الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حرب الكلب الثانية. . مصير الإنسان في ظل التطورات العلمية

عدنان حسين أحمد

2018 / 3 / 7
الادب والفن


حروب الأشباه والمختلفين في المدن الفاسدة

تبدو رواية "حرب الكلب الثانية" للكاتب الفلسطيني إبراهيم نصرالله مقاربة سردية مختلفة في الشكل والمضمون،إذ يمكن تميّيزها بسهولة عن بقية الروايات الخمس عشرة التي وصلت إلى القائمة الطويلة لجائزة البوكر لهذا العام. فهي رواية تكنولوجية بامتياز، مكانها غير محدّد لكنه يُحيل إلى العالم العربي، وزمانها هو المستقبل القريب، وأكثر من ذلك فهي رواية ديستوبية Dystopic تفحص مصائر الشخصيات التي شكّلت أحداث النص الروائي المختلف كثيرًا عن النصوص النمطية السائدة في السرد العربي.
يمكن الإشارة إلى عدد كبير من الروائيين الأوروبيين والأميركيين الذين يكتبون الرواية الديستوبية أمثال جوزيف هول، ويليام غيبسون، فيرونيكا روث، راي برادبري وآخرين، أما في عالمنا العربي فيقتصر هذا النمط الروائي على عدد محدود من الكُتّاب أبرزهم محمد ربيع، وأحمد خالد توفيق، ومحمد سالم قبل أن يُطلّ علينا إبراهيم نصرالله بهذه الرواية الديستوبية التي تثير في متنها السردي عددًا من الأسئلة الإشكالية التي تناقش مصير الإنسان في ظل التطورات العلمية المذهلة التي تُدهمه بين أوانٍ وآخر.
تعتمد الرواية التكنولوجية على التقنيات الحديثة، والخيال العلمي المجنّح أكثر من اعتمادها على العلاقات الاجتماعية التي ألفناها في الرواية التقليدية، وتلجأ في معظم الأحيان إلى شخصيات متمردة لا تجد حرجًا في اللجوء إلى التعديلات الوراثية من أجل مضاعفة القدرات العقلية والبدنية للكائن البشري أو لبقية الكائنات الحيّة التي تستوطن معنا هذه المعمورة.
توسّع الكاتب في تجسيد ثيمة النص الروائي مُنطلقًا من فكرة "توحش الإنسان" في كل العصور سواء في مواجهة أنداده المختلفين عنه أو أشباهه المتطابقين معه في الهيأة أو التفكير، فلسنا أرحم من الأجداد، ولا الأحفاد أقلّ شرًا من آبائهم. ولكي نلامس المحاور الأساسية في الثيمة يتوجب علينا أن نتوقف عند الدكتور راشد، الشخصية الرئيسة التي تهيمن على المتن السردي للرواية، فهو سجين سابق بسبب آرائه ومواقفه المناوئة للاستبداد، وقد أصبح أنموذجًا للصمود بوجه مُعذِّبيه، وخاصة الضابط الوسيم الذي يمتلك أجمل شقيقتين في البلد وهما سلام ومرام، حيث يقترن راشد بسلام بينما تتزوج الأخرى من شاب مهاجر في أميركا وتتوارى عن النص كليًا.
لا تبدأ هذه الرواية الديستوبية بقصة استنساخ السكرتيرة على صورة سلام، بل في فكّ الشيفرة الوراثية لعين طائر البوم وتطوير قوة إبصار أفراد الجيش والشرطة والعناصر الأمنية التي تعمل في ساعات الظلام الطويلة بعد أن تقلّص النهار إلى خمس ساعات، وانكمشت السنة في فصل واحد، وتحول القصر الرئاسي الباذخ إلى قلعة حصينة لا تجد ضيرًا في أن تقمع شعبها كلما دعت الحاجة إلى ذلك. وبما أن دكتور راشد كان مفتونًا بالطبقة العاملة، وعاشقًا لأفكارها ومبادئها فقد دخل السجن، وتعرّض إلى مختلف أصناف التعذيب من دون أن ينكسر أو يشي بأحدمن رفاقه، لكنه ما إن يقترن بسلام، شقيقة الضابط حتى يتحول من سجين إلى سجّان، وتتطور قوة بصره إلى الدرجة التي يستطيع أن يحدق فيها لعدد من أعين الرجال في لحظة واحدة.
لم ينتقل راشد من ضحية إلى جلاد بشكل اعتباطي إلاّ بعد أن أجرت القلعة مسحًا لعقله وعرفت كل الأفكار التي تدور في رأسه قبل أن تضع ثقتها فيه، وتُبقيه تحت مراقبة الضابط الذي يُعدّ الشخصية الأقرب إلى مدير القلعة الذي حوّل البلد إلى مكان فاسد وشرّير.
تشكِّل عملية الاستنساخ حدثًا محوريًا في هذه الرواية التكنولوجية حيث يقول راشد:"أظن أن هذا أعظم إنجاز طبّي حتى الآن: يدخل الإنسان من فتحة، ويخرج من الأخرى إنسانًا آخر، بل على صورة أي إنسان آخر يريد أن يكون مثله!" هكذا خرجت السكرتيرة على صورة زوجته سلام، وسوف نكتشف لاحقًا ثمة فروق ضئيلة في الصوت وأشياء أخرى لا علاقة لها بالمظهر الخارجي. ومع ذلك فإن عدوى الشبه والتماثل التدريجي يأخذ طريقه إلى شخصيات الرواية فيظهر لنا الراصد الجوي الذي يزداد شبهه براشد كل يوم وصار يربك زوجته وطفليه اللذين لم يفرِّقا بين الأصل والصورة. ومثلما صارت السكرتيرة تشبه سلام، صار السائق يشبه الدكتور راشد، وأصبح هذا الأخير يشبه الضابط، ومدير القلعة الأمر الذي سبّب في إندلاع حرب الأشباه.
تنبني الرواية على حربين أساسيتين وهما حرب الكلب الأولى التي اندلعت بين المختلفين، وحرب الكلب الثانية التي اشتعل أوارها بسبب الأشباه حيث حدثت الحرب الأولى لأن المشتري لم يدفع إلى البائع إلاّ نصف ثمن الكلب وحين تعذر دفع النصف الآخر وقعت الحرب بين الطرفين ثم تطورت إلى حرب كونية. أما الحرب التي وقعت بسبب الأشباه فقد أفضت براشد إلى السجن، والتعذيب حيث عرف غرف النعيم وزنزانات الجحيم لكنه لم يعترف فأدركوا أن هذا الضحية هو راشد بعينه وليس أي شبيه آخر، فما من أحد يستطيع الصمود أمام هذه الوحشية سوى راشد الذي عرفناه يوم كان متعاطفًا مع الطبقة العاملة أو جزءًا من نسيجها الفكري والروحي. يوسعونه ضربًا فتنتفخ أوردته، وينفجر قلبه، ثم يسقط ميتًا بلا حَراك.
وفي الحرب الثالثة يصل الراصد الجوي على ظهر ناقة فيخرج له راشد بعمامته الضخمة وثوبه الأسود صائحًا بصوتٍ عال:"ثكلتكَ أمُّك يا ابن الغبراء، ما الذي أعادكَ إلينا؟" في إشارة واضحة إلى أن الحروب لا تتغيّر نتائجها أبدًا، إذ يخرج الناس مُدمَّرين دائمًا، بينما تنجو الأنظمة في معظم الأحيان، وقد تلقى مصيرًا مشابهًا للسواد الأعظم من الناس.
هل يمكن اعتبار "حرب الكلب الثانية" رواية تكنولوجية، أم أنها لم تصل بعد إلى هذا النمط السردي الذي يجب أن يتوفر على اشتراطات كثيرة مثل وقوعها في المستقبل كما هو الحال في "آلة الزمن" لويلز، و "ألعاب الجوع" لسوزان كولنز، و "العقب الحديدي" لجاك لندن وسواها من الروايات التكنولوجية التي تقع أحداثها في المدن الفاسدة والشريرة أو التي تدور في العوالم السفلية الخانقة؟ لا شك في أن زمن هذه الرواية هو المستقبل حتى وإن كان قريبًا جدًا، فالشاشات الأثيرية تكاد تكون موجودة في كل مكان، إضافة إلى السيارات التي تقودها حواسيب فائقة الذكاء، والهواتف المدمجه في غالبية الأدوات المنزلية، وأجهزة الاستنساخ البشري، وتعديل الجينات التي تحتكرها شركات محددة بعينها يمكن أن تكون متاحة للاستعمال الشخصي. أما المكان الفاسد فهو متوفر في هذا النص الروائي بدليل وجود غرف الجحيم التي تمثل العالم السفلي. وفيما يتعلق بعمليات التجميل فقد ظهرت آثارًا جانبية لم تكن في الحسبان مفادها أن كثيرًا من الأشخاص الذين أُجريت لهم عمليات التجميل أصبحوا أكثر إثارة للجنس الآخر الأمر الذي دفع القائمين على المستشفى لمعالجة هذا الخلل مجانًا وتحمل كل التكاليف المترتبة عليه.
تشترط الرواية التكنولوجية وجود العديد من التقنيات الحديثة التي تأخذ القارئ معها إلى المستقبل وقد توفر العديد منها في رواية إبراهيم نصرالله الذي لم يكتفِ بالذهاب إلى المستقبل وإنما عاد بنا إلى الماضي البعيد الذي يُذكّر بحروب عبثية قديمة مثل داحس والغبراء وكأنه يريد أن يقول لنا بأن التاريخ لا يعيد نفسه، وإنما البشر هم الذين يكررون الأخطاء نفسها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ


.. كيف أصبحت المأكولات الأرمنيّة جزءًا من ثقافة المطبخ اللبناني




.. بعد فيديو البصق.. شمس الكويتية ممنوعة من الغناء في العراق


.. صباح العربية | بصوته الرائع.. الفنان الفلسطيني معن رباع يبدع




.. الأسود والنمور بيكلموها!! .. عجايب عالم السيرك في مصر