الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


(النبيذه) رواية انعام كجة جي الجديدة حكاية الحب الضائع والوطن المفقود

ليث الحمداني
(Laith AL Hamdani)

2018 / 3 / 7
الادب والفن



انهيت قراءة رواية المبدعة العراقية انعام كجه جي (النبيذه) وهي في هذا العمل تكمل مسيرتها الروائية التي بدأتها بـ (سواقي القلوب 2005) و(الحفيدة الامريكية 2008) و(طشاري 2014) .
الرواية الجديدة مختلفة عن اعمالها السابقة فهي تتحرك على مساحة اوسع وتستحضر تاريخا لم ينصفه احد وتربطه بحاضر يخشى الكثيرون الخوض فيه او لنقل يتجنبون ذلك .
في (النبيذه) تحرك انعام شخصياتها على تلك المساحة ببراعة لاعب شطرنج ماهر يشدك على مدى ساعات لعبه ، الشخصيات المحورية الاساسية هي (تاج الملوك) او مدام شامبيون فيما بعد، الايرانية الصغيرة التي اصطحبتها امها التي تزوجت عراقيا الى بغداد حيث ترعرت ونضجت ايام الحكم الملكي وتمكنت بذكائها وفطنتها من ان تصبح صحفية ومن ثم تمتلك مجلة وتجالس الباشا نوري السعيد صانع الحكومات والفتى الوسيم عاشق الخيول عبدالاله الوصي على عرش العراق.
الثانية هي (وديان) عازفة الكمان العاشقة للموسيقى والتي تربت في مدرسة الموسيقى والباليه يوم كان في العراق من يتذوق الموسيقى ويدعم مسيرة الفنون، وحكايتها فيما بعد مع (الاستاذ) الذي ترك وراءه عشرات الحكايات المثيرة والمؤلمة بل الاشد ايلاما من حكايتها.
تحرك انعام ابطالها في فضاآتهم المختلفة ، العهد الملكي حيث تمتلك تاج الملوك او تاجي عبدالحميد فيما بعد مجلتها (الرحاب) التي تسعى من خلالها لتوثيق علاقتها بالبلاط الملكي وبالعرش ووصيه. في شيخوختها تتذكر المدام وهي ترقد في مشفاها الفرنسي، عبدالاله بكل تفاصيل شبابه وعنفوانه، لم تنسَ شيئا، فقد عشقته عن بعد في مرحلة كبرت فيها مجلتها وبدأت باستلام (مظاريف) المقالات المكتوبة في البلاط وفي ديوان الباشا السعيد، ومعها مبالغ كانت كبيرة في وقتها .
في مشفاها الفرنسي تتعرف مدام شامبيون (تاجي عبدالحميد) على وديان الملاح. شابة عراقية تحاول ان تحافظ على شبابها الذي يتآكل بسبب الآلام التي سببها لها (الاستاذ). كانت تحلم وهي طفلة في مدرسة الموسيقى والباليه ان تصبح عازفة كمان عالمية، كانت تحلق وهي تحتضن كمانها مع احلامها الكبيرة تتعامل مع اوتاره كأرواح تدور حولها حين تحس بالحاجة الى السمو، وفجاءة يجهض لها (الاستاذ) الذي تعرف عليها عن طريق خطيبها الهزيل الشخصية حلمها بجنونه وعنجهيته يحولها الى صماء في واحدة من حالات الجنون التي كانت تنتابه ولايستطيع احد ايقافها. في مرحلة تعلمها للموسيقى ووصولها الى الفرقة السمفونية كان هناك وطن مختلف يسير باتجاه الحداثة، ولكن (المتريفون) يصادرون حقه في مشروعه منتصف الطريق.
امرأتان من جيلين مختلفين وعالمين مختلفين، عالم الملوك والباشوات والوزراء والصراعات البرلمانية والسياسية، وعالم (الاستاذ) الذي يريد فيه (الاخرين) توابع وعبيدا بصورة معاصرة تختصر وديان الملاح، كل ذلك في تصوير علاقتها بالمدام (بيني وبينها وطن يتبدد)!!
تستدرج (المدام) ذكرياتها العراقية امام الشابة المجروحة الذكريات تروي لها كيف كبرت مجلتها وكيف تمردت في بداية شبابها على زوج امها الذي ظل (يشتهيها) رغم انها ربيبته، فكرهته وتركت المنزل ورفضت العباءة رفضا قاطعا، واعتبرها هو (خارجة عن التقاليد)، وفيما بعد كيف وقفت عارية امام الفنان اكرم شكري ليرسمها (دون ان يتقرب منها).
تحدثت المدام عن رموز ذلك الزمان بدون (ألقاب) امام من كانت تخاطبها بـ (صغيرتي)، فتسرح تلك (الصغيرة) وتتخيل هل هناك من يستطيع ان يخاطب ........ بدون لقبه (الاستاذ).
تنقل انعام كجة جي بطلتها (المدام) في فضاآتها برشاقة لغوية تدلل على قدرتها الفائقة في صياغة احداث روايتها. تصف حياة الصحفية الشابة تاج الملوك في جريدة (النداء) ومعها تصف شباب وطن اسمه العراق. تختصر معالمه بمعالم شارع الرشيد، وفي تلك الفضاآت يشتد عود الصحفية الشابة، تلتقي ملوكا وقادة ويلمع نجمها وتغير موقعها في خارطة السياسة المحلية. ترفض (المقالات المكتوبة في البلاط) وتوزع المبالغ المرسلة لها (بالمظاريف) على عمال المطبعة، وتنزل الى الشارع لتجاري الشباب الرافض لمعاهدة بورتسموث. تتعرف على الصحفي الفلسطيني الشاب منصور البادي وتعمل معه في اذاعة عربية في الباكستان يلتصقان ببعضهما ولكن الاذاعة تتخلى عنهما فيذهبان كل في اتجاه. احبها البادي بصدق ولكنه لم يعترف لها بحبه، وهي احبته بداخلها ايضا ولكنها ابتعدت عنه، وظلا يتبادلان الرسائل المفعمة بالمودة وهما في عالمين مختلفين. هي تتزوج من فرنسي يجندها كجاسوسة، وهو ابتعد عن عالمها الى عالم بعيد اصبح في فنزويلا مع احلامه النضالية.
وديان الملاح تتابع غراميات المدام دون ملل، وتتردد في رواية حكايتها التي انهت حلمها بان تتحول الى عازفة عالمية . .
تسير رواية (النبيذه) وتترك للقاريء النبيه فيما بعد ان يقارن بين عالمين في وطن واحد. تظل المدام تتابع العراق باعتباره وطنها ولا تبخل عليه بالنصيحة رغم انها رمت نفسها في احضان ضابط مخابرات فرنسي تزوجها وجرها الى عالمه في مرحلة زمنية سرعان ما ترفضها لتعود الى عالمها وتاريخها الذي ترويه لوديان بشغف، والى عشقها للبادي الذي اصبح مستشارا لتشافيز الفنزويلي، وتظل تحلم بان تلقاه في شيبتها وكبرتها. أما وديان فتظل ترى في الوطن شبح (الاستاذ) ومأساة عازفة فقدت السمع على يديه وفقدت حلمها للابد.
تستمر الرواية الرائعة عن (الحب الضائع) والوطن المفقود وبينهما احداث واحداث تصفها انعام برشاقة كأنها كانت شريكة في احداثها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - الفنانة دينا فؤاد لخالد أبو بكر: بحب التمثيل من وأن


.. كل يوم - دينا فؤاد لخالد أبو بكر: الفنان نور الشريف تابعني ك




.. الفنانة دينا فؤاد لخالد أبو بكر: لحد النهاردة الجمهور بيوقفن


.. كل يوم - الفنانة دينا فؤاد لخالد أبو بكر: كل ما أشتغل بحس بن




.. أقرب أصدقاء صلاح السعدني.. شجرة خوخ تطرح على قبر الفنان أبو