الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا تخلف المسلمون -- الحلقة الرابعة

محمد علي العامري

2018 / 3 / 2
مواضيع وابحاث سياسية


لماذا تخلف المسلمون – الحلقة الرابعة
محمد علي العامري
ولكنني أنطلق دائماً من أن الحقيقة المرة أفضل ألف مرة من الوهم المريح، كفانا مديحاً لأنفسنا، كفانا أن نقول : نحن خير أمة، وكفانا أن نقول : نحن أطهر أمة (1)
من التنوير الى الظلامية
شهد العصر العباسي أو الخلافة العباسية ( 750 م – 1514 م ) نهضة حضارية عظيمة وحركة فكرية رائدة في شتى الميادين ، يعود سببه الى الإنفتاح الواسع للشعوب والمجتمعات الأخرى وإحتكاكها المباشر معها ، فتلاقحت الثقافات التي أتاحت للمسلمين التعرف على منهج علمى جديد يعتمد على الفكر ثم التجربة . فقد إنفتح العرب والمسلمون على مدارس الفكر اليونانى والفلسفة الصينية والهندية ومدارس الأمم الأخرى. وتم إستنساخ وتعريب المصادر اليونانية ، وقامت عليها حركة علمية حقيقية احترفت التدوين وركزت على الفلسفة بمفهومها العام في ذلك الوقت ، اى الفلسفة العقلية والطب والعلوم الطبيعية وماوراء الطبيعة مع علوم الشرع. وانتجت هذه الحركة العلمية علماء تفخر بهم الحضارة الاسلامية، نذكر منهم : أبو نصر الفارابي ، جابر بن حيان ، يعقوب بن إسحاق الكندي ، حُنَين بن إسحاق العبادي البيروني ، الخوارزمي ، أبن سينا ، الحسن أبن الهيثم ، الرازي ، أبن رشد وأبن النفيس وغيرهم الكثير. وتُعتَبر الحقبة العباسية الطويلة هي عصر التنوير والعمل والإبداع ، والإعتماد على العقل والتجربة ، خصوصا فى مجالات الطب والعلوم الطبيعية . حتى فقهاء الدين وقت ذاك نجحوا بإزاحة الغشاوة التي خيمت عليهم أيام الخلافة الأموية ، وأتيحت لهم مساحة واسعة من التفكير والإبداع ، فظهرت الإجتهادات الفقهية المختلفة التي على إثرها ظهرت المذاهب في الإسلام .
والخلافة العباسية لا تعتبر أمتداداً للخلافة الأموية فقد أختلفت عنها في كثير من الأمور ، أهمها : أن الأمويين إعتمدوا في حكمهم على العصبية العربية والفكر القبلي ، في حين أن العباسيين قاموا على مبدأ المساواة بين العرب وغير العرب ، فنجد هناك المناصب الكبيرة في الدولة قد إنيطت بالموالي على قدم المساواة مع العرب . كما أن الأمويين إنشغلوا بالفتوحات لتوسيع رقعة خلافتهم ، بينما إنشغل العباسيون وتفرغوا للدراسات والعلوم والمعارف بصورة كبيرة ،ولقي العلماء تشجيعاً كبيراً من الخلفاء ، وبنوا لهم المدارس ودور العلم والترجمة منها : دار الحكمة والمدرسة المستنصرية .
إذا كيف ولماذا تأخر المسلمون الذين كانوا في المقدمة ، وتقدم عليهم من كان في المؤخرة ؟
بدأ المسلمون بالشعور بالتخلف أواخر الفترة العباسية ، هي نهاية الإستقرار وبداية الإنحطاط الذي إستفحل خلال حكم الأتراك (الخلافة العثمانية) . فالحقبة العثمانية طورت قيم التخلف الإقتصادي والفكري والقانوني والديني بالموروث الإسلامبدوي ، لتمتد هذه العتمة الى يومنا هذا بسبب أنظمة الحكم الإستبدادية التي توالت بعد الخلافة العثمانية، ودخول بلدان العالم الإسلامي عصر الاستعمار، ثم الدولة ذات الطابع الشمولي ودكتاتورياتها التي إعتمدت على وعاظ الدين لقمع شعوبها وإذلالهم بالمقدّس. ولم يتوقف الإحساس بالتخلف عند هذا الحد ، بل شمل جميع مناحي الحياة ، لكنه أخذ شكلاً غير عادي عندما أخذ فيه شعور مزمن بالنقص يتركز في الجانب التكنولوجي والعلمي، ولقد كان لهذا التركز آثاراً جمة مازال المسلمون تحت وقعها حتى هذه الساعة ، ولم يستطيعوا التخلص منها .
وسيستشيط غضباً الإسلاميون والمتأسلمون الجدد عندما نواجههم بحقيقة حال المسلمين الذين طُوِقوا وأُسِروا بكماشة من التخلف الذي امتد لعدة مئات من السنين ، كانت أشدها ظلامية وعتمة هي فترة الخلافة العثمانية التي إعتمدت على خلط العلوم الطبيعية بالفكر الديني " وهيأت لهذا الشأن فقهاء وقضاة وأئمة للإفتاء مهمتهم رصد الفلاسفة وعلماء الطبيعة والمبدعين ، ومحاصرتهم كي لا يبتعدوا بعقولهم أبعد من عقل الفقهاء والمشرعين الذين كانوا يحشون العقول بالروايات المنقولة من فلان عن فلان عن النبي محمد " (2) أو عن هذا الإمام أو ذاك ، ويغلفوها بغلاف المقدس الذي بدوره يلغى العقل . فالعلوم الطبيعية لا قيمة لها أمام العلوم الشرعية ، ولهذا تُعَد المجتمعات الإسلامية من أكثر المجتمعات تخلفاً وفقراً على صعيد العلوم الطبيعية ، إنها الحقيقة التي يجب أن يعترف بها الجميع ، فما زالت الفجوة التكنولوجية والعلمية بيننا و بين الغرب والدول المتقدمة الأخرى في اتساع كبير ومستمر.
فالمسلمون وخاصة العرب منهم ، عندما إستيقظوا على أصوات مدافع الغرب في بداية القرن العشرين ، وجدوا أنفسهم متأخرين عن الغرب اربعمائة عام . ولكن قبل أن يستعدوا للنهوض من جديد بعد إن تخلصوا من العتمة العثمانية ، جاءتهم ضربة قوية على الرأس من الإستعمار البريطاني الجديد الذي أعتمد على تكريس الجهل ولو بشكله الأخف من الفترة العثمانية ، إلاّ إنه كان ومازال من أهم أسباب تخلف المسلمين اليوم ، لأن البريطانيين إعتمدوا على أنظمة تجيد تطويع الدين لإنتاج التخلف .
من المعروف أن العالم الإسلامي الذي يتكون من أربع وخمسين دولة ، من ضمنها أثنين وعشرين دولة عربية ، غالبيتها أنظمة دكتاتورية إستبدادية ، وبما أن الإستبداد ينتج التخلف ، فلابد لشعوب هذه الدول أن تعيش تحت وطأة الجهل واللاعقل - لا رغبة منها وإنما فُرِض عليها ، عن طريق برامج ومشاريع تقوم بها هذه الأنظمة لإعادة إنتاج التخلف وإستمراريته وحمايته . " أن المسلمين مازالوا فى تأخرهم بعد عدة «صحوات إسلامية» زعموا أنهم بدأوها فى نهاية الخمسينات من القرن العشرين، ومازالت مستمرة لأكثر من ستين سنة، عادوا بها إلى السلف الصالح، والتربية الدينية والنقاب والحجاب واللحية والجلباب والجهاد وهجرة المفاسد العصرية " (3) ويكاد الكلام فى الدين والفقه والشريعة يغلب كل ماعداه من كلام ، بل إن دعاة هذه الصحوة صاروا أصحاب سلطة شرعية، أو سطوة مفروضة بالسلاح على عدد من الدول الإسلامية ، وقد تميّز هؤلاء الدعاة الإسلامويون عن غيرهم بفساد السلطة ودمويتها . فـ ( الصحوات الإسلامية ) أصبحت هي العائق لنهضة وتقدم العالم الإسلامي ، لأنها فرضت على المجتمعات الإسلامية أن تعيش طيلة حياتها في بيئة منغلقة تظل خاضعة لقوانين ما يسمى بـ ( إجماع الأمة ) وهذه القوانين تضع تفكير الإنسان المسلم في قوالب معينة يصعب الخروج منها .
ففي العالم الإسلامي توجد جيوش من التتر سُمِح لها أن ترفع رايات الجهل لتجعل من العقل سلاحاً محرّمْ إستخدامه ، وهذه الجيوش تتكون من فقهاء الدين وتلامذتهم الذين تستخدمهم الإنظمة الإستبدادية كعصي غليظة تضرب بها شعوبها التي تحاول التحرر من إستبدادها ومن سطوت الدين الإسلامبدوي الذي " يريد أن يطفئ كل مصابيح الإستنارة ، أو الفكر ، أو ألتفكير ، أو إعمال العقل " (4)
الهوامش :
1 - سبب انحطاط المسلمين وتخلفهم .... المفكر الإسلامي د. شكيب أرسلان
2 – سبب واحد لتخلف المسلمين ... علي ابو جواد – منشورات العهد
3 – الإسلام وسر التخلف ... جريدة الأهرام المصرية – نبيل عمر
4 – الإرهاب والفتنة الطائفية ..... الدكتور رفعت السعيد








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - لماذا تخلف المسلمون
Abdulahad Paulos ( 2018 / 3 / 2 - 03:22 )
عصر الخلافة العباسية كان بالفعل العصر الذهبي للمسلمين لأنه في كثير من فتراته كان يحترم خصوصية غير المسلمين وسلم بيدهم أمور الثقافة عموماً لأنهم كانوا متمرسين بها وهم من قاموا بمعظم التراجم العلمية من اليونانية إلى العربية وأداروا المدارس والمستشفيات.
أختلف مع الكاتب حول نقطة تحميل الانكليز المسؤولية في تخلف المسلمين في أوائل القرن العشرين ولا ينكر أن للانكليز مثل هذه التوجه إلا أني أرجح أنهم إستغلوا أستعداد العرب والمسلمين الفطري للتمسك بالقديم على حساب كل جديد.
الاسلام منذ نشأته الأولى خلط بين الدين والدولة وفي وقت لم يكن فيه وجود للانكليز وغيرهم من دول الاستعمار وما عقدة المؤامرة إلا للتغطية على حال لا يستطيع المسلمون التخلص منها وسيبقون عليها إلى أن يتم فصل الدين عن الدولة كما حصل في الغرب في القرون الوسطى.

اخر الافلام

.. حماس وإسرائيل.. محادثات الفرصة الأخيرة | #غرفة_الأخبار


.. -نيويورك تايمز-: بايدن قد ينظر في تقييد بعض مبيعات الأسلحة ل




.. الاجتماع التشاوري العربي في الرياض يطالب بوقف فوري لإطلاق ال


.. منظومة -باتريوت- الأميركية.. لماذا كل هذا الإلحاح الأوكراني




.. ?وفد أمني عراقي يبدأ التحقيقات لكشف ملابسات الهجوم على حقل -