الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مقاربة نقدية

عماد نوير

2018 / 2 / 20
الادب والفن


مقاربة نقدية في نص ومضي قصّصيّ.
اصطبار
عانقوا اليأسَ؛ اصطدموا بالأملِ.
عندليب سوري
____________________________________
إعادة و تذكير
مازال الومض يقاوم حالة الملل و التكرار و استلاب المعاني الجاهزة من نصوص مشابهة، أو من اقتباسات مشوّهة من نصوص مشهورة، أو حِكَم معروفة، و مازال هذا الجنس الذي لم يعد صغيرا يُغضّ له الطرف لعثراته، بل صار نوعا قصصيا معروفا لا يجهله أحد في الساحة الأدبية، و لم يعد فورة الكترونية، أو محصورا داخل حدود الدولة الفسبوكية الزرقاء!
و عَودا على بِدء، فإن الومض قد أرهقه الجري السريع، و النفس القصير، و الاستخفاف بالضغط و الإضمار و الاقتصاد، ظَنّا أن الأمر لا يعدو أكثر من تقابل لفظي محدود المفردة، و الفكرة موجودة في الساحة، و سوف يسير الحال على وجه مشرق!!!
الومض يحتاج إلى تأنٍ و رويّة لطرح منتج يليق بكلمة ومض يصاحبه صعق، و هذا الأمر لا يمكن أن يأتي من غير دهشة اختصَّ بهذا هذا اللون دون غيره من سائر الفن القصّصي.

ابتلاءات
المحن و النوائب و عاديات الزمن ترتع في ربوع المحتاجين لبصيص الضوء، و تلقي بأحمالها على قدراتهم المحدودة، و تقصم ظهر مقاومتهم و تَسلّحهم للدفاع عن أهدافهم و بذور آمالهم التي ينتظرون ريعها و جني ثمرها، تُكرر هجماتها و تُكثّف من كَرِّها على المعوزين و العاشقين و الحالمين و المتربصين ببشارة الخير، لتحيل أيامهم ليال مظلمة، و مستقبلهم مجهولا و دروبهم وعرة و حياتهم معدمة.
فتضعف عزائمهم و تهن قواهم و يُفقد أملهم، و يركنوا إلى التّسليم و الرضوخ بواقع الحال و هو ما يمكن أن يُسمّى يأسا مفزعا مرعبا.!

العتبة
لن يلج المتلقي نصّا ما لم يكن ذا عتبة مغرية و جذّابة و موحية و غير منفرة، فالمتلقي ملول يحب الشيء الفَكِه و يبحث عمّا هو جديد و برّاق يقود إلى مدينة مضيئة مشعّة الأنوار.
اصطبار، مصدر من فعل صبر، أُبدلت تاؤه طاءً للتخفيف، و هو ما يجعل إيقاع الكلمة أكثر جاذبية و أكثر رسوخاً من انفجار مدوٍ داخل النص كون الكلمة قد جمعت حرفين مستعليين، و بما أن أصل المصدر صبر و قد زُيّد ليصبح اصطبارا فإنما لغرض المطاوعة، فهو قد صبّرَ نفسه فاصطبرْ، و بهذا يفتتح الكاتب نصّه بصوت مرتفع مبتعدا عن همس العشّاق و المولّعين، و نجد أنفسنا أمام قصة لا بد أن يكون بطلها قوي الشّكيمة، عصيّا على الصعاب، ذو نفس طويل و إيمان جميل، و رؤية بعيدة، و قراءة حكيمة.
و الصبر، يقينا الاندفاع و التّهوّر و الجري نحو ما لا يُحمَد عقباه، و الصبر صفة المؤمنين و المرابطين و الفاهمين لدقائق الأمور، و للصبر نتائج و أثمار عظيمة تغيّر الحال من حال إلى آخر، و الصبر قد يكون سنوات طوالا كصبر أيوب عليه السلام أو صبر نوح على قومه أو صبر يوسف في ظليمته و سجنه أو صبر رسولنا الكريم في أَذًى قومه له حتى هذه السّاعة، و ما أُذي نبي قط كما أُذي نبي الأسلام محمد صلوات ربي و سلامه عليه و على آله، و قد يكون الصبر دقيقة أو لحظات، تظفر بها كنوزا لم تكن تحلم بها، فبين النصر و الهزيمة لحظة واحدة، هكذا قال نابليون، و الصبر مفتاح الفرج، هكذا قالت العرب، و الصبر على البلاء فوز بالجنان، هكذا يقول الشّارع المقّدس..!
اصطبار، عنوان يبدو من الوهلة الأولى جيدا، يحمل بين ثناياه قصة صراعية بين النفس المبتلاة و الواقع المرير، بين تحقيق الحلم و تبديده.

المتن
عانقوا اليأس
الكاتب يورد لنا استهلاله للنص بجملة فعلية (عانقوا) بصيغة الجمع و لم يقل عانق ليسير الحال على النحو العام، و الأكثر شهرة، و ما هو متعارف عليه، و يبدو أنه كان يقصد ذلك و يصرّ عليه، من خلال نتيجة السبب التي حافظت على نفس الفاعل في الجملة الأولى، و هم أنفسهم الذين كانوا أبطال الشّق الأول من النصّ، و يميل العارفون و الضليعون في هذا المضمار أن يكون الفاعل في العجز غيره في الصّدر، لتكون القصة متعددة الفواعل و غنية التأويل، و هذا لا يُنكر إبداع الكاتب حين يصرّ على نص بفاعل واحد، مستوفيا شروط القص الومضي بدرجة إدهاشية عالية.
عانقوا، جمع يراد به أمة، أو قوم بعينهم دون سواهم، و كأن النص مخصوص بفكرة معيّنة أو آنية، تشمل قوما كالأمة الأسلامية أو العربية، و ضياع مقدراتهم أو إرثهم أو شيء ثمين ليس في الاستطاعة إرجاعه، و هذا أمر محتمل و غير محتمل، كون الكاتب لم ينوّه بخيط أو يرمي بحصاة صغيرة نحو مرامه، و لو بمفردة واحدة، مباشرة و صريحة، أو تلميحية تغني القارئ ليصوغ منها قصة الفكرة على إمكانية ثقافته و إدراكه.
فلعل اصطبار الشعوب العربية على النكبات المتتالية و ما جاء آخرها و مذلته الكبرى، ما كان هدف النص، و لكننا نقول دوما و أبدا، القارئ لا يُقوِّل الكاتب الذي لم يقصد كل التأويلات، و لكن هو حق القارئ المشروع في تخيّل ماهية القصة الموهمة أو حتى غير الموهمة و غير الملغّزة.!
و من حيث بناء الصدر للومضة، رأيت للوهلة الأولى أن نقف عندها و نناقش كيفية معانقتهم لليأس، إذا ما عرفنا إن اليأس مذموم و مقرف و مُحطِّم، فهل يُعقل أن يُعانَق مَنْ كان بهذه الصِّفات ، ما لم يكن هو نفسه من تَسلَّط عليهم و فرض نفسه على واقعهم و عانقهم عنوة ساخرا منهم و شامتا من عدم الإطاحة به و تحقيق آمالهم.!
و لكن معانقتهم لليأس لن تبدو غريبة لو كان عامل البلاغة في النص يعمل بجدٍّ و بوتيرة عالية، و كيف رأى الكاتب أن الصابرين على البلاء قد أُسقِط ما بأيديهم، بعد أن أعيتهم الحيل و أدبرت عنهم الوسائل المتاحة، فركنوا إلى الأمل البعيد أو القريب، و اليأس يَلُوح في أجوائهم و يُلَوِّح بذراعيه لاحتضانهم علامة الانتصار و التنكيل بهم، و هم من باب الحكمة و الاصطبار على البلاء، و من باب مجبر أخاك لا بطل، فأنهم عانقوا على مضض تقية و احتسابا و تدبيرا، و السعي الحثيث من جديد و البحث عن خيوط الأمل التي تخرجهم من عناق مقيت.!

اصطدموا بالأملِ
ينقلنا الكاتب إلى العجز حاملا معه ما يجب أن يدهش القارئ، لتكتمل صورة ومضية ترضي المطّلع و تُشغف لبه، فبعد أن عانقت المجموعة أو الجمهور أو الأمة يأسها فإن القارئ يتطلّع إلى ما يفرّج الوضع بارتباك فكري غير متوقّع، و من يعانق اليأس سوف ينزلق إلى هاوية الإحباط و الإنهاك و فقدان الأمل و الدوران في حلقة الركون و الخنوع و انتظار الأجل المقدّر و المحتوم.!
لكن النتيجة كانت أن الأمة المعانقة لليأس قد اصطدمت بالأمل، كأن الأمل كان يبحث عنها، أو كأنها تسير على غير هدى بسرعة فائقة لتصطدم الأمل بعنف، و بالطّبع فإن الاصطدام بالأمل سوف يغيّر المعادلة، و يقلب موازينها، و يفكّ العناق الذي نتج في الشطر الأول من الأزمة، ليتّضح لنا بأنه ما كان إلّا عناقا وهميا زائفا قسريا، فرضته الظروف القاهرة، و سرعان ما انهار و تبددت كل أركانه حينما ظهر الأمل بقوّة
و يبقى السؤال:
إذا كان الأمل موجودا، و يعترض الأزمات و يضربها بقوة ليعيد لها الحياة الوردية، فلماذا غاب عن أعين المبتلين باليأس! و لماذا أحكم اليأس قبضته عليهم دون أن يرفعوا رؤوسهم إلى الأعلى قليلا ! هل القصور في البحث عن ومضة الأمل و الاتكال على الصدف و المفاجآت، و هذا الأمر يعيدنا إلى البحث فيربك التسلسل الحكائي للقصة من كون اليائسين قد عانقوا اليأس طواعية و هذا أمر ينافي الصبر و الاصطبار، و كان الأَولى أن تكون الجملة الأُولى عانقهم اليأس، و إن كانوا قد عانقوا اليأس كما أسلفنا كراهية و غلبة من اليأس، فحينئذ يكون الأمل هو الذي اصطدم بهم، صدمهم الأمل، أي بمعنى جاءهم على حين غرة نتيجة الاصطبار الذي مارسوه و تحلّوا به.
كل الشكر و التقدير لصاحب النصّ الأستاذ عندليب سوري، و نتمنى له مزيدا من الإبداع و التألّق.
تحيّتي و ودّي
عماد نوير...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الموزع الموسيقى أسامة الهندى: فخور بتعاونى مع الهضبة في 60 أ


.. الفنان محمد التاجى يتعرض لأزمة صحية ما القصة؟




.. موريتانيا.. جدل حول أنماط جديدة من الغناء والموسيقى في البلا


.. جدل في موريتانيا حول أنماط جديدة من الغناء والموسيقى في البل




.. أون سيت - لقاء مع أبطال فيلم -عالماشي- في العرض الخاص بالفيل