الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يا عمال ويافلاح طالبوا بالسراح لرفاق الكفاح معتقلين ومنفيين من حفدو بطل التحريرمحمد ابن عبد الكريم الخطابي

محمد فكاك

2018 / 2 / 24
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم



" يعبرون الجسر في الصبح خفافا
أضلعي امتدت لهم جسرا وطيد
من كهوف الشرق، من مستنقع الشرق
إلى الشرق الجديد،
أضلعي امتدت لهم جسرا وطيد.
من نشيد الجسر للشاعر خليل حاوي.
أحيي تحيات عالية ، وأصلي صلاة سماوية على المعتقلات والمعتقلين اللائي هن، و الذين هم في زهو العمر و ربيع الشباب وزهرة الحب، ونضارة الحياة، لكنهم صامدون في زنازين وكهوف وغياهب وظلام وسجون عصابات وكلاب وغربان وخنازير وثعالب دويلة " الملك المفترس المختلس محمد السادس" هولاكو الصغير وأمير كل الزناة البغاة الطغاة اللقطاء اللئام الأنذال الأوباش العبيد الرقيق الخونة العملاء المرتزقة الإسرائيليين الصهاينة.
فلماذا يا " هذه الأحزاب والمنظمات المليئة بطعم الرياء والنفاق والانتهازية والوصولية والتحريفية ، هربتم وتركتم أكبادكم في بطون وظلام ومأوى و ليل من صلب وحجر وفولاذ وحديد؟
لماذا يا هؤلاء المثقفون – الأشباح الأطياف تركتم الأمهات الريفيات الحمروات يعتكر سعادتهن وكراماتهن، ويرمي بأكبادهن " الحجاج بن يوسف الثقفي الجديد،" في قاع وكهوف و دهاليز الظلام، في صحراء كلس معتم منتن قذر وسخ رطب سخين مالح بوار"؟
إنني أدين وأقبح باللعنات الحمراء " الضبع الجلاوي الليوطي" الغجري المجرم الكبريتي الذي حجرته شهوة الجريمة والقتل والتقتيل والاعتقال والاغتيال وكأنه" كلب ضار شرس عاد من حفرته ميتا كئيبا" ليس "غير عرق ينزف الكبريت، مسود اللهيب" " حيث لا يزعج جوع مارج بالزفرات" إنه ملك " مارد هشم وجه الشمس والقمر حفار القبور يرمي الجماهير في جوف الأغوال وفي قيعان بلا قرار. يغرق أنيابه في لحوم المعتقلات والمعتقلين السياسيين والمنفيين والمختطفين، قد حنط الشعب ولفه وأطمره ورماه في قبور منيعة ، في الظلام اليابس الدامس المركوم.
ترى متى نفكرفي ثورة الانبعاث بوجهه الأنواري الإشراقي التنويري التحريري التحرري الديمقراطي التقدمي الثوري للخلاص والتخلص من أوضار القديم، وتنهض " القيامة" لحياة جديدة يضيئها اليقين ويعمرها الخصب: خصب الأرض والينابيع والوديان والسواقي والجنات، متى نعود يا شعبنا للنضال والكفاح من أجل تغيير مجرى الكون وقوانين التاريخ والحياة والخصب على الموت والجفاف والقحط والجوع والقهر والقمع والديكتاتورية التوتاليتارية الجلاوية الليوطية العنصريةالعرقية الفاشيستية الأوليجارشية الباترياركية الإقطاعية الأريستوقراطية البيروقراطية الثيولوجية الأوتوقراطية الإخوانجية الاسلامنجية الارهابية الظلامية؟
متى ننهضللثورةوالثأر ضد " ملك ليست القدرة على الروية الجديدة واكتشاف ما هوجوهري وحقيقي في قوانين الحياة والواقع وخصائص العصر، وليست الإرادة بالاعتراف بشعب مغربي عربي أمازيغي أفريقي أندلسي كير وعظيم تحفل وتموج مواهبه وخلقه وإبداعاته وشاعريته وأدواته الفلسفية والعلمية والأدبية والثقافية والفنية والجماليةوالموسيقيةوالغنائيةوالسينمائيةو المسرحية والصناعية والزراعية والتكنولوجية، هذا الشعب الذي يمور يذخيرة وكنوز وثروات وثورات عظيمة وشهوات للحياة ، للحب، للعشق، للشمس، للغيث المغني، للبذار الحي، للخصب العتيد، للإله البعل تموز الحصيد، للشهوة الخضراء التي تأبى أن تبيد، ولكل القوة الخالقة المبدعة الخارقة التي لا تفنى ولا تموت .
الشاعر خليل حاوي.
وكذا اللعنة السوداء على كل خزنة جحيمه وجهنميته وسعيره ونيرانه ، حيث الأقل منهم إرهابا وقسوة ، هو أشبه بالمبنج الصريع لا يتورعون في المزيد والشطط والإهانة والسب والقذف، وليس لهم من رد على مطالبة هؤلاء وأولئك المعتقلات والمعتقلين المغلولين المقمحين، بحق التدفئة وستر أعراضهم وشرفهم وكرامتهم الإنسانية البشرية، فيكون جواب هؤلاء الكلاب القساة الغلاظ الوحوش المحشورة سوى تحطيم تقديم أنماط من الخرق العتيقة القديمة و"الدرابيل" والألبسة المعفنة والأغطية والأحذية المثقوبة الصماء الموات ،والسراويل المبتلة المنسوجة المصبوغة المطحونة بالجراح وثقب الصواعق والرياح ، فلعل أشكال الألبسة السوداء التي يرتديها السجناء هي أشيه بالأكفان البيضاء ، حتى تكورت جماهيرشعبنا أشباحا غريبة
ألا يخجلكم، ألم تأخذكم الشهامة والنبالة يا هؤلاء الأقوام الأقزام أن هؤلاء المعتقلات والمعتقلين اللائي والذين يقبعون في جزر الصقيع والثلوج والبرودة القاسية والعري ، حيث أن أفاعي وحيات ملساء وعقارب رقطاء وكلاب مزركشة وفئران قارضة وغيران وتماسيح وغيلان وضباع وحراس وطيئة بذيئة دنيئة تعلك وتعلف لحوم أحشاء وأكباد الزفزافي ورفاقه الأجلاء النبلاء المغاور، وكل أجهزة القمع البوليسي الحيواني الهمجي الوحشي " لصاحب جلالتكم" تغترف من أجساد ودماء وأرواح، وتغتصب معتقلات ومعتقلي جبال الريف الأحمر " مجد أنوال التي هي من جمرة وحمرة وخضرة ومسك، وإرادة وعزيمة وجرأة وشجاعة وكبرياء وشموخ.
إن أنوال هي أسمى وأعلى وأكبر وأطيب ما تزهو به جبال الريف الأحمر.
و لماذا يا هذه الأحزاب" المختلة المبتلة بالمذلة والخزي والجز العام المطبق على أعناقها جميعها المنتشية بانحدارها وانحطاطها و المستطيبة الاستسلام والعار المرتضية التخاذل والتواطؤ والتآمر وخيانة حفدة عبد الكريم الخطابي اللواتي والذين تجوهروا في الشموس والأقمار والكواكب والسماء، وتراجعتم عن النضال والكفاح والمقاومة والثورة ضد" ملك مفترس مختلس سفاح لا يخجل من تفقير الجماهير الشعبية ولا من سفح دماء المناضلات والمناضلين وذبحهم من الوريد استولى على كل ذهب وفضة وبهار ومعادن وأنعام وأعناب وتين وزيتون وكروم وكنوز الأرض المغربية ، بينما الشعب محروم لا يجد من الطعام إلا قشورا من خبز عار وجاف ومن السكن إلا بيوت القصدير المخربة، ومن التغطية إلا الالتحاف بالغيم والنجوم، و عتمة الليالي السهاد الظلام و القحط والجفاف الأسود والجوع الأعمى و الظلم والجور، مغاربة مغربون وغرباء ومهوشون في أرضهم ووطنهم، يعيشون على الكارثة المحيقة المقيمة الدائمة، تتحكم فيهم شلالات وقطعان من الكلاب والذئاب والخنازير والبومات والغربان، و"ملك طاغية جبار سفاح جلاد من فحم ورماد وطحين لحم الأطفال وعظام الأمهات ونفايات البشر والحيوانات يتوضأ بالذل والمياه العديمة الإسرائيلية الصهيونية الأمريكية.

ولم نجد لديكم من عزيمة وإرادة إلا الاختناق بالصمت والغبار والخزي والمذلة والعار
ألا نفتخر ونعتز ونفاخر بصمود وثبات هؤلاء النساء والرجال الذين يتعرضون للموت الزؤام، والتدمير والمذابح والمجازر والحرائق والمشانق والتخريب والتدمير، لا يقدم لهم من أطعمة إلا الغازات سموم الأفاعي والحيات الرشيقة وعسل الكلاب وقهوة الحمير
ألعن ملاين اللعنات " أمير المؤمنين" وحامي حمى معتقدات الخزعبلات والتخريفات والأساطير والطوطميات والمخدرات والحشائش والأفيون حتى أثخم وأشبع الجماهير الشعبية المحرومة المعذبة المقهورة المضطهدة الجائعة مرارات وغصة وخوف وإرهاب وحصار وتضييق وتلف وتعذيب وجوع وقمع وتمويه وتضليل وخداع ومكر، حتى لم يترك ولم يخلف لهذا الشعب إلا الاستسلام و الرضا بالعبودية وعلك اللجام والأغلال والقيود أسلم على أولئك الأبطال والنسور والأسود واللبوءات والليوث والصقور من تساء ورجال وأطفال جبال الريف الأحمر اللواتي والذين أدخلوا المغرب في آفاق الصباح السحري الجميل الجديد، حيث تكون أجساد وأرواح وأنفاس أمهات الشهيدات والشهداء أيضا حارسة الدازين ( الوجود) .




الشعر الفصيح | الشعر العامي | أدباء العرب | الشعر العالمي | الديوان الصوتي | ENGLISH


الأولى >> لبنان >> خليل حاوي >> جحيم بارد
جحيم بارد

رقم القصيدة : 6030 نوع القصيدة : فصحى ملف صوتي: لا يوجد

ليتَني ما زلتُ في الشارع أصطادُ الذُّبابْ
أنا والأعمى المُغَنِّي والكِلابْ
وطَوافي بزوايا الليلِ,
بالحاناتِ مِن بابٍ لِبابْ
أتَصدَّى لذئاب الدربِ..!
ماذا? ليتَني ما زِلتُ دربًا للذئابْ
وعلى حشرجة الأنقاض في صدري,
على الكَهْف الخَرابْ
يلهثُ الوغدُ بحمَّى رئتَيهِ
بدعابات السكارى, بالسِّبابْ
أنا والدربُ نعاني الليل وَطْئًا وسِبابْ
ليتَه ما لَمَّني من وحلة الشارعِ
ما عوَّدني دفءَ البيوتْ
ويدًا تمسحُ عاري وشحوبي
ليت ما سلَّفَني ثوبًا وقوتْ..
وَنَعِمْنا بعضَ ليْلاتٍ.. تَلاها:
هذيانٌ, سأَمٌ, رعْبٌ, سكوتْ
اَلرؤى السوداءُ, ربِّي, صَرَعتْهُ
خَلَّفَتْهُ باردًا مرًّا مقيتْ
ليت هذا البارِدَ المشلولَ
يحيا أو يموتْ
رثَّ فيه حسُّه,
أعصابُه انحلَّت شِباكًا مِن خيوط العنكبوتْ
شاعَ في البيت مُناخُ القبرِ: دلفٌ,
عَتْمةٌ, ريحٌ حبيسٌ, وسكوتْ
بِرْكةٌ سوداءُ يطفو في أَساها
وَجْهُه المُرُّ الترابيُّ الصَّموتْ,
ليْتَ هذا البارِدَ المشلولَ
يَحْيَا أو يموتْ
ليته!
يا ليت ما سلَّفني دفئًا وقوتْ



• الرئيسية

• مسارات

• كتب
شعر خليل حاوي
شعر خليل حاوي
المصدر:
• عيادي علي جمعة
التاريخ: 27 أغسطس 2007

ترك الشاعر خليل حاوي خمسة دواوين شعرية هي (نهر الرماد) 1957، (الناي والريح) 1961، (بيادر الجوع) 1965، (الرعد الجريح)1979، (من جحيم الكوميديا) 1979، هذه الدواوين الشعرية كانت موضع بحث أكاديمي للباحث عيادي علي جمعة صدر في كتاب بعنوان (شعر خليل حاوي.. دراسة فنية)عن سلسلة كتابات نقدية التي تصدرها الهيئة العامة لقصور الثقافة في مصر.
أكد أن القصيدة عند خليل حاوي تحتاج إلى احتشاد القارئ كي يفض مغاليقها، فهي لا تمنح نفسها للقارئ العادي بسهولة، وإنما تحتاج إلى قارئ متمرس لديه القدرة على الغوص في القصيدة والكشف عن وشائجها العميقة وجذورها الضاربة بعمق في تراث متنوع، كما أن الشاعر يعتمد على الإيحاء، ولديه القدرة الكبيرة على ابتكار علاقات تتسم بالجدة والطرافة.
ويرى الباحث أن القصيدة لدى حاوي لا تتسم بالاستغلاق، وإنما القصيدة بناء ضخم تختفي تحت قمته الظاهرة طبقات ودهاليز لا يبخل الشاعر بترك كثير من الإشارات التي تساعد القارئ في اكتشاف أغوارها وهذه الموازنة قام بها الشاعر على أكمل وجه إذ لم تمل القصيدة عنده إلى جانب الغموض القاسي شأن كثير من قصائد أدونيس مثلاً ولم تمل في نفس الوقت إلى جانب الوضوح الذي يفقدها بكارتها من أول وهلة شأن بعض قصائد الفيتوري خصوصاً في بداية تجربته الشعرية أو بعض قصائد البياتي ذات النغمة السياسية الزاعقة.
ويشير إلى أن من أهم سمات القصيدة عند خليل حاوي كثافة الرموز، وارتباطها في نفس الوقت ببنية العمل الأدبي عنده، ففي القصيدة الواحدة نرى حشداً هائلاً من الرموز الجزئية التي تتعانق، وتمضي في تيار القصيدة العام، وتمثل خلايا حية في بنية الرمز الكلي للقصيدة، وربما يرجع ذلك إلى اعتماد الشاعر بشكل جوهري في قصائده على الأسطورة.
وربما كان خليل حاوي من أكثر شعرائنا احتشاداً للرمز فما تكاد تخلو قصيدة من قصائده من شبكة من الرموز هذه الرموز تتراوح بين الرموز التراثية والرموز الطبيعية والرموز الواقعية والرموز اللاشعورية وتكاد كل كلمة تحمل في سياقها إشعاعاً رمزياً وقدرة الشاعر على ابتكار الرموز كبيرة وقد بلغت حداً كبيراً من الشهرة في الشعر العربي الحديث نذكر منها على سبيل المثال رمز الريح ورمز الناي ورمز الطاووس، ورمز البدوية السمراء، ورمز الناسك، كل هذه الرموز في قصيدة واحدة هي قصيدة الناي والريح في صومعة كمبردج.
وتأتي الدراسة في ستة فصول تحاول تحليل أعمال الشاعر والكشف عن خصائصها على مستوى اللغة والموسيقي والرمز والأسطورة والبناء الدرامي وغير ذلك، الفصل الأول منها بعنوان: اللغة والأسلوب في شعر خليل حاوي ـ حيث يبدأ بمقدمة نظرية تهتم بالتفريق بين لغة الحياة اليومية، ولغة الشعر. ويتناول أيضاً أبرز الملامح الأسلوبية في شعره مثل مجاورة الألفاظ والحركة والنمو والاستغناء عن أدوات الربط اللغوية، كما يتناول بعض الأساليب الخاصة مثل الاستفهام والأمر والنداء وبعض السمات الأسلوبية في شعره مثل الحذف والتقديم والتأخير، كما يعنى بدراسة ظاهرة التكرار التي تعد من أبرز الظواهر اللغوية في شعر خليل حاوي.
وفي الفصل الثاني المعنون (الصورة والرمز في شعر خليل حاوي) يتناول الباحث وسائل تشكيل الصورة من تشبيه وتشخيص وتراسل حواس ومزج بين المتناقضات. كما يهتم برصد نمطين من التشكيل بالصورة في شعره، حيث ظهرت الصورة الواقعية والصورة المتحركة.
ثم يتناول بعض عيوب الصورة في شعره مثل المباشرة أو الوقوف عند حدود التشابه الحسي. وفي النهاية يتناول هذا الفصل الرمز في شعره سواء أكان رمزاً جزئياً أو رمزاً كلياً، ويدرس منابع الرمز عنده، حيث يستمد الشاعر رموزه من الطبيعة ومن الواقع ومن التراث، ومن اللاشعور، حيث جعل الشاعر الريح رمز الثورة على كل ما يربطه بواقع غير راغب فيه، وجعل الناي رمز التقاليد البالية الذي يفرضها الواقع عليه. ورمز القيود التي تكبل روحه المنطلقة، ومن شدة انفعال خليل حاوي بهذين الرمزين جعلهما عنواناً على ديوانه الثاني (الناي والريح).
يقول الباحث: يحسب لخليل الحاوي أن رموزه الكثيفة ترتبط أشد الارتباط ببنية العمل ككل. ففي القصيدة الواحدة نرى حشداً هائلاً من الرموز الجزئية التي تتعانق وتمضي في تيار القصيدة العام. وتمثل خلايا حية في بنية الرمز الكلي للقصيدة، ونظرة في قصائد مثل البحار والدرويش، السندباد في رحلته الثامنة، لعازر 1962م، قصيدة الغفران من صالح إلى ثمود، آلام الحزينة، سدوم.... إلخ.
مثلاً ترينا هذه الحقيقة واضحة، فقد بلغ خليل الحاوي في تحقيق الوحدة العضوية في القصيدة حداً كبيراً، فلا نستطيع أن نقدم سطراً أو نؤخره أو نحذفه، وكل شيء موضوع في موضعه وفق هندسة محكمة. لقد وصل خليل حاوي في قصائده إلى هذه الدرجة في الوقت الذي رأينا فيه بعض رصفائه يقعون في عيب حشد الرموز الكثيرة دون ضرورة فنية كبيرة لذلك.
ويكشف الباحث عن أن التحام الخاص والعام في تجربة خليل حاوي أكثر من معاصرية في ذلك، يتبدى الخاص في إبحار الشاعر إلى كمبردج وتعمقه في الغوص على أصول الحضارة الغربية وفكرها، وقلقه منها، ومن ثم رفضه لها. وتعمقه أيضاً في أصول الرؤية الشرقية للحياة ومعرفته بها وعدم اطمئنانه إليها.
كما يتبدى العام في حيرة الإنسان العربي عموماً بين هذين النموذجين وعدم اطمئنانه إلى أي منهما، ومن ثم رأينا كثيراً من أفكار مفكرينا ودعواتهم وخصوماتهم على صفحات الجرائد، وفي الكتب التي يصدرونها تتراوح بين هذين القطبين، مما يدل على إشكالية واجهت منطقتنا، واستطاع خليل حاوي أن يلمس هذه الإشكالية ببراعة في قصيدته تلك.
وهنا يبدو ملمح مهم من ملامح القصيدة عند خليل حاوي وهو نجاحه في الاستفادة من أفكار عصره، وتشبع قصيدته بها دون أن تصاب بالجفاف وأنه يعمد إلى تحقيق المعادل الموضوعي لأفكاره وفي هذا الصدد يقول خليل حاوي «وأعتقد أن أفضل منازع الفكر التي يفيد منها الشاعر هي المنازع التي تشيع في عصره، وتتجسد وتصبح واقعاً حياتياً حياً ينفي عن الفكر صفة التجريد ويجعله من المسلمات البديهة».
ولذا تصبح تجربة شاعر كخليل حاوي من أعمق التجارب العربية تجسيداً لهموم الإنسان في بلاده وتاريخه وتراثه الشعري. ويضيف ومن هنا تتضح مكانة خليل حاوي في حركة الشعر الحر، بل وفي حركة الشعر العربي الحديث عموماً. وتتميز القصيدة لديه بهندسة محكمة كل شيء فيها موضوع في موضعه، ورغم عمق القصيدة الواضح عنده، فإنها لا تتسم بسمة الإبهام الذي ينسف المعنى أو الدلالة. كما رأينا تميز القصيدة لديه بكثافة الرموز، وارتباطها في نفس الوقت ببنية العمل عنده وللشاعر قدرة كبيرة على ابتكار الرموز.وقد ارتبطت بعض الرموز به مثل رمز البدوية السمراء والناي والريح والناسك، وجنية الشاطئ والبصارة إلخ.
وحول استخدام خليل حاوي للأسطورة الذي خصص له الباحث الفصل الثالث المعنون (توظيف التراث والأسطورة في شعر خليل حاوي) يشير الباحث إلى أنه يستخدم الأسطورة استخداماً متميزاً، وقد فتح الباب واسعاً لبعض الشعراء في استخدام أسطورة تموز، حتى أطلق عليهم الشعراء التموزيون، وكان له إسهام كبير فيما يسمى بالاتحاد التموزي أي جعل تموز يتحد مع ما يضارعه من رموز الخصب.
وقد وجدنا القصيدة عنده تكاد تتخلص من بعض العيوب التي وقع فيها الرواد في مجال استخدام الأسطورة، وقد وصل ببعض الرموز إلى قمة لا تضارع مثل رمز السندباد، ويحسب له أنه أول من جعل للسندباد رحلة ثامنة في الشعر العربي الحديث، كما استطاع أن يحقق التحاماً قوياً بين الخاص والعام في شعره، وبدا واضحاً تمثله الرائع لأفكار عصره، والاستفادة منها دون أن تصاب قصيدته بالجفاف، مما يدل على إدراك واضح لفلسفة الشعر ومفهوم تجديده.
محمد الحمامصي
*الكتاب:شعر خليل حاوي
*الناشر:هيئة قصور الثقافة - القاهرة 2007
*الصفحات:245 صفحة من القطع المتوسط








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. في ظل التحول الرقمي العالمي.. أي مستقبل للكتب الإلكترونية في


.. صناعة الأزياء.. ما تأثير -الموضة السريعة- على البيئة؟




.. تظاهرات طلابية واسعة تجتاح الولايات المتحدة على مستوى كبرى ا


.. تصاعد ملحوظ في وتيرة العمليات العسكرية بين حزب الله وإسرائيل




.. اقتحام قوات الاحتلال الإسرائيلي مدينة الخليل لتأمين اقتحامات