الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السلطان الأمريكي: الكذاب الأكبر

مها أحمد

2006 / 3 / 7
الصحافة والاعلام


في أحلى وأسمى الحرية الأمريكية وجهت وسائل الإعلام المحلية نقداً لاذعاً للبيت الأبيض في أواخر شهر شباط من العالم الحالي على خلفية تعرّض محامٍ مشهور من أوستن يدعى "هاري وتنغتون" بجروح في الوجه والصدر والرقبة بعد إصابته "بنيران صديقة" عندما اصطاده عن طريق الخطأ صديقه نائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني في رحلة صيد, الهجوم الإعلامي تمحور حول التأخير في إعلان الحادث إلى اليوم الثاني(!) مما أوقع المتحدث باسم البيت الأبيض في حرج وبرّر التأخير بالقول أنّ تشيني ومرافقيه ركزوا اهتمامهم على الاعتناء بالمصاب والتأكد من أنه تلقى العناية الطبية الكاملة(!).
يعني عندما تسمع أو تقرأ مثل هذا الخبر لا يمكنك إلا أن تشعر بالإعجاب بالشفافية والتعاطي المسؤول مع الرأي العام في أمريكا والسطوة التي تمارسها السلطة الرابعة على نائب الرئيس والرئيس شخصياً وتبيح لنفسها انتقاده ومحاسبته حتى على الأخطاء البسيطة التي يمكن أن يقع فيها هو أو فريق عمله فكيف بالخطايا الكبرى... يعني يا هكذا الديمقراطية يا عمرها لا تكون!!...
لكن الإعلام الأميركي الذي نشر (عَرض) تشيني كونه يصطاد ببندقية لم تستوف رخصها القانونية بشكل كامل, يكاد لا يفتح فمه أو يفرد صفحة واحدة من صفحاته للتعليق على مجازر الرئيس ونائبه ووزيرة خارجيته الدكتورة كاندي .. إنها اللعبة نفسها التي تمارسها المنظومة الإعلامية المهيمَن عليها من نخبة المحافظين الجدد (بالمناسبة هم ليسوا جدد أبداً) والتي أطلق عليها سمير أمين اسم (الحماقة الحاكمة)... إنها حقاً الحماقة الحاكمة التي تريدنا أن نصدق أن دولة القانون وفصل المؤسسات واستقلال القضاء التام لم تجد ما يشين تشيني إلا عدم استيفاء تراخيص سلاح الصيد الخاص به...
أين التراخيص التي خوّلت الأحمق الأكبر بوش احتلال أفغانستان والعراق وإقامة معتقلات التعذيب من غوانتمامو إلى باغرام إلى أبو غريب إلى غيرها من الحملات الهمجية الغير شرعية والغير قانونية والغير مرخصة والتي قد يتأخر الإعلان عن تفاصيل جرائم الحرب عشرات السنين.
وما هذا الإعلام الأمريكي المنافق الذي لم يحمّل تأخير إعلان نبأ اصطياد تشيني لصديقه أربع وعشرين ساعة بينما لا يسأل هذا الإعلام إلى متى يطول حمام الدم في العراق وفلسطين وكل مكان من العالم؟...
ومن نيكسون إلى كلينتون وما قبل وما بعد تتواطىء المؤسسات المؤتمرة بإمرة " الحماقة الحاكمة" لتكرار نفس السيناريو الرديْ: الرئيس تتهم بالكذب (يا عيب الشوم), لقد أقام علاقة غير شرعية (يا للعار) مع المتدربة مونيكا لوينسكي وأنكرها تحت القسم فلتسلط الأضواء على هذه الفعلة الشنيعة التي لا تغتفر ولتطوى ملفات الفساد المالي والإداري والانتخابي وحتى شبهة التورط في قتل أحد شركاء كلنتون وزوجته السيناتور هيلاري المدافعة بشراسة عن قوانين الضمان الصحي والمتورطة مع زوجها قبل أن يصبح رئيساً في صفقات مشبوهة ومشاريع سياحية خاسرة ومضاربات في البورصة بأسماء وهمية.
أكوام وأكوام من التهم يتجاهلها الإعلام الحر وتبسط الـ(CNN) و(FOX NEWS) وغيرها ساعات من البث المباشر لجلسات مسائلة الرئيس الذي لم يقل الحقيقة بشأن علاقة غرامية..إنها مهزلة تكاد توازي أن يحاكم آل كابوني بتهمة التهرب من الضرائب..
الكذب على الكونغرس هو التهمة التي وُجهت لنيكسون عقب فضيحة (ووتر غيت) وريغان في (إيران غيت), لكن أحداً لم ينبس ببنت شفة عن ضرورة مساءلة الرئيس الأول عن ضرب كمبوديا أو كوبا في خليج الخنازير أو نيكاراغوا والثاني عن قصف ليبيا وغيرها من الجرائم الكبرى التي أرست عليها أميركا أسس وجودها كقوى عظمى منذ حروب الإبادة التي قضت على السكان الأصليين للقارة وحتى يومنا الراهن.
الحماقة الحاكمة في أمريكا وفروعها عبر العالم تجيد الكذب ونحن نجيد الانخداع كسمكة غبية تلتهم الطعم كل مرة وإلا ما معنى أن يتجرأ كولن باول على الظهور العلني ليمثل هذا المشهد المبتذل والمستفز عندما أعلن اعتذاره "للخطأ" الذي شاب سيرته الذاتية يوم اعتلى منبر "الشرعية الدولية" وبسط خرائطة ووثائقة الملفقة ممهداً لاحتلال العراق, ألم يحن الوقت لمراجعة دلالة المصطلحات والمفاهيم التي يتم تداولها عن "الشرعية الدولية" و "الخطأ في التقدير" ثم "الاعتذار" الذي ينم عن نبل وشجاعة المعتذر وغيرها من المفاهيم الكاذبة؟.. بعد أن كادت وسائل الإعلام الموجهة جداً, دعيّة الديمقراطية والحريات الكاذبة أن تقنع العالم كله, كما قال سعيد دودين مدير مؤسسة "عالم واحد للدراسات" أن الرئيس بشار الأسد مسؤول شخصياً عن اختطاف الزوجة الثالثة لقداسة البابا!..
رحم الله وزير الدعاية في حكومة هتلر النازية الذي أرسى القاعدة الشهيرة "اكذب...اكذب فلا بد أن يصدقك الناس في النهاية".. كم يبدو اليوم على عبقريته في إدارة الحروب الإعلامية غرّاً بالنسبة لإعلاميي ما بعد الحداثة وكم أشعر أنا شخصياً بالغيظ كلما ضغطت زر جهاز التحكم الخاص بالتلفاز خطأً على الفضائية السورية التي يجوز فيها القول دون أي تأنيب ضمير أنها استثناء فريد من نوعه من نظرية داروين التي تبشر بانقراض كل الكائنات الغير قادرة على مواكبة تطورات الحياة وتؤكد وجوب فناء كل الديناصورات المتضخمة المترهلة التي تتحدّث لغة العصر ما قبل البشري وتختار برامجها وموادها بعقلية " كان يا ما كان" وتملأ ساعات بثها الطويلة بالحماقات الكبرى التي تضاهي الجرائم الكبرى بحق متابعيها...
يا جماعة القمر الصناعي اختراع جُد خلاق وحرام أن تحتكره الببغاءات, ووسائل الإعلام هي الحلبات التي يجب أن نخوض فيها حروبنا ضد الكَذبة والأدعياء وفروع"الحماقة الحاكمة" في كل العالم فلنبدأ.........








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. روسيا والصين.. تحالف لإقامة -عدالة عالمية- والتصدي لهيمنة ال


.. مجلس النواب الأمريكي يصوت بالأغلبية على مشروع قانون يمنع تجم




.. وصول جندي إسرائيلي مصاب إلى أحد مستشفيات حيفا شمال إسرائيل


.. ماذا تعرف عن صاروخ -إس 5- الروسي الذي أطلقه حزب الله تجاه مس




.. إسرائيل تخطط لإرسال مزيد من الجنود إلى رفح