الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشخصية الرئيسة ودورها في بناء القصص القصيرة

مؤيد عليوي

2018 / 3 / 4
الادب والفن


مقدمة :
كانت هذه الورقة النقدية لجلسة يوم الأربعاء 14 / 12 / 2016 في نادي القصة باتحاد أدباء النجف الاشرف .
قد تختلف مواضيع أو ثيمات القصص التي تناولت الواقع العراقي، منها التاريخي في قصة " ذكريات من ربى كوفان "،ومنها السوسيولوجي كقصة " عنق الزجاجة "، أما في قصة " ما لا يدركه الحلم " فقد جسدت الهم الجمعي أو الجماعي بسبب الظروف السياسية الاقتصادية الاجتماعية، بينما تتجلى قضية الحرية والتي تشغل النخب في أغلب الأحيان في قصة " لا .. حرية "، إلا أنها تشترك في عنصر الشخصية الرئيسة وأهمية دورها في بناء القصة،إذ تعتمد القصص على الشخصية وسماتها،بمعنى أن الموقف القصصي يعتمد على حركة الشخصية وانفعالها فيتولد الموقف بسبب ما تقوم به أو ما تفكر به، بل قلْ تأثيرها في بناء القصص من حيث الزمان والمكان وسير الموقف أو المواقف،وطبعا هذا يمثل سمة مشتركة لدى كتّاب قصص الجلسة اليوم،في قضية خلقهم للشخصية الرئيسة لقصصهم،وإعطائها دوراً أكثر فاعلية من عناصر الفكرة والموقف والزمكانية في بناء القصة، لذا تم اختيار الموضوع استنادا إلى هذا الرأي .
• قصة " ذكريات من ربى كوفان " للقاص عبد الله الميالي :
يحتاج بناء الشخصية الرئيسة في القصة إلى مراجعة من القاص، حيث لو أخذنا موقفا واحدا من القصة يكون أفضل :هو أول وصل الشخصية الرئيسة إلى المطار وصعوده سيارة ( التكسي ) ،أو موقف أخر عندما وصل إلى مرقد ميثم التمار، وبحثه عن النخلة - في تداخل زماني لتاريخين ولذات المكان الكوفة-مع عاطفته الجياشه بالحنين و( الفلاش باك) وهي سمة تحسب للنص، الذي يعيد موقف قديم من زمن الانتفاضة، مع لغة فنية تليق بالقصة القصيرة مِن مثل ما جاء في ذات القصة: ( .. ، فيما كانت هذه الطائرات تشعل ليل نوروز .. ثريات ونواح .. وعويل القنابل يسرق من الليل صمته ) فهذه لغة شعرية جسدت استباحة المدينة ليلا، وبهذه الشروط الفنية كانت تكفي أن تكون قصة قصيرة ، لكن هذا النفس الطويل في أعادة نفس الفكرة وبلغة تقترب من التوثيقية وأحيانا تكرار لذات المفردات والتركيب اللغوية دون ضرورة فنية لها جعل القصة تبدو مترهلة ،ثم أن للقصة القصيرة لغتها الخاصة وهي تختلف عن اللغة الرواية كما تختلف عنهما لغة القصة القصيرة جدا ، وهنا اعترف بأن ثمة سمة إيجابية خاصة بالنص القصصي ( ذكريات من ربى كوفان ) هو مقدرة القاص عبد الله الميالي على كتابة الرواية من حيث لغة الرواية النفَس الطويل حتى عند نهاية القصة يوجد ما يُكملها فبعد أن يخرج الرجل من الصلاة تستمر الحركة والمواقف والذكريات وهكذا .. ، لذا اقترح على القاص أن يعيد رسم أبعاد الشخصية الرئيسة وان يختصر المواقف كما قدمنا في سالف السطور، أو تكمل هذه القصة لتكون رواية وربما أنا أكتشف فيكَ روائياً مبدعاً .
• قصة " لا ..حرية " للقاص محمد الكريم:
الشخصية الرئيسة هي محور القصة بالكامل ، وقد أصبحت عناصر القصة الأخرى عوامل مساعدة في البناء القصصي للنص أبان تفاعله في بوتقة المتخيل والواقعي الذي تجسد في رمزية للصراع الداخلي للشخصية بين الحرية والسجن والذي كشف عن هذا الصراع عناصر القصة الأخرى جدران الغرفة المكان والتلاعب بالزمان وأحيانا إسقاطه تماما ، هذه الرمزية التي اتخذت مِن تناص معنى الآية 73 (( وان يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذونه ))في سورة الحج،سبيلا إلى معنى فعل الذبابة في القصة فقد تركتها الشخصية الرئيسة تمسح كلمة السجن وتحرفها كذلك مسحت الـ ( لا ) ولكنها إي الشخصية تحركت بردة فعل قوية وصرخت عندما وصلت الذبابة إلى كلمة الحرية لتبقى الحرية تضيء عتمةً في نهاية لعبة الصراع ، مما يؤكد تناص المعنى بين الآية واستعمال القصة، ونتيجة الصراع هنا انتصار للأفكار الايجابية عبر موقف محدد رُسم بحرفيّة عالية وهو مراجعة الذات داخل غرفة اعتبرتها الشخصية الرئيسة سجن اختياري أو هكذا عُبر عنه في لغة قصصية رشيقة ناسبتْ بين بناء الشخصية والفكرة والموقف القصصي مما زاد بناء النص فنية وجمالية، ثم أن التفكير بالحرية تتخذه النخب الواعية ولا تتخذه الحالة الجماعية في مجتمعات مختلفة ومنها شعوب المنطقة والعراق، ولقد كان البناء القصصي في قصة ( لا .. حرية ) مكتمل الأركان معتمد كليا على الشخصية وحركتها وأفكارها وتناقضاتها في صراع الواقع المادي والمثالي المُعبر عنه بحوار النفس أو الحوار الداخلي أو السرد القصصي المروي من خلال الشخصية الرئيسة ذاتها، فتجاوزت قصة( لا ..حرية ) فكرة الراوي العليم التي يعدها بعض النقاد أنها من مخلفات الماضي في الاستعمال القصصي .
قصة " ما لا يدركه الحلم " للقاص ميثم الخزرجي :
الشخصية الرئيسة هي التروي عن ذاتها وليس ثمة راوٍ عليم وهذا ما يحسب للنص، مما منحها دورا أكبر في بناء القصة بل أنها استحوذت على القصة بالكامل من خلال توظيف الحكائية الشعبية للصوت الواحد الذي يسمعه الأصدقاء أو الزملاء أو غيرهم في المقهى أو البيت، حيث المتلقي القارئ أو السامع يقوم بدور أولئك المستمعين من الأصدقاء في الواقع الحكائي الشعبي، للكشف عن الهم الجمعي أو الجماعي لأجيال من العراقيين عبر السرد القصصي هذا الذي تجاوز زمن كتابته واختزل حرمان ثلاثة أجيال من العرقيين، فهذا الصوت الواحد أو صوت الشخصية الرئيسة الذي يطل من خلال ضمير المتكلم ليبث هموم تبدو فردية للوهلة الأولى لكنها تمثل الحرمان لعدم تحقق ابسط الأحلام في مراحل مختلفة من عمر الإنسان في العراق -المكان غير المصرح به في القصة -،المعروف من زمانه المفعم برائحة الحروب والبارود والجوع، جميعها غمّست ذاكرة أجيال بالحرمان بسبب الأنظمة السياسية المُتعاقبة، كما مرّ من القصة، والشخصية الرئيسة الرجل يروي بلغة فنية عالية مفعمة بالجمال منها :( كيف لي أن أمارس الظل بوصفه ملاذا آمناً لاقتراح الحياة فيما أذا أدعيتُ بأن الأحلام هي ظلال شرهة لأحداث تتسع للمشاكسة ) في مثل هذه اللغة الفنية التي غلبت على النص تحيل توظيف الحكائية الشعبية إلى سمة مميزة بجماليات اللغة القصصية المعاصرة ذات الشعرية العالية، تماما مثلما وظف النص القصصي ( ما لا يدركه الحلم ) أسطورة الجدات الشعبية في حالة الغطاء المكشوف للنائم ،لتنسجَ نسقا فكريا يفضح السبب في تدهور السياسية هو سطوة التفكير الميثولوجي الأسطوري وليس الديني فالدين في واد والأسطورة الشعبية في واد تغلب على عقل الساسة والشعب .
• قصة "عنق الزجاجة " للقاص فلاح العيساوي:
كانت الشخصية الرئيسة الرجل تمثل محوراً مهما مع عناصر القصة الأخرى: الفكرة الاجتماعية وموقفها من عدمية الحياة بعد الحبيبة (أمل) الذي حمل اسمها رمزا متفائلا ، كما تميزت القصة بالحوار الكاشف عن أبعاد الشخصية الرئيسة إذ من ضرورات الحوار في القصة أن يكون كاشفا لأبعاد الشخصية النفسية أو التاريخية أو غيرهما ،فحوار قصة اليوم يؤدي وظيفة وليس كما كان، وهذا ما ميّز حوار قصة "عنق الزجاجة" الذي منح فسحة كافية للتعريف بالشخصية الرئيسة وشخصية الثانوية (الأم )، ثم أن بناء الشخصية منسجم تماما مع بناء وحبكة القصة التي تم بنائها بدراية تامة واشتغال فني من خلال التلاعب بوقت الشخصية بين المساء والصباح،وأعادته إلى يوم جديد باكر،هذا التلاعب المحكم بالوقت مع بناء الشخصية الرئيسة في اشتغال فني لعالمها النفسي والخارجي وحركتها وعلاقتها بالأشياء من حوله وبلغة فنية ناسبت الموضوع والفكرة والشخصية والشخصيات الثانوية التي برزتْ بقوة لتزيد تفاعل الموقف الحياتي لأيام الشخصية الرئيسة جعل القصة تنماز بنكهة خاصة هي نكهة القاص فلاح العيساوي .
أما القصص القصيرة جدا فاكتفي بما قدمه الزميل الناقد ظاهر حبيب في ورقته النقدية للجلسة،مع كل الود والأماني بالإبداع إلى كتّاب القصة ونقّادها وجمهورها في النجف والعراق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صباح العربية | الفنان السعودي سعود أحمد يكشف سر حبه للراحل ط


.. فيلم تسجيلي عن مجمع هاير مصر للصناعات الإلكترونية




.. جبهة الخلاص الوطني تصف الانتخابات الرئاسية بالمسرحية في تونس


.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل




.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة