الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أمي وقُبلة الموت ..

فاطمة الحصي

2018 / 3 / 5
العلاقات الجنسية والاسرية



في نهاية 2014 وبعد معاناة طويلة مع المرض صرح لنا الدكتور حمدي زوام المتخصص في الأورام بأن المرض قد وصل إلى رئتي والدتي، وفهمنا من نظراته وتحفظه بأن الحالة متأخرة للغاية ، لكن الأمل ظل في قلبي كعادتي دوما أتمسك به بكل عنف وبلا هوادة ، لذا وحين ساءت حالتها ودخلت أمي الى مشفى خاص "شبه ميتة"، ومع اصرار المشتشفى على اعادتها الى الحياة ففرحت مع إخوتي فرحة عارمة ، كمن يضحك على نفسه ، وظللنا على هذا الحال شهور الى أن واجهنا ابن عمتي الطبيب مصطفى حمد بضرورة نزع الأجهزة التي تساعدها على الحياة !
كان الموقف صعبا للغاية وغير محتمل ، وفي نفس الوقت اتخاذ قرار مثل هذا هو قرار بمثابة انتحار بالنسبة لي ولإخوتي جميعا .
وقررنا معا عدم الانسياق وراء رأي ابن عمتي الطبيب على الرغم من تأكدنا من صحته ، كان الأمل بداخلنا نابع من استقبال أمي لنا بنظراتها الطيبة ومحاولة لتحدث الينا بعيونها مرة وبالاشارة مرة ، وكان هذا كافيا للغاية لإرضاءنا ، مجرد وجودها هو غاية ، فهمت الآن ذلك التشبيه الذي قاله لي أحدهم (أريد أمي حتى لو بقايا عظاما ) ...
لا أنسى أنني في سماء الفكر تناقشت بعد ذلك بعام مع الصديق المستشار مدحت البنا حول فكرة القتل الرحيم ، وكان من أنصارها، وفي نهاية مناقشتي أخبرته أن الحديث يكون سهلا حينما لا نكون في الموقف ذاته ، فليس من السهل أبدا اتخاذ قرار بنزع اجهزة الحياة عن شخص تتعلق به روحك ، أو أن تعطيه كبسولة تؤدي به الى الراحة الأبدية بعد معاناة المرض وآلامه ..
هكذا كان القرار بالإجماع من إخوتي بإبقاء أمي على أجهزة التنفس الصناعي ، فاتني أن أقول أن المستشفى الخاص بالقاهرة حينما ناقشناه في فكرة نقل والدتي الى مستشفى خاص آخر بمدينة شربين (مستشفى المنال ) وذلك لتأكدنا من أن الحالة متاخرة ومن الأفضل لها أن تكون بجوار منزلها ويزورها الأقارب والأخوة ، فما كان من المسئول الا أن صرخ فينا قائلا ستتحملون مسئولية ذلك ،المستشفى غير مسئول على الاطلاق ، والحقيقة أن هذه الفكرة كانت فكرة عبقرية من أخي توفيق الذي أخبرني أن النقل الى مشفي بالقرب من قريتنا أفضل خاصة وأنها فرصة طيبة لرؤية أهل والدتي لها .
كانت رحلة النقل معذبة للغاية مع سيارة اسعاف مجهزة ، ولكني الآن
استطيع أن أقول أن ما حدث هذا كان هو الانجاز الحقيقي الذي جنيناه في هذه القصة، فنظرات أمي الحنونة وهى تحتوينا جميعا ، وترى في عيوننا اللهفة والمحبة والاخلاص لها والرغبة الحقيقية بأن تكون في وسطنا وحولنا ، وتيقنها من أن مجرد وجودها في الحياة بالنسبة لنا هو انجاز كبير .
هكذا مرت الأيام ونحن نتخيل أن والدتي تتحسن ، وأنها هكذا افضل كثيرا حتى اتضحت لنا الحقيقة بأنها "مع الله هذا أفضل كثيرا " فقد صعدت روحها الطيبة في يوم 5مارس 2015.رحمة الله عليها
********************
كاتبة وباحثة -مصر








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اغنية بيروت


.. -الذهنية الذكورية تقصي النساء من التمثيل السياسي-




.. الحصار سياسة مدروسة هدفها الاستسلام وعدم الدفاع عن قضيتنا ال


.. نداء جماهيري لكهربا و رضا سليم يمازح احد الاطفال بعد نهاية ا




.. هيئة الأمم المتحدة للمرأة: استمرار الحرب على غزة يعني مواصلة