الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صباحٌ بدون عينيها

نصيرة أحمد

2018 / 2 / 7
الادب والفن


كتمتُ الشاي المعدّ بالحليب وقد أشرقتْ شمسُ الأربعاء البارد على البيوت المخبأة فوق سفح الجبل القديم . كانت تتناولُ طعم البحر الذي غارَمنذ أمد بعيد ولم يبقَ الاّ المرقد المهيب تلوذ ُبه أسانيدُ الموتى كلٌّ يحمل دعوة معفوّة من ضرائب رئيس الوزراء الحالي التي لاتُعدّ ولاتُحصى ، يلفّها تحت دثاره المرمّل بتراب المقابر المتكاثرة . انه البرد المتأخر الذي يلفّ الأشياء النائمة والشمس قد ارتفعت قليلا وهي منهكةٌ بثلج الليلة الفائتة ..كانت تُساءل المرقد المهيب وهو يلمع بقوة ..كيف أخبىء الدفء عن مزامير نبيٍّ أضل طريقه على السفح العالي .. بين الاف المقابر القديمة والتي أنشئت توّا من جنون الدماء التي لاتنقطع على ارض السلام الملفّق الخائف والحجّاج يقفُ بانتظاري عند سيطرة المدينة القديمة في شارع الجنائز .أقفُ بهدوء ولم تصادفني جنازة جديدة. سرتْ لحظاتٌ طويلة ولاشىء امامي . كان سائق الحافلة السوداء التي تنقل الجنائز من قاطع التفتيش الى الامام ، يقف بعيدا يدخّن سيكارته بآنتظار شيء ..لمستُ الحافلة السوداء .انها جميلة حقا .من سيتلفّع بحديدها البارد الأسود؟ ..ولاشىء ..من سيموت الان ؟ وأنا أنتظر؟ .. يأتي ببالي الشيخ الذي ملأ قدورا ضخمة من الطعام الساخن يوزّع بحماس للرائح والغادي ، كان يدعو الناس بقوة أن يتذوّقوا (سخينه) بثواب بنت النبيّ الأخير .أخذتُ قطعة اكتوتْ بها أصابعي ..وقلت له شكرا . لم يرد واستمرّ بصراخه المهذّب. تعال أيها الشيخ لتموتَ معي ونستقلّ الحافلة الانيقة فالسائق أنهى شايه وسيكارته وآستعدّ للعمل . تعال لنمتْ معا ..فالموت أجملُ في هذا البرد اللّذيذ ، والناس يهرولون خلفك ، وأمامك يدعو الملقّن ان أفتحوا الطريق للموتى الجدد .هرولةٌ خفيفةٌ وصراخٌ خافت ٌ وصلاةٌ قصيرةٌ ثم نغرقُ في بحر من الرمل الدافىء ..انه لايستغرق شيئا ..ساعتان او أكثر ..لاتقلقْ ..صدقني ...لا أحد يعبأ بنا طويلا أيها الشيخ الطيّب ..لم يعد للموت جلالةٌ مُفزعة ، فدموع المشيّعين تنتهي عند أول مرحاض بين البيوت القديمة ..لم يعد للموت بريقه السابق ..فكل شيء أصبح مستعدّا للموت .فالحجّاج لم يقنع بدثار سيفه البارد وانتهى به الامر سائقا لحافلة سوداء أنيقة تترجّل عنها جنائز السلاجقة والأتراك الجدد في بلد أسقط عنه أكذوبة القادسية الأولى ، ونجح الفرس في استعادة طاق كسرى وقلادة يزدجرد تحت ثرى المدائن . ارتفعتْ شمس الظهيرة ومازال البرد يلتهم الشوارع الكسولة التي نجتْ باعجوبة من ترّهات الملك الذي جُنّ في أواخر عصره،..الشاي المعطّر بالحليب مازال ساخنا تُغازله سيكارةٌ باهتة تُلاعب الدخان الذي يشهق بالريق المرّ الذي خلّفته ليلة العتاب الطويل . لم يرتكب المساء اثما أبديا أنما دعاني للقاء الفجر اليومي ، يتلفّع بالعينين الرماديتين ، بريقٌ ينفرج عن أسارير هجينة. كان الدمع ينثال بخوف ورويّة ، لقد كتمت حبّاته بين أناملي كلما اشتد أوان الحساب ، ولاموت يؤذّن للصلاة الجامعة في هذا الطريق المعبّد بالشهادة المفقودة. قلت لعينيكِ ان تنضحان دماً فلاوقت للسكينة الباردة والرجل ينتظر على باب سيطرة الملك الضلّيل، ..من سيأخذكِ مني الى عالم ٍ يترفّع عن الصدقات وبيت المال عامرٌ بالصحف الأولى ، وهدايا متحف الساعة . من يُمكنّني من القلب البرىء أن أضمّه الى زمن النقاء والعبث ؟ ..لافائدة تُرجى من التاريخ المريع لامّةٍ خلعتْ رداء الثورات البابلية وتكفّلت باسقاط الحلم الذي ورثتُه مفردا عن امّة النبيّ الذي تاهَ عشيّة الاعتراف الأخير فلم يفطن الى العوبةٍ كان يُمارسها الاغبياء من الموتى في ليالي الخسوف الطويلة ، لافائدة تُرجى منكَ وانت بدون عينيها في الصباح الذي ارتفع عند الرابية الباردة يدعو الناس الى السكينة والهدوء والاتّعاظ المُريب ، قبل ان تقوم الساعة في ديرٍ قديم تلفظ أنفاسها الأخيرة وهي تدري بأني سأفقد نوايا الخدّ الدافىء الذي يترصدّني منذ سنين عجاف . لن تتبعها سنين الثراء والغنى ..من سيتبعُها اذا وسيناء لم تعُدْ أرضا صالحة لبغاء السكان الأصليين ؟ . من يتبعني أنا ويعمّدني في أخطائي ؟ أخطاءٌ تقرّها الغرف السريّة لمبنى الأمم المتحدة ...من سيُنقذ أخطائي من التلف او الذبح على الطريقة الشرعية بأسلوب جماعي مترفّع ..؟ . وقفت مع الاف من البشر المهدّدين بالافول مع نهايات مستقيمة لاتوازي أعدادهم الهائلة . كلّ شيء يبدو محض صدفة....لمَ لا أنفرد بكِ عندما يشيخ قلبي الذي يغفو على التماعة عينيكِ كلّ ليلة ؟ . ماالذي حشرني مع هؤلاء ...سأتربّص بالباب الكبير وأمضي بسرعة فلا يستوقفني معجم الالفاظ الدّالة على الحريّة العاهر ...، اريد ان ألتقي الشمس التي صحَتْ هذا الفجر بدون عينيكِ ....من يدنو من الانفاس التي تقطر ياسمينا عراقيا وزهرا أحمر لم تلده أرض العهد الجديد....كنتِ لي عندما كان النهار بغداديا محضا ..ينجب مساء مبلّلا بالحب ..واللّهفة... ( كنتُ أرتعشُ خوفا فألوذُ بكَ فيأسرني صوتكَ وأنت تمسحُ على رأسي برقّة ). ...ليتكِ تحسبين العمر الباقي أرضا بكر ، فأستظلّ بكِ وأحبّكِ كلّ ثانية عشر سنين ، وتظلّ العينان قُبالتي يُنجدانني عند المثول الأخير ...أقبلهما عند المدخل الأخير لسياج قبر ملفّق بين المساء والفجر ..سأظل أهذي حتى يرتكبُ قلبي حماقته وينطفىءُ في ظلام ٍ متمرّدٍ لم تشهدْه أحلام السنين البريئة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما حقيقة اعتماد اللغة العربية في السنغال كلغة رسمية؟ ترندينغ


.. عدت سنة على رحيله.. -مصطفى درويش- الفنان ابن البلد الجدع




.. فدوى مواهب: المخرجة المصرية المعتزلة تثير الجدل بدرس عن الشي


.. الأسطى عزيز عجينة المخرج العبقري????




.. الفنانة الجميلة رانيا يوسف في لقاء حصري مع #ON_Set وأسرار لأ