الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حول دعوات حرية المرأة

صادق الطريحي

2006 / 3 / 8
ملف 8 اذار / مارس يوم المراة العالمي2006 - أهمية مشاركة المرأة في العملية السياسية ودورها في صياغة القوانين وإصدار القرارات


منذ أن وطئت خيول الفرنسيين ارض مصر، والإنسان العربي ما برح يفكر ويسأل عن السبب الحقيقي الذي جعل الفرنسيين يصلون إليه ، دون أن تمنعهم دفوف الدراويش أو أدعية الائمة والخطباء أو فرمانات الوالي من ذلك. وعندما تيقن أن كل هذه الركائز، لم تستطع ان تمنع غزو الفرنسيين لمصر، حاول ان يجد وسائل اكثر رقيا وفاعلية لإسترداد قوته ، فقامت الحركات الأصولية ، ونمت في المجتمعات العربية أحزاب مدنية، ومنظمات اجتماعية ، وظهرت إلى الوجود تيارات وشخصيات دينية تدعو إلى الزيادة في طلب العلم وضرورة التسلح به لمواجهة الغرب والتفوق عليه، غير أنها في حقيقة الأمر، لم تكن سوى صورة اخرى من دفوف الدراويش ، وأدعية الائمة والخطباء وفرمانات الوالي !. ولعل أي تطبيق بسيط على عينة زمنية ما ، مستلة من المجتمع العربي سيثبت صحة هذه الإستنتاجات . وأريد ان اصل من خلال هذه المقدمة ، إلى فهم واضح لطبيعة هذه الدعوات ، التي تعنى بحرية المرأة، وطريقة مساواتها بالرجل ، وضرورة دعمها لإتخاذ مواقع قيادية وتشريعية في المجتمع.
ونريد ان ننظر في هذه الدعوات من وجهة نظر منهجية ، واراني أولا مضطرا إلى الأخذ برؤية " أرنست رينان" للمجتمع الشرقي ككل ، أو الجنس السامي كما يراه ، وهي رؤية لاتخلو من وجاهة في النظر، خاصة إذا ماطبق هذا الرأي على الواقع الإجتماعي والسياسي ، وليس على الواقع الفلسفي أو الفكري ، فمما لاشك فيه ان هناك هوة سحيقة تفصل بين المجتمعات الشرقية ونتاجها الفلسفي أو الأدبي المحض. فـ " رينان " يرى أن العقل الشرقي هو عقل مباعدة وتفريق، وأنه لاقدرة له على ادراك الوحدة الكلية لإستخلاص قضايا وقوانين منها، ولو طبقنا هذا الرأي على الدعوة التي أطلقها موقع " الحوار المتمدن " للدفاع عن المرأة ، ورفع العنف المنزلي عنها وضرورة اعطائها مناصب قيادية وتشريعية ، لوجدنا ان رؤية "رينان" صحيحة في الحدود التي اشرنا اليها، فنحن نظن أن تطبيق مثل هذه الدعوات سوف يفضي بنا إلى مجتمع مدني ، ليست لديه أي من الحساسيات الدينية أو الإجتماعية ، وأنا لااعترض على هذه الدعوات، وانما أريد أن اعترض في طريقة عرضها، لكونها مستلة من مشكلة اكبر منها ، متداخلة معها ، ومتضمنة فيها. وبلا شك فنحن لانستطيع ان ننتظر من هذه الدعوات ان تكون المخلص الأكثر حضا في الوصول إلى مجتمع متقدم ، أي اننا ما زلنا ننظر بنظرة تجزيئية للمجتمع حتى في حلولنا لمشكلاتنا الإجتماعية، وهذا ما توصلت إليه الشاعرة نازك الملائكة في كتابها " التجزيئية في المجتمع العربي" .
وحينما ننظر في هذه الدعوات، لابد من أن نتذكر الدعوات السابقة التي قامت في بدايات القرن العشرين ، ودعت إلى تعليم المرأة في المدارس الحكومية ، والى اشتراكها في الوظائف العامة، ودعت إلى سفور المرأة وضرورة تركها للحجاب الذي كان حارسا كذابا كما رآه الشاعر الزهاوي.
وعندما ننظر في نتائج تلك الدعوات ، نرى أن المرأة قد أسفرت وتعلمت في المدارس الحكومية ثم دخلت الوظائف العامة حتى اصبحت وزيرة بعد احداث 1958 في العراق. وحين نقيم هذه النتائج اكثر، نرى أن أنظمة التعليم هي من النظم المتخلفة في البلدان العربية حتى اليوم ، فهل تعلمت المرأة ؟ وأنها حين دخلت الوزارة ، لم يكن دخولها نتيجة لضغوط اجتماعية ، اوخطوات طبيعية لسلم تطور المجتمع، بل لمناورة سياسية، ظن العقيد عبد الكريم قاسم حينها أن العالم سوف يصفق له ، وسيعترف برقيه الاجتماعي لأن احدى النساء العراقيات اصبحت وزيرة! ، وحين نظر " حمار الحكيم" في سفور المرأة المصرية ، أخبرنا أن " قاسم أمين" لم يكن يخطر بباله سفورها على البلاجات...!.
والحقيقة أن لاأحد يستطيع أن يقلل من النتائج الإيجابية لهذه الدعوات، لأننا حين طرقنا باب الحضارة ، ودخلنا من خلال فتحة جدّ ضيقة اليها ، كنا ودون أن نعي ، نحمل كل ما يصادفنا من متاع ، دون أن نفكر في صلاحيته أو عدمها، وكنا نمارس فعلا طبيعيا تفرضه قوانين الحضارة نفسها كما يرى "طه حسين".
وحين نفكر في دعوات " الحوار المتمدن" اليوم، علينا أن نتساءل:
هل الأحزاب المغروسة في البلدان العربية والشرقية تشبه الأحزاب القائمة في المجتمعات الغربية؟
وهل النظم الإدارية والسياسية في الشرق ، تشبه الإدارة الموضوعية في البلدان الراقية؟
وهل المجتمع يمارس الكبت والعنف ضد المرأة فقط ؟ ام أنه يمارسه ضد الرجل أيضا؟. ان الدكتاتورية العائلية في مجتمعاتنا لاتقل خطورة عن الدكتاتوريات العسكرية والقومية والدينية كما يرى الكواكبي في طبائع الإستبداد.
ان ما أريد قوله ، اننا حتى لوتوصلنا إلى تطبيقات مناسبة لهذه الدعوات فان المشكلة لاتزال عالقة ، وهي طبيعة المنظومة المجتمعية نفسها ، التي لاتستطيع ان تنظر ابعد من محيطها.غير انني واثق من ان المجتمع العربي سوف يتقدم خطوة اخرى في دهليز الحضارة أو رواقها ـ لا ادري ـ ولسوف يحمل معه متاعا آخر لن يفكر بصلاحيته أو عدمها، فهذا هو القانون العام للحضارة .اما سؤالي الأخير فهو للسادة المناهضين لهذه الدعوات، فلم تقيموا الدنيا ولا تقعدوها امام هذه الدعوات ، ولا تنبسوا ببنت شفة عندما يطبق حكم المجتمع ـ وهو ليس حكم الله طبعا ـ في المرأة الخارجة عن العرف، ولا يطبق بأي حال من الأحوال بحق الرجل الذي هو شريك كامل للمرأة في هذا الخروج؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل يغير نتانياهو موقفه من مقترح وقف إطلاق النار في غزة؟ • فر


.. قراءة عسكرية.. اشتباكات بين المقاومة وقوات الاحتلال




.. ما آخر التطورات الميدانية في قطاع غزة؟


.. أمريكا.. طلاب جامعة كولومبيا يعيدون مخيمات الحراك المناصر لغ




.. شبكات| غضب يمني لخاطر بائع البلس المتجول