الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدهشة الشعرية في قصيدةٍ للشاعر العراقي صلاح فائق !

قحطان جاسم

2018 / 2 / 3
الادب والفن


الدهشة الشعرية في قصيدةٍ للشاعر العراقي صلاح فائق !


في كل قصائده يدهشنا الشاعر العراقي صلاح فائق بما يكشفه لنا من خبايا وعلائق واحاسيس. لا يوجد في هذا السرد، الذي يغري البعض كسلا ووهما وقلةً بالمعرفة الجمالية، للانحراف عن جادته الصعبة وبحره العميق، سوى الشعر..الشعر الذي يتلمس الموجودات الكونية والانسانية بتأنٍ وحذر.. انه يتعانق مع كل ما هو شفاف ، حسيّ، مفارق، يختزن في روحه اغاني نادرة وحكايات تختزل المشترك فينا. في قصائده نكتشف التاريخ والانسان ، المرارات ، والخسارات الواعية التي تلاحقنا كاحلام هاربة
" أنا , كباقي البشر , خصوصاً يساريين منهم ,
ألهثُ خلف محراثٍ متخيل , كأن العمل في حقلٍ فضيلة "


نعثرعلى الانسان في اختياراته الصعبة وهو يقف على اعتاب مفارقات يومية بين رغباته الوجودية الطبيعية وبين الإصغاء الى ما هو اكبر من ذلك : التعاضد مع حاجات أخرى والتخلي من أجلها عمّا نسعى اليه:


" اتبجحُ بهذه الحال لأتذكرَ مضاجعةً مع ضيفةٍ لي
ظلت تصرخُ إحتضني بقوة لأني بردانة
فلم اتمتعْ "
ما يجعل قصيدة صلاح فائق قريبة الى النفس ، انها تغترف من اليومي الذي يعجّ بغرائب و مفاجاءات، ويقدمها لنا بحسية راقية كأنه يقول لنا : ما ترونه غريبا، ليس بغريب ، انه الوجود والحياة التي نعيشها .

فهو لا يكتب عن رومانسيات فارغة لا وجود لها ،عن نساء بعيون واسعة وشعر طويل كالليل ، في مجتمعات كل شيء مقموع ومكبوت فيها، حجبت فيها المرأة، آلهة الجمال ، وحولتها الى خيمة متنقلة ، بل عن مدن صارت بعيد ة، راقصات، مخبز المدينة ، عن سكارى يائسين في الليل، وصيدلية افلست ، ومريض لا يملك نقودا.. باختصار يكتب عن كل ما هو مرعب ، انساني ، عميق، تحريضي، دون أن يغادر لحظة أبّهة الشعر وفضائه السامي .
ثمت اغتراب في قصائده، اغتراب الانسان، في حنينه الدائم الى الاطمئنان وبحثه الدائم عن المألوف ، الذي ينتهي في احيان كثيرة الى اقرار حقيقة النهاية الوجودية الحاسمة المتمثلة ب"الظلام الابدي"، او كما يقول هو :


عندما ازور مدينةً بلا سبب ,
ليلفني نسيمٌ ويدغدغني , اتخيّل اوهام السابلة عني
حين يتطلعونَ إليّ اراقبُ سلوكاً مفاجئاً
لشمس بعد الظهيرة : لا افهمها تماماً
أظنها تحنّ الى أغوار الكون
بعدما يئست منا : ستتركنا لظلامٍ أبدي , وزوال

باختصار ان قصيدة صلاح فائق هي اختصار لاشكالات وجودية قائمة، وتكثيف مبصر لما يعانيه أنسان عصرنا مما هو مفزع بسبب خسارات هي اقل ما يقال عنها أنها غير مبررة بل وعبثية . مع ذلك فهي لا تخلو من اشراقات مباغتة تتشبث باحلام متخيلة او فعلية لتفتح كوّة ممكنة على الحياة في مسعى لجعلها قابلة للعيش .
أنا زبونٌ دائمٌ لمخبزِ هذه البلدة
(......)
انا ايضاً
صديقٌ لراقصي وراقصات المناسبات هنا ,
السكارى اليائسينَ في الليل ,
ومتفائلٌ : السيارة الكهربائيةستعمّ هذا العالمَ قريباً
.. ...
قصيدة صلاح فائق
أنا , كباقي البشر , خصوصاً يساريين منهم ,
ألهثُ خلف محراثٍ متخيل , كأن العمل في حقلٍ فضيلة ,
كفلّاحٍ او شغيلٍ عند موسم الصيف :
اتبجحُ بهذه الحال لأتذكرَ مضاجعةً مع ضيفةٍ لي
ظلت تصرخُ إحتضني بقوة لأني بردانة
فلم اتمتعْ ,
أو اضعُ منتصف حياتي امامي
ارتّبَ كوابيسها للمرة الأخيرة وبابي موارب
ربما تدفعه , أقولُ لنفسي , سائحةٌ كانت ترقصُ عند البحر
رأتني عارياً , كما عادتي , في الشرفة
ليس في الذي أقولهُ ماهو غريبٌ
فأنا من اهل هذه البلدة , انزعُ ملابسي أيضاً
في اعلى طابقٍ من فندقٍ شاهق ,
عندما ازور مدينةً بلا سبب ,
ليلفني نسيمٌ ويدغدغني , اتخيّل اوهام السابلة عني
حين يتطلعونَ إليّ اراقبُ سلوكاً مفاجئاً
لشمس بعد الظهيرة : لا افهمها تماماً
أظنها تحنّ الى أغوار الكون
بعدما يئست منا : ستتركنا لظلامٍ أبدي , وزوال .
*
انا زبونٌ دائمٌ لمخبزِ هذه البلدة
حلاقها يراني في دكانهُ كل ثلاثة اشهر
شعرُ رأسي قليلٌ , انا ايضاً
صديقٌ لراقصي وراقصات المناسبات هنا ,
السكارى اليائسينَ في الليل ,
ومتفائلٌ : السيارة الكهربائيةستعمّ هذا العالمَ قريباً
عدا بلدتي , فهي بلا شوارع
*
انتهتْ أدويتي منذ اسابيع
اشعرُ بتحسنٍ في صحتي
جيبي لم يعد خالياً من نقود :
الصيدلية القريبة افلستْ , هذا ما إنتظرتُ طويلاً
*








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمسيات شعرية- الشاعر فتحي النصري


.. فيلم السرب يقترب من حصد 7 ملايين جنيه خلال 3 أيام عرض




.. تقنيات الرواية- العتبات


.. نون النضال | جنان شحادة ودانا الشاعر وسنين أبو زيد | 2024-05




.. علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي