الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


معجزة - إسمها - الجسم البشري

محمد عبد القوي

2018 / 1 / 25
الطب , والعلوم


إنك إذا كان أمامك الآن هاتفك فأنت لا تنظر إلي قطعة هندسية واحدة مجردة وإنما تنظر إلي قطعة هندسية متكاملة تحتوي علي قطع وأجهزة أخري أصغر وأدق فالشاسيه والشكل الخارجي يحوي بداخله شاشة وقطعاً للصوت والشبكة والإهتزاز والشحن ولوحة إلكترونية تحوي بدورها أجهزة أدق مثل الأيسيهات والترانزستور والفلاتر ...وما يوصلهم ببعضهم هي مسارات نحاسية تمشي في عمق هذه اللوحة كذلك الجسم البشري (بالضبط) لكن الجسم أكثر تعقيداً وأكثر إنضباطاً وأكثر توازناً لأنه يحوي الحياة

إن بداخل الجسم البشري - ذلك الكيان العظيم - أجهزة كثيرة تقوم بوظائف متعددة فالجهاز اللحافي مثلاً الذي يشمل الجلد والشعر والأظافر والغدد الدرقية ومنتجاتها من العرق والمخاط يقوم بحفظ الماء وحماية النسج العميقة ويساعد في إخراج الفضلات عن طريق العرق كما يعمل كمستقبل لإحساسات اللمس والألم والبرد والحر ...إلخ
بالإضافة إلي إحتواءه - أي الجهاز اللحافي - علي غدد دهنية تعمل علي الحفاظ علي نعومة ورطوبة الجلد والشعر ...ويحتوي الجهاز اللحافي أيضاً علي عدد من الغدد الصملاخية التي تفرز شمع الأذن وهو سائل دهني يحمي الأذن من البكتيريا والفطريات
وهناك جهازاً آخر يدافع عن الجسم ضد العناصر المسببة للمرض يسمي (الجهاز اللمفاوي) ...وآخر مسؤول عن ضخ الدم في جميع أنحاء الجسم ويسمي (الجهاز الدوري) وغيرهم الكثير والكثير

إن جسم الإنسان مصنف فيزيولوجياً إلي نحو ثلاثة عشر جهازاً يقومون بوظائف متعددة ومتكاملة تحفظ للجسم التوازن والدقة والإنضباط وبالتالي تحفظ له الحياة ...ونتاج عديد من هذه الوظائف تعمل الحواس التي هي نافذتنا علي العالم الخارجي وسُبل إدراكنا لما حولنا
لقد قام أرسطو منذ ألفي سنة بتصنيف الحواس وخرج لنا بخمسة حواس نعرفها جميعاً وهي حاسة البصر والسمع والتذوق والشم واللمس ...لقد كانت له تلك النظرة الفلسفية التي إستقاها من فكره بحيث جعل من الحواس محفزات خارجية للإحساس ...مجرد تحفيز المؤثرات الخارجية للإحساس أما الآن فلقد علَّمنا العلم حقيقة هذه الحواس بل والآلية التي تعمل بها وبرغم أن هناك حواس أخري ندرك بها مشاعر الألم والتوازن والحركة والإتجاه وغيرها إلا أن الحواس الخمسة تظل هي الحواس الأساسية للجسم البشري أما الحواس الأخري فهي لنقل حواس ثانوية

ولأننا نري العالم من حولنا ونستطيع تفسير صورة الأفق المنظور لأننا نمتلك عيون فإن هذا العيون هي مدهشة حقاً في تركيبها ودقائقها ...إنها بحق معجزة متكاملة في التكوين فعيوننا من الناحية التشريحية تتكون من ثلاثة طبقات ...والطبقة الأولي هي الطبقة الخارجية الصلبة التي تتكون من نسيج ضام يحمي العين وتحوي هذه الطبقه في جزءها الأمامي القرنية أما الطبقة الثانية فهي طبقة مشيمية تحوي في الجزء الأمامي منها القزحية وهي دائرة ملونة ومسؤولة عن لون العين وهذه الدائرة بمنتصفها فتحة صغيرة تسمي الحدقة كما أن هذه الطبقة تحوي أوعية دموية تعمل علي توصيل الدم المحمَّل بالأكسجين إلي الشبكية والتي هي الطبقة الثالثة والأخيرة من طبقات العين

وهذه الشبكية تبطن المشيمية من الخلف ومن الجوانب كما تحوي خلايا بصرية وفيتامين A والعصب البصري ...وما أن يسقط الضوء القادم من أية مصدر علي قرنية العين حتي يعبر الطبقة الرقيقة الشفافة الأولي التي يتم تنظيفها وترطيبها تلقائياً نحو عشر مرات كل دقيقة مع كل حركة جفن ...ويظل الضوء في مساره هذا حتي يخترق الفتحة الضيقة لحدقة العين ...ومن خلالها يكون قد مر بالعدسة ثم تقوم عضلات القزحية نفسها بالضغط علي الحدقة لكي تغلق وذلك عندما يكون الضوء قوياً وما أن يخفت الضوء وتسترخي القزحية حتي تفتح الحدقة مرة أخري وعندها تركز القرنية والعدسة الضوء الذي ينتقل فوراً إلي داخل جدار العين الخلفي حيث الطبقة الثالثة والأخيرة وهي الشبكية ثم تقوم نحو مائة وواحد وثلاثون مليون كاميرا (لاقط صور) بتحويل الضوء إلي إشارات كهربائية وإرسالها إلي الدماغ فيقوم الدماغ بمقارنة هذه الصور الجديدة مع المعلومات المحفوظة عن الشيء الذي يراه ويجمعهما مع بعض ومن ثم نبصر جيداً ...وكل ذلك يحدث في جزء بسيط جداً من الثانية

إن مثل هذه الحاسة لشيءٌ عظيم ...وحاسة أخري بدونها لا نستطيع أن نسمع أحداً أو نميز صوتاً بل لن تستطيع أجسامنا أن تتوازن وبذلك لا نستطيع أن نحدد مواضعنا وأين نحن في أية لحظة
إنها حاسة السمع ... تلك الحاسة المسؤولة عنها الأذن ...والأذن من الناحية التشريحية تتكون من ثلاثة أجزاء هي الأخري ...الجزء الأول هو الأذن الخارجية التي تُشكل (الصيوان) وهو الجزء المنحني الظاهر خارج الرأس الذي يتكون من نسيج مرن قوي يسمي (الغضروف) ويكسوه طبقة رقيقة من الجلد ثم يتدلَّي جزء ضئيل من الصيوان يسمي شحمة الأذن (الروم) ويتكون من مادة دهنية كما تحتوي الأذن الخارجية علي نفق سمعي يؤدي إلي طبلة الأذن وهو عبارة عن غشاء رقيق مشدود بقوة ويبلغ قطره حوالي عشرين مللي متر ...والجزء الثاني من الأذن هو الأذن الوسطي يحوي عظام السمع الثلاثة (المطرقه، السندان والركاب) وتتعلق هذه العظام علي التوالي في أربطة ووظيفتها توصيل إهتزازات طبلة الأذن مضخمة إلي قوقعة الأذن ...وأما الجزء الثالث والأخير فهو الأذن الداخلية التي تتكون من الدهليز وهو غرفة صغيرة دائرية الشكل ...بالإضافة إلي القنوات الهلالية الثلاث والتي تتكون بدورها من ثلاثة قنوات (الجانبية، العليا والخلفية) وتحتوي هذه القنوات علي ثلاثة أنابيب مليئة بسائل يحفظ لنا توازننا كما تحتوي الأذن الداخلية أيضاً علي القوقعة ...وهذه عبارة عن شكل حلزوني يلتف حول نفسه مرتين ونصف وبداخل هذه القوقعة ثلاثة أنابيب ملتفة حول نفسها أيضاً ومليئة بالسائل ...وإن إثنين من هذه الأنابيب يلتقون عند قمة القوقعة أما الأنبوب الثالث الذي يسمي (أنبوب القوقعة) فيحتوي علي الغشاء القاعدي الذي يوجد به أكثر من 15 ألف خلية شعرية ...وهذه الخلايا تكون (عضو كورتي) وهو عضو السمع الفعلي ...وما أن يدخل الصوت إلي الأذن ويمر عبر النفق السمعي حتي يرتطم بطبلة الأذن ويجعلها تهتز وبالتالي تحدث ذبذبات تنتقل إلي عظام الأذن الوسطي وتحركها وعندما تتحرك عظمة الركاب تحديداً تحدث موجات ودوامات في سائل القوقعة فتنزلق الخلايا الشعرية لعضو كورتي المسؤول عن السمع فتنحني الخلايا الشعرية مما يحدث دفعات عدة في ألياف عصب القوقعة الملامس لهذه الخلايا ...ويقوم عصب القوقعة حينها بنقل هذه الدفعات إلي الفص الصدغي في الدماغ المسؤول عن السمع فيقوم الدماغ بترجمة هذه الدفعات إلي أصوات

إن إهتزازات عظام الأذن هذه سريعة جداً لدرجة أنها تهتز بمعدل عشرين ألف مرة في الثانية الواحدة وهو أمرٌ عظيم خاصة إذا علمنا أن هذه العظام تفعل ذلك كل ثانية وكل دقيقة وكل ساعة وكل يوم من أيام حياتك
وبالإضافة إلي كل هذه الخصائص الهائلة للسمع وحفظ التوازن فإننا قادرين أيضاً علي تمييز الأصوات ...ومن المعروف أن الموجات الصوتية تصل إلي الأذنين في نفس الوقت بسبب ثبات سرعة الصوت لكن المذهل حقاً أن أدق الفروق من حيث الزمن يكون كافياً لنا لنميز الأصوات التي يبلغ زمانها واحد علي ألف من الثانية ...ولو كنا علي سبيل المثال غير قادرين علي تمييز الجهة التي يأتي منها الصوت لعجزنا أن نجالس أحداً أو نعبر طريق ما وغير ذلك من تلك الأمور الحياتية
ومن العجب - وإضافةً لكل ما سبق من قدرات الجسم البشري - هناك نحو عشرة آلاف مستقبل حسي في اللسان يجعلنا مالكين لحاسة التذوق بحيث نستطيع أن نميز بين الأطعمة المختلفة

وهناك حاسة أخري أكثر قوة من حاسة التذوق وهي حاسة الشم
إنه لشيءٌ مذهل حقاً أن يحتوي مجري الأنف علي مستقبلات حسية للرائحة تغطيها شعيرات صغيرة يبلغ عددها نحو عشرة ملايين (أكثر من شعر الرأس ذاته ) لتكسبنا القدرة علي تمييز نحو عشرة آلاف رائحة مختلفة ...ناهيك عن حاسة أساسية وهي حاسة اللمس والتي نستطيع من خلالها أن نحس بلمس الأشياء ومن ثم نعرف العالم من حولنا ...وإن من الغريب في هذه الحاسة أن الأعضاء المسؤولة عنها لا توجد في منطقة بعينها فقط وإنما توجد في جميع أنحاء الجسم وذلك من خلال حساسية الجلد لمختلف أنواع المثيرات عن طريق أعضاء الإستقبال الداخلية فلك أن تتخيل كم هو عظيم هذا الجسم
إنه المعمار الجميل الذي يحفظ لنا حياتنا ...إنه كالنظام الشمسي الذي يترابط بفعل الجاذبية المتزنة ...إنها جاذبية لا تزيد إلي القدر الذي يؤدي إلي إندماجها القوي فتفني ولا تقل إلي القدر الذي يؤدي إلي تفتتها وتمزقها وهكذا كان لابد لهذا المعمار الجميل من قوة تربطه ...قوة مثل قوة الجاذبية التي تنظم عمل الكون

إن هذه القوة هي العظام ...والعظام تختلف في أشكالها وأحجامها فمنها الإسطوانية ومنها الكروية وبعضها طويل والآخر قصير وبعضها سميك والآخر رفيع وبعضها مجوف والآخر مسمط وكل ذلك يترابط مع بعضه البعض مكوناً الهيكل العظمي للجسم وذلك عن طريق عدد من المفاصل تصل إلي نحو مائة وسبعة وثمانون مفصلاً يسمحون لنا بالحركة
إن هذه العظام تتكون من مادتين أساسيتين هما (فوسفات الكالسيوم) و(بروتين الكولاجين) وهم مزيجٌ متكامل بحيث تكون العظام قوية بما يكفي لتحمي أعضاءنا الداخلية الدقيقة وفي نفس الوقت مرنة لكي تخدمنا في الحركة طوال حياتنا فإنه لو غاب فوسفات الكالسيوم عن العظام لأصبحت رخوة كالمطاط ولو غاب بروتين الكولاجين لإنكسرت العظام كالزجاج لذلك هي تتمتع بخاصيه فيزيائية مذهلة وهي خفة الخشب وقوة الفولاذ

لقد عرفنا أثناء هذه الرحلة العلمية أن جسم الإنسان فعلاً مذهل ومتقن ...وأنه حقا شيءٌ يقف أمامه العقل مبهوراً بجماله وتعقيده البديع ...وكما أن السيارة بتصميمها الرائع وتكاملها في أداء وظائفها تحتاج إلي وقود لكي يمدها بالطاقة حتي تعمل فبالمثل تحتاج أجسامنا إلي الطاقة لكي تعمل أيضاً
وهذه الطاقة تأتي من الطعام وما أن تأكل وتبتلع الطعام حتي تقوم المعدة في خلال عشرة ثواني بتحويل هذا الطعام إلي سائل يدعي (الكيموس) يدخل إلي الأمعاء الدقيقة حيث يجري إمتصاص معظم المواد المفيدة

وجدير بالذكر أن الأمعاء الدقيقة ضخمة جداً فهي أشبه بأنبوب طوله سبعة أمتار ملتف حول نفسه لكي تؤدي إلي إتمام كل عمليات الهضم والإمتصاص في الجسم وما أن تنتهي الأمعاء الدقيقة من عملها حتي تدفع بالمواد المفيدة إلي الدم حيث الوعاء الدموي الذي يسمي (الوريد البابي) ومن ثم يصل إلي الكبد ومن هناك يجري توزيع هذه المواد في كافة أنحاء الجسم عبر مجري الدم حيث تمتصها الخلايا المختلفة
وبعد كل هذا يتبقي بعض المواد السائلة فتدخل بدورها إلي الأمعاء الغليظة التي هي موطن مليارات الجراثيم والبكتيريا (نباتات الأحشاء) ولو كنت قد أكلت وطلبت من زوجتك أن تعد لك الشاي فإنك إذ تشرب الشاي الآن وتشكر زوجتك علي محبتها وكرمها لك تصل هذه المواد السائلة إلي البكتيريا التي تبدأ في عملها فوراً حيث تقوم بهضم ألياف النباتات التي عجزت عن هضمها الأمعاء الدقيقة

وفي الحقيقة توجد مجموعة كبيرة من الجراثيم والبكتيريا في أحشاءنا وهي عبارة أصلاً عن إضافة لمحتوانا الوراثي ...وتتمتع هذه البكتيريا بقدرة كبيرة علي تخمير وتفكيك المواد ...ولولاها لما كانت أحشاءنا لتقدر علي هضم ألياف النباتات ...ومن هذا العمل الهام ينتج غازات مختلفة مثل ثاني أكسيد الكربون والميثان وكبريتات الهيدروجين الذين يكونان في مجموعهما رائحة كريهة ...وما أن تجتمع هذه الغازات في الأمعاء الغليظة مع الفضلات التي تبلغ نسبة 50 % منها بكتيريا وخلايا ميتة من أجسامنا حتي تقوم عضلات الأمعاء بالضغط لتشكيل منطقة ضغط عالي تدفع الغازات والفضلات إلي المستقيم ثم إلي الشرج ومن ثم إلي قضاء الحاجة
إننا نقضي حياتنا نستغرق منها نحو خمسة أعوام في الأكل والشرب ونحو سبعة أشهر في المرحاض لنتخلص من الفضلات ...لكن ثمة ملاحظة تطرأ هنا : بما أن هناك بكتيريا في أحشاءنا وفي هذه الفضلات أيضاً فهناك سؤال مهم : هل توجد حياة أخري في داخلنا ؟!

لقد شعر الإنسان ولم يزل أنه كائن ذاتي متفرد له خصوصية وإستقلالية ولكن أهذا حقاً صحيح ؟!
لو فرضنا أن كائناً فضائياً له القدرة الهائلة علي سبر أغوار المادة وقام بفحص جسم الإنسان فماذا عساه يري ؟!
إنه سيري كائنات متجولة من الجراثيم والبكتيريا تصل إلي ملايين الملايين بل إلي المليارات ليس فقط داخلنا بل خارجنا أيضاً
قد تعتقد أنت الآن أنك بإستحمامك ستكون نظيفاً خالياً تماماً منها لكن الحقيقة أنه يوجد مليارات الجراثيم والبكتيريا علي جلدك بل وفي داخلك أيضاً
ومن المدهش حقاً ما نعرفه حينما نفكر في مصدر هذه الجراثيم والبكتيريا ونجد أنه مهما عصرنا أدمغتنا من كثرة التفكير فسوف نصل إلي الحقيقة المتفردة وهي أن مصدر هذه الجراثيم هي نحن لذلك لا يجب أن نتفاخر كثيراً ولا نتكبر علي أحد لأننا نملك مالاً وجاهاً لنشتري الملابس والمنظفات دون غيرنا فالنظافة الحقة هي نظافة الفكر وعفة القلب والخيال وطهارة الوجدان فنحن بيولوجيا لسنا كاملين بالمعني الذي يروجه البعض علي حساب البعض الآخر
إن كل منا مهما إختلف جنسه أو لونه فهو ناقص منتقص نقيصة الكون والحياة

وكالعادة يعلِّمُنا العلم التواضع والإيثار والمحبة الإنسانية
الحقيقية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجزائر تقاطع جلسة تصويت في مجلس الأمن على قرار أمريكي بشأن


.. بواسطة تلسكوب منظمة العلوم الأوروبية.. صور ساحرة لـ ”سديم ال




.. في ظل انقطاع التيار الكهربائي والإنترنت.. كيف عرف العالم ما


.. تفاعلكم | حقيقة -قرن- في وجه معمرة صينية شغل الانترنت




.. الدكتور باسم الحلبي يكشف خبايا عالم التجميل