الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا تخلف المسلمون -- الحلقة الخامسة

محمد علي العامري

2018 / 3 / 9
مواضيع وابحاث سياسية


لماذا تخلف المسلمون – الحلقة الخامسة
محمد علي العامري
الفرد الذي يعيش طيلة حياته في بيئة مغلقة ، يظل خاضعاً للتنويم الإجتماعي في كِبَره الى مماته ( لمحات إجتماعية – د. علي الوردي )
التخلف الفكري
كما وضحنا في الحلقات السابقة أن الحقبة العثمانية هي نواة بداية التخلف والإنحطاط الإسلامي بعد إن كان رائداً خلال حكم الدولة العباسية . والسبب هنا يعود الى تغلغل الموروث الإسلامي الآسيوي الرعوي (الإسلامبدوي) بقيم التخلف الإقتصادي والفكري والقانوني ، الذي إعتمدت على خلط العلوم الطبيعية بالفكر الديني . فقد أصبح علماء الطبيعة في الطب والرياضيات والكيمياء والفيزياء وحتى علماء الإجتماع خاضعين بكل نتاجاتهم العلمية والفكرية والعقلية لرجال الدين وقضاتهم ووعاظ سلاطينهم . وظل المسلم أسير هذا الكهنوت وخاضع لسطوته وجبروته ، فأصبح عاجزاً عن تفكيك وإزالة بنية العقل المحافظ الذي أدى به الى التخلف الفكري .
في القرن الخامس عشر الميلادي ، أخترع العالم الألماني غوتنبيرج أول آلة كاتبة ، وكان الإنجيل أول كتاب يتم طباعته عام 1455 م . وبعد حوالي ثلاثين عاماً من إنتشارها في أوروبا ، أصدر سلطان المسلمين وخليفتهم في اسطنبول فرماناً ( قراراً ) رسمياً يمنع إستخدام المسلمين للآلة الكاتبة ، خوفا على طلاب العلم من ترك النَسْخ بإيديهم الذي يستفيدون منه في الإستذكار والقراءة والحفظ ، وخوفاً على القرآن من التحريف ، وبعد هذا الفرمان ، قام مفتي الدولة العثمانية بإصدار فتوى بتحريم إستعمال الآلة الكاتبة الجديدة ، وتكفير من يقدم على الطباعة . فتأخرت الطباعة بسبب هذا القرار والفتوى التي لحقته عن العالم الإسلامي لمدة تزيد عن المئتين سنة ( أكثر من قرنين ) .
وفي بداية القرن العشرين عام 1914 كان مجلس ( المبعوثان ) العثماني يريد أن يناقش جباية الضرائب ، وكان جزء منها خصص للأئمة الذين يقرأون كتاب البخاري للأحاديث النبوية في البواخر ، فنهض الشاعر العراقي الفيلسوف جميل صدقي الزهاوي وكان حينها نائباً عن بغداد ، صارخاً : { إننا نعرف أن البواخر تسير بالبخار لا بالبخاري ، فلماذا لا تُنفق تلك الواردات على نشر التعليم ليتقن الناس إستعمال البخار ما دام هو الذي يسيّر البواخر ، بدل أن ننفقها على قراءة كتاب البخاري الذي ليس له في تسييرها منفعة } وبعد ان إنتهى من كلامه " ضج المجلس وكال له المتدينون ألفاظ الكفر والإلحاد ، وهجم بعضهم عليه يريدون ضربه " (1) . أنا جئت بهذين المثالين كدليل على خوف المسلمين وخشيتهم من أي جديد ، سواء كان أختراعاً أو أكتشافاً أو نظرياً أو فكرياً .
فالجمود الفكري يتفشى في المجتمعات التي يهيمن عليها فكر المقدس النابع من تقاليد الميت والموروث الماضوي ذو العقلية البدوية الرعوية الذي سيطر على الفكر الديني ، هذا الفكر أصبح بمرور السنين أن يكون هو دين الإسلام ، وتتفرع منه شرائعه المختلفة ، وما على المسلمين إلاّ الطاعة والجهاد في سبيله والفوز بيوم الآخر ، وما الدنيا إلاّ " عفطة عنز " . وهنا على المسلم أن يلغي عقله الدنيوي المتنوّر للحياة ، ويبدله بعقل آخر ليس عقله بل أتى به غيره ليمارس الوصاية عليه، ويتحكم به كيفما يشاء ، ويوجهه حيثما يشاء نحو عالم الغيب والقضاء والقدر ، وعلوم القبور والجن والشياطين وما يحدث في الظلام والكهوف ، ليطير بمخيلته الى (السماء السابعة) تاركاً وراءه الحياة الدينا بكل ما فيها من علوم وملذات ومتعة وقلق .
فبقيت حياة المسلمين ثابتة لا تتغيّر من قديم الزمان الى الآن " لأن العقل الفقهي الإسلامي لا يزال يرى ذاته مالكة للحقيقة المطلقة المتعلقة بالمقدّس ، وتصدر عنه في قضايا الشرح والتأويل " (2) لما يخص كل مفاصل الحياة ( الروحية ) التي تحدد مصير المسلم يوم الآخر ( القيامة ) ، والويل والثبور لكل من يحاول مخالفته أو نقده أو المساس به ، لأن الإختلاف في نظر هؤلاء الفقهاء هو جسم غريب في جسد المقدّس يستدعي التحريم والتجريم فالتكفير وينتهي بهدر الدم . ولا ثمة رأي هنا يحمي رجال الدين المتنورين والعقلانيين الذين يحاولون كسر الحواجز والأسوار والسدود الفولاذية التي طوقت العقل وكتبلته ، وألغته بالكامل ، فتحول الإنسان المسلم الى مقلِّد تابع مطيع ، يمشي كفرد من أفراد القطيع الى حيث لا يدري ، ولا يرى أمامه سوى عتمة القبور وأنواع التعذيب فيها ، وإفلام الرعب لقصص ( كتاب الكبائر ) لمخرجين ذوي عمائم متعددة الألوان ، كفوئين يجيدون الإخراج والسيناريوهات ، عجزت (هولي وود) عن إنتاج أفلام تضاهي ما أنتجته عمائم المسلمين من أفلام الرعب التي تم تصويرها داخل القبور ، كأفلام وثائقية يرعبون بها المشاهد المسلم ، وتصور له حالة الهلع بين الموتى من قسوة التعذيب والعذاب ، من دخول القبر الى يوم الحساب .
مما قدمناه ، ومن جراء الصور المرعبة التي أنتجتها مراكز الفقه الإسلامي بالتعاون مع السلطات الحاكمة التي على ضوئها كُبِّل العقل وألغي دوره ، نتج عنها التخلف الفكري والجمود العقائدي . وإلاّ ، ما تفسير أن هناك أمة إسلامية عظيمة في وزنها الرقمي العددي ، يزيد تعدادها عن المليار إنسان ، ولكن لا قيمة لهذا الوزن ولا يساوي شيئاً أمام الشعوب المتقدمة علمياً وتكنولوجياً وحضارياً . فالتخلف الفكري هو السبب الأرأس في التخلف الإجتماعي والإقتصادي والسياسي . ولا يمكن لأية أمة مهما كبر عددها أن ترى النور ، إذا لم تتخلص وتقضي على أسباب التخلف الفكري .
والقضاء على التخلف الفكري ، لابد أن يكون بالتنوير والرجوع الى العقل والتجربة والشك والإنفتاح الى العالم الأوسع والرحب ، ولكن كيف يتم ذلك ، والمسلمون يصطدمون بمشكلة في مفهوم النور والتنوير ، لأن المفكرين الإسلاميون وفقهاء الإسلام عندما يتكلمون عن مفهوم التنوير " يذهبون مباشرة الى أنوار الإيمان وهدايات الإسلام ، ولا يعترفون بالتنوير بمفهومه الحداثوي العصري ، ويرفضونه على الأغلب بحجة أنه مفهوم أوروبي ويشكل خطراً على الإسلام ، ولا يبعدون شبهة التآمر على الأمة الإسلامية ، وتسميم عقول المسلمين" (3) .
وكأن الله كتب على المسلمين أن يحافظوا على تخلفهم الى يوم الدين .. فلماذ كل هذا الخوف والتخوف من كل جديد يأتي من خارج الإطار الإسلامي ، وما الذي جعل المسلمين يعيشون في تردد وهلع وخشية من التقارب مع الشعوب الأخرى التي سبقتهم بمئات السنين من التطور العلمي والتكنولوجي ؟ فالجواب هنا ،لأنهم يخشون التجديد في الأفكار ، ويفضلون الطوباوية في التفكير ، ليحلّقوا بعيداً الى السماوات ، وينشئون في مخيلتهم مُثُلاً ، ويسعون لتحقيقها وهي بعيدة المنال أو بعيدة جداً عن الواقع الذي يعشون فيه.
فالانحطاط لا يزال قائماً، ثم جاءت له الموجة الجديدة بتعزيز التخلف عبر التدين الجاهل والتقليد ألأعمى ، أو بسبب الاستنزاف المميت، لثقافة سطحية وانقسامات مذهبية طائفية ذات صراعات همجية، يغذّيها الاستبداد أو جهل المسلمين ، ما أدى الى غياب صناعة الفكر الجديد نتيجة لحجم الفراغ والأزمة، التي يعيشها العقل المسلم . أي أن التنظيم الاجتماعي الإسلامي الرعوي الخاضع لمعايير التقاليد القبلية البدوية يكون في العادة أكثر تأخراً من الناحية العلمية والتكنولوجية ، وأكثر إنغلاقاً على العالم الخارجي، وأقل إنغماسا في قضايا التعليم ، وأقل واقعية في التفكير . وقد إختصرها الدكتور علي الوردي : الحياة البدائية المحافظة يسودها التقليد ، بينما نرى الإبداع يسود حياة المدنية .
فالدين الإسلامبدوي يؤسس مجتمع محافظ لا يستطيع أن ينتج المدنية ، وإنما ينتج مجتمعاً متخلفاً ، لأن هكذا مجتمع قد تعود على الكسل والبلادة والترهل ، والقَدَر يُسيّر شؤون حياته اليومية ، على مبدأ ألإمام الشافعي الذي يقول :
دع الأيـام تفعـل مـا تشــاءُ ....... وطـب نفسـاً إذا حَكـمَ القضــاءُ
الهوامش :
1 – البواخر تسير بالبخار لا بالبخاري – مقال للباحث رشيد الخيون
2 - الإسلام كبديل .... الدكتور مراد هوفمان ( الماني صار مسلماً )
3 - سبب انحطاط المسلمين وتخلفهم .... المفكر الإسلامي د. شكيب أرسلان








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. توتر غير مسبوق في العلاقات الروسية الفرنسية على خلفية حرب أو


.. الرئيس الجزائري يجتمع مع قادة الأحزاب قبل أشهر قليلة من الان




.. ما الاستراتيجيات التي تتبعها فصائل المقاومة ضد قوات الاحتلال


.. ما طائرة -أكنجي- التركية التي استعانت بها إيران في حادثة سقو




.. -فلسطين ستعيش للأبد- .. طلاب يابانيون يطالبون بقطع العلاقات