الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قصة قصيرة تمتدح العدو

حميدة العربي

2018 / 2 / 26
الادب والفن


المكان: هنا.. بيننا
الزمان: دائماً.. وابدا
……..
مكتب التحرير احتواهم وطاولة الحوار قربت أصواتهم .. وقصتي القصيرة باعدت أفكارهم وكشفت دواخلهم .
- صالحة للنشر والمسابقة.. بل رائعة.. بموضوعها ولغتها وجرأتها
- أقرُّ بذالك.. لكنها لا تصلح للنشر أو للمسابقة
- بسبب؟
- موضوعها!.. فتاة، منّا، تمتدح عدونا!
- لا يبدو الامر كذالك
- بلى.. إقرأ السطر ما قبل الاخير ( وحينما غادر القطار مودِّعا بيده وابتسامته، سحب جوازَ سفره من جيبه، فاكتشفتُ أن ذلك الوديع، المتعاون، الوسيم.. كان اسرائيليا)
- هذا دليلٌ قاطع على انها لم تكن تعرف ألا حينما غادر القطار، في النهاية!
- وهذا لن يغير من المعنى والقصد.. فتاة عربية تمتدح العدو.. إنه مسّ ٌ بكرامتنا!
- مبالغة! كان مجرد رجل في قطار، أعان الفتاة طوال الرحلة، خصوصاً لحظة دوارِها.. تلك اللحظة المشحونة بالقلق والتوجس، لقد هرع باحثاً، بكل الاتجاهات، عن قنينة ماء وكاد أن يضيّع قطاره ويفقد متاعه، من أجل شخصٍ غريبٍ ، أساء الظن به.
- السطر ما قبل الاخير، هدم كل شئ
- بالعكس.. أشعل روح القصة.. وفتح النهاية على إحتمالاتٍ موحية
- بل كان الضربة القاضية التي أتت على قناعتي.. و بددت إعجابي .
- لن ننشر قصة تزيّن وجه العدو
- سأكتب عن هذا.. التطرف واللا موضوعية في التعامل الادبي .
- سأُلقيها في سلة المهملات!
- لن تحرز ـ بهذا ـ انتصاراً على عدوك .. ولن يتقهقر هو لإهمالك قصة قصيرة.
واحتدمَ الشجار واحتقنت الوجوه وجحظت العيون وتقاطعت الأصوات
- مبالغة!
- لا تهاون مع العدو
- إنها سطحية في التفكير
- أين الوطنية ؟
- أين الموضوعية ؟
- لا يجوز الخلط بين الواقع والخيال
- هذا تخاذل وانهزام
- هذا قمع لحرية التفكير
- سأطرحها على جمهور القراء تحت عنوان.. أتؤيدون نشر القصة ام لا؟
- كن واضحاً وشجاعاً واطرحها تحت عنوان.. هل تؤيدون قصة قصيرة تمتدح العدو؟
وبزغت شمس النهار التالي تعرض تحت أشعتها الوهاجة عناوين لاهبة مثيرة :
. قصة قصيرة تُشعل خلافاً وتهدد بانهيار مؤسسة ثقافية
. قصة قصيرة تُحدث انقساماً حاداً بين الاعلاميين والنقاد
. قصة قصيرة تمتدح العدو تثير جدلا ً في الأوساط الأدبية والأعلامية
. القرّاء سيقررون مصير قصةٍ قصيرة تمتدح العدو
وانهالت آلاف الرسائل والمكالمات على كل الجرائد والمجلات، تؤيد أو تستنكر.. تبرر أو تحرض، و اكتظت المقاهي بنقاشات روادها المتعصبة أو المتساهلة في سجالٍ محمومٍ حول السماح للقصة أن ترى النور، أو تُمزق شر تمزيق.. وتقديم كاتبها الى المحاكمة بتهمة التواطؤ مع العدو.
و سرت الحمى الحارقة داخل محطات القطارات وسيارات الأجرة، واحتدمت نظرات الترقب والمراقبة تتهم بعضها بالإنحياز الى القصة، الخيانية، تتعقبها همهمات تتصاعد متأججة لعنوانٍ يلوح في جريدة ما ـ بيد مسافر مشاكس ـ فتمتد ايادٍ، متوترة، وتقتلع الجريدة من مصدرها وتتكالب على تمزيقها مقرونة باللعنات والشتائم والكلام البذئ .
وهجر الطلبة مقاعد دراستهم وتكوموا في تجمعات صغيرة وكبيرة، يتهامسون أو يجهرون بآرائهم، بأعصاب مشدودة وحناجر مبحوحة وقرروا تسيير تظاهرة، مليونية، الى مقر الجريدة.. للمطالبة بالإطلاع على القصة ومعرفة فحواها وهوية كاتبها. فانطلقت المسيرة من مبنى الجامعة مخترقة شوارع المدينة، كالسيل الهادر، جارفة معها في كل خطوة، جماهير غفيرة إنضمت اليها لاإراديا أو بقصد مبيّت مدفوعة بعفوية حب الوطن وكره العدو، مرتجلة اهازيج وشعارات مزمنة.. ( يسقط الاستعمار والأمبريالية ).. ( لا مكان بيننا للخونة ).. ( بالروح بالدم نفديك يا… ) وكلما اجتازت المسيرة شارعاً ازداد طولها وحجمها وعظمة صراخها، وانفردت، وسطها، مجاميع نسائية، مغلفة بالسواد، تلطم وتولول وأخرى رجالية تستعيد أمجاد الماضي بأناشيد حربية، أزلية، وشباب فائرين يمزقون صوراً ويحرقون أعلاماً ثم يدوسون عليها ويرفسونها بغلٍّ بدائي وحقدٍ سياسي.. وحمل البعض عصياً وهراوات ودس الآخر أسلحة بيضاء تحت ثيابه، وتلثم آخرون تستراً من أعين السلطة والخصوم .
…………
تسمرّت على الجسر أُتابع بقلقٍ، لا يخلو من خوف ودهشة، أمواج البشر تتدفق متلاطمة ملتهبة وتتوقف بشكلٍ فجائي، اعلاناً لوصول بداية المسيرة الى مقر الجريدة. ساد صمت مضطرب مريب، ثم تلا احدهم نداءاً أكد فيه حق الجماهير بالاطلاع على تلك القصة المشبوهة ومعرفة كاتبها. إقشعر بدني لفكرة انني أصبحت ( حق الجماهير ) وقارنت مصيري الآتي بتلك الصور والاعلام التي محقتها ( الجماهير) تحت اقدامها، ويا لفجيعتي لو رفعت ( الجماهير) رأسها الى الأعلى وعرفت إن تلك المرأة المزروعة ـ بهشاشة ـ على رصيف الجسر.. هي الكاتب !.
افقتُ من لحظة الشرود العابرة، وجفلتُ على صراخ وهرج ومرج، حين بدأت المناوشات تتواتر بالحجارة والايدي، بين المتظاهرين ورجال الأمن، المدججين بالأسلحة، فتحول المشهد بسرعة هائلة الى مصادمات وإطلاق رصاص وكرات نارية تُقذف من كل الجهات. وبحركةٍ مفاجئة وايعازٍ خفي التحم المتظاهرون فيما بينهم وامتزج غضبهم وحماسهم وجهلهم في عراكٍ ضارٍ، تشابهت فيه التعابير وتعادلت المستويات ونضحت الحقائق.. واُختُزل المشهد بأكمله في شاشة تلفاز ضمن خبر عاجل يعلن ( مصادمات عنيفة وقتال شوارع قد يتحول الى حربٍ أهلية بسبب قصة قصيرة، يقال إنها، تمتدح العدو ) في حينها كانت الشاشة تعرض صوراً صارخة لأطفالٍ ـ حفاة مشعثين ـ يبحثون، دون كللٍ، عن طعام في مزابل العاصمة ـ اطفال المتقاتلين بسبب عبارة واحدة في قصة قصيرة، لم يقرؤها بعد ـ.
لم أستطع الإنغلاق على صمتي واصطباري فهممت ان أصرخ بهم: إنها حادثة حقيقية، ولن أُفبركها بطريقة مغايرة.. إلا إن كلماتٍ منفلتة ـ أُخرى ـ تصادمت على شفتي كالشرار: يا إلهي.. مَن عدو مَن ؟! ومَن ضد مَن؟ أهم ضد قصتي.. ام ضد اسرائيل.. ام ضد بعضهم البعض؟ يا إلهي! ألا توجد لديهم قصة.. غير قصتي؟!
وبلمح البصر اندلعت النيران، تلتهم أوصال مدينتي.. واشتبك لهيبها، المستعر، ثائراً حول خصرها.. مهدداً ما تبقى من حبها لنا وصبرها علينا وثباتها لأجلنا، مدينتي، المتصدعة بين ملوحة دمعها وسخونة جرحها، هاهي تحترف الصمت رداً، محايداً، على قسوة ابنائها.. وتشيّع، بانكسارٍ فاجعٍ، كبريائها المتبدد بيننا وأمامنا. تلك الجميلة ما زالت تحترق وتكابر وتذوي وحيدة.. ونحن ـ كبارها وصغارها ـ مشغولون بقصةٍ قصيرة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جائزة العين الذهبية بمهرجان -كان- تذهب لأول مرة لفيلم مصري ?


.. بالطبل والزغاريد??.. الاستوديو اتملى بهجة وفرحة لأبطال فيلم




.. الفنان #علي_جاسم ضيف حلقة الليلة من #المجهول مع الاعلامي #رو


.. غير محظوظ لو شاهدت واحدا من هذه الأفلام #الصباح_مع_مها




.. أخرهم نيللي وهشام.. موجة انفصال أشهر ثنائيات تلاحق الوسط الف