الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دور الولايات المتحدة في عنف العراق الطائفي

كهلان القيسي

2006 / 3 / 10
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


العنف الطائفي الذي إجتاح العراق في الشهر الماضي عقب التفجير الإرهابي للمسجد الذهبي في سامراء، هو مثال آخر للنتائج المأساوية للغزو والاحتلال الامريكي للعراق. قبل غزوه واحتلاله عام 2003 حافظ العراق على تأريخ طويل من العلمانية والهوية الوطنية الراسخة بين سكانه العرب على الرغم من إختلافاتهم الطائفية.
الاتيان بالديمقراطية الفاعلة هو ليس فقط الاخفاق الامريكي الوحيد في العراق، بل ان الاخفاق الكامل هو ان قواتها و حكومة العراق المنصبة من قبلها في بغداد اخفقا في ان يوفرا مستلزمات الامن للشعب العراقي. وهذا قاد العديد من المواطنين الى اللجوء إلى المجموعات الطائفية المتطرّفة طلبا للحماية، وهذا ايضا يقوّض إصرار إدارة بوش على ان القوات الأمريكية يجب أن تبقى في العراق لكي تمنعه من الوقوع في حرب أهلية.
لقد حذر المحلّلون الكبار في وكالة المخابرات المركزية ووزارة الخارجية الامريكية ، بالإضافة إلى العديد من خبراء الشرق الأوسط، من أنّ الغزو الأمريكي للعراق يمكن أن يؤدّي إلى صراع إثني وطائفي عنيف. حتى أن بعض مهندسي الحرب إعترفوا بنفس القدر من الخطورة: (في ورقة عام 1997 )، قبل ان يصبحوا أرقاما رئيسية في فريق سياسة بوش الخارجية، ومنهم ديفيد وورمسير، ريتشارد بيرل. وقد توقّع دوغلاس فايث بأنّ عراق ما بعد صدام من المحتمل ان "يمزّق إربا إربا" بالطائفية والانقسامات الأخرى لكن بالرغم من ذلك طلبا من الولايات المتحدة ب"التعجيل" في مثل هذا الإنهيار.. ونتيجة لذلك فإن هناك نزعة امريكية في القاء اللوم على الطائفية والكراهية كنتيجة للعنف السنّي الشيعي في العراق، وهي في الواقع، إلقاء اللوم على الضحيّة.
ان تبنّي خطة التجزئة والصراع هي إحدى الأهداف الطويلة الامد في فكر هؤلاء المحافظين الجدد، الذين يريدون أن يجدوا الشرق الأوسط وقد تفرّع إلى دول اثنية مصغّرة أو طائفية اصغر، والتي تشتمل ليس فقط على اثنيات كبيرة بلا دولة مثل الأكراد، لكن حتى على المسيحيين المارونيين، والدروز، والشيعة العرب، وآخرين.
في الحقيقة، إن هذه السياسة لاتحترم حقّ تقرير المصير، فالمحافظون الجدد كانوا معارضين بعدوانية لرغبة الفلسطينيين في اقامة دولة لهم حتى ولو - بجانب إسرائيل آمنة- لان هذا خارج نطاق مسعاهم الإمبراطوري للتقسيم والحكم . فان خطة تقسيم الشرق الأوسط استخدمت منذ فترة طويلة كوسيلة تهديد لمواجهة القومية العربية، ومؤخرا لمواجهة كلّ الحركات الإسلامية.
لقد اختطلت ولأجيال عدة كافة الإنتماءات العرقية والطوائف والمجوعات الاخرى في فسيفساء الشرق الأوسط، بخلفياتها الحضرية والريفية ، وانشاء دول مصغّرة اثنية أو طائفية سيؤدّي بالتأكيد إلى إنتقالات اجبارية للسكان وبمعنى اخر هو تطهير إثني ومعاناة إنسانية أخرى.

إنّ الخطر يبدوا حقيقا الان ،في تقسيم العراق إلى دولة كردية سنيّة، ودولة عربية سنيّة، ودولة عربية شيعية ،. كما ان إختلاط هؤلاء السكان في كل من بغداد والموصل و كركوك، وعشرات المدن الأخرى، يدعم امكانية حدوث تقسيم اكثرتطرفا في البلاد ،منذ تقسيم الهند قبل ستّين عاما.. لقد أظهرت الأسابيع الأخيرة علامات منذرة بسوء العاقبة عما ستكون عليه الامور مستقبلا ، حيث اجبرت عشرات العوائل الشيعية للهروب من الذي كان في يوم من الأيام أحياء مختلطة في وحول بغداد.
وبالرغم من منع التقسيم الرسمي للبلاد، فان مشهد بلاد موحدة مستقرّة يبدوا كئيبا. كما ذكرت صحيفة لوس أنجليس تايمز في 26 فبراير/شباط, تحت عنوان "الخطوط العامّة لمستقبل العراق تظهر للعيان: أمّة تتوزع فيها السلطة فيما بين رجال الدين الذين انقلبوا لأسياد حرب و سيطروا على المدارس، والمستشفيات، وسكك الحديد، وقسمت الطرق حسب المناطق الطائفية؛ وان القوى الأجنبية تمارس تأثيرها فقط على حكومة مركزية ضعيفة."
معظم الإنقسامات الحالية في العراق تعزى إلى قرار سلطات الإحتلال الأمريكية بعد الغزو، حيث قرروا فورا إلغاء الجيش العراقي وتطهّير الحكومية البيروقراطية ، والاثنان كانا اساسا للعلمانية ،وبذلك احدثا فراغا استغل من قبل الأطراف والميليشيات الطائفية. بالإضافة الى ذلك، فان سلطات الإحتلال الامريكية قد وضفت جهدا ظاهرا مشجعا للتقسيم من خلال التوزيع الطائفي للسلطة ،والذي إستند على الهوية الإثنية والدينية. وليس على المهارات التقنية أو الإنتساب الأيديولوجي.
وكما هو الحال في لبنان، فان مثل هذه المحاولات قد فاقمت من الإنقسامات ، وان كلّ مسألة سياسية تجري مناقشتها ، تناقش ليس على اساس ظرفها بل حسب نفعها او ضررها لاي مجموعة. وهذا أدّى بالطبع إلى عدم الإستقرار الواسع النطاق، حيث ان الأحزاب السياسية، والكتل البرلمانية، والوزارات الحكومية قد وزعت حسب الانتماءات الطائفية والاثنية.
حتى الفرق العسكرية منقسمة، ففي أجزاء من غرب بغداد تجرى فيها دوريات تقوم بها وحدات من الجيش مسيطر عليها من قبل السنّة بينما في شرق بغداد تقوم بالدوريّات وحدات ذات الغالبية الشيعية.و بدون وجود المؤسسات الوطنية الموحدة،فان تقسيم البلاد يبقى امكانية حقيقية.

النزاعات الطائفية
دينيا، هناك اختلافات اقل بين السنّة والشيعة من تلك التي بين الكاثوليك والبروتستانتيين. ففي البلدات العراقية الصغيرة المختلطة السكان مع وجود مسجد واحد فقط فان السنّة والشيعة يصلّون سوية. والزواج المختلط ليس نادرا. هذا الإنسجام مهدد الآن بالانحلال..
المسلمون الشيعة، على خلاف المسلمين السنّة، لهم تدرج ديني واضح. (آيات الله، على سبيل المثال، جوهريا يتشابهون مع الكرادلة الكاثوليكيين. ) نتيجة ذلك هو ان الهياكل الإجتماعية الموجودة التي أساسها ديني ضمن الطائفة الشيعية ،كانت من بين بعض المنظمات التي نجت من نظام صدام الإستبدادي وكانت قادرة على تنظيم أنفسها سياسيا بسهولة اكثر. وعندما أسقطت القوات الأمريكية الحكومة في بغداد في عام 2003. فان التجمّعات السنيّة والعلمانية، وجدت أنفسها في ضعف نسبي عندما وجدوا أنفسهم فجأة احرّارا لتنظيم انفسهم..
وكتحصيل حاصل أصرّت الولايات المتحدة مبدئيا على حكم مشكوك فيه من قبل عراقيين عينوا بشكل مباشر أو غير مباشر من قبل واشنطن. وعلى أية حال، عندما خرج مئات الالاف من الشيعة إلى الشوارع في يناير/كانون الثّاني عام 2004 مطالبين بحقوقهم في اختيار قادة بلادهم، وافقت إدارة بوش بتردّد على إجراء إنتخابات مباشرة. فان تلهف الشيعة للحكم لايبدو مستغربا لبلد حكم من قبل السنّة تحت قيادة البعثيين، والهاشيميين والعثمانيين. لذك فان الإنتخابات وضعت الأحزاب الدينية الشيعية في السلطة والتي قامت بدورها بتهميش المجموعات الأخرى وفرضت قمعها ومعاداتها للنساء كجزء من القانون الإسلامي في أجزاء العراق التي يسيطرون عليها بشكل خاص في جنوب البلاد. المعارضة السنيّة للهيمنة الشيعية لا تنجم فقط عن الإستياء من خسران مواقعهم المتميّزة في الحياة السياسية العراقية ايام الدكتاتورية السابقة. لكن في الحقيقة، فإن صدام حسين قمع العرب السنّة سويّة مع الأكراد السنّة والعرب الشيعة.
إن الذي فشل المسؤولون الأمريكيون في إدراكه هو ان الطائفة السنيّة العربية ،و بغض النظر عن مشاعرها حول نظام صدام حسين، تشعر بنفس قومي عروبي منذ مدة طويلة ومن غير المستغرب انطلاق المقاومة المسلّحة من بينهم، بعد إزالة صدام من السلطة قبل ثلاثة سنوات من قبل القوات الأمريكية. وقد إستهدف التمرّد أيضا الحكومة العراقية ذات الاغلبية الشيعية المدعومة من قبل الولايات المتحدة ،والتي وصلت إلى السلطة كنتيجة للغزو الامريكي والتي ينظر اليها الان كدمية بيد الإحتلال. ولهذا فإن العرب السنة يخافون أيضا من أن الحكومة العراقية الحالية قد تزداد ارتباطا مع رفاقهم شيعة إيران بدلا من العرب الآخرين.وهناك قسم من المسلمين السنة الاكثر تطرفا وهم السلفيون الأجانب مثل أبو مصعب الزرقاوي، الذي اتهم بشن هجمات إرهابية واسعة ضد المدنيين الشيعة وأماكنهم المقدّسة.
فعلى الرغم من إعتمادها على الولايات المتحدة وارتباطها بإيران، فان الحكومة العراقية ذات الاغلبية الشيعية لها اجندتها الخاصة ثقافيا ولغوياّ، فشيعة العراق معظمهم كالعرب وكالسنّة. رغم ذلك فان الأغلبية الواسعة من الشيعة العرب غير راغبين بان يكونوا بيادق بيد إيران أو الولايات المتحدة، لكن الحكومة الشيعية والميليشيات الشيعية لم يقدما دليلا على التقليل من المخاوف والعداوة للسنة. ولذلك جوبهت حكومتهم بتمرّد متزايد ووقعت طائفتهم ضحية للعنف الإرهابي، ورد الشيعة بعمليات عدوانية مضادّة ضدّ الجالية السنيّة. كما ان إنتهاكات حقوق الإنسان من قبل الشيعة ضدّ الأقلية السنيّة إزدادت بشكل مثير، عبر البلاد وما زالت حتى قبل آخر تصاعد في العنف الطائفي،فان مشرحة بغداد كانت تتسلم العشرات من جثث الرجال السنّة المصابين بطلق ناري في مؤخرة الرّأس وتصل في نفس الوقت من كلّ إسبوع، بضمن ذلك عشرات الجثث لاتزال مقيدة بأصفاد الشرطة.
فرق الموت
جون بايس ، الرئيس المستقيل لمجموعة مراقبة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتّحدة في العراق، ذكر بأنّ المئات من السنّة يخضعون إلى الإعدام العاجل والموت من التعذيب كلّ شهر من قبل فرق الموت التابعة للحكومية العراقية، مبدئيا تحت سيطرة وزارة الداخلية.
وذكر كبارالضبّاط الأمريكان بأنّ جيش المهدي التابع لرجل الدين الاصولي مقتدى الصدر يحتفظ بوجود قوي في قوّات الشرطة بضمن ذلك بحدود 90 % من الضبّاط الـ35,000 الذين يعملون حاليا في الجزء الشمالي الشرقي لبغداد. بالإضافة الى ذلك ، يسيطر فيلق بدر الإيراني التّدريب على وحدات مغاوير الشرطة. وفرقة من الشرطة المعروفة بلجنة العقاب تطارد المدنيين الذين يخرقون القوانين الإسلامية أو سلطة قادة الميليشيا الشيعة، وهؤلاء المدنيون هم بشكل خاص من السنّة.

الحكومة الشيعية في يران، اتهمت ومنذ زمن بانتهاكات متكررة لحقوق الإنسان من قبل إدارة بوش ومنظمات حقوق الإنسان الاخرى، وهذه الحكومة تقوم بدعم الميليشيات الشيعية وتعمل بشكل نشيط داخل الحكومة العراقية وقوّات الأمن. (على الرغم من هذا، فان إدارة بوش ومؤيديها بمن فيهم العديد من الديمقراطيين البارزين يروجون النظرية السخيفة التي تقول بان إيران تدعم التمرّد السنّي المعادي للشيعة والمعادي للأمريكان) كما ان بيان جبر وزير الداخلية العراقية تدرّب على يد حرس إيران الثوري السيئ السمعة ،وعمل فيما بعد قائدا لفيلق بدر، وهي ميليشيا المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق.
وعلى الرغم من التفجير الإرهابي للضريح الشيعي وحالات القتل المأساوية التي تلته، فقد كانت هناك إشارات رائعة أيضا من الوحدة. في المدن في كافة أنحاء العراق، حيث عبّأ السنّة والشيعة لحماية المساجد وأحياء بعضهم البعض. حتى رجل الدين الشيعي الثوري الشاب مقتدى الصدر أكّد إلى أتباعه، " بان السنّة ليس هم الذين هاجموا الضريح … لكن بالأحرى قوات الإحتلال والبعثيين." وطلب من أتباعه عدم مهاجمة المساجد السنيّة وطلب من جيش المهدي ان يحمي الأضرحة الشيعية والسنيّة."
وبنفس الطريقة، سارع السنّة بابداء تضامنهم مع الشيعة في سلسلة من المظاهرات في سامراء وفي اماكن آخرى تخلّلتها الإشارات والشعارات المعادية للأمريكان .وفي الحقيقة، فإن هناك إعتقادا واسع الإنتشار بان امريكا هي التي تتحمل مسؤولية الماساة ولا تتعاطف مع المسلمين أو العراقيين. وهذا يؤكّد المعارضة المتزايدة للوجود العسكري الأمريكي من كلا الطائفتين وهو يؤكّد على ضرورة الانسحاب الامريكي من العراق في أقرب وقت ممكن.
الكاتب: ستيفن زانيس أستاذ العلوم السياسية ورئيس برنامج دراسات السلام والعدالة في جامعة سان فرانسيسكو.ومؤلف كتاب: علبة القدح: السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط وجذور الإرهاب








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرق الأوكراني في قبضة روسيا.. الجيش الأوكراني يواجه وضعا -


.. رأس السنوار مقابل رفح.. هل تملك أميركا ما يحتاجه نتنياهو؟




.. مذكرة تعاون بين العراق وسوريا لأمن الحدود ومكافحة المخدرات


.. رئيس الوزراء الأردني: نرفض بشكل كامل توسيع أي عمليات عسكرية




.. قراءة عسكرية.. كتائب القسام تنفذ سلسلة عمليات نوعية في جبالي