الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشيخ نسيم .!

ميشيل زهرة

2018 / 3 / 4
الادب والفن


قال لي عبودي :
ما زلت أتذكر الشيخ نسيم ، تلك الشخصية الغامضة التي مرت من بوابة الذاكرة و تربعت في صدر مطرحها ..هو لم يكن يشبه المشايخ في شيء ..مختلف كل الاختلاف في ملبسه و سلوكه ..المشايخ اتكاليون ، متسولون باسم الله ، يرتدون لباسا شبه موحد .. ليس لأنهم انضباطيون ، إنما لكي يجلدون بصرك بقسوة حضورهم ، فتحضّر ذاتك للانحناء لهم ، و تقديم التبجيل لحضورهم ..لأنهم لا يقبلون أن تواجههم كما تواجه العامة ..أليسوا النخبة التي اختارها الله لكي تجلدك بمواعظها ، فتجزّ صوفك ، و تأكل لحمك ، و تشرب لبنك ، و أنت داخل إلى زريبة وعيك ..؟؟ لكن الشيخ نسيم كان مختلفا ..لا أدري ما الذي زرعه في ذاكرتي ..لكني أذكر ، و أدرك أن ما زرعه ما زال يفور في داخلي حبا عظيما لكل الكون ..كان يوما جافا ، و كانت المنطقة لا خضرة فيها ، عندما كنا ثلاثة أشقياء بجلابيبنا الممزقة كصبية بداة ..كنا حفاة خفافا كقطط شرسة ، عندما قفزنا عن جدار واطيء إلى مزرعة الشيخ نسيم الوحيدة في المنطقة ، لكي نسرق الرمان مع الغسق ..الشيخ نسيم ، الذي اسمع بذكر اسمه فقط في طفولتي ، له تجربة لا تشبه تجربة شيخ في هذا العالم ..هو رحالة دائم بحثا عن العمل ..هو أول من حفر بئرا ارتوازيا في المنطقة ، و أول من أدخل المضخة التي تعمل بواسطة مولدة للكهرباء ، يوم لم يكن ثمة كهرباء .. فسحب الماء من الأعماق ، ليفجر الحياة و الخضرة في هذه المنطقة الجدباء ..! و أذكر أننا قطفنا ما اتسعت جلابيبنا الصغيرة ، و انطلقنا مثل جراء النمور ، فقفز الرفيقان عن الجدار ، و سقطت أنا بعد أن دخلت في قدمي قطعة من زجاج ، و انداحت الرمانات الثلاتة من حجري ، و أجهشت في بكاء مرير و مسموع ، و نسيت أني لصّ صغير في موقع صاحب المزرعة ، عندما خرج من خلف الشجيرات رجل باسم الوجه ، مريح ، لكنه دبّ الرعب في قلبي ، لو لم يبادرني بقوله : أسرع يا بني ..لقد سبقك الأصحاب ..خذ رماناتك و امض قبل أن يأتي الشيخ نسيم صاحب المزرعة ..و عندما علم أن قدمي تنزف ..تغيرت ملامحه ، و تغضن وجهه ، و سأسأ من بين أسنانه ، أسفا : لا عليك بني ، سأضمد لك جرحك ..إنه بسيط ، ها قد سحبت قطعة الزجاج من الجرح ..! و سحب من جيبه محرمة ، لا بد أنه يستخدمها في تجفيف عرقه ، و لفّها على قدمي الجريحة ، و جمع لي الرمانات الثلاثة ، و وضعها في جلبابي ، و ساعدني أن أقفز الجدار ، و أهرب ، مؤكدا لي : لنهرب قبل أن يأتي الشيخ نسيم ..لو قبض علينا سيسلمنا للشرطة ..نظرت في وجه الرجل ..لا أدري كيف أشكره ,,هو لصّ يساعد لصا ..لكني شاهدت في وجه ذلك اللص ، بعد أن حمضت الصورة في ذاكرتي الحالية ، سعادة لا توصف ..و عطف عظيم ..و محبة قل نظيرها : عندما قال : بني لا تركض ..امش على مهلك ..و أضاف : أنا سأهرب من هنا ..و مضى الرجل ،و قد تعلق نظري به و هو يمضي إلى الجانب الآخر من المزرعة ن و في قلبي الصغير ، أحمل له حبا كبيرا ..و شكر لا يفيه حقه .. وكم تمنيت أن أمضي خلفه لأقول له كلمة ما تليق بفعلته ..لكني مضيت أحمل في أعماقي مشاعر غامضة لم أفهمها يومذاك ..كان فرحي كبيرا لشعوري أني فزت بالرمانات ، و لكن الفرحة لم تكتمل عندما طلبت الجدة ، الذكية جدا ، أن اشرح لها بالتفصيل الممل ، من أين سرقت الرمان ..و كيف ، و لماذا ..جدتي ، كانت من الجدات اللواتي لا يستطيع الحفيد أن يكذب عليهن ..و عندما سردت لها قصة الرجل اللص الذي ساعدني ، و ضمد جرجي ، بكل صدق .. سحبتني من يدي مع الرمانات إلى مزرعة الشيخ نسيم و هي مقطبة الجبين عابسة الوجه ، خجلة ، لأن حفيدها تصرف تصرفا لا أخلاقيا ، و عندما نادت بأعلى صوتها : يا شيخ نسيم ..خرج علينا رجل نضر الوجه ، مبتسم ، عرفت فيه اللص الذي ساعدني في سرقة الرمان ومضى..!!
ومن يومها أتساءل في سري : لماذا فعل الشيخ نسيم ما فعله ..؟؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم شقو يضيف مليون جنيه لإيراداته ويصل 57 مليونًا


.. أدونيس: الابداع يوحد البشر والقدماء كانوا أكثر حداثة • فرانس




.. صباح العربية | بينها اللغة العربية.. رواتب خيالية لمتقني هذه


.. أغاني اليوم بموسيقى الزمن الجميل.. -صباح العربية- يلتقي فرقة




.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى