الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كارل ماركس والأدب العالمي جون مايرهوفر

عامر حسن

2019 / 6 / 23
الادب والفن


جون مايرهوفر
City University of New York
ترجمة : عامر حسن
قراءة في كتاب
S.S. Prawer, Karl Marx and World Literature


ربما كان الدرس الأكثر أهمية والذي نشأ من الاسلوب المادي الجدلي الذي اعتمده ماركس وإنجلز، هو التناقض بين العلاقات الاجتماعية الرأسمالية القائم على اساس التسلسل الهرمي في ملكية العمل، وما يدعوه ماركس "تحرير الإنسان"، أو النضال من أجل خلق عالم استنادا إلى الاحتياجات العملية للاستدامة الجماعية. وبالرغم من رؤى ما بعد الحداثة - بما في ذلك أولئك الذين يعيشون في معسكر ما بعد الماركسية - الذين غالبا ما يدينون منهجية ماركس على أنها طوباوية، اختزالية/ تبسيطية ، اقتصادية ، وما شابه ذلك، فإن المادية الجدلية لا تزال موجودة كأداة أساسية لفهم تناقضات الحداثة الرأسمالية، التي كشفت عنها الأزمة العالمية الأخيرة، فضلا عن تخيل عالم يتجاوز الهيمنة الرأسمالية ، وهي في عصرنا الراهن كانت تعبيرا عن الدافع الثوري الذي أطلقه الربيع العربي، والحركات المناهضة للاحتلال، وغيرها من الإجراءات العالمية لتحقيق العدالة الاقتصادية والاجتماعية، مثل النضال الماوي ضد قمع الدولة في وسط الهند.
بالنسبة ل س س براور، ، فإن المادية الجدلية لماركس تغذيها الاهتمامات الجمالية التي التهمت ساعات عمل ماركس: لماركس، لم يكن الخيال الأدبي مجرد قوة التعبير، ولكن ما يدعوه براور "المزاج الذاتي" للدافع الثوري الساعي لإنشاء نسخة بديلة من العلاقات الاجتماعية خارج الرأسمالية: "يعتقد ماركس، حينذاك، أنه على الرغم من أن العديد من المؤلفين هم متحدثون باسم طبقة مهيمنة، فإن الأدب العظيم قادر على الارتفاع فوق أيديولوجية سائدة. وعندما يحدث ذلك، قد يشكل مجالا من العمل غير المستبعد نسبيا، وهو مجال يمكن فيه للمؤلف أن يعبر عن نفسه - إلى حد كبير - ككائن بشري كامل" .
إن أهمية جدال براور في هذا الكتاب، والذي نشر أصلا في عام 1976، تكمن في تحليله لكيفية تزامن قراءة ماركس النقدية للنصوص الأدبية العالمية مع تطور أسلوبه المادي. إن استخدام ماركس للنصوص الأدبية من جميع أنحاء العالم هو أكثر بكثير من مجرد زينة لكتابه النقدي حول الرأسمالية. بل على النقيض من ذلك، فإن التقارب بين التجربة الجمالية والممارسة السياسية في عمل ماركس يجعل من الممكن فهم أعمق للمنهج العلمي نفسه. من خلال "التحقق الزمني من إشارات ماركس إلى الأدب واستخداماته"، يتتبع براور العلاقة التي لا تنفصم بين مفاهيم ماركس الثورية للمجتمع ومعرفته الشاملة للنصوص الأدبية العالمية، حيث يقدم نظرية المعرفة للمادية الجدلية والأشكال المختلفة التي تأخذها طوال خبرة ماركس . إن الاستمرارية بين ما يسميه النقاد في كثير من الأحيان ماركس "المبكر" و "المتأخر" - بين نقده للفلسفة والإيديولوجية ونقده للاقتصاد السياسي - يظهر في فهمه للأدب العالمي كموقع للنضال ولإيجاد رؤية " الرجل الشامل ". كما يكتب براور،" الأدب، على ما يبدو، يمكن أن يحجب خدعة جمال الاشياء التي هي قبيحة عندما تنظر في حالة تجرد . ولكن الأدب ... يمكن أن يساعد أيضا على توضيح حقيقة الرجال، والأشياء معا " .
يقرأ كتاب براور مثل سيرة نقدية حاسمة لماركس، منذ السنوات الأولى بعد دراسته في الدكتوراه، عندما كان يعمل كصحفي، من خلال تعاونه مع إنجلز والمشاركة في المنظمات السياسية للطبقة العاملة، إلى ما قد نرى أنه ماركس " الناضج" الذي كرس بقية حياته لنقد الاقتصاد السياسي - كل ما ينظر إليه من خلال عدسة التأثير الأدبي العالمي، الذي يقول براور انها موجودة دائما في حياة واعمال ماركس. مع التركيز على أوائل ماركس حتى عام 1845، والتي تألقت عندما بدأ تعاونه مع إنجلز ، يلفت براور الانتباه إلى كيفية تمكن ماركس من نقل "شروط النقد الأدبي إلى مجالات أخرى من النشاط البشري" من أجل تطوير "وجهة نظر التاريخ الثقافي التي اعتنق في وقت واحد خصوصياتها وتكرارها ". وبعبارة أخرى، فإن العلاقة الحميمة لماركس مع النصوص الأدبية العالمية، من العصور الغربية والشرقية القديمة إلى القرن التاسع عشر، استخدمت كأساس لبناء التحليلات المعاصرة والتاريخية للعلاقات الاجتماعية الإنسانية، وذلك انعكاسا للظروف الخارجية وكأساس لمما يخلق عالما يتجاوز حدود هيمنة الطبقة الرأسمالية. وكما يجادل براور، "عادة [ماركس] من الاقتباس الأدبي ,والالهام يساعد على جعل فلسفته الاجتماعية كحقيقة انثروبولوجية "،وهو ما يسعى اليه ماركس للربط بين مختلف أبعاد النشاط الاجتماعي .
ويوضح براور كيف أن ارتباط ماركس في وقت مبكر مع النصوص الأدبية العالمية تصبح الأساس لانخراطه النقدي مع الأبعاد الأيديولوجية للمجتمع القائم على الطبقة، والتي تنعكس في أطروحاته في فيورباخ، والأيديولوجيا الألمانية، والبيان الشيوعي. في الفصول 5-12، يحلل براور بعض المظاهر النظرية الرئيسية في عمل ماركس من السنوات 1845-1862، مثل صياغة الطريقة الجدلية، وتحليله للممتلكات الخاصة في ظل الرأسمالية، وتقسيم العمل والسلع "الجنسية"، والتشكيل الثوري للشيوعية ، على أساس الصراع الحتمي بين رأس المال والعمل المبين في البيان. بالنسبة لبراور، كان ماركس من الأيديولوجية الألمانية مهتما بشكل خاص بدور الكاتب في المجتمع القائم على الطبقة: "ماذا، إذن، عن المثقف ، ماذا عن الفنان، وانتماءاتهم الطبقية؟ هنا يجب أن نتذكر ما قيل عن الكتاب "المعارضين" في الأيديولوجية الألمانية. وهؤلاء الرجال ... يمكن أن يعرّفوا أنفسهم بالقوى العاملة بالفعل في مجتمعهم ... المتجهين إلى تغيير جذري للعلاقات الاجتماعية والاقتصادية التي يكتسبونها في مجتمع معين، وبالتالي، في نهاية المطاف، تغيير الحياة الفكرية والفنية أيضا ". إن اهتمام ماركس هنا بدور الفنان الملتزم سيصبح عقيدة مركزية للنقد الأدبي والثقافي الماركسي في القرن العشرين، من خلال شخصيات مثل جورج لوكاش، ثيودور أدورنو، وماو تسي تونغ، من بين مجموعة من المهتمين بالتراث الماركسي إلا أنه يلفت الانتباه أيضا إلى تمثيل الشكل الأدبي في المجتمع القائم على الطبقة، ووظيفته في مسار التحول الثوري، والدور الذي سيتحول إليه في نهاية المطاف في عالم ما بعد الرأسمالي.
الفصول الأخيرة من كتاب براور تبحث عن كثب في تحول ماركس إلى الاقتصاد السياسي، وتحديدا رأس المال -المجلد الأول. كما لوحظ، خلال عمل ماركس، استخدمت المراجع الأدبية كشكل من أشكال البراكسيس، لإظهار البيئة التاريخية للتنمية البشرية في عصر معين، وزيادة آمال المستقبل الثوري القائم على العمل الإبداعي،، وهو مبدأ مركزي يقوم عليه الماركسيون المعاصرون في عملهم مثل أنطونيو نيغري. وكما يلاحظ براور، "ما يبحث عنه ماركس، في شكسبير كما هو الحال في سوفوكليس، هو التعبير القوي، أو الايحاء ، من الافاق التي هي العكس تماما لتلك التي يعزوها إلى الرأسمالية الحديثة" .
من خلال تحليل استخدام ماركس للنصوص الأدبية العالمية في رأس المال - المجلد الأول، يمكننا أن نرى الأسلوب المادي في العمل، لأنه يرمز لماركس - النقيض - نفي نفي للعلاقات الاجتماعية الرأسمالية ، والمكرس بعدم الاستقرار والتناقضات في السوق التي تجد التعبير المحدد في شكل السلع. في نهاية المطاف لماركس، العمل الإبداعي، المستمد من جميع أنحاء العالم، سوف يشكل نموذجا للمقاومة الأيديولوجية ضد الاغتراب الرأسمالي، مما يقلل من قدرات الخيال في خدمة البرجوازية.
المقلق في كتاب براور هو أنه يفتقر إلى مناقشة ملموسة لمفهوم الأدب العالمي، وهو الموضوع الذي اصبح نمط العقد الماضي. كان باستطاعة براور أن يستغل ما رأه في بصيرة ماركس للبحث في اسئلة الأدب العالمي كما يبدو اليوم. قد يكون تحليله مفيدا في اقتلاع بعض الخطاب ما بعد الحداثي حول هذا الموضوع، الذي لا يزال مقاوم للمادية الجدلية. وبالرغم من أن كتابه لا يغطي السنوات ال 35 الماضية، فإنه يدرس بعمق العناصر الجمالية لمنهجية ماركس - وهي طريقة علمية غالبا ما تقلل من التفحص الميكانيكي، أو ما يعتبره الكثيرون في معسكر ما بعد الحداثة نهجا "مبتذلا" للنقد الماركسي. إن الاستمرارية في قراءة ماركس للنصوص الأدبية والثقافية العالمية تكشف عن عمله في ضوء إنساني، وفي الوقت نفسه مدخلا إلى طرق جديدة للتفكير في نظام المادية الجدلية وإمكانياتها الثورية. وكما تظهر الأزمة الأخيرة لرأس المال العالمي، يجب على أولئك الذين يعملون وفق تقاليد ماركس الثورية أن يتعلموا من هذه الممارسة إذا أردنا خلق مجتمعا عالميا جديدا ، يجسد بعض الإنسانية التي يراها ماركس من خلال النصوص الأدبية العالمية ومؤلفيها .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل


.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة




.. أبطال السرب يشاهدون الفيلم مع أسرهم بعد طرحه فى السينمات


.. تفاعلكم | أغاني وحوار مع الفنانة كنزة مرسلي




.. مرضي الخَمعلي: سباقات الهجن تدعم السياحة الثقافية سواء بشكل