الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفكر النسائي من قضايا الهوية إلى تجاوز الواقع

محمد سمير عبد السلام

2006 / 3 / 8
ملف 8 اذار / مارس يوم المراة العالمي2006 - أهمية مشاركة المرأة في العملية السياسية ودورها في صياغة القوانين وإصدار القرارات


من أهم ما يميز الكتابة النسوية المعاصرة ، قدرتها على استيعاب اللحظة الفلسفية الراهنة بما تحمله من ممارسات خارج النطاق الكلي ذي النزعة الإنسانية ، و محاولة الإضافة إليها بتخصيص المسألة النسوية في التناول ، و أود أن أشير إلى التغير الكبير الذي حدث في الفكر الفلسفي الغربي منذ نيتشة و هيدجر ثم جاك ديريدا ، إذ أصبح الإبداع بديلا عن خلق مركز فكري يؤدي بالضرورة إلى توليد التابع الثقافي ، فالكتابة عند ديريدا لعب مستمر خارج نطاق الخطاب و من ثم المدلول ، مثل هذه الكتابة الاختلافية يولد دائما نصا مكملا محتملا في اتجاه آخر دائما و أذكر بهذا الصدد تفكيكية هارولد بلوم الذي أبدع نصوصا نقدية تعرف بالقراءة الضالة فيما يخص موضوع التأثير و التأثر ، و من هذا المنطلق بدأت الكتابة النسوية الفرنسية تفكيك مقولات النوع بالمجاز الكامن فيها و احتمالات اللعب اللانهائية بدوال مثل الرحم و العلاقة بالأم ثم القضيب و تفريغه من حضوره المادي أو المركزي ، و في نظري يمثل هذا الشكل من النسوية عند هيلين سيكسو و إريجراي الحرية المنشودة لكتابة جديدة تخرج عن هيمنة الخطابات الليبرالية و اليسارية على حد سواء .
ومثل مفهوم الأنوثة نفسه تتخذ الكتابات النسائية العربية المعاصرة أشكالاً ملتبسة بين المفاهيم الاجتماعية والنقد الثقافي وخصوصية الوعي الإبداعي للأنثى ، وقد عاصرت عن قرب تجارب نسوية عربية ذات مشارب شديدة التنوع و الاختلاف بحكم دراساتي المتخصصة و متابعتي للتوجهات المتجاوزة للحداثة ، فنوال السعداوي ترتكز على البحث في النماذج الثقافية العليا في الحضارات القديمة لتعزز من جذرية الأنوثة ، و زليخة أبو ريشة تبحث في إطار نصي مفتوح عن صورة الأنثى التي تقاوم الأبوية ، و منى وفيق تبدأ رحلتها من نموذج إنساني أكثر قربا من الذات الأدبية المتجاوزة لمشكلات النوع . لكنها تكتب تاريخا ضمنيا بصورة غير واعية للوعي النسوي الراصد للظواهر ، و لنضرب مثالا بشهادات ناقدات ومبدعات مصر في المؤتمر العام لأدباء مصر سنة 2003 ، و قد شاركت في فعالياته .إذ يعكس مدى توتر المرأة العربية إزاء قضايا النسوية، ومن هذا التوتر يمكن أن تنتج الأنثى تصورات زمنية جديدة لا تتعلق بوضعها السابق في المجتمع ، فالملاحظ أن بعض هذه الشهادات قد انسحب بقوة إلى الماضي ، أو الهامش الذي سعى بقوة إلى تحطيمه من خلال الحديث المتكرر عن التحرر والخصوصية . وبهذا الصدد تربط ( فريدة النقاش ) مدى تطور الحركات النسائية وعمليات الخلق الإبداعية في كتابة المرأة بوضعها الطبقي والاجتماعي وآثار عدم التوازن في القوى السياسية والاجتماعية على مستوي العالم . إن هذه العوائق – على أهميتها – لا تمثل في رأيي سبباً مباشراً في غياب كتابة نسائية جديدة / فهناك نزوع إبداعي خفي لابد أن تلتفت إليه المرأة لتتحقق من خلاله دون اللجوء إلى مقدمات ونتائج أحادية الجانب فيما يخص وضعها وطبقتها إنه التمرد الذاتي / الداخلي الذي أنتج من قبل إحساس فرجينيا وولف بالعالم دون اللجوء إلى القضايا الكبرى خارج هذا النزوع الجزئي الفريد ، كما ربطت حركات المرأة في أوربا عام 1970 بتغير أساسي في بنية المجتمع ، وترصد ( سوزان باسنت ) مطالب المرأة في هذه الفترة – مثل المساواة في الأجر والتعليم ومقاومة العنف – تحت ظلال راديكالية تهدف إلى خلق أبنية اجتماعية جديدة ( راجع التفسير والتفكيك / ت / نهاد صليحة ) إننا إذن بصدد تمرد نسائي وجودي يستدعي تحولاً في أيديولوجيا المجتمع في اتجاه خصوصية لافتة للنظر تفرضها الحركة الإنسانية الداخلية ، والمتجهة بقوة نحو حرية الإبداع ،ولهذا يمكن قبول مصطلح ( الأدب النسائي ) لا كما ترى ( فريدة النقاش ) لأنه بقدر ما يؤسس دوراً هامشياً للمرأة في الثقافة الذكورية ، ينتج تهديداً لهذه الثقافة ولخصوصية كتابة المرأة في وقت واحد ، ولعلنا نتذكر بهذا الصدد التعارض الأساسي بين مبدأي اللذة والواقع عند ماركيوز حيث يرى أن المجتمع العقلاني التكنولوجي المعاصر يهدد هذه النزعة لدي الفرد . هذا التهديد يشمل الجنس البشرى وليس الأنثى فقط ، ولذلك يجب استثمار عملية التناقض الوجودي بين الفرد وقوى القهر لصالح الإبداع بمعني أن ندخل الفعل الثقافي خارج نطاق الأبوية أو تأكيد الهويات الضائعة على حد سواء ، وقد تجلي هذا الأمر في كتابات فرجينيا وولف الأدبية والنقدية ثم عدد من ناقدات الأدب النسائي المعاصر مثل هيلين سيكسو ولوسي إريجراي وغيرهما . إننا في اتجاه تحول ثقافي يتجاوز مركزية الأدب والنص والنقد والأشكال الأحادية السياسية التي أرهقت المرأة والرجل على حد سواء .
وجاءت شهادة ( ابتهال سالم ) معبرة عن حالة من التوازن المقصود بين إبداعها والأحداث المؤثرة في الواقع السياسي المصري والعربي فهي لا تتصور أن هناك كاتباً بدون رؤية أو موقف ، وبدا هذا واضحاً في بروز الموضوع بقوة في قصتها ( مدينة كرتون ) 1989 التي عبرت فيها عن تحول بورسعيد إلى سوق قائمة على المنفعة ، وهذا الأدب على أهميته لا يشكل جدلاً حقيقياً مع الواقع السياسي ، فالأدب وخاصة النسائي يتجه الآن إلى الفعل الهامشي الواعي والمبلور لأحداث الواقع السياسي في علامات إبداعية تعمل كأثر يحول الواقع ولا يتجه إلى إصلاحه بصورة شمولية . إن الأنوثة ليست حساسية تدركها الكاتبة من خلال الجسد ، ولكنها أثر متغير مثل الوعي والحدث والطبقة وغيرها من المصطلحات التي أكسبها عدد من المثقفين الثبات وصنعوا منها توجهات تختزل النصوص والأحداث الجديدة ، والتي تقرأ الآن ( فيما بعد الحداثة ) من منظور إبداعي غير منطقي .
ورغم اعتراف الشاعرة ( سهير متولي ) بعدم أهمية الحديث في الإبداع عن من قدم سواء أكان رجلاً أم امرأة فإنها ترى أن كتابة المرأة قد عانت من التهميش كثيراً وفى هذا تخصيص نوعي غير مباشر لهذه الكتابة يدل عليه فصلها للمؤلفة أو المؤلفة الضمنية عن التطور الذاتي للنص ، إن الشخص الآن يقع في لعبة الكتابة ، فضلاً عن المتلقي أو الناقد أو المحلل عند ( لاكان ) و ( ديريرا ) ووفق هذا المنظور يمكن تطوير أدب السيرة الذاتية النسائي المصري دون اللجوء إلى فصل الواقع وحقائقه عن التزييف الإبداعي المقصود وغير المقصود في ( النص ) .
وفى شهادتها ( تاج الشوك ) ترى ( صفاء عبد المنعم ) أن نقطة القهر في خبرة كل امرأة تنتج كتابة نسائية جديدة ، ولعلها وعت بأن الحديث عن الحرية شائك ويوقع المرأة في سجن من نوع آخر أرى أنه أيديولوجي حين تصارع رغبات الأنوثة مع الذكورة التقليدية في المجتمع العربي ، ولكن وعيها بالتناقض لم يدخلها في الكتابة النسائية النصية والوجودية دخولاً كاملاً ، فمع اعترافها بأهمية البعد عن المقدس والمدنس ترى أن هناك بروزاً خاصاً حيادياً للمرأة دون الإغراق في تحويل هذا البروز من خلال الأدب . وجاءت أهمية شهادتها في الإعلاء من ما هو ثقافي في الواقع فحكايات الجدة تتحول إلى مادة لاستبدال إدراكها للعالم أو احتلال الكتابة لوجودها وتطويره وفق منطقها الخاص وهو موقف متقدم إزاء الصورة وقدرتها على تشكيل إحساس بكر بالعالم . أما ( نجوى شعبان ) فهي حريصة في إبداعها الروائي على تفتيت ما هو شمولي / مصري فالفئات الهامشية بدمياط مثل أهالي البحار والقراصنة وغاراتهم وصناع الغزل الصغار ، تشكل عالماً ثقافياً فريداً يسعى لتحقيق الخصوصية وانتشار الهامش لتفكيك المركز الأصلي في وقت واحد ، ولعلها وعت بأهمية دمج الواقع بظاهرات الوعي عند ( فرجينيا وولف ) في تشكيل صورة الأمواج – الشبيهة بالسيمفونية – لأشخاصها الهامشيين بالتداعي في عملية الكتابة . وهنا نعثر على مفهوم للأنوثة لا يضع الأنوثة محوراً لخطابه ،وإنما هي طريقة لإثبات التنوع في الهوية والإدراك على حد سواء .
وعندما نقرأ ونستشعر بوح ( أمل جمال ) نرى عدداً من التأويلات خلف اللغة الإبداعية التي تكتبها ، فمؤلفتها الضمنية تتلقي دفقات الأحداث والصور مثل المتلقي ، ولكن متلقيها لن يحور الوجود لأنه دائماً ما يستشعر الخطر الماثل أمامه في صور الجثث ، والتي تحول مؤلفة أمل الضمنية إلى عدمية الرؤية . هذه العدمية التي تؤكد خلفها إحساساً عميقا بأهمية التواصل والرغبة في تأكيد الحياة التي ترفضها وفى الحالتين نستشعر التوتر بين نقيضين ليس لأحدهما مركزية أبدأ في تطور العالم . وهنا يبرز التأثير الفرويدي في الكتابة النسائية حين تصاحبها خبرات القهر ، إنها آثار استباق الواقع ومحاولة تجاوز الصدمة اللاواعية فيه بالكتابة التي توحي ببداية تحول ضمني إلى مجاز نسوي مازال يتبلور وسط تشويش أيديولوجي خطير .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجامعات الأميركية... تظاهرات طلابية دعما لغزة | #غرفة_الأخب


.. الجنوب اللبناني... مخاوف من الانزلاق إلى حرب مفتوحة بين حزب 




.. حرب المسيرات تستعر بين موسكو وكييف | #غرفة_الأخبار


.. جماعة الحوثي تهدد... الولايات المتحدة لن تجد طريقا واحدا آمن




.. نشرة إيجاز بلغة الإشارة - كتائب القسام تنشر فيديو لمحتجزين ي