الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التحرّش الجنسي.. أخلاقيات شاذّة يتغاضى عنها القانون

إيمان أحمد ونوس

2018 / 3 / 8
ملف 8 آذار / مارس يوم المرأة العالمي 2018 - أسباب وخلفيات ظاهرة التحرش الجنسي، وسبل مواجهتها





تسود المجتمعات العربية والإسلامية أعراف تقف في معظمها وبشراسة ضدّ المرأة حتى لو كانت ضحية، مثلما تقف ضدّ القضاء حتى لو كان عدله في حدوده الدنيا أو فقط من باب رفع العتب، فقط من أجل إرضاء ذكورية تغلغلت عميقاً وتجذَّرت في نسغ تفكير هذه المجتمعات.
ولأننا مجتمعات تعيش حالة قمع وكبت متعددة الاتجاهات، أهمها القمع الجنسي الناجم عن مفاهيم خاطئة ومُزيّفة تجاه المسألة الجنسية وطرق التعاطي معها تربية وتعليم، لتدفع هذه المفاهيم إلى ازدواجية وفصام حقيقي ما بين الواقع المُعاش في الظلّ، والحياة الظاهرة للعلن، مما يؤدي بالأفراد غالباً إلى تبني سلوكيات بعيدة عن الأخلاق، لاسيما الذكور الذين يعطيهم المجتمع من الحقوق والحريات ما لا يُسمح بنتفٍ منه للإناث، فيُصبح بعضهم أداة تنكيل واضطهاد للمرأة وحقوقها وكرامتها الإنسانية بسبب نظرة دونية دينية المنشأ تتهم حواء بأنها أصل كل فتنة وغواية وبلاء حين أغرت آدم بالتفاحة وحرمته الجنة.
وانطلاقاً من هذا، يسعى البعض إلى التحرّش بالفتيات والنساء إرواءً لغريزة حيوانية، وانتقام من البعض الآخر لفقدانه الجنة، وبكلتا الحالتين هناك انتهاك صارخ لخصوصية وكرامة المرأة، تحميه بلا أدنى مسؤولية الذهنية الذكورية- المجتمعية التي لا ترى في المرأة إلاّ جانية لأنها المسبب لتلك الممارسات إمّا من خلال ملابسها أو مشيتها وضحكتها وصوتها الذي يعتبرونه عورة يجب كمّه وخنقه. من هنا تعززت آلية الصمت الأنثوي وتمادت تجاه كل انتهاك خشية الفضيحة والنبذ الأسري والاجتماعي، رغم أن القانون يحميها إلى حدٍّ بسيط.
قد يقول قائل أو قارئ، أن هذا الموضوع قد أُثير كثيراً هنا في هذا المنبر أو سواه من المنابر الصحفية والإعلامية، وهذا صحيح، غير أن ما نلمسه أو نسمعه يومياً في رحلة الذهاب والعودة من العمل أو الجامعة أو أيّ مكان تذهب إليه المرأة وحيدة، يدفعنا إلى تسليط الضوء أكثر على تلك الظاهرة التي لم تعد تقتصر على المراهقين، بل امتدت لتشمل رجال قد يكون لديهم أحفاد، وتطال نساء كبيرات السن، وهذا ما يثير الحفيظة والاشمئزاز.
يُعد التحرّش ‏سلوك سيئ حسب كل المفاهيم وبنظر كل المجتمعات، بما في ذلك المجتمعات المتحررة، غير أن هذه الظاهرة ما زالت تُغزو المجتمعات العربية والإسلامية بشكل لافت، ما يجعل المرأة تحديداً في حالة استنفار تام أثناء تواجدها في الأماكن العامة وحافلات النقل، باعتبارها الكائن الأقل حصانة في تلك المجتمعات. من هنا جاء تعريف المركز المصري لحقوق المرأة التحرّش الجنسي بأنه" كل سلوك غير لائق له طبيعة جنسية يُضايق المرأة أو يُعطيها إحساساً بعدم الأمان"
وبحسب علماء الاجتماع، يُعتبر التحرّش أحد أهم الاضطرابات الجنسية والنفسية، وأن السبب وراء هذا السلوك أزمات نفسية تتعلّق بطفولة المتحرّش، لأنه غالباً ما يكون شخص سلبي انعزالي ومقموع.
ومن وجهة نظر علم النفس، يعود السبب لضعف التنشئة الاجتماعية والتربوية للمتحرّش، وكذلك إلى عدم الاستقرار النفسي والعائلي لديه، إضافة إلى بعض المفاهيم الخاطئة التي يحملها عن الجنس الآخر، كما أنه يعود لقصور شخصي عند المتحرّش أو حبّ التفاخر أو المغامرة لديه، ولا يمكننا هنا إغفال مسألة غاية في الأهمية ألا وهي معضلة الكبت الجنسي التي يُعاني منها أفراد المجتمع من الجنسين بحكم التربية المحافظة والمتشددة في بعض البيئات، لاسيما تلك التي تمنع الاختلاط بين الجنسين، إضافة إلى غياب مادة التربية الجنسية من المناهج التعليمية في منظومتنا التربوية العربية والإسلامية عموماً بدعم وتأييد المنظومة الدينية التي ترفض إدراج هذه المادة في المناهج.
وعادة يبدأ اضطراب التحرّش مطلع المراهقة، ويقلّ بعد سن/25/ وإن كنّا نجد أنه قد يستمر عند البعض إلى مرحلة عمرية متقدمة، مما يدلُّ فعلاً على قصور نفسي وإنساني لديهم.
وممّا يُعزز استشراء تلك الظواهر في المجتمع، هو منظومة القيم والأعراف والتقاليد الدينية والاجتماعية التي تُبيح للرجل فعل كل شيء، مقابل إدانة المرأة مسبقاً باعتبارها سبب كل بلاء، وأساس كل إغواء، وأنها القابعة دوماً خلف تصرفات شاذّة منحرفة كالتحرّش والاغتصاب، مما يُعطي الرجل مبررات أفعاله السيئة تلك، وأيضاً وسائل الدفاع عنه إن وقع في شرك القانون، وهذا غير وارد غالباً لأسباب تتعلق بالمرأة ذاتها التي تخشى الإفصاح عن تعرّضها للتحرّش، وكذلك موقف أهل الفتاة- إن علموا بالأمر- والداعي دوماً إلى الصمت وسيلة وحيدة من أجل الحفاظ على سمعة وشرف العائلة المرفوعة رايته دوماً على أكتاف النساء بسبب سيادة الذهنية المجتمعية التي تُجرّم المرأة حتى لو كانت ضحية، إضافة إلى غياب الثقافة القانونية وضعف الكثير من مواد القانون ذات الصلة والتي تُحابي الرجل على حساب إنسانية المرأة وحقوقها. فالقانون السوري لم يُصنّف التحرّش كجريمة، بل اعتبره سلوكاً منافياً للحشمة ربما في المادتين(505- 506) نوردهما للدلالة:
الـمـادة ( 505 ) مـن قـانـون الـعـقـوبـات الـسـوري :
"مـن لـمـس أو داعـب بـصـورة مـنـافـيـة للـحـيـاء قـاصـرًا لـم يُـتـمّ الـخـامـسـة عـشـرة مـن عـمـره، ذكـرًا كـان أو أنـثـى، أو فـتـاة أو امـرأة لـهـمـا مـن الـعـمـر أكـثـر مـن خـمـس عـشـرة سـنـة دون رضـاهـمـا عـوقـب بـالـحـبـس مـدة لا تـتـجـاوز الـسـنـة ونـصـف."
المادة ( 506 ) مـن قـانـون الـعـقـوبـات الـسـوري :
" من عـرض عـلـى قـاصـر لـم يـُتـمّ الـخـامـسـة عـشـرة مـن عـمـره أو عـلـى فـتـاة أو امـرأة لـهـمـا مـن الـعـمـر أكـثـر مـن خـمـس عـشـرة سـنـة عـملاً مـنـافـيـا ً للـحـيـاء أو وجّـه إلـى أحـدهـم كـلامـا ًمُـخلا ً بـالـحـشـمـة عـوقـب بـالـحـبـس الـتـكـديـري ثـلاثـة أيـام أو بـغـرامـة لا تـزيـد عـلـى خـمـسـة وسـبـعـيـن لـيـرة أو بـالـعـقـوبـتـيـن مـعـاً."
وعلى هذا، فإن المجال رحباً أمام ذوي النفوس المريضة في التعرّض للنساء والطفلات متى شاء وثارت غريزته الحيوانية.
وهنا، لا يمكننا إنكار الحالة النفسية للمرأة أو الفتاة التي تتعرّض لتلك السلوكيات المنحرفة، فهي قد تفقد الثقة كليّاً بالطرف الآخر- الرجل عموماً- وهذه حالة غير سوية، ما يوّلد لديها نفوراً تاماً من الرجل، يُفسد علاقتها به إن كانت زوجة، إضافة إلى قلقها الدائم على بناتها أثناء حركتهن خارج البيت أو حتى داخله، وهذا بالتالي يُعيق الطريق أمام الفتيات بإكمال تعليمهن أو عملهن لاسيما إن كنّ من بيئات محافظة.
ورغم كل هذا، وكل ما يُثار حول هذا الموضوع إن كان في وسائل الإعلام أو عبر القصص المتداولة بين الناس، فإن الأمر لم يتعدَّ التناول السطحي لظاهرة ما زالت للأسف بعيدة حتى عن النقاش العلمي، فكيف بإخضاعها للدراسة.؟
واليوم، لم يعد هذا الصمت مجدياً سواء أمام هذه الذهنية، أو من قبل بعض الفتيات والنساء ممن لا يعنيهن سوى حقوقهن مهما كانت النتائج، في محاولة ولو كانت يائسة أحياناً.. لذا، فلنحطّم جدار الصمت المُريع، للخروج من شرانق خوف عمره آلاف السنين أملاً بالخلاص، ووصولاً إلى حقوق تاهت وضاعت ما بين العرف والقضاء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سرّ الأحذية البرونزية على قناة مالمو المائية | #مراسلو_سكاي


.. أزمة أوكرانيا.. صاروخ أتاكمس | #التاسعة




.. مراسل الجزيرة يرصد التطورات الميدانية في قطاع غزة


.. الجيش الإسرائيلي يكثف هجماته على مخيمات وسط غزة ويستهدف مبنى




.. اعتداء عنيف من الشرطة الأمريكية على طالب متضامن مع غزة بجامع