشكل واضح، وحتى حين نلتقط بعض أبياته الشعرية فإنها ستظل تشكل صورة باهتة، خذ مثلاً:
"وأذلّهم وعدُ اليهودِ ولا أذلَّ من اليهود"
لقد كتب هذا البيت حوالي العام 1936، أي إبان الثورة المسلحة والإضراب العام للفلسطينيين ومع هذا فهو يكرر ويؤكد صفة "الذل" عند اليهود وهي صفة ذهنية متوارثة وتقليدية، ويكرر بعض الصفات البلاغية في وصف اليهود دون ذكرهم حرفياً مثل: "البغي والعدوان" – "الظلم" – "الوحش" وهي تدخل في باب التشبيهات القاموسية ولا تتجاوزها. هذا عن الصورة المباشرة. وحتى تكتمل الصورة، لا بد من القول إن أبا سلمى ركز على المعاني النقيضة أي بذور فكرة المقاومة. وقد دار شعر أبو سلمى حول المحاور التالية:
1. في شعر "أبي سلمى"، ميل فطري واضح لتأييد الحركة العمالية الفلسطينية آنذاك، وهو موقف ذهني ووطني غير حزبي، بمعنى أنه لم يكن منتمياً للأحزاب الوطنية ولكنه كان يتعاطف معها.
2. هناك فكرة مركزية في شعره تدور حول الهجوم على السياسة العربية.
3. هناك مديح وتقدير للثورة الفلسطينية المسلحة عام 1935 وما تلاها، ممثلة في رثائه وتمجيده لأبطالها وشهدائها، خصوصاً "الحركة القسامية" التي قادها الشيخ عزالدين القسّام.
4. يعتبر أبو سلمى، أن العدوالرئيسي هو "بريطانيا العظمى" وهو بتركيزه على بريطانيا في شعره يريد القول أن الصهيونية مجرد تابع.
أما شعر أبي سلمى بعد هجرته عام 1948 فقد تركز على المحاور التالية:
1. الحنين الرومانتيكي إلى فلسطين، حيث نجد استنفار العناصر الطبيعية في شعره "أنهارنا الذليلة – زيتوننا المُجرَّح ...إلخ" إضافة لرسم صورة الأمكنة، و"المكان" له مكانة خاصة في شعر أبي سلمى بعد 1948 فهو شاعر "الكرمل" وهو شاعر المدن والقرى الفلسطينية وهذا ناتج عن الإصرار على رفض الحدود والشتات، فالمكان ليس مجرد ذكرى شعرية، بل إن ذكره تعبير عن التواصل ورفض الانقطاع. صحيح أن ذكر المكان قد يصبح – أحياناً – أمراً لفظياً قاموسياً، لكننا في هذا المجال نكتشف أن شعر أبي سلمى قد ساهم في ولادة شعر الأرض الشاملة فيما بعد.
2. هناك تركيز على نتائج فعل العدو: "التشرد – الحدود – بقايا أهلي – شطايا أهلي – كفر قاسم – السليب – الغريب – السجن – القتل – الخيام".
وقد اهتم أبو سلمى بالمناسبات الوطنية الفلسطينية ليؤكد رفضه للعدو. ويمكنك معرفة شعر أبي سلمى من خلال قاموسه الشعري وخصوصاً "قاموس المكان". وبتلخيص أكثر نقول: إن النتيجة المفاجئة حول"صورة اليهودية" في شعر أبي سلمى، هي صورة "باهتة وشبه معدومة"، نعني هنا الصورة المباشرة بمعنى أنه يرفض حتى مجرد فكرة الحوار – من موقعه، لكننا نستنتج الصورة الكاملة حين نراه يمجد فكرة المقاومة التي هي نقيض لصورة العدو. ونستنتج أن أبا سلمى – ضمناً – ضد أي "سلام" مع "دولة إسرائيل"، بل هو لا يعترف بوجودها حتى من باب الموقف السلبي منها، لأن حديثه في شعره عن قدسية المكان في فلسطين، يلغي وجود "إسرائيل" – الاغتصاب الوقعي – حتى كأنه لا يراها. ظلّ أبو سلمى على هذا الموقف حتى آخر يوم في حياته. يقول في قصيدة كتبت في أوائل السبعينات، أي في ظل الثورة الفلسطينية الجديدة:
ما لبني قومي يلوموننــا قالوا لنا: الواقع والممكنُ
يا ظالمي شعبي ألمْ تعلمـوا أنّ العدى ظلمهم أهونُ
إنه يرفض "الواقع والممكن" أي الحلول المطروحة، وهو ضد الذين يروّجون لها. وهو من باب الغضب يشبّه هؤلاء بالأعداء، بل أقسى. إن أبا سلمى يلغي صورة العدو ولكنه يجهز أسلحته لمحوها، بمعنى أنه يعترف – ضمناً – بوجود الصهيوني الواقعي وإلا فلمن يعد أسلحته؟!.
3. عبدالرحيم محمود(3)
الغريب أيضاً أن "صورة اليهود" في شعر عبدالرحيم محمود، غير موجودة أصلاً، حتى كأنهم غير موجودين، وإنْ كانت تتراءى الأشباح من خلال ألفاظ قاموسية مثل: "الأعادي – الاضطهاد – التعسف- ضاعت فلسطين – ضائع مهدور – ديجور" وهي أوصاف تعني شيء لكنها لا تحدد... وفي غير كافية لرسم صورة "اليهود". وحتى صورة "الأعادي" هي صورة عامة في شعره. لكننا يمكن أن نشير إلى الصورة "الضمنية"، بمعنى أن شعر عبدالرحيم محمود هو (شعر مقاومة). فهو قد مجّد أبطال الثورة قبل 1948.
والمسألة الأخرى – الضمنية – والدامية التي تؤكد أن اليهود أعداء يجب محاربتهم، هي "استشهاد عبدالرحيم محمود نفسه" في معركة الشجرة عام 1948. إذن اليهودي هو العدو، وصورته كعدو تستلزم النضال حتى الاستشهاد لسحق العدو كفعل هو أكبر من الفن.
4. فدوى طوقان(4)
عرفت فدوى طوقان كشاعرة في الأربعينات، ولكنها اشتهرت في الخمسينات، وشعرها يعبر عن أحاسيس أنثوية شرقية. ومع هذا فقد كتبت بعض القصائد الوطنية ذات النفس الرومانتيكي. وحتى عام 1967، لم تظهر صورة "الصراع العربي – الإسرائيلي" في شعرها، إلا بعض الاستثناءات التي تتحدث عن نتائج الفعل الصهيوني "اللجوء مثلاً" ونجد – قبل 1967 – بعض الصور المتناثرة مثل وصف اليهود بـ"العدو" أو بصفات ذهنية بلاغية مستمدة من الموروث الشعبي والثقافي الفلسطيني، فالعدو، أي اليهودي هو "بوم غريب" – "غاصب" – "غريب الديار" – "مرتبط بالحركة الصهيونية في أوروبا" – "يحلم بالتوسع الاستيطاني" وقد قيل هذا شعراً بأسلوب رمزي يعتمد التشبيه البسيط القاموسي. وفي قصائد أخرى تتكرر الصورة: "يد البغي الجانية" – "العدو اللئيم" – "المعتدي" – "الطغاة" – "البغاة المجرمون" هي أوصاف أخلاقية عامة، تقترب من دخولها – ولو لفظياً – في تحديد صورة العدو عملياً، لكن العدو قد يعني الإنجليز واليهود معاً أو أحدهما.
ولديها قصيدة واحدة تطرح قضية الهوية الفلسطينية، بشكل مباشر، هي قصيدة "أردنية في انجلترا" في ديوانها "أمام الباب المغلق":
"أنا من روابي القدس... وطن السنا والشمس"
- يا، يا، عرفتُ... إذنْ يهودية / يا طعنة أهوتْ على كبدي صماء وحشية
إن فدوى في هذه القصدية تكشف أن فلسطين هي – في وجدان الإنجليزي – وطن "لليهود" من خلال الحوار في القصيدة. ها هي فدوى تكتشف في النص أن تهويد فلسطين قد تم عملياً في"الوجدان الغربي" أما موقفها فهو موقف مضاد طبعاً: يا طعنة أهْوتْ على كبدي"، إنها ضد تهويد المكان والبشر هذه هي الصورة التقليدية للصراع العربي العربي الإسرائيلي، لكن قصيدة "أردنية فلسطينية في أنجلترا" تعتبر نقطة جديدة في وعيها للصدام.
- أما بعد عام 1967، فالأمر يختلف، حيث تخرج فدوى من شرنقتها الأنثوية الذاتية، وتتلاشى الصورة اللفظية لليهود – الصهيوني، لتتحول إلى وصف الصهيونية "كاحتلال استيطاني مرئي". وقد ساهم في تشكيل هذه الصورة عندها، احتلال "الضفة وغزة" عام 1967 حيث تعيش في نابلس. وقدكان ديوانها "الليل والفرسان" الصادر بعد عام 1967، فاتحة قصائد ذات منحى جديد بالنسبة لشعرها السابق. وفي شعرها هذا مجد الصور التالية:
• استمرارية وصف (الاحتلال الصهيوني) بأوصاف أخلاقية بلاغية، فالاحتلال هو "الطاعون" – "الأفاعي" – "الإعصار الهمجي" – "الشيطان" – "السارق" – "السجان" – "التتري" – "تشويه البراءة" – "الحدود والسجون" – "دودة العلق" – "ناهب الأرض" – "ناسف البيوت" – "الزنزانة – السلاسل – الجند"... إلخ.
• وتقول فدوى في شعرها أن هذا الاضطهاد يقع على "المسلم والمسيحي الفلسطيني".
• تظهر فدوى طوقان الصورة المناقضة للاحتلال وهي صورة المقاومة الفلسطينية.
وهكذا بدأت بالظهور صورة "اليهودي الصهيوني الإسرائيلي" الواقعي بديلاً من صورة "اليهودي الذهني":
ويدوي صوت جندي هجين لطمــة تهــوي على وجـه الزحـام
عربٌ، فوضــى، كلاب ارجعوا لا تقربوا الحاجز، عودوا يا كلاب.
هذه هي الصورة الواقعية العملية للإسرائيلبي، لم تكن موجودة في شعر فدوى، وهنا نغض النظر عن تقويم النص- إبداعياً، ونكتفي بالمادة الشعرية الخام التي استخدمتها، فهي ترى أن الجندي الإسرائيلي، هو جندي "هجين"، إشارة إلى اختلاط العبرية وغيرها في لغته وإلى المعنى البعيد وهو هجرة اليهود من مواطنهم الأصلية المتعددة إلى فلسطين وكلمة "هجين" لها مدلول (أخلاقي في الوجدان الشعبي...) وهي أيضاً صورة المحتل لأرض الغير والمتغطرس والمتعالي، وهذه سمات عامة لأي محتل، ولكن الصورة وإن استخدمت أسلوب البلاغة الشعبية السائدة إلا أنها اقتربت من الصورة العملية لليهودي الصهيوني الإسرائيلي، يهودي بالفعل وصهيوني بالعقيدة وإسرائيلي بارتباطه بكيان.
- ويبقى أن نقرأ لفدوى طوقان من شعرها، قصيدتها "إيتان في الشبكة الفولاذية" التي هوجمت من قبل بعض النقاد في جانبها الفكري، حيث قيل إن القصيدة "تعترف" بالدولة الصهيونية، ولهذا سنقرأ القصيدة لنكشف عناصرها أولاً. تقول فدوى في مقدمتها النثرية للقصيدة "ذات صباح سأل طفل من أطفال الروضة في كيبوتس معوزحاييم: كم يوماً يتوجب علينا أن نحافظ على الوطن؟!!" أعتقد أن استخدام فدوى لبطلها "طفلاً يهودياً بريئاً" اعتبر ليس في مكانه، كما أن استخدامها لكلمة "الوطن" أضاف دهشة أخرى، لأن "الوطن" يصبح هو "وطن الطفل اليهودي: فلسطين" لدى القارئ العربي، أما النص الشعري وهو الأهم فإنه يصف طفلاً يهودياً يرمز لمستقبل الدولة الإسرائيلية وهذا الطفل يعيش في "شبكة فولاذية" وهي رمز بقاء إسرائيل بالقوة المسلحة وعيشها عيشاً اصطناعياً بالقوة المسلحة، وخرافة النجمة رمز المعتقدات اليهودية. والشاعرة تقول للطفل اليهودي: إن حياتك كذبة كبرى فلا تُخدع بها، فالشاعرة تشفق على البراءة من تشويهها. هذه هي عصارة القصيدة، إذن لماذا الضجة الصحفية العربية حول القصيدة؟؟ إن الضجة تنبع – باعتقادي – من كون القصيدة تعترف بوجود "اليهودي البريء" مع أنه (محتل) كوجود واقعي. ولمجرد الحديث عن هذا الوجود، ولأنها تعترف بلغة "الحوار مع الواقع" أو مع اليهودي الواقعي. وهذه الصورة تخالف الصورة الذهنية الميتافيزيقية لليهودي الصهيوني المرسومة في الذهن العربي قبل 1967. أي أن العربي قبل 1967 كان يرفض مجرد التفكير في رسم صورة لليهودي حتى لمجرد رسم الصورة العملية، ولهذا اكتفى الذهن العربي قبل 1967 برسم الصورة البلاغية المعتمدة على الشعارات: (شذاذ الآفاق – الدويلة المسخ).
ولو حذفنا اسم "إيتان" من عنوان القصيدة واستبدلناه باسم آخر، ولو حذفنا المقدمة النثرية، ولو غيّرت شخصية الطفل إلى شخصية يهودية عادية، لظل الأمر عادياً، لكن استخدامها لشخصية الطفل اليهودي في (الكيبوتس) هو الذي أثار الشكوك حول القصيدة من حيث مغزاها الفكري، لأن الطفل البريء سيصبح جندياً مقاتلاً كما هو في واقع الصراع العربي الإسرائيلي. إذن فإن قصيدة فدوى طوقان هذه تمثل علامة بارزة في شعر فدوى لأنها ترى – عملياً – اليهودي العملي. ولغة "الحوار مع الواقع (المغتصب)" من موقع المختلف، جديدة على الفكر العربي، لأن مجرد "المحاورة" كانت مرفوضة حتى لو انطلقت من موقف تناحري.
هكذا قرأنا عند فدوى (صورة اليهودي في النص الشعري). ولم نقرأ مواقفها الشخصية السياسية، مثل (استقبالها لوزير الحرب الإسرائيلي موشيه دايان)، ولن ندخل هنا في (التبرير، والتبرير المضاد)، بل نصفه بأنه (تطبيع مبكر مع العدو).
5. سميح القاسم
يقول سميح القاسم في إحدى قصائده: "وبكينا... يوم غنى الآخرون"... إن هذه الجملة الشعرية تلخص ما حدث في الواقع يوم إقامة "دولة إسرائيل" عام 1948. لأن إقامة "دولة جديدة" تم على حساب "شعب اقتلع" وصورة اليهودي الصهيوني في شعر سميح القاسم هي الصورة العملية الواقعية للصراع، أي أن القاسم توجه مباشرة إلى مخاطبة "اليهودي الواقعي الشريف الواعي" – إشارة إلى قلّة من اليهود يتفهمون الموقف العربي – ويتعامل معه إيجابياً. وقصيدته "أخوة" مثل لذلك وهو يخاطب الصهيوني: "وإن قام من بين أهلك واع، يبرئني... تزدريه بقسوة".
وسميح القاسم يعترف بشعار "الأخوة العربية – اليهودية"(5) مثله مثل (دوريش وزيّاد). وهو لا يرفض السلام الحقيقي، هذا ما تقوله نصوصه الشعرية. والقاسم يطالب بالحرية والمساواة في الحقوق، ويمكن تلخيص صورة "اليهودي واليهودي الصهيوني" في شعر سميح بما يلي:
• اليهودي الصهيوني يمارس اضطهاداً يومياً مباشراً ضد الفلسطيني: (انظر قصائد: "أخوة – كرمئيل – من وراء القضبان – رسالة من المعتقل) ويصف سميح القاسم في شعره السجون وإقامة المستعمرات على أرض الغير. ولهذا فهو يطالب بالحرية.
• ويرى أن الصهيوني ضد يهوديته (يا طفلاً يقتل يعقوبه) – (قصيدة مزامير). ومعنى هذا أن الشاعر ضد صهيونية اليهودي وليس ضد يهوديته.
• ويرى أن الصهيوني مرتبط بالنازية والاستعمار.
• ويرى أن اليهودي كان "مظلوماً": ذبح النازية لليهود في أوروبا، فأصبح "ظالماً": (قصيدة إلى إيفتوشنكو).
هكذا نرى أن سميح القاسم يعترف بضرورة رسم صورة واقعية لليهودي الصهيوني من موقع مختلف، بل هو – عملياً – يحاور هذه الشخصية ويرى أن الصورة الأخرى – "اليهودي الطيب" باهتة وضعيفة بالرغم من أنه يعترف بوجودها. وهو يعترف بضرورة (التعايش السلمي!!) لكنه يرى أنها – في الواقع – غير ممكنة بسبب عدم الاعتراف بالفلسطيني من مصدرين:
أولاً: رؤيته اليومية كعضو في المجموعة العربية التي تعيش على أرضها ضمن القانون الإسرائيلي المفروض عليها وضمن "الاضطهاد الأخوي" اليومي.
ثانياً: (انتماؤه إلى الفكر السياسي الذي يعترف بدولة إسرائيل قانونياً، ولكنه في نفس الوقت يطالب بدولة فلسطينية للشعب الفلسطيني على أرضه إلى جوار دولة إسرائيل) ويطالب بعودة الحقوق المشروعة. هنا يقع الالتباس.
ثالثاً: إيمانه بفكرة المقاومة بأشكالها المختلفة ولهذا فهو يمجدها في شعره.
لقد طرح مصطلح "شعراء المقاومة الفلسطينية" في منتصف الستينات من قبل بعض النقاد العرب، لكنهم وقعوا في خطأ واضح وهو أنهم لم يطبقوا عملياً المصطلح على الفرع الآخر والأساسي لشعر المقاومة وهو "شعراء الثورة الفلسطينية: أي الذين آمنوا بالكفاح المسلح أسلوباً أساسياً ولم يرفضوا الأساليب الأخرى في النضال: "معين بسيسو – عزالدين المناصرة... إلخ"، كذلك انتموا إلى الجناح المتقدم من فكر الثورة الفلسطينية. إذن: لماذا إلغاؤهم من مصطلح "شعراء المقاومة"، ولماذا اقتصر المصطلح على شعراء الأرض المحتلة(6)، ثم حدث تشكيك في مصطلح المقاومة الشعرية نفسه، فقد قال غالي شكري – بما معناه – إن شعراء المقاومة الفلسطينية وهو يعني: (محمود درويش – سميح القاسم – توفيق زيّاد)، قال إن هؤلاء ليسوا شعراء مقاومة، بل شعراء "معارضة" لأنهم يعترفون بشرعية وجود "إسرائيل" كدولة، وأنهم "يقاومونها" من موقع المعارضة ضمن النظام الواحد، طبعاً اعتقد أن هذا يشكل ظلماً لهؤلاء الشعراء، أولاً: لأن وضعهم "القانوني الإسرائيلي" مفروض عليهم ولم يختاروه، ثم هم عبروا عن مقاومتهم بأساليب متعددة.
- إذن أريد القول: إن مصطلح "شعراء المقاومة" لا بد أن يعاد فيه النظر انطلاقاً من المبادئ والمواثيق والظروف الخاصة للشعب الفلسطيني وانطلاقاً من تعريف وسائل المقاومة بالسلاح أساساً وبالوسائل الأخرى، ولابد من إعادة الاعتبار لشعراء الثورة الفلسطينية كشعراء مقاومة. وأعتقد أن ما حدث نبع أساساً من ظروف وأسباب تاريخية تتعلق بتلك "الصدفة التاريخية" عام 1966، حين "اكتشف" شعر الأرض المحتلة "فجأة" ثم من قال إن درويش لم يعد من شعراء الأرض المحتلة لمجرد خروجه منها عام 1973، أو عزالدين المناصرة لخروجه منها عام 1964، ومعين بسيسو لخروجه منها عام 1967 أو حتى الشعراء الذين في المنفى. إن الانتماء الشعري المقاوم للأرض المحتلة هو الذي يحدد مصطلح "شعر الأرض المحتلة"، لأننا ضد تجزيء حركة الشعر الفلسطيني المقاوم(7).
6. محمود درويش
محمود درويش، هو أحد شعراء الأرض المحتلة، ولد في "البروة" قضاء عكّا في الأرض التي أقيمت عليها "إسرائيل". أنهى دراسته الثانوية وعمل صحفياً، ومحمود درويش من مواليد عام 1941. سافر إلى الخارج ثم إلى القاهرة حيث بقي فيها حتى عام 1973. ثم غادرها إلى بيروت حيث عمل في مجلة "شؤون فلسطينية" ثم رئيساً لتحرير مجلة "الكرمل" التي ما زال رئيساً لتحريرها. اعتقلته السلطات الإسرائيلية عدة مرات بسبب نضاله أثناء وجوده في الأرض المحتلة. يعيش حالياً في باريس. إذن هو تربى في نفس البيئة السياسية التي تربى فيها سميح القاسم، وتوفيق زيّاد. ودرويش يعتبر ديوانه "أوراق الزيتون" الصادر عام 1964، هو ديوانه الأول، وفي هذا الديوان تظهر صورة "الصهيوني" تحت أوصاف تقليدية ذهنية مثل كل الشعراء الفلسطينيين: "عدوّي" – "مغتصبي" – "طاغيتي" – "ونيرون روما" – "بنات آوى"... إلخ. كذلك يظهر فعل الاضطهاد اليومي (الذي هو صورة الآخر – الصهيوني) كما في قصيدته: "عن إنسان" و"بطاقة هوية" وفي بطاقة هوية تظهر صورة العذاب اليومي للفلاح العربي في ظل القوانين الإسرائيلية. وبطبيعة الحال فهناك مقابل الاضطهاد الصهيوني، توجد روح المقاومة. وتظل صورة الاضطهاد اليومي أو صورة الصهيوني، صورة تقليدية ذهنية لا تختلف عن الصورة السائدة في ديوانه "عاشق من فلسطين" الصادر عام 1966، والذي نعتبره البداية الأقوى فنياً في شعره نجد نفس التكرار لأوصاف الصهيوني: "وحوش الغاب – عاصفة وحطاب – خيول الروم – بيضة الأفعى – طغاة – النذل"، ورغم وجودها في بنية النصوص في تشكيل شعري ناجح إلا أن الصفات القاموسية تظل صفات ذهنية. وفي قصيدته "قال المغني" تتكرر نفس صورة الاضطهاد المشتقة من صورة السجن، وتجد نفس الألفاظ: "نباح وحش – الجلاد – الشياطين". ولعل أهم قصائد الديوان هي قصيدة "نشيد الرجال". يقول درويش "... ويشتمنا أعادينا: ها.. همج هم.. عرب – ص 245" وهي صورة خارجية للجندي الإسرائيلي، حيث لا تختلف عن قول فدوى طوقان "عرب، فوضى، كلاب" وفي نفس القصيدة يصف الشاعر – الضحية:
- ألو... أريد يسوع
- نعم... من أنت؟
- أنا أحكي من "إسرائيل".
وفي قدمي مسامير... وإكليل من شوك أحمله
فأي سبيل... إلخ.
- إن ظهور صورة "الضحية" في الشعر الفلسطيني، يجعل القارئ يتصور – ضمناً – صورة الجلاد. وهو في هذه الحالة "الصهيوني" إن السؤال الذي طرحه النقاد هو: لماذا صورة الصهيوني أكثر وضوحاً في شعر الأرض المحتلة منه في شعر شعراء الثورة الفلسطينية خارج الأرض المحتلة؟. ولكن، لماذا هذا التحول: (أنا أحكي من إسرائيل!).
- والسؤال الآخر هو: لماذ الصورة العربية بعموميتها إيجابية في شعر الأرض المحتلة، في حين نجدها سلبية في شعر شعراء الثورة الفلسطينية في المنفى؟ والإجابة واضحة وهي أن الشاعر المقيم في الأرض المختلة يرى الصهيوني كل يوم بالتالي فإن صورة الصهيوني هي صورة واقعية في حين أن صورة الصهيوني في شعر شعراء الثورة الفلسطينية هي صورة ذهنية. رغم المعاناة الواحدة في النتائج على الأقل. في حين يعاني شاعر الثورة من اضطهاد آخر ضد الفلسطيني وهو يراه أكثر وضوحاً من زميله في الداخل، ثم لأن العدو الأساسي لشاعر الداخل هو العدو الذي يراه وهو الحلقة المركزية بالنسبة له ولهذا نرى صورة العرب عمومية وإيجابية. على أي حال، تظل صورة الصهيوني في شعر درويش صورة تقليدية ذهنية وهذا له علاقة بالأدوات الفنية في المرحلة الأولى من شعره كما في ديوانيه السابقين.
لكن صورة الصهيوني تبدو واضحة وضوحاً فنياً اعتباراً من ديوانه "آخر الليل" الصادر عام 1967، وخصوصاً في قصائده: "ريتا والبندقية". والجملة الشعرية المركزة في هذه القصيدة: "بين ريتا وعيوني بندقية" تلخيص لعلاقة العربي باليهودي فالشاعر كإنسان يجب "ريتا اليهودية"، لكن البندقية الإسرائيلية تكون عائقاً أمام هذا الحب، أما قصيدته "جندي يحلم بالزنابق البيضاء" فقد أثارت حواراً شبيهاً بالحوار العربي الذي جرى حول قصيدة فدوى طوقان "إيتان في الشبكة الفولاذية". لقد قيل: إن محمود درويش يتعاطف مع الجندي الإسرائيلي ويشفق عليه ويصوره إنساناً عميق الإحساس، عميق الأزمة، لكنه يتجاهل (عنصرية ووحشية هذا الجندي)!!. لكن هذا القول يظلم القصيدة لأنه يجتزئ هذا الجانب دون أن يربطه ببقية الصورة للجندي الإسرائيلي، أعتقد أن القصيدة تتحدث عن "أزمة الجندي النفسية" فهو يشعر أنه مزروع في غير أرضه الأصلية(7) وفي قصيدة "أزهار الدم" عن مذبحة كفر قاسم، تعود الصورة الذهنية مرة أخرى: "ضربة الجلاد – الطغاة... إلخ".
إلا أن بيتين يقدمان الصهيوني من الناحية الإبداعية: (وأهنئ الجلاد منتصراً على عين كحيلة / مرحى لفاتح قرية... مرحى لسفاح الطفولة) كذلك في قصيدة "الأغنية والسلطان" هكذا نرى أن أوصاف اليهودي والصهيوني في شعر درويش خلال وجوده في الأرض المحتلة حتى عام 1971، وهي صورة ذهنية تقليدية قاموسية إذا تم اقتلاعها بمفردها من النص الشعري، ولكنها صورة حيوية خين ندرس بناء القصيدة في ديوانه "آخر الليل". لكن الصورة تكتمل حين ينتقد (شعراء الثورة) – الأنظمة العربية، في حين ينتقد (شعراء المقاومة) في شمال فلسطين – (دولة الاحتلال الإسرائيلي).
7. عزالدين المناصرة
سأحاول أن أرسم صورة اليهودي والصهيوني، كما وردت في مجموعاتي الشعرية المنشورة دون تدخل مني في التفسير، أي سأكتفي بالإشارة إلى النصوص وتصنيفها، تاركاً التوضيح للنقاد. ولدت في فلسطين المحتلة عام 1946، وعشت في القرية والمدينة ثمانية عشر عاماً قبل الاحتلال، غادرت فلسطين إلى القاهرة، للدراسة في جامعتها عام 1964. وفي عام 1968، رفضت سلطات الاحتلال عودتي ضمن قانون "لم الشمل" تحت إدعاء أنني لم أكن موجوداً أثناء الاحتلال، وقد عاودت الكرّة فيما بعد، إلا أن انتمائي للثورة الفلسطينية أصبح علنياً، وباءت كل المحاولات التي قامت بها عائلتي بالفشل وما زال والدي ووالدتي وأخوتي يعيشون في الأرض المحتلة، أنهيت دراستي الجامعية بالحصول على الليسانس في اللغة العربية والعلوم الإسلامية من (كلية دار العلوم- جامعة القاهرة) عام 1968 وأكملت دراستي العليا فيما بعد، حيث حصلت على درجة الدكتوراه في الآداب من جامعة صوفيا في بلغاريا عام 1981. وعملت في أجهزة الثورة محرراً ثقافياً لـ: مجلة "فلسطين الثورة" الناطقة بلسان المنظمة في بيروت ومديراً لمدرسة تل الزعتر، وعضواً في القيادة العسكرية الفلسطينية لجبهة جنوب بيروت خلال حرب السنتين. وسكرتيراً لتحرير مجلة "شؤون فلسطينية" الصادرة عن مركز الأبحاث الفلسطيني. وعشت حصار بيروت وكنت مدير تحرير جريدة "المعركة" التي صدرت في بيروت خلال الحصار.
في ديواني الأول "يا عنب الخليل" الصادر عام 1968، ترد صورة الصهيوني على الشكل التالي:في قصيدة (لا ترحلي)، 1968 – ترد صورة الرقابة الإسرائيلية على رسائل الفلسطينيين إلى الخارج:
"نسيتُ أن كلَّ حرفٍ ﻓﻲ الكتابة
قد صممَّتْهُ هيئةُ الصليب والرقابة
بدايةٌ، نهايةٌ، مكرَّرة..
يا حزنُ قد ذوَّبْتني ..
رميتَني للعتباتِ المُقْفِرة"
وترد في نفس القصيدة صورة الجنود الصهاينة على الجسر الفاصل بين الأردن وفلسطين:
"قد أثلجتْ دنياك في ليلِ العبيد..
ما زادَ من دمعي..
مرّوا مع الليل البهيمِ وأطفأوا شمعي..
لا تقطعي النهرَ المقدَّس للأماني والوعود..
فهناك فوق الجسر جند سود...
لا ترحلي، لا ترحلي..
مسدودةٌ كل الجهات..
النيلُ يبكي والفرات... إلخ.
وفي قصيدة "يا عنب الخليل":
"سمعتُكِ عبرَ ليلِ الحزنِ أغنيةً خليليَةْ..
يردّدها الصغارُ وأنتِ مُرخاةُ الضفائِر أنتِ داميةُ الجبينْ..
وَمَرْمَرَنا الزمانُ المرُّ يا حبّي..
يعزُّ عليَّ أن ألقاكِ مَسْبِيَّهْ..
سمعتكِ عَبْر ليلِ الصيفِ أغنيةً خليليّة..
تقولُ تقولُ: يا عنبَ الخليلِ الحرّ، لا تثمرْ..
وإنْ أثمرتَ.. كُن سُمَّاً على الأعداءِ.. لا تثمر.
كذلك ترد الصورة التالية في قصيدة "زرقاء اليمامة":
نسينا أن عين الحلوةِ والزرقاءِ مخلوعة..
وأن الرايةَ الأخرى على الأسوارِ مرفوعة..
وفي قصيدة "ناطوران":
"يأتيكَ والرمّانُ منتصبُ النهود..
وعلى سلالمِ بيتِنا رقصَ اليهود..
وفي قصيدة (قال أحد الكنعانيين):
"سأشقُ الجيب.. سألطم لو غرزوا في الرمل الأعلام..
لو أكلوا خبزَالأيتام..
لو سرقوا أشعارك يا حبي..
أما ديوان "قمر جرش كان حزيناً"، ففي القصيدة التي تحمل نفس العنوان:
"يا هِلي - يزحفُ الرملُ نحوَ المدينة يأكلُ منّا العظامْ..
يا هِلي - يا اخضرارَ الحقولِ التي لا تنامْ..
يا هِلي - عَبقُ النعنعِ الحجريّ مع الفجرِ،
يا هلي - إنّهم يقطعون السهوب هنا يقطعون الشفاه..
يا هلي - قد دفنّا أحباءنا وعَبَرنا المياه..
غير أنَّ الجنود..
يا هلي – فتشوا في المقابرِ عن جثث الشهداء..
وفي نفس القصيدة (يوماً ما.. نرمي حجراً في عين الغربة والأعداء / ونرد الخيل الجامحة الصفراء).
وفي قصيدة "رسائل متبادلة بيني وبين الموت"، عن استشهاد المناضل الفلسطيني وائل زعيتر في روما الذي اغتاله الموساد الإسرائيلي:
أسمع وقْع خطاهمْ نوافيرك يا روما الميتة الأعضاء..
يا روما الشلل ويا روما النوم ويا روما الصمت..
جاؤوك مساءاً ورأوا في عينيك البحر..
حينئذ عرفوك..
ورأوا فوق سريرك جملاً مكتوبة..
عن وطن يطلب منك الثأر...
ورأوا أصحابك في المنفى يحمل كل منهم غربته وصليبه.
كذلك هناك صورة متفرقة في قصائد مختلفة مثل "اعتذار إلى المدينة الزرقاء" و"تقبل التعازي في أي منفى" في ديوان "قمر جرش".
وفي ديوان "جفرا"، ترد صورة فعل العدو في قصائد "نشيد الكنعانيات" – "كيف رقصت أمن علي النصراوية" – "هل بقي في المدينة حدائق أيها السيد؟".
"عِمي صباحاً يا عصافيرَ الخليل..
ورفرفي على الصخورِ الجبلية..
ناصبُ الفخاخِ ﻓﻲ المنفى، والإسرائيليون رحماء..
لا ينصبون الفخاخَ..
لأنهم يحبّون الصيد بالوسائلِ الحديثة.
- كذلك نجد صورة "الصهيوني – اليهودي – الإسرائيلي" مترجمة في قصائد أخرى من ديوان "جفرا" مثل قصائد "آه.. وي.. ها" – "لا تغازلوا الأشجار حتى نعود" – "جفرا زارتني في صوفيا" – "تبدأ الحرب أو تنتهي" –"غافلتك وشربت كأس الخليل" – "جفرا أمي إن غابت أمي".
أما ديوان "كنعانياذا"، فنجد صورة "اليهودي التوراتي" في قصيدة "الغزال الأبيض الصغير" ونجد كذلك صورة اليهودي الصهيوني في قصائد: "مريام الشمالية" – "... في حفل عائلي بهيج" – "ضع نبيذاً في الجرار" – "سراويل" – "بدو بحريون" – "يمامة الشعوب" – "أبو النخل النباطي" – "تاريخ الزجاجة" – "أسراب الكنعانيات" –"أظافر أعدائك استطالت" – "حجر الفلاسفة" – "الناصري".
- وتظهر كذلك صورة اليهودي الصهيوني في ديواني "الخروج من البحر الميت" و"لن يفهمني أحد غير الزيتون".
استنتاج
مرت صورة اليهودي الصهيوني بمراحل متعددة في الشعر الفلسطيني ويطغى على هذه الصورة الوصف البلاغي الذهني المتوارث في الخيال الشعبي اليهودي يرد عادة بوصفه عدواً، هذا قبل 1967. أما بعد ظهور الثورة الفلسطينية عام 1965 وبعد نكبة أو كارثة 1967، فقد تطورت صورة اليهودي الصهيوني في الشعر الفلسطيني نحو فهم أفضل للصهيوني وظهرت صورة اليهودي كصورة عملية واقعية. ونجد: (القاسم – درويش – زيّاد) يفرقون بين اليهودي والصهيوني، كذلك فدوى طوقان وهذا نابع من رؤية الشعراء الفكرية ومن رؤية فدوى طوقان للصهيوني الواقعي بعد احتلال 1967. وأعتقد أن (معين بسيسو وعزالدين المناصرة) يدوران في نفس المسار مع بعض الاختلافات. وجميع هؤلاء مجدوا المقاومة كنقيض للصهيوني(11).
في حين نجد "أبا سلمى" و"عبدالرحيم محمود" لا يرسمان صورة اليهودي الصهيوني، بل تكاد تكون (الصورة باهتة) في شعرهم. أما إبراهيم طوقان فقد وردت صورة اليهود (ممتزجة بصورة الإنجليز)، والوصف الشعري لهم عنده وصف بلاغي تراثي ذهني. ويبقى أيضاً، أنه لا بد من التحذير من خطر تسرب "الإسرائيليات" إلى وجدان الشعراء الفلسطينيين تحت دعاوى مختلفة. كذلك نستنتج أن الشعر الفلسطيني منذ منتصف الستينات بدأ يفرق بين اليهودي والصهيوني(12) لكنه لم يستطع تعريف الإسرائيلي هل هو مجرد يهودي أم صهيوني بالكامل وبتقديري أن الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي سيستمر حتى لو تم تخديره لفترة من الزمن، لأن الحل العادل والشامل لا يتم إلا بين طرفين قويين، ولن يتم الحل العادل والشامل بوجود طرف قوي وطرف ضعيف.
- والاستنتاج الأهم هو أن الشعر الفلسطيني – كما في النصوص – كان إنسانياً في رسمه لصورة اليهود، بينما نجد النقيض في رسم صورة العربي في الأدب الصهيوني. وذلك في (شعر الثورة – وشعر المقاومة).
هوامش
1. مسرحية "تاجر البندقية The merchant of veniece" لوليم شكسبير، ممنوعة من دخول الأرض المحتلة، وممنوعة في الدراسات الأكاديمية في الجامعات الإسرائيلية.
2. ألقي هذا البحث في "الملتقى الدولي للأدب المقارن 14-19 مايو 1983، في جامعة عنابة بالجزائر، وكان رئيس الملتقى الأستاذ عبدالمجيد حنون قد اقترح أن أقدم البحث بعنوان "صورة اليهودي في شعري" فقد لكني لأسباب عديدة، آثرت أن أقدم صورة اليهودي في الشعر الفلسطيني بشكل عام، قبل عام 1985. أما صورة اليهودي في شعري فقد أوردت المقاطع الشعرية التي تطرقت لليهودي دون تعليق حتى لا أقع في خطأ التبرير والإسقاط.
3. انظر: "الشاعر عبدالرحيم محمود" تأليف نافع عبدالله، منشورات مكتبة دبي – طبعة أولى 1979، وهو أطروحة ماجستير قدمت للجامعة اليسوعية في بيروت. ولم استخدم الطبعات السابقة لديوان عبدالرحيم محمود لأنها ناقصة. علماً أنني أنهيت الآن إعداد وتحقيق ديوان عبدالرحيم محمود من جديد في طبعة ربما تكون الأفضل، حيث عثرت على مئات الأبيات غير المنشورة، وسيفاجأ القارئ بعثوري على المقالات النقدية كاملة، التي نشرها عبدالرحيم محمود في إحدى المجلات. (صدرت الطبعة لاحقاً عام 1988).
4. انظر: ديوان فدوى طوقان، دار العودة، بيروت، طبعة أولى، 1968.
5. أحد الشعارات الأساسية لبعض القوى السياسية في إسرائيل.
6. عندما أصدر (الصديق الشهيد غسّان كنفاني) كتابه عن شعر المقاومة عام 1966 لم يكن يعني أن الشعر الفلسطيني في الضفة الغربية وغزة ليس شعراً مقاوماً في بعض نماذجه. بل كان يعني إعادة الاعتبار لمنطقة شعرية فلسطينية ظلمها النقاد العرب حين تجاهلوها قبل 1966، مع أن المنشورات والمجلات العربية في إسرائيل كانت تصل إلى الأجهزة الثقافية والإعلامية العربية ولكن ليس معنى ذلك كله تجاهل (شعر الثورة الفلسطينية المقاوم) أيضاً الذي برز منذ العام 1965 أي مع "اكتشاف" شعر منطقة الجليل. وللحق، فإن (الصحفي إبراهيم أبو ناب) كشف عن هذا الشعر قبل الشهيد غسان كنفاني بشهور، حين نشر نماذج منه في مجلة "الأفق الجديد" الأدبية التي كانت تصدر في القدس عام 1966، والتي كنا نكتب فيها. لكن النقاد العرب تحدثوا عن شعر المقاومة في الجليل على أنه كل الشعر الفلسطيني المقاوم (رجاء النقاش – غالي شكري – عبدالرحمن ياغي – محمد دكروب – ويوسف الخطيب)، وغيرهم. وهذا تجزيء لشعر المقاومة الفلسطينية إلى أرض محتلة، و"شعر الثورة الفلسطينية". أما الزعم بفوارق مطلقة فهو غير صحيح، فهناك مشتركات أكثر من الفوارق. وللأسف تبنى الإعلام العربي لأسبابه الخاصة هذه النظرة بل ودفع باتجاهها بتخطيط سياسي مسبق ومقصود، لأن (شعر الثورة الفلسطينية) يحمل في ثناياه كمية كبيرة من (النقد للعرب أنفسهم). لأن شعر المقاومة في الداخل يواجه (العدو المتفق من الجميع) على عدائه. وبوضوح أكثر لم تتم مناقشة مصطلح "المقاومة" بأسلوب علمي حتى الآن. ووضعت أسماء شعرية فلسطينية متخلفة في خانة الشعر المقاوم لمجرد أنها تقع جغرافياً في "الأرض المحتلة" بينما شُطب (شعر الثورة) البارز منذ منتصف الستينات. المطلوب تحديد مفهوم "المقاومة الشعرية". لهذا كله، لا بُدّ من تصحيح هذا الخطأ، بل الخطيئة، ولو متأخرين!!.
7. ما زال القارئ العربي متأثراً بالنقد الإعلامي والشائعات النقدية الإعلامية. ففي عام 1983 أقيمت أمسية شعرية لعدد من طلبة جامعة قسنطينة، وكانت القصائد تدور حول حصار بيروت ثم فتح النقاش الذي لم أتدخل فيه. فقال شاعر ينتقد قصائد زملائه الشعراء الجزائريين الشباب: لا يحق لكم أن تكتبوا عن حصار بيروت، لأنكم لم تعيشوا الحصار. والذين يحق لهم أن يكتبوا عن الحصار هم شعراء المقاومة الفلسطينية فقط، بل وشعراء الجليل منهم فقط. أي لا يحق لمحمود درويش ومعين بسيسو وعزالدين المناصرة، الذين عاشوا حصار بيروت أن يكتبوا عن حصار بيروت. للأسف فهذا المنطق الساذج ليس بعيداً عن النقاد العرب الكبار والصغار منهم، إذا تمعنا جيداً في نقدهم العملي.
- أول مقال لتصحيح الخطأ التاريخي بحق الشعر الفلسطيني الحديث، هو مقال: (من هم شعراء الثورة الفلسطينية ومقاومتها) نشرته جريدة (رأي اليوم) الإلكترونية، لندن، يناير 2018). وكان أول من نشره هو موقع (تليفزيون المنار اللبناني).
8. انظر: ديوان محمود درويش – المجلد الأول، دار العودة، بيروت 1980. كذلك ديوان سميح القاسم، دار العودة، بيروت 1973، مع مقدمة مطاع صفدي. كذلك: ديوان "أبو سلمى" – عبدالكريم الكرمي، دار العودة، بيروت 1978.
9. كتب معين بسيسو ومحمود درويش خلال حصار بيروت، قصيدة مشتركة بعنوان "إلى جندي إسرائيلي" وتجربة القصائد المشتركة ليست جديدة على الشعر الفلسطيني وأفكار ومعاني هذه القصيدة تتشابه إلى حد بعيد مع قصيدة درويش "جندي يحلم بالزنابق البيضاء"، وقد لقيت القصيدة موقفاً سلبياً من المقاتلين الفلسطينيين خلال حصار بيروت، لأنها (تؤنسن!) الجندي الإسرائيلي أكثر من تقديمه كمجرم حرب. أما بعد الخروج من بيروت فلم تظهر صورة اليهودي في الشعر الفلسطيني: (مديح الظل العالي) لدرويش و(القصيدة) لبسيسو، و(حصار قرطاج) للمناصرة على سبيل المثال.
10. انظر: دواوين عزالدين المناصرة: يا عنب الخليل – 1968، الخروج من البحر الميت – 1969، قمر جرش كان حزيناً – 1974، لن يفهمني أحد غير الزيتون – 1976، جفرا – 1974، كنعانياذا – 1983، حصار قرطاج، 1983.
11. انظر: مقدمة عزالدين المناصرة لديوان توفيق زيّاد، الطبعة الأولى، دار العودة، بيروت 1970. وانظر: مقدمة عزالدين المناصرة لديوان راشد حسين: "أنا الأرض لا تحرميني المطر"، منشورات فلسطين الثورة، 1976.
12. نلاحظ أن النقاد العرب درسوا "شعر المقاومة في الجليل" بمنطق سياسي وليس انطلاقاً من المستوى الإبداعي. ولهذا تمت إسقاطات كثيرة سلباً وإيجاباً: يوسف الخطيب مثلاً، في مقدمته لديوان الوطن المحتل وعبدالرحمن ياغي في دراسته "شعر الأرض المحتلة"، فالأول سلبي والثاني إيجابي مبالغ، كذلك رجاء النقاش.
• - كذلك، كان لي الشرف، أنني كنت أول ساهم في نشر أول ديوان مطبوع لسميح القاسم، خارج فلسطين (دار الآداب) – انظر مقال الروائي والصحافي (ياسين رفاعية) – جريدة الأخبار، بيروت، بانتظار طائر الرعد – (11/9/2014).
- كذلك أطلقت مصطلح (شقي البرتقالة) في عام 1976 في مقدمتي لديوان راشد حسين، وكنت أعني (شعراء الوطن – وشعراء المنفى).
- كذلك – كنت (مدير مهرجان الشعر الفلسطيني) الثاني في (16/3/1967)، حيث ألقيت أشعار (درويش والقاسم وزيّاد)، لأول مرة بمصر.
- بدأت علاقتي بمنظمة التحرير الفلسطينية، منذ عام (1964)، حين أصبحت عضواً في (الاتحاد العام لطلبة فلسطين – فرع القاهرة)، وتلقيت (دورة عسكرية) في جامعة القاهرة، 1967. ثم كنت (الشاعر الفلسطيني الوحيد) الذي حمل السلاح، دفاعاً عن المخيمات الفلسطينية، والجنوب اللبناني في المرحلة اللبنانية (1972-1982) للثورة الفلسطينية.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. شبكات| الفنانون السوريون يغيرون مواقفهم من بشار الأسد.. كيف
.. رئيس قطاع الهندسة بمدينة الإنتاج الاعلامي من مهرجان البحر ال
.. «نجم المسرح» منصة اكتشاف المواهب الفنية بقيادة «قروب مافيا س
.. فكرة جميلة علشان الجماهير تروح الملاعب وتشجيع فرق كرة القدم
.. الفنان السوري فارس الحلو: أرفض حكم العسكر