الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأفيون أو العصا - النظام الجزائري و المأزق الاجتماعي

تركي لحسن

2018 / 1 / 28
مواضيع وابحاث سياسية


درج النظام الجزائري على تسيير الأزمات الاجتماعية بطرق و أساليب تٌجعل أثارها الجانبية دائما في ملعب الجماهير الشعبية. فبعدما كان هذا النظام قمعي بامتياز في سبعينات و ثمانينات القرن الماضي، انتهج بعد العشرية السوداء ما أسماه شراء السلم الاجتماعي، أي توظيف مداخيل البترول في تسيير الأزمات الاجتماعية، أو ما أسميه معادلة سعر النفط/ الهدوء الاجتماعي.
طيلة الخمس عشرة سنة الماضية ساهمت البحبوحة المالية في كتم ضجيج الأزمات الاجتماعية المتراكمة منذ أكثر من أربعة عقود. إلا أن الغليان الشعبي هذه الأيام، الذي أثارت حفيظته الإجراءات التقشفية وقض مضجعه الخطاب الاستفزازي للوزير الأول، و الذي تجسد في الإضرابات التي مسّت العديد من القطاعات الحساسة في البلاد، كشف عورة النظام و أثبت عجزه عن إيجاد حلول حقيقية لهذه الأزمات.
بعد الانهيار المفاجئ لأسعار البترول مع بداية 2014 حاول النظام عبثا أن يأخذ الأمر بجدية و أن يقول للشعب بطريقة تكاد تكون مباشرة، أن الدولة الأم، دولة الرعاية و البقرة الحلوب قد انتهت مدة صلاحيتها، و أنه آن الأوان للشعب الجزائري أن يشّمر على ساعديه ويقنع بالسلم و الأمن و الأمان الذي توفره له الدولة. فتارة يخوفون الشعب بكابوس العشرية السوداء، و تارة أخرى يحاولون إيهامه بأن الجزائر أحسن من أمريكا و من السويد.
بعد ما فرغ صندوق السلم الاجتماعي و فشلت كل محاولات التخويف و الإسكات، بل و زادت حدّة الاحتجاجات الشعبية، لم يجد النظام بدا من أن يشدّه الحنين إلى سياسات الماضي الديكتاتورية القمعية. فأعدّ العدة و العتاد ليضرب بيد من حديد كل من تسول له نفسه أن يحتج و يتطاول على النظام. فبدلا من أن يسطر استراتيجيات عقلانية و رشيدة لتسيير الأزمة، فضل أن ينتهج سياسة قمع المحتجين بأساليبه الموروثة عن أسلافه و أن يخرج مختلف أسلحته الردعية المخبأة.
لقد بدا واضحا و جليا الآن أن هذا النظام لا يملك خيارا ثالثا بدل التنويم و التخدير أو القمع. فيا إما أن يفلح في إلهاء الشعب و شراء ذمم الأفراد و إعطاءه مسكنات اجتماعية ليفقد وعيه، أو أن يقمعه و يرهِّبه إذا أحسّ أن مفعول التخدير لم يفلح. وإذا كانت الخيارات الاقتصادية التي تبنتها الحكومة الحالية، كفتح رؤوس أموال الشركات العمومية للخواص، مواجهة عجز الخزينة عن طريق التمويل غير التقليدي، أي طبع النقود، الحدّ من فاتورة الاستيراد، خفض التوظيف في القطاع العام و رفع الرسوم،... لم تفلح في كتم ضجيج الغليان الشعبي و المطالب الاجتماعية، فإن معنى هذا لا يخرج عن أحد الاحتمالين، فإما أن الشعب الجزائري قد تعود على الحلول السريعة و المباشرة، لأن الحلول المقترحة يبدو أنها ستطيل من عمر الأزمة و تمدد معاناة الشعب الذي ألف الرخاء المصطنع و الرفاه المزيف، أو أن الشعب قد نضج و وصل إلى درجة من الوعي أهلته لكشف حقيقة هذه الحلول الوهمية.
و لو تتبعنا تصريحات قادة النظام و الناطقين الرسميين باسم أحزاب السلطة لأدركنا بكل سهولة أن العمر السياسي لهؤلاء القادة و لأحزابهم قد أدركه الخرف و وصل إلى أرذل العمر. فحين يصرح قائد ثاني حزب في السلطة و رئيس الحكومة، في تشخيصه للأزمة الاجتماعية، أن سبب " الحرقة " الهجرة غير الشرعية للشباب يكمن في الضغط الذي يمارسه هذا المجتمع المتزمت ( على حدّ قوله ) على الشباب، حينها ندرك أن هذا النظام يسعى دائما لأن يلقي بالكرة خارج ملعبه، و أن يبرأ نفسه من كل التهم المنسوبة إليه و ينسبها للمجتمع، لهذا الضمير الجمعي الحاضر الغائب.
فإذا كان هذا النظام يدعى أنه هو من أرسى قواعد الأمن و السلم و الاستقرار من خلال ما أسماه بمشروع المصالحة الوطنية، و أنه هو من أنقذ الجزائر من خطر الفتنة الكبرى، فكيف به إذا يمارس العنف الجسدي و الردع الإداري و القمع المعنوي ضد احتجاجات شعبية سلمية ؟
إذا كان هذا النظام يفتخر من حين لآخر أنه استطاع بفضل تفاوضه مع الإرهابيين القتلة أن يرفع راية السلم و يحقن دماء الجزائريين، فلماذا يعجز عن التفاوض و فتح باب الحوار مع طبقة مثقفة من خيرت ما أنجب هذا الوطن ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف تأخذ استراحة بشكل صحيح؟ | صحتك بين يديك


.. صياد بيدين عاريتين يواجه تمساحا طليقا.. شاهد لمن كانت الغلبة




.. أمام منزلها وداخل سيارتها.. مسلح يقتل بلوغر عراقية ويسرق هات


.. وقفة أمام جامعة لويولا بمدينة شيكاغو الأمريكية دعما لغزة ورف




.. طلاب جامعة تافتس في ولاية ماساتشوستس الأمريكية ينظمون مسيرة