الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مظاهر عدم الاستقرار السياسي في الدول العربية

جاسم محمد دايش
كاتب وباحث

(Jasem Mohammed Dayish)

2018 / 2 / 7
مواضيع وابحاث سياسية


مظاهر عدم الاستقرار السياسي في الدول العربية
جاسم محمد دايش

المقدمة
تعد ظاهرة عدم الاستقرار السياسي أكثر الظواهر السياسية شيوعاً في الدول النامية وخصوصاً في الدول العربية . والواقع أن مفهوم عدم الاستقرار السياسي أكثر المفاهيم السياسية غموضاً وتعقيداً. هذا المفهوم قد يضيقه البعض ليقتصر على عدم الاستقرار الحكومي، بمعنى التغيرات السريعة المتتابعة في عناصر الهيئة الحاكمة، وقد يوسع فيه البعض الآخر ليحتضن أيضاً عدم الاستقرار النظامي، بمعنى التحولات السريعة في الإطار النظامي للدولة من شـكل معين إلى نقيضه: من الملكية إلى الجمهورية، من الحكم المدني إلى الحكم العسكري. وقد يزداد المفهوم اتساعاً ليعانق الصور المختلفة للعنف السياسي من أعمال شغب ومظاهرات واضطرابات واغتيالات سياسية وحروب أهلية وحركات انفصالية.

أولاً :- مفهوم عدم الاستقرار السياسي .
أهم المفاهيم التي قدمها الباحثين لتعريف عدم الاستقرار السياسي , هو: ( عدم قدرة الدولة على إدارة الصراعات القائمة داخل المجتمع بشكل يستطيع من خلاله أن يحافظ عليها في دائرة تمكنه من السيطرة والتحكم فيها، ويصاحبه استخدام العنف السياسي من جهة وتناقض شرعيته وكفاءته من جهة أخرى ) ، ومن هذا التعريف يدرك أنه يوجد بعض التناقض في المجتمع مع استطاعة السلطة القائمة التحكم فيه سيؤدي إلى الاستقرار، لكن إذا ما فشلت في التحكم فيه فسيقود ذلك إلى عدم استقرار سياسي وتناقص شرعية النظام بحيث يصبح أمر تغييره مقبولاً من قبل بضعة مؤثرات داخل المجتمع حتى وإن كانت هذه المؤثرات ليست سوى مؤثرات ناتجة عن إحدى الأقليات الموجودة في المجتمع .
ويقول " صموئيل هنتنغتون " إن عدم الاستقرار يساوي المطالب السياسية مقسومة على المؤسسات السياسية، أي أن عدم الاستقرار يزيد كلما زادت المطالب السياسية وضعفت قدرة المؤسسات السياسية على الاستجابة الفاعلة لها.

ثانياً :- مؤشرات عدم الاستقرار السياسي .
إن زيادة مؤشر العنف السياسي من أهم المؤشرات الدالة على عدم الاستقرار السياسي، وعندما تزداد هذه المؤشرات بشكل كبير فإن الدولة تسير نحو عدم الاستقرار السياسي. وتتوقف درجة العنف السياسي على عدة عوامل، أهمها :
1- مجال العنف: أي درجة المشاركة في العنف السياسي داخل الدولة.
2- وحدة العنف: أي التلف والتخريب الناتج عن أعمال العنف.
3- استمرارية العنف: أي الزمن الذي تستغرقه عمليات العنف السياسي .

أن أهم مؤشرات الصراع الداخلي في الدولة والتي تساهم في عدم استقراره، هي :-
1- عدد الاغتيالات السياسية داخل الدولة.
2- عدد الإضرابات العامة.
3- وجود حرب عصابات.
4- عدد الأزمات الحكومية داخل البناء السياسي.
5- عدد عمليات التطهير التي تتم في أجهزة الدولة.
6- عدد أعمال الشغب داخل نظام الدولة.
7- عدد الثورات التي نشبت داخل الدولة.
8- عدد المظاهرات المعادية للحكومة.
9- عدد القتلى الذين لقوا مصرعهم في كل صور العنف المحلي.

أما مؤشرات الصراع الخارجي والتي تساهم في عدم استقراره فهي:
1- عدد المظاهرات ضد السياسة الخارجية للدولة.
2- عدد مرات الاحتجاج ضد السياسة الخارجية للدولة.
3- عدد مرات العقوبات السلبية التي فرضت على الدولة.
4- عدد الدول التي قطعت علاقاتها الدبلوماسية معها.
5- عدد المرات التي تم فيها استدعاء سفراء الدولة أو طرد السفراء الأجانب منها.
6- عدد المرات التي صدرت فيها تهديدات ضد الدولة.
7- عدد المرات التي ألتجئ فيها للعمل العسكري كنوع من الحل للمعضلات التي تقابل الدولة خارجياً.
8- عدد الحروب التي اشتركت فيها الدولة.
9- عدد المرات التي تم فيها تحريك القوات العسكرية دون أن تصل إلى حد نشوب الحرب.
10- عدد الاتهامات التي وجهت الدولة.
11- عدد القتلى في الصراعات الخارجية.


ثالثاً :- عدم الاستقرار الدستوري والمؤسسي .
يمكن تتبع تقسيم عدم الاستقرار إلى قسمين هما :
1- عدم الاستقرار الدستوري .
أن إحدى سمات دول عالم الجنوب (الدول العربية) ضعف الحياة الدستورية فيها , فأن هذا الضعف يأخذ أشكالاً عديدة ومتنوعة , يبرز في مقدمتها عدم احترام الدستور في العديد من هذه الدول ومن الطبيعي أنه ليس للدستور معنى دون احترام حقيقي له , والنوع الثاني هو التضخم الدستوري , حيث أن دساتير هذه الدول وضعت متأثرة بدساتير الدول الغربية , فتم فرض النظام السياسي ومؤسساته في هذه الدول من قبل الدول الغربية , فيندر أن يكون هناك دستور في دساتير هذه الدول في مرحلة ما بعد الاستقلال لم يجد له مصدراً واحداً من الدساتير أو ان يكون في الأقل من وضع خبراء أجانب غربيين .
وعلى الرغم من تبني هذه الدول الدساتير الموجودة في الدول المتقدمة بأشكالها المختلفة ومحاولتها لنقل تلك الدساتير حرفياً إلى مجتمعاتها لكنها لم تستطع ان تطبقها في المجتمع بسبب طبيعة الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية , فلغالبية دول عالم الجنوب دساتير مكتوبة تتضمن المبادئ الغربية عن الحريات العامة والحكم المدني عبر المؤسسات المنتخبة , فضلاً عن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمواطن , على أن جوهر الدستورية مفتقد في تلك الدول على وجه العموم , فالكثير منها يخضع لحكم عسكري تسلطي يعطل الدستور أو يضرب به عرض الحائط , ويستطيع أي حاكم من خلال التزوير أو التزييف ان يحصل على الأغلبية المطلوبة لإقرار أي تعديل للدستور , وبرغم من ان إعلان حالة الطوارئ يرخص به فقط في حالة التمرد المسلح أو الغزو الأجنبي يغلب أن يستخدم إذا رأت الحكومة القائمة أن المعارضة تقوى شوكتها .
فعملية التحايل على الدستور والالتفاف عليه سمة مميزة من سمات الأنظمة السياسية في دول عالم الجنوب , فالسمة المميزة والغالبة في هذه الدول هي خرق القواعد الدستورية المنظمة له وحصر فاعلية أدواته الديمقراطية ضمن نطاق تحدده الفئة الحاكمة نفسها لضمان بقائها في السلطة أطول فترة ممكنة , لذلك أصبح الانتخاب الشعبي المباشر طريقاً للوصول إلى رئاسة الدولة , لا يمثل الاتجاهات والخيارات السياسية المتعددة والمقترحة لمعالجة المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والتي عادة ما تطرح في مرحلة الانتخاب , والسبب يعود الى ان تطبيقات العملية للنصوص القانونية الدستورية تجرد من محتواها الديمقراطي , من خلال العديد من الوسائل لتصبح عبارة عن عملية شكلية الهدف الحقيقي منها هو إضفاء الغطاء الشرعي للحكم القائم .
أن هذه الظاهرة تنتشر في ظل جهل أو لا مبالاة عامة الشعب بأمور الحكم والسياسة أو ان الغالبية ليس لديها من الوعي السياسي سوى القدر القليل ولذلك فأنها تجهل معاني الالتزام بقواعد الدستور ومغزى علو هذه القواعد . أن اغلب هذه الدساتير قد صيغت على عجل لرغبة الدول المستقلة من التعجيل بإتمام الإجراءات الخاصة بوضع دستور حتى يتاح لها الالتحاق بعضوية الأمم المتحدة في اقرب فرصة , كما ان المطالبة بالاستقلال مرتبطة بوضع الدستور فهو يمثل في كثير من الأحيان وثيقة الاستقلال أي وثيقة إنشاء الدولة .
وطالما ان المفاهيم الدستورية التي فرضت تتفق مع البنى الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لبلدان واضعيها , وتختلف عن البنى التي حاولوا تنفيذها فيها , كانت النتيجة الطبيعية لذلك فشل المفاهيم الدستورية في تأطير العمل السياسي في اغلب دول عالم الجنوب (دول العالم العربي) . ويمكن الاستفادة من التجربة المصرية كمثال في حالة عدم الاستقرار الدستوري والمؤسسي :
يقول الدكتور علي عبد العال، رئيس مجلس النواب المصري ، إن أى دستور يصدر والدولة في حالة عدم الاستقرار يحتاج لإعادة نظر . عاشت مصر فى ظل دستور عام 1971 سنين طويلة ، وكان أول تعديل تعرّض له هذا الدستور -باقتراح من مجلس الشعب حينذاك- عام 1979، عندما تم النص على المادة الشهيرة «الإسلام دين الدولة، والشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع» ، بالإضافة إلى المادة الخاصة بفتح مدة الترشح لرئاسة الجمهورية ، مع قرب انتهاء المدة الثانية والأخيرة من حكم الرئيس السادات عام 1982، تعرّض هذا الدستور لتعديل آخر عام 2005 (يعنى بعد نحو 24 عاماً على آخر تعديل)، ثم تعديل ثالث عام 2007. عقب ثورة يناير 2011، تم إجراء تعديلات جديدة على عدد من مواد هذا الدستور من خلال اللجنة الإخوانية الشهيرة التي تولت الأمر، ثم كان دستور 2012 الذي أوقف العمل به عقب مظاهرات 30 يونيو وقرارات 3 يوليو 2013.
كان من الطبيعي أن تضرب مصر حالة من الاضطراب الدستوري جراء نزول الشعب للمطالبة بالتغيير مرتين ؛ الأولى في 2011، والثانية في 2013. وقد قوبل دستور 2014 بالعديد من الانتقادات من جانب أطراف عدة بعد صدوره، رغم أن الشعب وافق عليه بنسبة تقترب من 98% ، إن هذه الانتقادات كانت تعكس رغبة في اختطاف الدستور ، مثلما اختطف الإسلاميون دستور 2012 ، وهو ما قوبل من جانب لجنة الخمسين المكلفة بإعداده بالحرص الشديد عند صياغة مواده ، ورغم ذلك لم يخل الأمر من انتقادات ، لكن في كل الأحوال يصح أن نقول إن دستور 2014 من أكثر الدساتير تأكيداً على فكرة الدولة المدنية ودولة المواطنة. الحديث عن أن دستور 2014 تم وضعه في أجواء «عدم استقرار» يغفل حقيقة أن التعديل المستمر لدستور البلاد هو المؤشر الذي يشهد أمام القاصي والداني على عدم استقرار الأوضاع .



2- عدم الاستقرار المؤسسي .
من علامات عدم النضوج السياسي التي تؤشر على الأنظمة السياسية لدول عالم الجنوب (الدول العربية) أن مؤسساتها ليست بالمستوى القادر على إتاحة إمكانية مساهمة المواطنين في العملية السياسية , فهذه المؤسسات من الضعف ما جعلها غير مؤهلة على تمرير مساهمة المواطنين ونقل آرائهم وتصوراتهم ومن ثم تحويلها إلى قرارات سياسية , حيث تضع القرارات السياسية وتتخذ بعيداً عن أي مساهمة من جانب التمثيلية . وفي الغالب ينسب الدور الهامشي للمؤسسات التمثيلية في العملية السياسية إلى عاملين , فمن الجانب الأول يعود إلى هشاشة البناء الفكري والتنظيمي لهذه المؤسسات , فهي مجرد أشكال صورية هي هيكلية لتحسين وتجميل صورة هذه النظم والتستر على القوى المسيطرة فيها والمتنفذة عليها ليست بقادرة على تمثيل الشعب وتمكينه من المشاركة السياسية . ومن الجانب الثاني فشلها في القيام بوظيفة بلورة المصالح وتجميعها مما ينعكس على دور البيروقراطية حيث يأتي التأثير على قدرتها عل الإدارة المسؤولة المحايدة فيجعلها تميل لأن تصبح متعددة الوظائف حيث تتولى بنفسها وظيفة بلورة وتجميع المصالح وعندئذ تتحول من جهاز خدمة إلى جهاز حكم .
وأخذت اغلب دول عالم الجنوب (الدول العربية) بنظام الحزب الواحد , وفي سياق هيمنة الحزب , يأخذ دور المجالس التشريعية بالتدهور حتى تصبح أجهزة تابعة للحزب , فازدياد سلطة كل من الزعيم والحزب تأتي باستمرار على حساب السلطة التشريعية ودورها حتى باتت بمثابة أداة لإسباغ الشرعية على القرارات التي تتخذ مسبقاً سواء في إطار الحزب او من قبل الزعيم القومي رئيس الدولة , فلا يعدو دور المجالس التشريعية غير إظهار الأطماع من وراء الزعامة القومية في إطار النظام , فهي لا تقوم بدور تمثيل الآراء المختلفة على العكس تقوم بتحريك جميع الأعضاء حول سياسات الحزب والزعامة القومية , بمعنى أنها تنقل آراء وأهداف الحزب للشعب بدلاً عن نقل رغبات وآراء الشعب .
ولقد أصبح من المظاهر المهمة لعدم الاستقرار المؤسسي للأنظمة السياسي في دول عالم الجنوب (الدول العربية) هو بسبب الدور الكبير الذي يلعبه رئيس السلطة التنفيذية في الحياة السياسية والدستورية في الدولة , سواء هذه الأنظمة برلمانية أم رئاسية ذات الحزب الواحد أم ذات الأحزاب المتعددة , اشتراكية أم ليبرالية حتى وأن كان ذلك يتعارض مع التقاليد الدستورية في هذه الدول .
أن هيمنة السلطة التنفيذية جاء من خلال السياسات التي اتبعتها القوى الاستعمارية في هذه الدول , فقد عملت على إضعاف دور السلطة التشريعية وقامت بتقوية دور السلطة التنفيذية لما كانت تقوم به من وظائف وادوار لتحقيق أهداف سياسات هذه الدول , فبعد انسحاب القوى الاستعمارية من مستعمراتها عملت على تقوية السلطات والمؤسسات الإدارية , أصبح من غير الممكن إضعاف دور السلطة التنفيذية لأنها مرتبطة أصلاً بوجود رئيس الدولة والحزب الحاكم لهذه الدولة وأن هيمنة السلطة التنفيذية على مقاليد الحكم وعلى النظام السياسي أدى الى زعزعة النظام السياسي وعدم استقراره .

المصادر
1- إسراء علاء الدين نوري : ظاهرة فراغ السلطة في دول عالم الجنوب : الأسباب والنتائج , منشورات زين الحقوقية , لبنان , 2017 .
2- شاهر الشاهر , الاستقرار السياسي ...معاييره ومؤشراته , 2016 .www.dampress.net








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سيدة تتلقى إشادات واسعة في السعودية بعد إنقاذها أفراد عائلة


.. حميدتي: الجيش لا يملك إرادة لوقف الحرب ويسعى لإطالتها وتوسيع




.. بدء عملية الاقتراع في بريطانيا على الانتخابات المحلية والبلد


.. لحظة إنقاذ رجل تشبث بشجرة لـ 5 أيام بسبب فيضان هائل في كينيا




.. الشرطة تقتحم جامعة كولومبيا لتفريق المحتجين| الأخبار