الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التحرش والقمع الجِندري ..

قاسم حسن محاجنة
مترجم ومدرب شخصي ، كاتب وشاعر أحيانا

2018 / 3 / 7
ملف 8 آذار / مارس يوم المرأة العالمي 2018 - أسباب وخلفيات ظاهرة التحرش الجنسي، وسبل مواجهتها


في مفهومه الأعمق، يُعتبرُ التحرش فِعلا فردانيا ، من ذكر ما، تجاه أنثى سانحة . وهو في جوهره عملا يهدف في الأصل الى اثبات تفوق هذا الذكر ، وإستحواذه على الحيَز العام الذكوري .. فالسيطرة والسطوة على الحيز العام وإثباتها يتأتى عن طريق التحرش الجنسي بالأُنثى التي "تجرأت" و"أقتحمت" هذا الحيّز الذكوري الحصري . وهو وسيلة دفاعية ذكورية ، عن "مكانة " الذكر في هذا الحيز .
لهذا ، فالتحرش الجنسي يخدم ، ولو بشكل غير واعٍ ، الحفاظ على تراتبية التقسيم الجندري ، والذي "يُحدد" للذكر حيزه العام وللأنثى حيزها " الخاص" ، كخادمة ، ماكينة تفريخ ودُمية جنسية ... واستعمل قاصدا، هذا التعبير ،"دمية جنسية" ، لأن "الأنثى" وفق التراتبية الجندرية ، لا تملك رغبات جنسية ، لا أحاسيس ولا مشاعر، لا طموح سوى خدمة "ذكرها وفحلها " واشباع رغباته الحسية وشبقه الجنسي .
فاستيعاب الأنثى " كدمية" ، فاقدة للمشاعر والأحاسيس ، "يُخلي" الذكر من المسؤولية الجنائية والمسائلة الأخلاقية عن تحرشه بهذه الأنثى ، فهي في "تصوره" مجرد أداة ووسيلة ، لا يُضيرها أن يُتحرش بها جنسيا ، بل قد تكون راغبة بذلك ، عبر اقتحامها للحيز الذكوري العام .
يترتب على هذا ، بأن التحرش الجنسي ، هو وفي أحد أشكاله ، طردٌ للأنثى من الحيّز العام وإعادتها الى "حيزها" الخاص ، بأقصى سرعة .
لكن لماذا يخاف الذكر من دخول الأنثى الى الحيّز العام ؟
فالحيّز العام ، هو الحيّز الذي تُتخذ فيه جميع القرارات الهامة ، على كافة الصُعد، وهو الحيّز الذي يجد فيه الذكر موقعه الاقتصادي ومكانته الاجتماعية .... وحرصا منه على القضاء على التنافس المحتمل لدخول الأنثى لهذا الحيز ، مما سيشكل خطرا على امتيازاته الاقتصادية ومكانته الاجتماعية ، فإنه يُسارع للدخول في " معركة " للحفاظ على "منطقة نفوذه" ... تماما كذكور الحيوانات في الطبيعة الحرة .
ومع ذلك ، يحق للسائل أن يتساءل ، ألا يكون الدافعُ للتحرش الجنسي ، ذا مرجعية جنسية ؟ كالقمع الجنسي للذكور في المجتمعات العربية على سبيل المثال ؟ وهل من الممكن القول بأن التحرش الجنسي هو محاولة لإشباع رغبات جنسية مكبوتة على صعيد الأفراد؟ وما هي تأثيرات "الثقافة " على التحرش ؟
بالطبع ، فالذكر المقموع جنسيا ، يبحث عن وسيلة لتفريغ هذا القمع ، ويكون التحرش إحدى هذه الوسائل . ناهيك عن البُنى الثقافية التي "تفرضُ" على الذكور الذين تعرضت إحدى اناثهم للتحرش ، تفرض عليهم الشعور بالعار والخجل من كونها ضحية تحرش ، والذين كان من المفروض عليهم والمتوقع منهم أن يهبوا للدفاع عن "عرضهم المهتوك" في الحيز العام .
فالذكور الذين وقعت إحدى قريباتهم أو بناتهم للتحرش ، كانوا سيمارسون هذا التحرش ،ضد أول أنثى سانحة . لذا "يتحملون " مسؤولية عدم منعها من الخروج للحيز العام ، ويشعرون بالخجل والعار ، لعجزهم عن "إبقاءها" في حيزها الخاص ... والذي تتعرض فيه إلى ما هو أشدّ من التحرش ، ويصل أحيانا كثيرة الى الإعتداءات الجنسية الكثيرة ، داخل " أسوار" الحيز الخاص .
لذا نُلاحظ أنه وكلما ازدادت معدلات الفقر ، زادت عمليات التحرش الجنسي ، وذلك نتيجة خروج النساء الى سوق العمالة والذي هو " الحيز العام " ، وفق التقسيم الجندري ..
لكن هناك من يدعي ، بأن التحرش هو نوع من أنواع الغزل ...!! وهذا موضوع آخر ..
وفي النهاية ، تهاني الحارة لزوجتي وبناتي ولكل النساء بمناسبة يوم المرأة العالمي ... وسيأتي اليوم الذي سيكون الحيز العام ، حيزا للنساء أيضا .... ولو رغمت أُنوف .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مقاربة مذهلة للظاهرة!
نضال الربضي ( 2018 / 3 / 7 - 12:22 )
أهلا ً بعودتك أيها العزيز قاسم،

مقاربتك للموضوع من مدخل -الحيز- مذهلة بحق، و تستحق التأمل و التفكير العميقين.

أشكرك على هذا العرض البديع، و دمت بكل الود!


2 - اهلا نضال
قاسم حسن محاجنة ( 2018 / 3 / 7 - 13:29 )
تحياتي وجزيل شكري
ارجو ان تكون بخير
ولا تنس يا عزيزي بأن تهديدات بالتحرش صدرت عن ذكور سعوديين تجاه المرأة التي تجرؤ علىقيادة السيارة، على سبيل المثال .
فالتحرش هو اداة اولا واخرا
خالص مودتي


3 - الزميل قاسم حسن محاجنة المحترم
وليد يوسف عطو ( 2018 / 3 / 7 - 14:59 )
احب اولا التقدم الى عائلتكم الكريمة بوافر التهاني والورود بمناسبة يوم المراة العالمي

ثانيا اعجبني مقالكم المكتوب بحس انثروبولوجي واضح

في مجتمعاتنا العربية وخصوصا القروية يكون المجال العام حكرا على الرجال

يعتبر القروي ان المراة السافرة هي عاهرة وهذا يعكس الاختلاف بين الثقافة المدينية وثقافة القرية

التحرش الجنسي له اسباب متعددة تحدثتم عن بعضها

لازال الرجل يحاول فرض هيمنته على المجال العام

لكن المستقبل يبشر بعصر المراة والتي تستطيع الانجاب دون حاجة الى الرجل

عن طريق الاستنساخ

ختاما تقبلوا مني وافر المحبة والتقدير وكل عيد والنساء في عالمنا العربي بالف خير


4 - الزميل العزيز وليد يوسف عطو
قاسم حسن محاجنة ( 2018 / 3 / 7 - 17:56 )
تحياتي الحارة وخالص شكري ومودتي على كلماتك الرقيقة لاسرتي وللنساء.
وفي الحقيقة بخلاف الإعتداءات الجنسية والتي تقع في الخفاء، وتحت الرغيب والترهيب أحيانا،فإن التحرش يقع في الحيز العام وعلنا ، دون خوف من عقاب ... وخاصة حالات التحرش الجماعي .
فالأمر إذن هو أكثر من مجرد الحصول على متعة جنسية سريعة .. إنها مقولة ذكورية واضحة ، لذا كتبتُ ما كتبت .
لك احترامي الجزيل

اخر الافلام

.. صحة وقمر - قمر الطائي تجهز لنا أكلة أوزبكية المنتو الكذاب مع


.. غزة : هل تتوفر ضمانات الهدنة • فرانس 24 / FRANCE 24




.. انهيار جبلي في منطقة رامبان في إقليم كشمير بالهند #سوشال_سكا


.. الصين تصعّد.. ميزانية عسكرية خيالية بوجه أميركا| #التاسعة




.. نشرة إيجاز بلغة الإشارة - الدفاع المدني بغزة: أكثر من 10 آلا