الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأزمة في تونس وفشل حكومة الوحدة الوطنية المزعومة

محمد المناعي
باحث

(Manai Mohamed)

2018 / 2 / 14
مواضيع وابحاث سياسية


لم تمضي سنة على تحالف في الحكم بين حزبي النهضة والنداء ، تحالف المنظومة القديمة و الحركة الاسلاموية بعد حملة انتخابية قائمة على استقطاب ثنائي موهوم ، حتى تبين فشل الطرفين في إدارة شؤون البلاد وتردى الوضع الاقتصادي والاجتماعي في أزمة خانقة و تلقت تونس ضربات إرهابية موجعة ( عملية متحف باردو ، عملية شاطئ سوسة ، عملية بن قردان ...) و بدى للعيان حقيقة الصفقة التي أغلقت بها ملفات في علاقة بالفساد و بمحاسبة النظام القديم في مقابل غلق ملف الارهاب و التورط فيه على مدى فترة حكم الحركة الدينية .
اتجهت القوى الحية في البلاد إلى محاولة إنقاذها من فشل هذا التحالف الذي رغم حصوله على أغلبية برلمانية مريحة ، طغت على ممارساته الصراعات الداخلية و الحكم بمنطق الغنيمة و المحاصصة والنفعية ، فتنادت قوى يسارية واجتماعية إلى ضرورة الإنقاذ ضمن مؤسسات الدولة ، فكانت الحصيلة لقاءات واسعة شاركت فيها أغلب القوى السياسية من الحكم والمعارضة ، والمنظمات النقابية الثلاثة الممثلة للشغالين ( الاتحاد العام التونسي للشغل )و منظمة أرباب العمل و منظمة الفلاحين تحت إشراف مؤسسة الرئاسة ، أفرزت وثيقة إعلان نوايا (وثيقة قرطاج )تضمنت أولويات وخطوط عريضة للانقاذ أبرزها مكافحة الإرهاب والفساد وإجراءات تنموية عاجلة للجهات والفئات المحرومة ورفض المحاصصة والتلاعب بمسار العدالة الانتقالية .
أمضت وثيقة إعلان النوايا مختلف التنظيمات السياسية و الاجتماعية باستثناء طرفين ممثلين في البرلمان هما الجبهة الشعبية ( تحالف بين أحزاب يسارية و قومية و اجتماعية ) من جهة و الحلفاء السابقين للحركة الاسلاموية وداعمي الرئيس السابق المنصف المرزوقي من جهة ثانية وتشكلت حكومة أطلق عليها اسم حكومة الوحدة الوطنية ضمت شخصيات لها منابت يسارية ونقابية وشخصيات حزبية من أحزاب مختلفة .
رغم السند الواسع ظاهريا للحكومة في البرلمان وفي الساحة السياسية والاجتماعية لم يكن للحكومة أي برنامج دقيق و لا أهداف معلنة ومسقفة زمنيا سوى تلك الوثيقة اليتيمة التي بقيت مجرد مبرر لارادة الانقاذ والتي بقيت حبرا على ورق و عمل الطرفين الأساسيين في الحكم على تهميشها وتهميش بقية المكونات سواء في تسيير الشأن الحكومي أو في مراجعة التعيينات الجهوية والمحلية والوطنية أو في صياغة مشاريع القوانين و أبرزها قانون المالية 2018 ، ولم يتم الرجوع الى هذه الوثيقة ولا الى الأطراف الممضية عليها باستثناء مشاورات شكلية أو استجابة قسرية لضغط المنظمة العمالية ، عدا ذلك عمل الحزبين الأساسيين بمنطق الأغلبية و تم تمرير قانون المصالحة الادارية رغم معارضة عدة شركاء و تحولت الحكومة الى حلبة للصراع بين الأطراف الحاكمة فيما بينها في مقابل معارضة ضعيفة فكان أن حافظت الحكومة على ثنائية القيادة التي أفرزتها الأغلبية البرلمانية و انفضت الأحزاب من حولها إما بالخروج منها ( أفاق - الجمهوري - الوطني الحر ...) أو الانسحاب من وثيقة قرطاج نفسها نهائيا وتوجيه أصابع الاتهام ومسؤولية الفشل لحزبي النهضة والنداء و عادت من جديد الى محل تجاذب بين الحزبين الفائزين،وحتى داخل الحزب الأول نفسه بين رئيس الحكومة الشاب و بين طموحات ابن الرئيس و خرجت الحركة الاسلاموية أكثر قوة من تشظي حزب نداء تونس و تشتت القوى المدنية و تمزق القوى اليسارية و التقدمية و لم يبقى من مساند للحكومة في السر والعلن من خارج الحزبين الحاكمين سوى المنظمات المهنية وفي مقدمتها الاتحاد العام التونسي للشغل بدرجات متفاوتة وبمراوحة بين الضغط والدعم و حزبي المبادرة و المسار هذا الأخير الذي كان من أول المنادين بمؤتمر وطني للانقاذ و بحكومة حرب على الإرهاب والفساد وجد نفسه منذ قرر أمينه العام المشاركة في هذه الحكومة بين ثنائية دعم قرار أحد أبرز قياداته والحفاظ على وحدته وتماسكه نظرا لتعدد القراءات والتقييمات داخله وفي نفس الوقت الوفاء لخطه الاجتماعي اليساري ونقده لانحرافات الحكومة وتنكرها لبنود الوثيقة التي انبثقت منها وعدم نجاحها في إخراج البلاد من الأزمة الاقتصادية والاجتماعية فانعكست أزمة الحكومة على الأحزاب التي شكلت حزاما لها كالمسار و أفاق والاتحاد الوطني الحر والجمهوري ...وأفرز الصراع على غنيمة الحكم أكثر تفرع الحزب الأول نداء تونس إلى أكثر من 5 أحزاب في حين بقيت النهضة موحدة تحصد نتيجة التدافع السياسي حولها والتي دفعت به إلى أقصاه .
هذه الأزمة التي احتدت أكثر مع ارتفاع المديونية والبطالة و الاحتقان الاجتماعي واستشراء الفساد في المقابل الوقوع في الترضيات والتجاذب الثنائي بين طرفي الحكم والقيام بإجراءات لا شعبية تضرب في العمق المقدرة الشرائية للفئات الضعيفة و الأجراء والتعامل بأيادي ناعمة مع بارونات الفساد والتهريب ...كشف لا غياب الإرادة على الفعل و الانقاذ فحسب بل العجز على القيام بهذه المهمة والفشل الذريع فيها ، فهذه الحكومة انطلقت من وثيقة تحمل ملامح الوحدة الوطنية و انتهت كائنا مشوها ومرتعا لأصحاب المصالح الضيقة واسما بلا مسمى عمّقت الأزمة الشاملة للبلاد بدل إنقاذها منها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -تشاسيف يار-.. مدينة أوكرانية تدفع فاتورة سياسة الأرض المحرو


.. ناشط كويتي يوثق آثار تدمير الاحتلال الإسرائيلي مستشفى ناصر ب




.. مرسل الجزيرة: فشل المفاوضات بين إدارة معهد ماساتشوستس للتقني


.. الرئيس الكولومبي يعلن قطع بلاده العلاقات الدبلوماسية مع إسرا




.. فيديو: صور جوية تظهر مدى الدمار المرعب في تشاسيف يار بأوكران