الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثلاثة إسلامات .. سرقة العصر*

جعفر المظفر

2018 / 1 / 27
مواضيع وابحاث سياسية



هل سألت نفسك يا صديقي** عن الأسباب الجوهرية التي أدت إلى هذا النوع (الإستثنائي الوبائي) من الفساد في العراق. لنقف أولا أمام تفصيلة أساسية قبل ان نذهب للتفسيرات الفكرية أوالسياسية.
ولأبدأ بالسؤال التالي: المليارات الأربعمائة أو الخمسمائة أو الأكثر, التي إستولى عليها المالكي وحزبه, تراها إلى اين ذهبت ؟!, بالنسبة لي الإجابة واضحة فهي قد تفرقت على ثلاث. لقد ذهب قسم منها إلى جيوب كوادر وأعضاء حزب الدعوة والثاني للصرف على أمور الحزب السوقية أما القسم الأكبر فقد ذهب إلى إيران لدعم إقتصادها المنهار أثناء معاناتها الشديدة من الحصار في سنواته الأولى وقبل ان تكيف إقتصادها بعد ذلك لمقاومته.
أما عن الأسباب فهناك ما يقول لنا أن التناغم أو الوحدة الفقهية بين شيعة العراق وشيعة إيران - حينما يتسيس - يؤدي إلى التبعية السياسية الولائية بشكل مباشر وسريع, وهي هنا, اي التبعية السياسية أو الولائية, وبمفاهيم الدولة الوطنية ومعاييرها الأخلاقية والقانونية, تسمى خيانة وطنية.
الإسلام السياسي, جميع أحزاب إلإسلام سياسي, شيعية كانت أم سنية, لا تعترف بالحدود الوطنية, لأنها لا تعترف أساسا بالدولة الوطنية, بل تعمل لأجل بناء دولة إسلامية عابرة للحدود الوطنية تجمع العراقي والإيراني والمصري والأوزبكستاني.
الدولة الوطنية العراقية وكما هو معروف كانت تأسست في اعقاب الحرب العالمية الآولى, الأحزاب الإسلامية التي تأسست فيما بعد صارت متناقضة أصلا مع مفهوم هذه الدولة. سنَّة الإسلام السياسي ممثلين بالإخوان المسلمين بشكل رئيسي يريدون العودة إلى دولة الخلافة, المصريون منهم مثلا أقرب إلى تركيا أردوغان من مصر الحاكم الوطني.
اما شيعة الإسلام السياسي, ومثالهم هنا حزب الدعوة العراقي, فهم, إن لم يؤمنوا نصا بنظرية ولاية الفقيه بالمعنى الإيراني, فهم يتبعون سياسيا الدولة الإيرانية ويؤمنون أنهم أقرب إلى إيران من العراق على مستوى التبعية والولاء السياسي.
لقد حصل في اثناء الحرب العراقية الإيرانية أن إنحاز (الدعوة العراقي) إلى إيران وقاتل أعضاؤه بين صفوف جيشها ضد الجيش العراقي, بل كانوا سببا رئيسا من أسباب إشتعالها, إذ كانوا قد أعلنوا قبلها تصعيدهم لصراعهم ضد نظام صدام حسين إلى مستوى إعلان الحرب ضده (في البداية مبايعة أية الله محمد باقر الصدر على الولاء والطاعة – أي إعلان دولة داخل الدولة : دولة محمد باقر الصدر مقابل دولة أحمد حسن البكر, بمعنى آخر: مفهوم الدولة الموازية أو حتى مفهوم الدولة الضد) وبعدها موالاة الخميني حال تأسيس دولته بعد إنهيار نظام الشاه . والحديث عن ذلك يطول, وكنت كتبت بإسهاب ما يتناول هذه الموضوعة في المقالات التي تناولت حرب الثمانية سنوات بين العراق وإيران.
في أثناء إستيلاء المالكي على السلطة بعد إنتخابات عام 2010, بمباركة إيرانية وأمريكية, ويوم تصاعد الحصار الإقتصادي ضد إيران كأحد تداعيات الملف النووي, فإن حزب الدعوة كان أدرك أن إنهيار النظام في إيران سيؤدي إلى إنهيار الحزب بالنتيجة, لذلك فهو كان على إستعداد لأن يضع ميزانية العراق كلها تحت تصرف الطرف الإيراني, وهذا في إعتقادي ما حصل, ولو كنت أنا مكان المالكي لفعلت ذلك.
السبب الثاني للفساد الإستثنائي, الذي ادى إلى ما أسميه (سرقة العصر) من قبل المالكي وحزب الدعوة, هو الإهتزاز القيمي الأخلاقي. في البداية, ورغم إختلافي السياسي والعقائدي مع الدعوة, إلا أنه يجب الإعتراف أنه كان حزبا تضحويا, ويشهد له على ذلك المئات من أعضائه الذين أعدمهم صدام بالجملة .. لكن مالذي حدث لكي يتحول الدعوة إلى مجرد تجمع لصوص ؟!. إبحث عن ذلك في طيات السبب الثاني.
هذا السبب كان نفسيا وأخلاقيا وله صلة بإنهيار النماذج, وكان تراكم على مرحلتين, الأولى غطت سنين اللجوء السياسي حيث عاش أغلب قيادي الدعوة ظروف التشرد والحرمان والعوز الذي دفعهم إلى وضع الفاقة حيث تهيأوا في هذا الوضع للعمل في مختلف الإعمال التي سلبت منهم قيمهم المبدئية, خاصة بعد أن تيقن معظمهم أن نظام صدام حسين سيبقى على حاله مما جعلهم يلجأون إلى ترتيب إقامتهم في الخارج على اساس نسيان إمكانية العودة إلى العراق. بعدها عادوا إلى العراق وهم يحملون كل تشوهات حياتهم في منفاهم الطويل وقد وجدوا أنفسهم في صراع تنافسي مع بقية أحزاب الإحتلال, لا لغرض بناء العراق, وإنما لتقاسم ثرواته, وأما الدعوة وغيره من مجاميع الإسلام السياسي فقد تعاملوا مع الدولة العراقية بمنطق العدو الذي بات عليهم تفليشه لا بناءه فراح كل منهم ينهش من الجسد العراقي المتهاوي ما إستطاع الوصول إليه.
ولقد نزع الدعوة كل ما تبقى من الثياب التي كانت تستره, فبعد أن كان يناضل تحت شعار أمريكا هي الشيطان الأكبر وإذا به يتحول إلى تابع وحليف لهذا الشيطان, وبعد ان كان يقاتل تحت راية ولاية الفقيه فإذا به يضطر للعمل تحت شعارات الديمقراطية البرلمانية التي تتناقض كليا مع مبادئ الإسلام السياسي.
لقد صرنا هنا أمام صورة مجسمة تشبه صورة (دكتور جيكل ومستر هايد) الذي كان يقتل ضحاياه ليلا ويطببهم نهارا, ولم يكن مقدرا لهذه الإشكالية (الجيكوهايدية) أن تمر دون أن تزعزع آخر ما تبقى من القيم المبدئية والإخلاقية للدعوة لتخلق لنا مخلوقا مشوها وبشعا لم يلبث أن أسرف, وبمساعدة من نظام المحاصصة الطائفية, في إطلاق يد أعضائه ومواليه وحلفائه, وحتى منافسيه وخصومه ضمن منظومة النظام الطائفي, لسرقة كل شيء تصل إليه يداه.
وإذا كان منكم من قرأ رواية أحمد السعداوي (فرنكشتاين في بغداد) فلسوف يعثر على إحدى صورهذا المخلوق الجيكوهايدي مجسما في شخصية فرانكشتاين نفسه.
بل لعله سيراه أكثر منه تَشَّوها وأكثر منه تَشْويهْ.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*هذه المقالة هي القسم الثاني من موضوعة (ثلاثة إسلامات) ويليها قسم ثالث
** كُتِب معظم هذه المقالة ردا على مداخلة الصديق العزيز الدكتور الناصر دريد الخاصة بالقسم الأول.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المجر بقيادة أوربان تتسلم الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي..


.. الانتخابات التشريعية الفرنسية.. التجمع الوطني: الإغواء الأخي




.. انتخابات فرنسا.. ماذا سيحدث إذا لم يحصل أحد على أغلبية مطلقة


.. مستقبل غزة في -جيوب إنسانية- .. ملامح -اليوم التالي- تتكشف




.. إسرائيل تعتزم بدء المرحلة الثالثة من الحرب على غزة خلال أيام