الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


8 شباط 1963 جرحٌ لا يندمل

علاء الدين الظاهر
استاذ رياضيات

(Alaaddin Al-dhahir)

2018 / 2 / 7
مواضيع وابحاث سياسية


ليس هناك يوم اسود في تأريخ العراق مثل يوم 8 شباط 1963. لم يفقد العراق نظاما وطنيا وزعيما امينا مخلصا او خيرة من مثقفيه وضباطه وقانونييه ومعلّميه وحتى البسطاء الطيبين الذين هبوا للدفاع عن ثورتهم، لم يفقد العراق كل هذا وحسب بل لا يزال حتى اليوم يدفع ثمن ذاك الانقلاب الدموي الفاشي.
خسر العراق زعيما يؤمن بالتعددية السياسية وكان على وشك اعلان الدستور الدائم واجراء الانتخابات. خسر العراق اتفاقية اتحادية مع الكويت تدفع فيها الكويت نصف ايرادات النفط وتؤول للعراق سلطة التمثيل الدبلوماسي والدفاع بينما تحتفظ الكويت بحق عقد الاتفاقيات النفطية. لا ابالغ اذا قلت خسر العراق كل شئ ولم يحصل على اي شئ بالمقابل. دماء زكية سالت بلا مبرر واجساد تلوعت تحت التعذيب الاجرامي على اياد حقيرة، قذرة، سافلة من حثالة المجتمع العراقي.
يروق للبعض ان يلقى باللوم على عبدالكريم قاسم ويحمّله مسؤولية ما جرى. بلا شك يتحمل عبدالكريم قاسم بعضا من المسؤولية لكن القاء اللوم على عبدالكريم قاسم وحده يلغى مسؤولية الآخرين، انا اجرأ ان اقول انه يتحمل الحد الادنى من تلك المسؤولية. لا اريد ان اسرد الخلافات والانقلابات التي جرت بعد جريمة قتله. كل من وصل الى السلطة تآمر على حليفه وشريكه في الانقلاب والعقيدة العروبية وطعنه في الظهر منذ شباط 1963 الى 9 نيسان 2003.
قبل اكثر من عشرين عاما كتبت سلسلة مقالات ناقشت فيها الصراعات في عهد قاسم واستنتجت الى ان تلك الصراعات لا علاقة بها بعبدالكريم قاسم ونظام او طريقة حكمه وإن التركيز في القاء اللوم على عبدالكريم قاسم يمنعنا من رؤية العلة التي قادتنا الى المآسي. العلة تكمن فينا. كل منا اذا وصل الى السلطة إحتكرها لنفسه وبطش بالآخر. كتبت هذا محذراً مما سيحدث بعد سقوط نظام صدام. لننظر الى ما حدث بعد 2003 في العراق ونسأل هل كانت مخاوفي في محلها ام لا؟ في الواقع ما حدث لم يمر عليّ حتى في اسوأ كوابيسي. قوى محلية واقليمية ودولية استخدمت العراقيين حطبا لنيرانها وتبرع بعض العراقيين ليكون ادواتً لتلك القوى تماما مثلما حصل في عهد عبدالكريم قاسم. انظر الى الاحزاب الشيعية او السنية والكردية والانقسامات والصراعات في داخلها وإسأل نفسك هل لعبدالكريم قاسم دخلٌ في هذا؟ ها نحن بعد 55 عام من الانقلاب لم نتعلم شيئا على الاطلاق.
يريد معظم الشيوعيون في انتقادهم لعبدالكريم قاسم ان يكون نسخة طبق الاصل لصدام حسين ويقوم بإعدام كل مناوئيه. هذه هي الحقيقة الدموية لهؤلاء الشيوعيين وهذا بالضبط ما اجبر عبدالكريم قاسم على ضربهم لأنهم اساؤوا اليه والى نظامه والى العراق بإرتكابهم جرائم الموصل وكركوك التي ينكروها حتى الآن ويلقون باللائمة على غيرهم. نسوا المحكمة القصابية في الموصل ونسوا الاكراد الشيوعيين الذين اقترفوا مجزرة كركوك والذين اعتقلوا وحوكموا في عهد قاسم ونفذت سلطات بعث 1963 نفس حكم الاعدام الذي صدر بحقهم في عهد قاسم. عبدالكريم قاسم كان متعففا عن سفك الدماء ولم ينفذ حكم الاعدام بهم مثلما لم ينفذ حكم الاعدام بمقترفي محاولة اغتياله وغيرهم. هل كان عبدالكريم قاسم سيبقى عبدالكريم قاسم في قلوب العراقيين وضمائرهم لو كان مثل صدام حسين؟ ما يحب العراقيون في عبدالكريم قاسم هي اخلاقه وتسامحه وعفوه.
كان الشيوعيون يصرخون في احدى المناسبات التي اقيمت في سينما الخيام (إعدم، إعدم جيش وشعب ويّاك، إعدم). ترك عبدالكريم قاسم مقصورته ونزل الى المنصة وقال غاضبا (لماذا لا تطلبوا مني بناء مدرسة او بناء مصنع او بناء مستشفى؟ اطلبوا اي شئ إلا الاعدام).
العيب ليس في عبدالكريم قاسم وإنما في اخلاق اعدائه او بالاحرى في غيابها. هؤلاء كانوا مجموعة من السفلة والحاقدين والكارهين الساقطين وهم الذين جرّوا العراق الى هذه الكوارث.
اتأسف على (ابو سليمان) نصير الجادرجي ان ينساق وراء هذه الاساليب في الاساءة الى عبدالكريم قاسم ولا ينتقد موقف والده بل على العكس انتقد محمد حديد الذي كان موقفه هو الاسلم حين وضع الثورة فوق الحزب والطموحات الشخصية. اضعفَ موقف كامل الجادرجي عبدالكريم قاسم معنويا وليس عسكريا او سياسيا. لم يمتلك الحزب الوطني الديمقراطي قوةً عسكرية او جماهير واسعة لكن موقفه كان خاطئا بالجملة وبالتفصيل. الانسان في مواقفه. والاسوأ ان بعض الشيوعيين وجدوا في مذكرات نصير الجادرجي المادة التي يستخدموها لمهاجمة عبدالكريم قاسم. أتأسف ايضا على سكرتيري الحزب الشيوعي السابق والحالي على عدم الاعتراف بأخطاء حزبهم الدموية والفادحة في عهد عبدالكريم قاسم والتي عمّقوها بمحاولتهم الانقلابية على عبدالكريم قاسم ليلة 9/10 حزيران 1959. بل على العكس قاما بالتمويه عليها. لم يكن الشيوعيين (رغم تضحياتهم الغالية ودمائهم الزكية التي دفعوها لاحقا) حمائم سلام بل كانوا كغيرهم يفتكون بمعارضيهم عندما يكونوا في موقع القوة وهذا هو سبب مآسينا وليس تسامح وعفو عبدالكريم قاسم المستمر. اسأل نفسي دائما ماذا كان سيحدث لو فشل انقلاب 1963؟ هل سينكر الشيوعيون انهم كانوا سيفتكون بالبعثيين والقوميين شرّ فتكة؟ هذا هو هو مأزق ومأساة عبدالكريم قاسم. كان صمام امان يمنع تلك الوحوش الكاسرة من الفتك ببعضها البعض. وهذا بالضبط ما حدث عندما فقدنا صمام الامان في 8 شباط.
لم يكن مطلبوا من عبدالكريم قاسم ان يعدم المئات والآلاف كما يرغب بعض الشيوعيين. كان على عبدالكريم قاسم ان لا يفرج عن المتآمرين عليه ويبقيهم في السجون بدلا عن العفو عنهم وإعادتهم الى مراكزهم الحساسة في الجيش. وما كان عليه ان ينتظر انقلاب 8 شباط ليقبض على رؤوس الانقلابيين متلبسين بالجريمة وعلى مكتبه تقرير كامل عن المؤامرة وبأسماء الضباط المشاركين. هذا هو خطأه الفادح. وخطأه الآخر انه اعتمد على ضباط متقلبي الولاء ولم يقدّر اهمية التنظيم المدني وانشاء حزب وسطي يقوده ويعتمد عليه وتصور ذلك انه يقلل من مكانته كزعيم لجميع العراقيين ويجعله زعيما لجزء منهم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحذير من الحرس الثوري الإيراني في حال هاجمت اسرائيل مراكزها


.. الاعتراف بفلسطين كدولة... ما المزايا، وهل سيرى النور؟




.. إيران:ما الذي ستغيره العقوبات الأمريكية والأوروبية الجديدة؟


.. إيران:ما الذي ستغيره العقوبات الأمريكية والأوروبية الجديدة؟




.. طهران تواصل حملتها الدعائية والتحريضية ضد عمّان..هل بات الأر