الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


برزخُ عفرين الفاصل بين أحلام أردوغان وكوابيس السوريين

شورش إبراهيم

2018 / 2 / 2
مواضيع وابحاث سياسية


منذ الأسابيع الأولى للثورة السورية , وجد الرئيس التركي أردوغان لنفسه موطئ قدم بين صفوف الثائرين على نظام الأسد , لاسيما وأنها ترافقت مع سعيه لإحياء مجد وتأثير السلطنة العثمانية في محيطه العربي , بعد أن مل الانتظار على أبواب دول الثقل السياسي في الاتحاد الأوربي راجيا منهم ضمها إليها .لكن أردوغان الذي رسم خطوطه العبثية الحمراء حول حمص وحماه , لم تكن سلطة دمشق غايته وإن كانت المقصودة بها , بل صواب الثوار في الشارع ,حيث فقدوه ! بعدما أسر تصريحات أردوغان قلوبهم , ففقدوا معها مدنهم واحدة تلوَ الأخرى , بينما تساقط ثوارها تباعا في شباك أردوغان العنكبوتية ,لا يعرفون الخلاص منها , ففي الخلف بيوتهم المهدمة و صور شهداءهم وحقدٌ هستيريٌ على الأسد في دمشق , غذتها براميله المتفجرة وأسلحته الكيميائية المستخدمة في خان شيخون والغوطة شرق دمشق , وروجتها مسارح أردوغان الكثيرة, الذي كان يستعرض عليها الألم السوري بحرفيه عالية , فلم يغب الوجع السوري عن أي خطاب لأردوغان , ليغيب فقط عن وجدانه , ليؤول بهم المآل إلى أن أصبحوا جنودا تحت طلب السلطان لأية عملية عسكرية كانت , لا يُسمحُ لهم فيها تحديد احداثيات أهداف بنادقهم حتى يُأُذن لهم بها السلطان , فوجهها أردوغان إلى عفرين مؤخرا دون عناء منه , بأمرٍ عسكريٍ لا أكثر , لقي قبولا لدى جنوده المطيعين على الرغم من أن "إدلب" ضحية هذا الأمر كما كانت "جنوب حلب" و"شمال حماه" ضحية حملة الباب قبل "عفرين" , أهداهما السلطان لروسيا وبشار ليُنكل بأطفالها وعجائزها بعد إن غادرتها الكتائب المدافعة هناك وانضمت لحملات أردوغان , بينما كان هو على الطرف الآخر يستجدي من روسيا صكوك مباركتها. مستثمرا الدم السوري و هو يُغيرُ تحالفاته بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا تارة وبين النظام الإيراني والسوري من جهة وكتائب المعارضة على الأرض تارة أخرى , ليتعايش مع كل التناقضات الممكنة السياسية منها والأخلاقية ! ليبتعد أكثر فأكثر عن هاجس الخطر الكردي على مشارف حدوده وربما داخلها .
فأردوغان الذي حرص منذ أن فرض ثقله السياسي على جنرالات الجيش التركي متبوءا رئاسة الجمهورية على تحييده وتحجيم دوره داخليا وإقليميا , ولاحقا الحد من قدرته مستغلا فشل الانقلاب المزعوم , بعد الزج بجنرالات مؤثرة في السجن , بات الآن يستعين به ويقحمه في حروب خارج الحدود,لطالما كان متوجسا منها زمن سطوة الجنرالات على الجيش , ليراهن بها الآن على بصيرة شتات المقاتلين من جبهة النصرة وبعضا من الجيش الحر ,التي أخطأت مرارا وتكرارا في فهم السلطان المتوجس من القضية الكردية في تركيا , والحالم بالسيطرة على مدنهم خارج حدود بلاده ومنها عفرين ,فبعد سنوات من فشل داعش التي هادنها أردوغان طويلا في السيطرة على كوباني , والتي تغنى بسقوطها مستبقا الأحداث فيها, تلك التي قوت شوكة المقاتلين الأكراد , شرع بحملة عفرين ليزيل عنه غصة كوباني التي لازمت حلقه طويلا , لذا تحمل هذه الحملة جانبا عاطفيا لدى أردوغان ومعنويا لدى الطرف الآخر قد يستغله المقاتلون الكرد هناك , فالمعطيات على الأرض حتى هذه اللحظة توضح تسرع أردوغان في البدء بها ولربما ما كان يجب عليه الشروع بها أصلا , طالما أن النصر هناك لم يكن محسوما وسريعا كما كان يظن , وهو يستعين بطائرات كان يفتقدها داعش في هجومها على كوباني , فمع عصيان المدينة على مقاتليه وعدم التقدم على الأرض و في ظل رفض أمريكا سحب جنودها من منبج , الضلع الناقص من مثلث عفرين والباب وتزايد الشهداء بين المدنيين الكرد مقارنة بمقاتليه والذي ترافق مع مظاهرات حاشدة نظمها الأكراد في المدن الأوربية وكندا دعما للمدافعين عن عفرين . قد تجعل من أردوغان ضحية حملته لا عفرين, وقد يلقى نفس مصير جنرالات الحملة الفاشلة التي شنتها تركيا في كردستان العراق في فبراير من العام 2008 ,والذين فقدوا على إثرها سطوتهم لصالح أردوغان , بعد أن حمل جنرالات بارزة في الجيش التركي مسؤولية الفشل الكبيرة هناك , ليطلق العنان لحملة اعتقالات واسعة بين صفوف الجيش , كان قد بدأها قبل أشهر من الحملة بسبب قضية " ارغينيكون" المشهورة في تركيا, ليُعيد بعد عشرِ سنوات نفس سيناريو تلك الحملة لكن مع اختلاف الأدوار بينه وبين جنرالات الجيش الجدد , فهو رأس الحربة في حملة عفرين والمسؤول الأول عن أي فشلٍ يلقاه هناك .
لذا لم يدخر أردوغان أي جهد في حملته المصيرية هذه واهتم بتفاصيلها الدقيقة , كتسميتها بغصن الزيتون , كأنه يبحث عن السلام لا القتل , متوجها إلى دور العبادة طالبا العون من أأمتها , الذين روجوا لحملته و حثوا الشباب على حمل السلاح والانضمام إليها .
ولأن أردوغان لا يفوتهِ شيئ عندما يتعلق الأمر بالحرب في سوريا أمر وفود المعارضة المتوجهة إلى سوتشي بالعودة فورا من المطار وعدم المشاركة في المؤتمر الذي دعت إليه روسيا , للإجهاز على أي أمر يحول دون صياغة بيانٍ ختامي يُرضي الروس والنظام ويكون ثمنا لاستمرار حملته في عفرين , ليلخص هذا المشهد كل سنوات عبث أردوغان بمصير السوريين , والذي لم يكتفي بمنع وفود المعارضة من المشاركة في المؤتمر بسوتشي , بل طرحت تركيا نفسها بديلا ومتحدثا رسميا باسمهم وبمباركتهم العلنية , لتكون الطرف المحاور للنظام وروسيا في الشأن السوري في مفارقة سياسية وأخلاقية عجيبة , وهي التي لم يقتل لها النظام طفلا أو امرأة , ولم تعش ألم سنوات الحرب ولا تعرف عنها شيئا لتمثل المعارضة في أضعف صورها و أبشع سقطاتها الأخلاقية . ليكون ثمن حملة عفرين أبهظ من حملة الباب وهو كل مبادئ الثورة وقيمها التي ابتلعها بيان سوتشي الأخير ,المُرحبِ به تُركيا , والداعي للحفاظ على الجيش السوري لحماية حدود الوطن بعد أن قتل مئات الآلاف من أبناءه وشرد الملايين , بالإضافة إلى أجهزته الأمنية التي أشعلت الثورة باقتلاع أظافر أبناء درعا , فأطفأتها المعارضةُ بفقع أعين السوريين الحالمين بالخلاص على يدي السلطان في سوتشي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صحن طائر أو بالون عادي.. ما هي حقيقة الجسم الغريب فوق نيويور


.. دولة الإمارات تنقل الدفعة الـ 17 من مصابي الحرب في غزة للعلا




.. مستشار الأمن القومي: هناك جهود قطرية مصرية جارية لمحاولة الت


.. كيف استطاع طبيب مغربي الدخول إلى غزة؟ وهل وجد أسلحة في المست




.. جامعة كولومبيا الأمريكية تؤجل فض الاعتصام الطلابي المؤيد لفل