الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


موت الثالوث المقدس. قراءة مستقطعة في نص لمحمد علاء زريفة

فتحية دبش
كاتبة، روائية، ناقدة ومترجمة

(Fathia Debech)

2018 / 1 / 25
الادب والفن


نص و قراءة

القصيد للشاعر السوري محمد علاء زريفة
القراءة للكاتبة التونسية فتحية دبش
___________

#القراءة

موت الثالوث المقدّس
قراءة مستقطعة في قصيدة أعراس الموت ل محمد علاء زريفة بقلم فتحية دبّش

تصدير:
« La seule vie réellement vécue c’est la littérature. »
Proust, Le temps perdu, TIII, p 895
بمعنى: " الحياة الوحيدة المعيشة فعليا هي الأدب ا"

إن تكنولوجيا التواصل اليوم كسرت طوق الجغرافيا و قربت المسافات المعرفية مما أدى إلى ظهور مستجدات فكرية لحوحة لا يمكنن إغفالها، و مخطئ من يتصور لوهلة أن تشديد الرّقابة كما هو الحال في بعض البلدان سيمنع التّوق إلى حرقة الأسئلة و الهدم و ربما إعادة التأسيس التي ستكون مرحلة لاحقة و لا شكّ.
و إذا صدقت مقولة بروست أعلاه، فإن الأدب هو المجال الأول الذي منه و به تنبني حياة يراد عيشها على نقيض الحياة المعيشة. فتنقلب الموازين و تصبح الحياة التي تنبعث في الأدب هي الحقيقية و تلك التي نعيشها خارج الأدب هي الزيف.
و هنا و من هذا المنظور العام سأقرأ قصيدة (أعراس الموت) للشاعر السوري علاء محمد زريفة و أعنون القراءة ب: موت الثالوث المقدس و التي ستكون ضمن كتابي المستقبلي الموسوم ب الرسائل الرقمية المشفرة للعالم.

هل يكتب الكاتب فقط لمجرد الكتابة؟
و للإجابة على هذا السؤال لابد من الدخول إلى تخوم النّفس البشرية و قراءة مرحلتي ال ما قبل النص و ال ما بعد النص.
هي النصوص كلّها على اختلاف هويتها الأجناسية و مرجعيتها المعرفية إبحار في النفس البشرية بدء من الهواجس وصولا إلى بلورة الحقيقة (النسبية).
حين نتناول نصا كهذا الذي بين أيدينا، تحضرني مقولة للناقدة الفرنسية سوزان برنار عن كون قصيدة النثر هي" خلق حر ليس له من ضرورة سوى رغبة المؤلف في البناء خارجا عن كل تحديد، شيء مضطرب ايحاءاته لا نهائية."
و بالتالي يفتح القصيد للقارئ باب القراءة اللاّمتناهية و باب التأويل و المخاتلة.

يبني الشاعر قصيدته على مقاطع متفاوتة الحجم، يغلب عليها الطابع الثوري المقوّض لحالة الطمأنينة المقدسة التي ساهمت أبدا في قتل الأسئلة، بانيا أو محاولا بناء حالة من العصف توّاقة إلى الكسر،
و رغم كون التشكيل و مقوّمات التجنيس في النص لا تعنيني البتّة إلا أن استقراء الفكرة لابد فيه من الإشارة إلى السّجل اللّغوي و المرجعي الحافل بالممنوع و المحرّم (سأزني، اللحم المحرم، الوطن،الراية المقدسة...)
و هكذا يرنو لنا مطمح الشاعر و من ورائه الفرد اليوم في موت الثالوث المقدس، و من هنا يتخذ العنوان (أعراس الموت) كل طقوسيّته و كلّ شرعيّته أيضا المغموسة في سجلّ يجمع بين المقدس و المدنّس.

في هذا الجزء من المقاربة النقدية الثقافية سأتوقف عند مفتتح قصيدة :
( سأزني بك
لأنك زوج أمي الذي لا أستطيع مناداته
أبي)
و يكمن هنا سرّ النص، هذه العلاقة الثلاثية القائمة بين الإبن و الأم و زوج الأم مستبعدة بل لاغية للأب.
و هنا مفتاح أول لكسر صورة ذهنية و عاطفية تحدد الإنتماء،
إذا كانت الأم قد وجدت شرعية تحوّل انتمائها فإن ذلك يستحيل على الإبن (لا أستطيع) ...و بالتالي تنشأ في وعيه تلك الأسئلة عن مدى شرعية هذه الشّرعية في العلاقة و ما استخدام الكاتب ل ( أزني) إلا تدليل على هذه الشرعية اللاّشرعية...
يحيلنا الشاعر و منذ المفتتح إلى باب أول من المحرم أو المقدس و بما أنه لا يمكنه الزنا بأمه فقد قرّر مستقبلا الزنا بزوجها على سبيل الحلقة و الحد الكامن بين الأبن و أمه.
فإذا كانت الأم مقدسة أكثر من الأب و تنصّبها كل الثقافات تقريبا أعلى الهرم فإن الشاعر يروم بناء هرمية جديدة يكون فيها الأبن هو المقدس باعتباره هو المعطي للأم هويّتها كأمّ .()
و هكذا يلج الشاعر منطقة الثالوث محتفلا بموته حين يعلن:
((نيّة الزنا بزوج أمه،
بالتهام شريحة اللحم المحرّم،
انه صوت كل اولئك الذين تنكرهم دفاتر سجلاتك الرسمية...
..إنها ليست حربنا
..اللاوطن،
قصيدة معدة للإنفجار))....

()...(سامحوني، لم أعد جاهزا للموت ... آلاف المرات)
هذا السطر هو الرّسالة التي يوجهها الشاعر و من ورائه الفرد اليوم إلى العالم...
ماجدوى الموت المتكرّر؟ ما جدوى الحروب القائمة باسم الدين و باسم الوطن و باسم الجنس و التي لا تخصّ الفرد و يُجبر على خوضها، ما جدوى المقدس(الأم) إن هي سلّمت تحت شرعية ما ابنها للموت و اللاّجدوى؟
__________________

النص: أعراس الموت

سأزني بكَ..
لأنك زوج أمي الذي لا أستطيع مناداته
أبي!
سأحمل جرحي الميت ـ سلفاً
وأمضغُ على عتباتِ حجارتك السلجوقية
هزائمي أجمعها..
سألتهم على عجل شريحة اللحمِ المحرمْ…
سأفتح نار رشاشي الفردي
واقهقهُ ساخراً:
تباً لكْ!
يا وطني
……….
أبو جهلٍ أخرْ
هو من يحرقُ الراية المقدسةْ
ورائي ما هو ورائك…
خصومة الأوثان، وخصومة العبيد السعداء
لا يغشى على أبصارهم..
ولا هم (يؤمنون)
ولا هم (يحزنون)
إذاً… فليسترح هذا الأبلهُ خلف ستار العنكبوتْ
وليشّمَ رائحة النتنِ بين شعور ابطيه
ليسترح اللهُ من مهنته المملةِ
الأبدْ
…… ..
لستُ حياً في خضمكْ
أنا صوت كل أولئك الذين تنكرهم دفاتر سجلاتك الرسمية..
وتحفظهم دور التحقيق..
أنا صدى… اللقطاء، و باعةِ الأحلامْ
ونكراتِ الأصواتْ
فهل يعرفني حراسكْ الطيبون؟
…… .
أبدأ على الأرضْ
وانتهي عليها…
أليس آدم من ترابْ؟
فما نفع شقائنا نحن الفانون هنا أو هناكْ
لم نخرج إلى الحرب
لكنها دخلت تحت جلدنا…. رغماً
… .
اسأل الشهيد القادم
ما يفعل الشهداء حقاً، فوقْ؟
هل يموتون مراراً؟
هل يبّترون سيقان أشجارهم؟
كرمى للا شيء
يصرخ بي طفل مخلدٌ يأتي من نواحي المطّهرْ
لا تجدف بالمعنى
أكتفي لو شئت برجم الاسم
ارتدي جبتك الخضراء
واصعد معي إلى الجبلْ
…..
برزخ مسكين هو الوقتْ
ولا هواء يمشّط جباه الأموات
صوتي سفينةُ الخارجين من حتفهم
ادخلوا في الماء ولا تعودوا إلى هناكْ
ما نفع شقائنا الجماعي؟
يا أبناء الزناة
“إنها ليست حربنا”
وكفى المجرمون شر السلام
إنني احتفي الآن بالزندقة”
وهذا العهر المكابرْ
أنا أبو نبوءتي..
حيث لا أحد
……….
نقطةُ فوضى..
على بابِ هذا اللا ـ وطن”..
قصيدة مُعدةٌ للانفجار
……………
سامحوا بؤسي اللعين، كراهيتي العمياء
خيال (ابن خلدون) الملتصق بجسدي الضئيل
وكتاباتي المراهقة…
سامحوني لأني لم أعد جاهزاً للموت… آلاف المرات
……..
أقرأ سورة الرحمن”، وأغصُّ بسفرجل” الهدايةِ
بين آيتين (الأولى لم أتبين حقيقة الوحّي الساقط من لسان الله إلى دمي الفاسدْ، الثانية لم أجد فمّاً لأنطق بها)
سبقتني كفي، سبقني الغيم العابر رأسي إلى التلمود
مرةً أخرى..
مرةً أخرى لم أعد من هُنا..
…………
جبنّتُ أمام المعصية، ولم اقترف اثماً واضحاً
كنتُ أصغر من شمسِ ضفيرتها
وأكبرَ من كيد الرجل الهادئ الراقد في سريره الخشبي
يتلمسُ كلماته في دخان الحريق، وصوت الرصاصةِ التي أصابت رأس غيبه بمقتل.
إنه أنا، أضحكُ من بكاء ويضحك
ويحمل مقذوف عادته السرية إلى جهةٍ سماويةْ.
ويشهر الحاده بوجه الربْ
………………
صباح الخير أيها الحُبْ..
وأشرب تفل قهوتي فوق سحابةِ أغنية
اذن هي الحرب تبقي و تذرْ
تبقي الحُب ساخناً في جسم الياسمينة المشنوقة على السياج.
وتذرُ براز الخطاب المُعَدِ حول المجزرة
مساء العدل أيها القلبْ..
حين يهجر الحُبُ يومنا القصير في البندقية و زهرةِ الكأسْ
ويتركُ لونه الغامقَ في نشيج ملابسنا الداخليةْ
…………
أكرهك يا وطني الحبيبة
أحبُّ هذا الشعور المكسو بالضغينة وشوكِ الصبّار
أحبّكِ يا بلادي الصحراء
أمدد ذراعي فوق الغصون المحشوةِ بالرمل والأبجدية الخاسرةْ
لكني فقدتُ الصبر، واعترفتُ بعجزي عن ترتيب كلام ليلّك الإباحي.
أنا أجحدك يا وطني العجوز، لا أكثرْ
……… .
على باب هذا اللا ـ وطن
حقيبةٌ لقصيدةْ مُلغمةْ
لم تنفجر بعدْ
_________________








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المخرج الأمريكي كوبولا على البساط الأحمر في مهرجان كان


.. ا?صابة الفنان جلال الذكي في حادث سير




.. العربية ويكند |انطلاق النسخة الأولى من مهرجان نيويورك لأفلام


.. مهرجان كان السينمائي - عن الفيلم -ألماس خام- للمخرجة الفرنسي




.. وفاة زوجة الفنان أحمد عدوية