الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تحديات الهوية الثقافية العربية في ظل العولمة.

شاكر كريم القيسي
كاتب وباحث , ومحلل سياسي

2018 / 2 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


تحديات الهوية الثقافية العربية في ظل العولمة.

بقلم: د. شاكر كريم
صحيح ان العولمة اليوم تعتبر ظاهرة العصر التي نتجت عن مخاضات واقع سياسي واقتصادي واجتماعي وثقافي وتقني واعلامي، كانت ولازالت تعمل على الساحة العالمية بشتى عواملها المتضاربة، وظروفها المتناقضة، وبجميع ما يكتنفها من طموح لبسط النفوذ وفرض الهيمنة على الاخرين بطرق متعددة.
ومن هنا يمكن القول ان العولمة ليست ظاهرة جديدة من مستحدثات القرن العشرين، بل هي مصطلح جديد للتعبير عن واقع قديم، كان ملازما لجميع الامم والقوى العظمى التي استخدمت جيوشها للهيمنة على غيرها من الدول والممالك، فالامبراطورية الرومانية، مثلا بسطت سيطرتها على العالم المعروف في زمانها، ونشرت انظمة حكمها وانماط حياتها السياسية والاجتماعية والثقافية، ممارسة بذلك ضربا من ضروب العولمة وهكذا، الحال بالنسبة لنابليون الذي رسخ في حملته على الشرق، اللغة الفرنسية، واساليب التفكير واشكال الحياة الفرنسية التي ما تزال سائدة في اكثر تلك الاقطار.
واليوم تشهد الانسانية ثورة تقنية كبرى، تتمثل بعولمة الاتصال والاعلام، ان لهذه الثورة اثرا عميقا في تسريع وتيرة المبادلات واختصار المسافات، فضلا عن ازالة الحدود الثقافية الموجودة بين الشعوب.
ولكن من شان تدفق المعلومات بهذا القدر الهائل والانماط المتعددة ان يجلب معه مخاطر على ثقافات الامم والشعوب ولا سيما النامية منها ان لم يجر التعامل معها بحذر وروية.
في الواقع ان انكماش المكان ، واختصار الزمان، واختفاء الحدود هي امور تربط حياة الناس على نحو اشد واعمق واسرع مما كان يحدث في الماضي، بحيث يتاثرون باحداث تقع في اقصى العالم، وهذا يعني ان الجماعات والافراد الذين تتعامل معهم وسائل العولمة المعاصرة، سيكونون هدفا سهلا لخلط العولمة ومراميها، مالم يكونوا محصنين بشكل مناسب للوقوف بوجهها، اي ان لديهم القدرة على تمييز كل ما هو مفيد وغير مفيد.
وثمة اضافة اخرى ينبغي ان لاتفوتنا الاشارة اليها في هذا المجال، وهي انه ربما تكون الحواجز الجغرافية قد انهارت فيما يتعلق بالاتصالات، ولكن بالمقابل، نشا حاجز جديد، غير مرئي، اشبه بشبكة عالمية، تضم في صفوفها الموصولين بها، وتستبعد الباقين في صمت، يصعب اداركه وهذا ما يحصل اليوم من خلال وطرق الاتصالات السريعة، وصناعة المعلوماتية والتقنيات ولهذا نرى ان الامم والشعوب التي تمتلك مكونات حقيقة هويتها الوطنية وثقافتها القومية، ترفض التبعية والذوبان في ثقافات غيرها، وتفشل كل مخطط لافنائها، ولاتقبل ان تفرط في ذاتيتها، وتحرص على ان تحافظ على وجودها، ولما كانت العولمة بكل انماطها واشكالها هي ظاهرة العصر وسمته، وان الوقوف في وجهها، او محاولة تجنبها او العزلة عنها، انما هو خروج على العصر وتخلف وراءه، فعلينا الاقبال على دراسة عناصر هذه العولمة وفهم مكوناتها، والتنبه لاتجاهاتها، ثم التعامل معها من موقع الثقة بالنفس، والادراك العميق لخصائص ثقافتنا. واستخراج كوامنها الاصيلة وتفعيلها مع تلك الثقافات العالمية الوافدة، اخذا وعطاءا مع امتلاكنا القدرة على السهام والمشاركة. تاكيدا على الخصوصية الثقافية للشعوب. خاصة ان العولمة الامريكية اليوم تسير في طريقين متعاكسين، فهي من جهة شديدة الاعتزاز بهويتها والحرص عليها، ومن جهة اخرى، ترفض الاعتراف بالهويات الاخرى الوطنية للشعوب الاخرى.
ومهما يكن الامر، فان التحديث والنمو اللذين تشهدها العولمة الامريكية لايمكن ان يحققا التغريب الثقافي في المجتمعات غير الغربية، بل يؤديان الى مزيد من التمسك بالثقافات الاصلية لتلك الشعوب، التي تستطيع ايجاد تيار ثقافي مضاد يقف في مواجهة روح الهيمنة التي تنطوي عليها هذه العولمة، فكرة ونظاما، وتطبيقا وممارسة، وفي التعامل مع الاثار المترتبة عليها..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. محمد الصمادي: كمين جباليا سيتم تدريسه في معاهد التدريب والكل


.. متظاهرون يطالبون با?لغاء مباراة للمنتخب الا?سراي?يلي للسيدات




.. ناشطة بيئية تضع ملصقاً أحمر على لوحة لـ-مونيه- في باريس


.. متظاهرون مؤيدون للفلسطينيين يهتفون -عار عليك- لبايدن أثناء م




.. متظاهرون يفاجئون ماثيو ميلر: كم طفلاً قتلت اليوم؟