الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مقدّمة ديواني: -رسومٌ على جدارِ اللّيلِ-

عبد الرزاق الميساوي

2018 / 1 / 30
الادب والفن


مقدّمة ديواني: "رسومٌ على جدارِ اللّيلِ"
(قيد الطّباعة)
-------------
إذا لم ترتبكْ وأنتَ تأخذُ قلمَك ... فلا تكتبْ !
إذا لم تخفْ حتّى الرّعبِ وأنت تقتحمُ عشَّ الكلماتِ ... فلا تكتبْ !
إذا لمْ تتوتّرْ وأنت تبحثُ داخلَ المتاهةِ عن شظايا مرآةٍ تجرحُك وأنتَ تحاولُ معالجتَها لتَظهرَ على صفحتِها أغربُ الصّوَرِ ... فلا تكتبْ !
إذا لم تتنازلْ عن عرَقِك ودموعِك ودمائِك لتمزجَها حبرًا ... فلا تكتبْ !
إذا لم تتخطَّ كلَّ الحدودِ وكلّ الخطوطِ الحمراءِ وكلّ الممنوعاتِ وكلَّ الثّوابتِ وكلَّ المقدّساتِ ... فلا تكتبْ !
إذا لم يلفحْك صهدُ الحروفِ ولم يأخذْ حبرُ ريشتِك لونًا قانيًا،
إذا لم تغيِّرْ كلماتُك حركةَ الأفلاكِ وتحوّلْها عن مداراتِها ولمْ تؤثّرْ في المكانِ وفي الزّمانِ،
إذا لم تَخلعِ الأبوابَ الموصَدةَ ولم تُزحزحِ الثّابتَ،
إذا لم تكنْ مع المقدّسِ كما مع المدنَّسِ على نفسِ المسافةِ،
إذا لم تشكَّ في اليقينِ ولم تطرحْ إثرَ كلِّ جوابٍ سؤالاً
إذا كنتَ مسالما... فضعْ قلمَك جانبًا واتركِ الكتابةَ لغيركَ وافعلْ شيئًا آخرَ فذلك أسلمُ لك !!!

إنّ الشاعرَ الحقَّ هو ذلك الذي يتعدّى المألوفَ والمستهلكَ ويتجاوزُ كلّ الخطوطِ الحمراءِ، تلك المرتبطةِ بالمألوفِ والمقدّسِ والمحظور، فيخلقُ بما يكتبُ جدلاً وجدالاً. وهو ذلك الذي يأبى أن يكونَ لذاتِه السّجنَ والسّجانَ والمسجونَ داخل المتّفقِ عليه.
كما أنّ الشّعرَ أكثرُه خيانةً ... هو خيانةً للمُعتادِ: المعتادِ من اللّغة والمعتادِ من الصّوَرِ والمعتادِ من المعاني والمعتادِ من النّبضاتِ.

أنت شاعرٌ ؟
إذن خُذِ المُعتادَ واقلبْه على رأسه، بلْ لا بأسَ أنْ تفعلَ لنفسِك الشّيءَ ذاتَه...
حينَها، سيأخذُ رأسُك مكانَ قدميْكَ ومهمّةَ التّرحالِ.
... سينفُضُ عنه، وهو يتنقّلُ، كلَّ الثّوابتِ التي تشدُّه إلى ذاتِ المكانِ، ليتقدّمَ بثباتٍ فيتحرّرَ... فيُحرّرَك... فتُحرّرَ من ثبّتَ رأسَه المعتادُ في عينِ الزّمانِ.

لا تخشَ المشيَ على رأسِك: ستستمتِعُ بمشاهدِ الأشياءِ المقلوبةِ. وحين تعودُ إلى وضعِك الأوّلِ - إن حدثَ ذلك - ستعودُ معك بعضُ الأشياءِ ولكنّ البعضَ الآخرَ سيظَلُّ مقلوبًا ... متمرّدًا...هازئًا بحدودِ الإدراكِ التّافهةِ.

أنت شاعرٌ ؟
إذن بادرْ بالسّفرِ ولا تلتفتْ إلى الوراءِ لترى كم خطوةً قطعتَ... فما أسوأ أن ترحلَ وأنت تفكّر بالعودة !
حين تبدأ رحلتك ولا أحد يودّعُك غير الشّمس، فلا تخشَ الظّلامَ واسْعَ إلى أن ترسم أروعَ الأسفارِ وأغربَها وأكثرَها إثارةً... تلك التي تقوم بها داخلَ ذاتِك باحثًا عنك فيك .... تلك التي تدفعُ بك إلى مجاهلِ الوجودِ، تجتازُ المجرّاتِ والفضاءَ الكونيَّ لتصلَ حيثُ لا مكانَ ولا زمانَ، فيتوحّدُ فيك عالَمان وتُختصرُ فيك جميعُ الأبعادِ.
وعندما تُبحرُ ليلاً، لا منارةَ تَهديكَ ولا بوْصلةَ، مزّقْ شراعَكَ حتّى لا يكونَ أسيرَ أهواءِ الرّياحِ.
وحين يحيطُ بك الظّلامُ، تستطيعُ - إذا لم تكنْ مصابًا بقصرِ النّظرِ- أنْ ترى الأضواءَ الخافتةَ البعيدةَ !!!
خذْ طريقًا ما سُلكتْ من قبلُ، لا زادَ لك سوى الجوعِ والظّمإ والخوفِ والإعياءِ، فأتعبُ الرّحلاتِ وأبعدُها مسافةً وأشدُّها غموضًا وأكثرُها إثارةً تلك التي تفصلُ وتصلُ ما بينك وبينك... وهي أن تغادرَك وترحلَ عبرَ الكون بحثا عنك .
وحين تشعر بانسدادِ السّبلِ أو باختفاءِ خيطِ أريانا... نادِ: " تسلّحوا بالتفاؤلِ أيّها الشُّعراءُ"... فالتّفاؤلُ هو أَنْ - وأنتَ في الأسوأِ - تصْبوَ إلى الأفضلِ وأنْ تنظُرَ حينَ الدّجَنِ النّورَ. ولا معنىً لتفاؤلٍ عندما تكونُ في خير أحوالكَ، إذِ الفجرُ بُغيةُ المُحاصَرِ بالظّلامِ، ولا يكادُ يُنتبَهُ إليه أو يُذكَرُ أثناءَ النّهارِ.
أَنْ تبحثَ من داخلِ سجنِكَ عن منفَذٍ للخروجِ، لا تراهُ ولكنّك واثقٌ تمامًا من أنّه موجودٌ ... ذلك هو التّفاؤلُ.
هو ألاّ يعجزَ ذهنُكَ ووجدانُك عن إدراكِ صورةٍ أفضلَ ومعنًى أرقَى للحياةِ.
لذلكَ فالشّاعرُ متفائلٌ بطبعِه، مهما حمَل من أوجاعٍ وهمومٍ ومهما اصطدمَ بعَقباتٍ وانكساراتٍ.

أنتَ شاعرٌ ؟
إذن لا تسجدْ فبئسَ الفردوسُ إذا كان لنيله الثّمنَ السّجودُ.
إنّ قدر الشاعر أن يكون يتيما أو شريدا أو طريدا أو مهوّما في الظلام.

أنت شاعر ؟
لا تقنعْ بالكون كما هو لأنّه ما وُجد إلا من أجل إعادة تكوينه.. ولابدّ، إلى جانبِ الإلهِ، من إلهٍ ثانٍ هو أنتَ !!!...
ولا تخشَ الإبحارَ ولا التّيهانَ لأنّك كلّما أضعتَ نفسَك وكلّما أضعتَ صوابَك، أوْجدتَ فرصةً لملاقاتك.

واحملْ في داخلك صديقًا يسترُ عليك ضعفَك وخوفَك ويلوّنُ عينيْك باللازوَردِ كلّما اغتهبتَا....صديقًا يحوطُك كلّما حاطَ بك القُتام، فيرشقُ إعياءَك بالأسئلة:
- أليس مفترقُ الطّرق ذاتُه ملتقاها؟
- أليس الليلُ نهارًا في منطقةٍ أخرى؟
- أليست النّجومُ المشرقةُ فوقَنا ذاتُها تلك التي تنظرُ إلينا غابطة وهي ترانا فوقَها؟
- أليس الكونُ الذي يحوينا عينُه الكونَ الذي نحوي في أعماقنا؟

لا تهتمّ بالإجابة، كلّما ألحّ عليك السّؤالُ، بل ابحثْ في السّؤالِ عن السّؤالِ.... وإذا لم يُقدحْ فيك زنادُ التأرجحِ والتناقضِ والحيرةِ والشّكِّ والتراجعِ، فاعلمْ أنّ في الأمرِ مشكلةً ما.
أمّا إذا أتيتً إلى الدّنيا وأفنيتَ عمرَك مكتفيًا ودون أن يضيءَ قلبُك قلبَ غيرِك وعقلُك عقلَ غيرك وجسدُك جسدَ غيرك، فقد كلّفتَ نفسك عناءَ المجيءِ ....دون أن تجرّبَ السَّفَرَ.

بعد أن أفنيتَ سِنيّ عمرِك في مقارعةِ التجاربِ ومصارعةِ لُججِها، خرجتَ بنتيجةٍ مفادُها أنّك لم تعشْ سوى تجربةٍ وحِيدةٍ... هي أنك حاولتَ أن تعرفَ.
هل كان ما عرفتَه ذاتُه ما كان ينبغي أن تعرفَ؟ لستُ أدري !
وأنت تجرّبُ الرّحيلَ قلتَ لي:
" حتّى يُسكبَ الكونُ في ذاتِك، حاولْ أن تسكبَ ذاتَك في الكونِ".

... كانت الكتابةُ غيمتَك للهطولِ ونهرَك للهسيسِ، وكنْتَ حين تكتبُ قصيدةً لا تنتهي منها حتّى لا تموتَ ولا تموتَ. وأنت لا تعتبرُ نفسَك إلاّ محاولاً أبديًّا، تتعاملُ مع مخلوقاتِك بأشكالٍ لا تتشابهُ رغمَ التّشابهِ....فبعضُ قصائدِك ترسُمه رقصًا ثمّ تكسوه أفكارًا وبعضُها تغرقُه وجدانًا ثمّ تنثرُ عليه الموسيقى، ومنها ما يتفشّى فيه غريبُ الأفكارِ ويطغى عليه حتّى الهذيانُ، وهنالك قصائدُ تلهثُ وراءَها وأخرى تأتيك لاهثةً....وتبقى أجملَ قصائدِك تلك التي تسلّلتْ إلى ذهنِك خلال سُهادك ثمّ فرّتْ فلم تلحقْ بها .... تلك التي راودَك طيفُها ذات شجنٍ ثمّ تراجعتْ ساخرةً وغابت فلم تعثرْ عليها بعد ذلك أبدًا... لتبقى أروعَ السمفونياتِ وأجملَ القصائدِ تلك التي تسبح في اللاّزمان واللاّمكان ...تأبى الميلادَ.

في أشعارِك، الإلهُ والشيطانُ جارانِ متلازمانِ لأنّهما يسكُنانِ نفسَ القلبِ ونفسَ القصيدةِ... فهما معادلةُ الحياةِ.

قد تُرمى بالهرطقةِ وتُشنّ عليك حروبٌ، فلا بأسَ ! أتعلمُ لماذا يشنّ أعداءُ الحياةِ الحربَ على الموسيقى والشّعرِ والرقصِ ..وجميعِ الفنونِ؟
لأنّ الفنّ وحدَه كفيلٌ بإرسال سنائِه إلى أعماقِ الرُّوحِ لينتشرَ في مكامنِها وشعابِها فيملأَها حبًّا، والحبّ إذا انتشر بين البشر نهلَ منه السّقيمُ قبلَ السّليمِ.


لقدْ ألّهْتَ الهزيمةَ معتبرًا أنّها الوجهُ الآخرُ للانتصارِ وروحُ البطولةِ، فمنَ الحيفِ أن يتلازمَ الانتصارُ والبطولةُ .. بل إنّهما في دينِك يكوِّنانِ أسوأ ثنائيٍّ.
ألم تعتقدْ دائما أنّ أخيل والأسكندر الكبير وجنكيزخان لم يكونوا أبطالاً بالقدر الذي كانه هكتور وحنّبعل وغيفارا؟
لذلك لا تخْشَ الهزيمة لأنّها تبقى أمّ الانتصارِ.
عظيمٌ ذلك الذي اكتشفَ مواطنَ القوّة في ذاته فقاومَ بها... وانتصرَ، ولكنّ أعظمَ منه الذي اكتشفَ مواطنَ الضّعفِ فيها ولم يجدْ غيرَه...فقاومَ به، إذْ ليس البطلَ من ينتصرُ بل هو الذي يغنّي أثناءَ صلبِه...يغنّي وتاجُ الأشواكِ يكلّلُ رأسَه وفي رئتيه الشّرارُ.

فلتكنْ هزيمتُك انتصارًا لا انتصارُك هزيمةً وليكنْ صمتُك صاخبًا لا صخبُك صامتًا.
--------------------
عبد الرزاق الميساوي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا


.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ




.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث


.. لعبة مليانة ضحك وبهجة وغنا مع ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محم




.. الفنانة فاطمة محمد علي ممثلة موهوبة بدرجة امتياز.. تعالوا نع