الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ضد حالة العار السياسي .. حالة الطوارئ

بدر الدين شنن

2006 / 3 / 9
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


لم يعرف الشعب السوري في تاريخه الحديث حالة الطوارئ في ظروف ا ستثنائية ، أملتها متطلبات كوارث وأوبئة طبيعية ومواجهة عدوان خارجي ، لتأمين حمايته وا ستقلاله . إن مثل هذه الظروف لم تحدث ألاّ نادراً ولأزمنة محدودة جداً . فمن أصل ستة وأربعين عاماً من زمن حالة الطوارئ التي فرضت على البلاد ، لم يكن هناك مبرراً موضوعياً ووطنياً لتطبيقها سوى بضعة أسابيع جرت خلالها حرب حزيران 1967 وتداعياتها المأساوية ، وبضعة أشهر جرت خلالها حرب تشرين 1973 وما تلاها من مناوشات ا ستنزافية حتى اكتملت عملية فك الارتباط بين المتحاربين . أما الزمن الأعظم لحالة الطوارئ المستديمة ، فكان ثلاث سنوات في عهد الوحدة مع مصر ( 1958 - 1961 ) لتأمين النظام المباحثي _ الوحدوي _ ، ومن ثم لتأمين العهود التي توالت منذ 8 آذار 1963 حتى الآن

ومن مقاربة الوضع السياسي السوري في الزمن " الطوارئي " يلاحظ أن حالة الطوارئ ليست حالة واحدة ، وإنما هناك حالة طوارئ " إنقاذية وطنية " وهناك حالة طوارئ " سلطوية ا ستبدادية " . الأولى تستخدم بالشعب ولصالح الشعب ضمن إطار وطني جزئي أو شامل ، والثانية تستخدم لصالح النظام ضد الشعب .. ولتطويع الشعب ضمن إطار ومصالح النظام . الأولى إنقاذية بالضرورة والثانية تدميرية بالذريعة .. ولهذا يكون الشعب بقواه وابداعاته كلها يشترك في مواجهة الحالة الأولى " الإنقاذية الوطنية " وتشكل جهوده آلية الإنتصار على الكوارث والأوبئة والأعداء ، وفي الثانية يكون الشعب مغيباً مقهوراً مستعبداً .. والآليات الاستبدادية لحماية النظام سيدة الموقف

وعندما تصبح الجغرافيا السياسية في حالة ا ستهداف من قبل مفاعيل ومصالح السياسة الدولية ، ويصبح الوجود الوطني في خطر ، ويصبح في مقدمة الأولويات ا ستدعاء حالة الطوارئ " الأنقاذية الوطنية " ، كما هي عليه الحال في الوقت الراهن ، تنفضح حالة الطوارئ السلطوية الاستبدادية .. ينفضح مضمونها التدميري المعوق للإمكنيات الإنقاذية الوطنية . بمعنى آخر تتحول هذه الحالة ذاتها إلى آلية عجز مدمرة ضد الوجود الوطني ، لأنها هي عاجزة عن التحول إلى آلية إنقاذية ، ولأنها جردت الشعب من قواه السياسية مسبقاً ودمرت بذلك امكانية ا ستنهاض آليات بديلة

وإذا ما أمعنا النظر في هذه المسألة نجد أن حالة الطوارئ في سوريا قد تحولت من آلية .. من أداة .. يستخدمها النظام لفرض سلطاته وسياساته إلى حالة عامة .. حالة أخرى .. راحت تفرض نفسها على النظام وتغريه بالمزيد من الإمعان في الغوص في أعماق تداعياتها ومتطلباتها ورذائلها , فالممارسة الطوارئية الاستبدادية فتحت آفاق ا ستبداد تدرجت في التوسع والتسويغ إلى أن بلغت أبعاداً لم تكن مسبوقة المعرفة من قبل ، وا ستدعت إلغاء السياسة ، وتجميد القانون ، وإفساد القضاء العادي ، وإيجاد قضاء ا ستثنائي ، وسجون ومعتقلات وتعذيب ومجازر ونفي وحرمانات من الحقوق المدنية . وإلغاء معظم حقوق المواطنة ، وأهمها على على الإطلاق دسترة الاستبداد بإصدار دستور يؤبد الاستبداد ويخلق تمييزاً عنصرياً سياسياً بين أبناء الوطن الواحد . وبإكتمال التجلي الطوارئي السلطوي في البلاد اكتمل النظام الديكتاتوري .. أصبح شمولياً .. بل واخزل وتشخصن ، وتحولت الدولة والمجتمع إلى آليات في خدمة الشخص في قمة هرم النظام . لقد شوهت حالة الطوارئ الاستبدادية القانون والدستور والدولة والأحزاب والسياسة والاقتصاد والثقافة . صارت هي بذاتها الوباء والكارثة والخطر على الوطن ، صارت تتطلب حالة طوارئ مقابلة لمواجهتها وإلغائها

ولهذا فإن مهمة رفع حالة الطوارئ الاستبدادية السلطوية السياسية هي مفتاح حل الأزمة السورية الشاملة المستعصية
تحية تضامن مع المعتصمين اليوم في دمشق وفي الخارج المطالبين بإلغاء حالة الطوارئ .. حالة العار السياسي المهينة للكرامة الإنسانية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. زيادة كبيرة في إقبال الناخبين بالجولة الثانية من الانتخابات


.. جوردان بارديلا ينتقد -تحالف العار- الذي حرم الفرنسيين من -حك




.. الجولة الثانية من الانتخابات التشريعية الفرنسية: تابعوا النت


.. إسرائيل منقسمة.. ونتنياهو: لن أنهيَ الحرب! | #التاسعة




.. ممثل سعودي يتحدث عن ظروف تصوير مسلسل رشاش | #الصباح_مع_مها