الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مخطوطات

عبد الكريم وشاشا

2006 / 3 / 7
الادب والفن


عتبات


" عاريا أضرم المهاتما غاندي النار في قماش مانشستر ، ولم يحتفظ إلا بقطعة ثوب هندوكية بئيسة حاكها بنفسه، كي يعيش كريما "

• * " ستموت مادمت بلا حب، سيأكلك وحش مختبئ تحت جلدك "
رحيل إلى البحر- زكريا تامر


" فالوطن ليس البرتقال ولا الزيتون. ولا جامع الجزار في عكا. الوطن هو أن تسقط في الهاوية، تشعر أنك جزء من كل، وتموت لأنه مـــــات "

باب الشمس- إلياس خوري



إهداء:


إلى روح مصطفى ، لولاك لما كانت هذه المخطوطات .

قويا و صادما فاجأتني يا "مصطفى" !
فاجأني موتك. وأكثر طريقة انتحارك القاسية.
لما سلمتك جزءا من المخطوطة. اغتبطت. قلت لي. أرسلها إلى "كاتيا".
حذرتك. انتبه! أنت لست "ميم العمري"
لم تفهمني حينها. أو أنك فقط لم تسمعني.
بعد يومين التقيتني غاضبا. كنت كعادتك، جالسا أمام مطعم "ابن زياد" ، مشدودا إلى سيارات "لاندروفير" السياحية. أجانب من كل صنف ولون. طبعا كان هناك "مراكش" بفرنسيته الكسيحة المضحكة. و"خيرة" المتسولة المومياء المحنطة في شراويطها، تمد يدها إلى الناس و الأشجار و الهواء و القطط. و "شالاما" بجسمه البقري، فرحا دائما يردد أغنية داعرة بلثغة الأطفال وحماقاتهم…
صحت علي بفرنسية فصيحة.
- -c’est toi L’Antichrist) ) أنت هو الدجال!
ما هذا الهراء الذي كتبت.
- لقد نبهتك، أنا لست سكرتيرك الخاص.
- بربك ما معنى هذه القفزات من هنا إلى هناك، تم أردفت ضاحكا، أنت جرادة مسنة. وضاعت ردودي مع ضحكتك في الهواء.
غيابك العنيف أربك كل حساباتي الروائية.
بانتحارك، يقف "ميم العمري" الآن أمام قامتك المديدة قزما مقوس الرجلين متهدلين الكتفين يستجدي.
منذ البداية وأنا أبحث عن بطل إشكالي يترنح تحت صخرة مأزومة. ابتعدت عنك، هربت منك، قطعت كل الخيوط لأحتفظ بخيط واحد.
علاقتك مع "كاتيا".
هنا، أنت وميم العمري توأمان، وجهان لروح واحدة. لكن ميم سيشق في علاقته مع كاتيا طريقا مختلفا هو بضرورة و منطق الصندوق السحري الذي تحضنه كل رواية، يشبه إلى حد بعيد طريقي. ولكن ليس إلى درجة التطابق. لأن "ميم العمري" يمقت الأبواق الاحتفالية.
صحيح أنه يشبهك في ملامحك الخارجية، وفي عنف الأمواج الداخلية الصاخبة التي تتكسر بحدة، فكلاكما يملك بداخله شاطئا صخريا. وكل من جالسكما حتما سيسمع ذلك الهدير المخيف الآتي من مكان ما. إنه ينبعث من أعماقكما. لكنكما مختلفان، فكل واحد منكما يحمل صليبه الخاص، ويرتقي طريق الجلجلة.
ها أنت يا "مصطفى" تخلصت وخلصت وشربت كأسك الطافحة واسترحت أخيرا في حفرتك. بينما "ميم العمري" لا يزال يحمل خشبته على ظهره، يرتقي درب الآلام. جائعا.حافيا. دماؤه تتناثر، ترش طريقه و لا حفرة تواري سوءته…




( لم أتبع مسار رحلة المسيح المخضبة بالدم إلى الجلجلة
بمثل ذاك الرعب، لم أعش من جديد حياته و آلامه بمثل تلك
الكثافة، وذلك النهك و الحب، كما حدث خلال الأيام و الليالي التي كتبت فيها " الإغواء الأخير للمسيح". وبينما أنا أقر هذا الاعتراف بكرب الجنس البشري و أمله العظيم أحسست بتأثر شديد حتى أن عيني امتلأتا بالدموع. لم أكن قد شعرت بدم المسيح يسقط قطرة قطرة في قلبي بمثل كل ذلك القدر من الحلاوة و الألم.)


نيــكوس كازانتزاكـــيس




1
" ميم العمري" يعمل مرشدا جبليا مخفيا، خارج قانون المهنة وبدون أوراق اعترافيه. في هيئته وتقاسيم وجهه يشبه أحد سكان " أيت بوكماز" كما أن " كاتيا " تقول له كلما وضع نظارته السوداء،أنّه يذكّرها ب"فرانز" !
وعندما يسألها من فرانز هذا، تشرق بغرغرة من الضحك وكبجعة جذلى تصطفق، تقفز إلى عنقه وتلثم شفتيه بقبلة حارة .
"كاتيا" المسلحة دائما بآلة تصوير، التقطت له صورا عديدة وفي أوضاع مختلفة. كانت دائما تركز على وجهه، وعلى ملامحه التي لا تستقر على حال. صوّرته في كل انفعالاته. هذا الوجه الأصهب الذي لوّحته شمس جافة، تتعاقب عليه في يوم واحد عشرات الفصول تتلاطم وتضطرب فيما بينها، وهذا ما أدهش "كاتيا" وزاد من حدة فضولها؛ فإذا كانت دواخل الإنسان عميقة إلى درجة لا يمكن سبر غورها، فإن الوجه الذي هو السطح و الظاهر وعند الكثيرين منا هو عنوان خاطئ، فهو عند "كاتيا" ،القرارة والقعر والساحل المليء بالأصداف والطحالب التي يجرفها الداخل. الوجه لحظة من التجلي للغيابات و المتواريات…
وهما يمارسان الحب داخل الخيمة في جبال " مكون"، قالت له بفرنسيتها الركيكة ، لكن بهمس لعوب وداعر. كم تتمنى أن تلتقط له صورة في هذه اللحظة. لكن للأسف هي مجردة من كل شيء كما يعرف. كما أنها تخاف " إبراهيم" صاحب البغل، والليل وأشباح نهر "مكون"..
"ميم" لا يتجاوز عمره ثلاثين سنة ويملك طاقمين من الأسنان!
قبل سنة كان له طاقم أسنان رخيص صنعه له صانع شعبي متواضع في دكان قصديري أقصى السوق.
لا يزال يذكر ذلك الرجل الغريب وحدبته التي تنام على ظهره، كأنه يخفي وسادة. لكن الذي شده إلى الرجل ، وجهه! مما جعله يحتار في تحديد عمره. عقله احتار لأن باطنه انفجر بسيل من سهام وحراب التساؤلات.. لماذا يحمل هذا الرجل مثل هذا الوجه وسط هذه الأسلحة من الأسنان والأنياب التي تسيجه.. وهل يمكن لطفولة الوجه، قبل أن تواجه الذقون الكلبية العديدة للوجه الواحد الأحد للموت، قادرة على الصمود أمام جسد أطعنته باكرا الشيخوخة وعميقا مزقته سيوف اللذة مزقا..
وهنا لا يعرف لماذا تخيل جسد صانع الأسنان عاريا يلتحم بجسد "كاتيا" الشبق، على الكرسي الذي يتوسط الدكان والمرآة تعكس الوضع المثير!
كان "م" يحس بحفرة عميقة بين أسنانه،وفي قاعها ينغل دود الوجع ويزحف على جدار اللحم. ينهض ليلا كالمسر نم، ويدور حول الخيمة ذبيحا بالألم. يوقظ إبراهيم صاحب البغل، ليخفف عنه ولو أن يراه هكذا مستيقظا.
انتبهت "كاتيا" لذلك وبدأت ترافقه في دورات الألم. قالت له أشياء كثيرة؛ وكلاما لا يفهم أغلبه. لكن كل كلمة تقولها تسقط بليلة على ظهر قلبه ،يتشرّبها.
كان يدخل وجهه في صدرها وتفغم أنفه رائحتها. رائحة قادر على أن يميزها بين مئات أخرى من الروائح.. من قبل ،قبل أن يلتقي "كاتيا"، أن يشم أية رائحة كيفما كانت أمر عادي ومقبول.. روائح الوديان الحارة التي تفجّرت في الدروب السفلى، أو تسيح وتبقبق بين مربعات الزليج الرخيص للبلدية على ناصية الشارع..رائحة دماء المجزرة المختلط بإفرازات العنز المسلوخ.. البخار الساخن من قواديس الحمامات الشعبية، تم الروائح المعتقة لمغسلة الموتى وبيوتات الوضوء والألواح والصمغ والمداد والحصائر التلفة في المساجد والكتاتيب العتيقة… ذاكرته مكتنزة بروائح كثيرة، لكن رائحتها استبدت به وأدهشته كروائح الينابيع، والتويجات والأنساغ والأعواد والسيقان المتقصفة بقطرات الندى في الصباحات…








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فاكرين القصيدة دى من فيلم عسكر في المعسكر؟ سليمان عيد حكال


.. حديث السوشال | 1.6 مليون شخص.. مادونا تحيي أضخم حفل في مسيرت




.. لم أعتزل والفوازير حياتي.. -صباح العربية- يلتقي الفنانة المص


.. صباح العربية | في مصر: إيرادات خيالية في السينما خلال يوم..




.. لم أعتزل والفوازير حياتي.. -صباح العربية- يلتقي الفنانة المص