الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رياض الترك: بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفياتي

أحمد مولود الطيار

2003 / 3 / 6
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


أخبار الشرق - 4 آذار 2003

اعتقل في زمن الحرب الباردة في وقت كان فيه الصراع على أشده في مناطق مختلفة من العالم بين الجبارين الاتحاد السوفياتي آنذاك والولايات المتحدة الأمريكية. كان رياض الترك مارقاً في نظر الاتحاد السوفياتي لم ينصَع لأوامره ولوصفاته الجاهزة. عمل في حزبه انطلاقاً من واقع محلي وعربي له مشكلاته وأوضاعه وبيئته الخاصة. كان كلام السوفيات من وجهة نظره ونظر رفاقه، كذلك تحليلاتهم وماركسيتهم منطلقة من واقعهم هم ولا يصح تعميمها واعتبارها صالحة لكل زمان ومكان.

لست هنا في معرض استعراض قضايا الخلاف في الحزب الشيوعي السوري والعلاقة مع الاتحاد السوفياتي، ولكنها كانت أبرز قضايا الخلاف تلك، وذلك قبيل انشقاقه الشهير بين تيارين: أحدهما مدعوم من الاتحاد السوفياتي والنظام السوري السابقين يقوده خالد بكداش ويوسف فيصل، وثانيهما تيار شيوعي جديد ينطلق من فهم ماركسي خاص به، مكوناته بيئية بكل ما لهذه الكلمة من عمق ودلالات وأبعاد يقوده رياض الترك وعمر قشاش وأحمد فائز الفواز وقواعد كبيرة جداً، وشكل هذا التيار الأغلبية.

قلت لست في معرض سرد قضايا الخلاف تلك، فلقد كُتب وقيل فيها الكثير، وإنما أردت توكيد شيء واحد مهم له دلالات كبيرة: إن رياض الترك ترك وحيداً يواجه العزلة والقمع و"التعتيم" في مواجهة نظام شرس لا يفهم ألف باء الاختلاف في الرأي وألف باء المواطنة وحقوق الإنسان. فرفاقه السابقون في التيار الآخر تنفسوا الصعداء ولسان حالهم يقول: خلصنا إلى غير رجعة. وفاتهم أن رياض الترك إن كان بالمعنى النضالي أو بالمعنى الفكري ستمتد جذوره تحت كل مكان، والمتتبع الآن لأحوال الفصائل الشيوعية في جبهة النظام المسماة "الجبهة الوطنية التقدمية" يلحظ الموات الذي هي فيه، على العكس من ذلك حال الحزب الشيوعي - المكتب السياسي والاحترام الذي يحصده في أوساط شرائح كبيرة من المجتمع السوري ومن أعدائه قبل أصدقائه رغم ماتعرض له الحزب من ضربات قاسية ولئيمة في أزمة الثمانينات المعروفة التي عصفت بسورية والتي كادت أن تودي بالحزب إلا انه ينهض من جديد بفاعلية اكبر.

هذا بالنسبة إلى الرفاق السابقين. أما بالنسبة إلى الاتحاد السوفياتي آنذاك؛ كان أمر رياض الترك لا يهمه ولم يحرك ساكناً لدى النظام السوري لرفع يد القمع عنه أو عن معظم القيادات والكوادر في حزبه القابعين في سجون ومعتقلات النظام السوري. ولو أراد فعل شيء ايجابي لاستطاع فعل الشيء الكثير لما له من تأثير ونفوذ لدى نظام الحكم في سورية وقتذاك، ولكن على العكس من ذلك فعل، فرياض الترك ورفاقه في نظر الاتحاد السوفياتي خارجون عن "الفاتيكان الكنسي الشيوعي"، إن جاز التعبير.

ماذا عن القوة العظمى الأخرى: الولايات المتحدة الأمريكية؟ هل هي صادقة فعلاً في ما تروجه وتدعيه عن الديمقراطية وحقوق الإنسان؟ قطعاً لا، فعندما تتعارض تلك الديمقراطية مع مصالحها فالغلبة للمصالح، والشواهد في ذلك أكثر من أن تعد وتحصى والمواطن العربي يعرف ذلك ولا حاجة به إلى أحد ليذكره.

الحزب الشيوعي السوري - المكتب السياسي في مؤتمره الخامس المنعقد في عام 1978 والذي يعد علامة بارزة في حينه ونقلة نوعية في خطه ومساره (رياض الترك كان احد ابرز المساهمين في ذلك المؤتمر)؛ طرح الديمقراطية شعاراً وممارسة، ديمقراطية وديمقراطية فقط، بلا لواحق لا من قبل ولا من بعد، وما هو المانع أن تكون ديمقراطية وعلى النمط الغربي، ما الضير في ذلك؟!

إذاً لنتخلص من عفن موروث، ديمقراطية اشتراكية أو اشتراكية ديمقراطية أو ديمقراطية شعبية وهلوسات لا عدّ لها أنتجت نظماً شمولية تسلطية قهرت الإنسان وأفرغته من كل محتوى وحولته إلى تابع خانع ذليل.

إذاً رياض الترك قبل أن يكون داعية من اجل الشيوعية فهو داعية ديمقراطية وداعية مجتمع مدني، ناضل ضد الدكتاتورية والقمع وعبادة الفرد، إن كان داخل حزبه قبل الانشقاق، أو ضد نظام أدرك قبل غيره خطورة طروحاته عليه فأبقاه حبيس زنزانة منفردة مدة ثمانية عشر عاماً.

السؤال الذي يطرح نفسه هنا ورياض الترك أنموذج: هل فعلاً الولايات المتحدة الأمريكية تريد لنا الديمقراطية كما تولول وتدعي؟! هل يهمها وجود رموز ديمقراطية تعمل على دمقرطة المجتمعات العربية والسير بها نحو تنمية شاملة بعيدة عن كل أشكال التبعية للغرب عموماً والولايات المتحدة بشكل خاص.

باعتقادي الولايات المتحدة لا يفيدها رياض الترك ولا كل رموز الديمقراطية الحقيقيين في الوطن العربي، لأن زرعهم في مجتمعاتهم يعني تحول تلك المجتمعات من حالة السلب التي هي فيها إلى حالة الإيجاب، ولكم أن تقدروا.

إن استراتيجية الولايات المتحدة هي زرع "التطرف" بكل أشكاله، لأن في ذلك السبيل الوحيد لإدامة التخلف والسيطرة على العالم. وبالتأكيد من يزرع العنف يحصده، وما أحداث الحادي عشر من أيلول "الإرهابية" إلا دليل أكيد على فساد ما زرعت. وكما يقول المثل العربي "على نفسها جنت براقش".

هل تراجع الولايات المتحدة الأمريكية استراتيجيتها القديمة وتتبنى استراتيجية حقيقية قائمة فعلاً على الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وعدم التدخل في شئون الدول وازدواجية المعايير والكيل بأكثر من مكيال؟!

اعتُقل رياض الترك إبان حكم الوحدة في سورية ومصر مدة عام ويزيد رغم أنه كان من أشدّ المؤمنين بها. ويعتقل ثانية إبان حكم الرئيس الراحل حافظ الأسد حوالي الثمانية عشرة عاماً لأنه آمن بالديمقراطية. ويعتقل ثالثة (ونتمنى أن تكون الأخيرة) في عهد رئيس شاب قال إنه يؤمن بالاختلاف ويحترم الرأي والرأي الآخر.

لماذا؟ .. لأنه كان داعية ديمقراطية ومجتمع مدني.

ويخرج رياض الترك مجدداً من سجنه لأن الشمس لا يمكن حجبها بغربال.

_________

* كاتب سوري

 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وول ستريت جورنال: إسرائيل تريد الدخول إلى رفح.. لكنّ الأمور


.. مسؤول عربي لسكاي نيوز عربية: مسودة الاتفاق الحالية بين حماس




.. صحيفة يديعوت أحرونوت: إصابة جندي من وحدة -اليمام- خلال عملية


.. القوات الجوية الأوكرانية تعلن أنها دمرت 23 طائرة روسية موجّه




.. نتنياهو يعلن الإقرار بالإجماع قررت بالإجماع على إغلاق قناة ا