الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشاعرة باميلا لويس/ عاد ميتا بهداياه

حمزة الحسن

2003 / 3 / 7
الادب والفن





روائي عراقي

                    ( الشعر والحيلة أمران متناقضان)
                                 * رسول حمزاتزف.

   يبدو أن عقدة الشعور بالذنب لدى الشعراء الأمريكيين إزاء جريمة دفن آلاف الجنود العراقيين أحياءً، قد تجذرت في الوجدان العام النظيف والحساس والنقي.

فمن قبل كانت الشاعرة جنيفر ميدن وفي قصيدتها( دفن قبل الأوان) قد تحدثت بمرارة عن سوء الحظ والذوق، كما تقول، الذي دفع هؤلاء الضحايا إلى الصحراء للموت، خنقا، بالرمل القادم من جرافات صنعت في أمريكا رمز الحرية.

( في ملاجئهم تحت الأرض خنقوا بالرمال).

بصراحة متناهية تقول جنيفر.

 لكن لا أحد، أقول لا أحد أبدا، تحدث عن هذه الجريمة لا في أوساط الشعراء العراقيين، ولا في أوساط السياسيين، ولا في أنصاف السياسيين أو أرباعهم، وهم كثر في قاعات الحرب وفي حاويات السلام.

 لا أحد، أقول لا أحد.
لا أحد يأتي، لا أحد يذهب، هذا فظيع.
يقول  صموئيل بيكت.
 
إن أخلاقية العراقي، شاعرا أو سياسيا أو بائعا جوالا أو مسؤولا، تتوقف عند الشارب والجنس والمراة.

 كل شيء عدا ذلك يهون يازوبع!

ليس مهما الاغتصاب السياسي.
ولا الاغتصاب الثقافي.
ولا تزوير التاريخ، أو غياب التعددية،
ولا تدمير الجغرافية،
وإهدار الثروة،
وقتل الأبرياء،
وإخفاء عشرات الآلاف.

كل ذلك، وغيره، ليس مهما أبدا في العرف الأخلاقي العراقي.

 الخطر كله في حفرة الجنس، وفي شارب الفحل، وفي عقال الشيخ، وفي عمامة الفقيه، وفي  سمعة الرفيق.
 ألم يقل أحد الشعراء:
(لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى/ ما لم يراق على جوانبه المني!)
 
كل شيء يهون يازوبع!

 الارهاب ليس انتهاكا للشرف.
 هدر ثروة اجيال، وموت الاطفال،
وبيع النساء خاتم الزواج من أجل رغيف،
أو الجسد من اجل قنينة حليب للرضيع،
كل هذا، وغيره، ليس خللا في الشرف.

 حتى حكام (نا!) هذا البلد الذي سننسى اسمه بعد أيام، لأن الاسم القديم لم يعد عصريا، ولا ينسجم مع سرير النظام الدولي الجديد، وسيقترحون علينا قطعة منه على حافة صحراء ما لنطلق عليها بقايا المزقة، أقول حتى هؤلاء حين يشتمون بعضهم، يستعملون تعبير حلق أو تنزيل الشارب كرمز وحيد للعار.

 كأن كل هذا الخراب، والجيوش، والضحايا، والسرقة، والاهدار، والفاشية، والقبلية، والخيانة، واستجلاب قوى اجنبية، والتهديد بالحرب، والتخويف بحرق البلد على طريقة إذا مت ظمآنا فلا نزل البظر، كل هذا لا شيء.

يهددون بعضهم بالعضو الجنسي ونحن ندفن تحت الرمل.

 ولماذا سكت الشعراء، خاصة الشعراء، عن جريمة دفن آلاف الضحايا في الرمل وبعد إعلان وقف إطلاق النار؟.

 ليحاول أي واحد منكم أن يكتب، مجرد كتابة وهي وسيلة سلمية، رأيه بأحد شعراء موجة البراز التي أطلقتها السلطة ورعتها  ودللتها في حقبة الثمانينات( وهؤلاء، للأمانة، ليسوا على صورة واحدة قطعا) وهربوا من السلطة لإفلاسها، وليس لظلمها، وسيرى نفسه بعد دقائق إلى أية سلالة مجانين أو ديوك أو قتلة أو شياطين ينتمي، وكيف أن الشرف الرفيع قد أنتهك الآن توا، وفقط؟!

 مرة كتبت عن أحدهم، وهو نصف شاعر/ نصف ردان ، أعترضُ على سلوك أو قضية، فأعلن من زريبته قيامة قال فيها سوف لن تنتهي إلا بعد أن أركع ، ولم  يكتف بذلك، وكان سيكون متحضرا رغم كل شيء، بل ساق عشرات التهم وأكثرها سخفا أن حمزة الحسن يطبع رواياته على حساب بلدية  نرويجية!
 
وكنت سأفرح بذلك وهي أمنية كل كاتب أجنبي أن تطبع كتبه على حساب مؤسسات دعم ثقافية وأدبية هنا، ولكن ذلك، مع الأسف لم يحصل ولو مرة واحدة، رغم الإلحاح المتواصل.

والمسكين اعتقد أنه كشف عن سر رهيب وصار بطلا دون أن يدري أنه تحول إلى مهزلة علنية.

أبعد من ذلك هدد بكشف اسم المدينة التي أعيش فيها أيضا، وقال علنا، وبكل صفاقة كانت مستترة ( وأيده دكتور في الغائط!) أنني أعيش في عزلة أو جحر وسيخرجني منه!
 
متى نستحي؟
لماذا المرء حين يخرف، لا يستل حذاءً وينتحر؟!

بما أنه يعيش في عالم ثالث محكوم بالشرطة فهو يعتقد، أو الذين سخروا منه، أن البلدية في اسكندنافيا هي نفسها في العالم العربي، لا تطبع كتبك إلا إذا كنت  تعمل لها أو معها،مع أن البلدية هنا مسؤولة عن الإيجار والأطفال والطرق والمسارح والكهرباء والحدائق والمؤسسات الثقافية والعلمية..الخ وأن مقاييسنا المشوهة لا تصلح معيارا لكل شيء، بل لا تصلح مقياسا حتى لحظيرة كلب الذي يتمتع هنا بحقوق تعادل كل حقوق الكتاب والمثقفين العرب  جميعا.

إذا كان اختيار السكن وهو حق بدائي مقدس، وطبع الكتب، تعد، في ثقافة العاهات جريمة، وهي حقوق بدائية،كيف إذن مع الحقوق الكبرى؟
كيف، إذن، يصبح الدكتاتور ظاهرة شاذة، إذا كان الشاعر يفكر على هذه الصورة المزرية؟

لا أحد، أقول لا أحد، يهمه موت أحد.
نحن سجناء الجلد، بتعبير أدونيس.
كل واحد مسجون في معطفه أو داخل نفقه السري.
كل واحد منا منفى نفسه.
الكل وحيد.
ولم نتعلم شيئا من هذه المنافي أبدا.

كيف،إذن، نطالب العالم باحترامنا، إذا كنا نحن لا نحترم لا الحياة فينا أو في غيرنا ولم  نحتج على موت علني جماعي مفتوح، ولا نهتز أبدا إلا إذا تعرض الشارب أو حفرة الجنس  للخطر؟.

 ماذا سيحدث لو أن الولايات المتحدة دفنت مثل هذا العدد من الجنود أو الأرانب أو الكلاب في فرنسا أو السويد، مثلا، بالرمل؟.
ألف لوحة" جارنيكا" سترسم على ملايين الجدران.

متى نؤمن أن الفاشية هي انتهاك للشرف؟
وأن الكذب هو انتهاك للشرف؟
ومتى نصدق أن الاغتصاب الجنسي يوجد عند اغتصاب السلطة؟.

متى نؤمن أن الكرامة البشرية لا تقع على حافات الأعضاء التناسلية فحسب؟.

الشاعرة باميلا لوليس كانت تسمع نشرة أخبار تلفزيونية في 26 شباط 91 حين سمعت عن دفن الجنود العراقيين أحياء، وخنقا بالرمل، فقررت تصفية حسابها مع المؤسسة البربرية. وماذا يملك الشاعر من وسيلة غير الكلمات؟

الم يقل جان جنيه بكل شجاعة وصراحة وقوة( إن حياتي ومؤلفاتي كلها ليست سوى تصفية حساب مع المجتمع)؟.

 * قصيدة: الجندي المجهول
 * الشاعرة باميلا لويس

( أخبار تلفزيونية،26، شباط،91 )

دفنه الأمريكيون
في قبر ضحل من رمل براق،
جديد إزاء صحراء شاحبة،
صوّره فريق تلفزيوني عابر.

لن نعرف أبدا
ماذا دفع شابا
ليبحث عن طعام لزملائه
ويعود ميتا مع هداياه؟

بكيت عليه
كل دمعة حبة أرز
وقليل من الماء.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أسباب ابتعاد الفنان محيي إسماعيل عن التمثيل المسرح


.. محيي إسماعيل: أنتظر الاتصال بالجهات الإنتاجية للبدء في فيلم




.. خلي بالك من الهمزات في امتحان اللغة العربية 3 ثانوي 2024


.. :Djokerz ستاند آب كوميدي لبناني في باريس




.. الأسباب التي تعلم منها التقليد.. الكوميدي شادي طعمه يوضح