الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التوافق والديمقراطية على طرفي نقيض

حمزة الجواهري

2006 / 3 / 10
مواضيع وابحاث سياسية


2006-03-09
إذا كانت الحكومة في الزمن الديمقراطي حكومة توافقية، من الذي سيبقى في المعارضة؟ هل سيبقى الشعب هو المعارضة؟
من شأن المعارضة في الأنظمة الديمقراطية فضح السلوكيات التي تضر بالشعب ومصالحه وأن تكون رقيبا مفوضا من قبله على أداء الحكومة من خلال التصدي لكل مشروع يمكن أن يجر البلد نحو الفوضى أو الفساد أو نحو نظام يختلف في مضمونه عن النظام الديمقراطي. فهي في العادة تفتح ملفات الفساد الإداري والمالي لأعضاء الحكومة، ليس لنزاهتها وحسب، بل لأن المعارضة تطمح للوصول إلى السلطة في الدورة أو الدورات القادمة، لذا فهي سوف تعمل بكل جد من أجل تحقيق أكبر المكاسب الشعبية لضمان الأصوات وثقة الناخبين في الدورات القادمة، وذلك من خلال فتح جميع الملفات أمام الشعب وفضح الحكومة. بالرغم من أن هذه المهمة تؤدي إلى بعض الاحتراب الداخلي بين الكتل البرلمانية، لكن في النتيجة ستطرح الأمور بشكل شفاف أمام الشعب، وهذا ما نريد لأن التعتيم أمره مريب دائما.
وللمعارضة دور أوسع في حال مشاركتها بالسلطة، فإن الوزير الذي ينتمي للتكتل المعارض في البرلمان سيحاول قدر الإمكان أن يكون الأفضل أداء، لكي يضمن لكتلته موقعا أفضل في البرلمان القادم ويجر بذات الوقت الوزراء الذين ينتمون إلى الكتلة الأوسع في البرلمان إلى مواقع أفضل من حيث الأداء وبالتالي توفير أفضل الخدمات للمواطنين ويدا أشد على الإرهاب. لكن التوافق المطلوب سوف يضعف من سلطة الحكومة ويجعل يدها مغلولة إلى عنقها خصوصا عندما يتعلق الأمر بمحاربة الإرهاب وضمان الأمن والاستقرار المطلوبين في المرحلة القادمة.
التوافق يئد الدستور الذي لم يرى النور لحد الآن، لأن التوافق المطلوب وطنيا في الوقت الحالي يعني بالضرورة التجاوز على فقرات الدستور، وهذا الأمر مرفوض موضوعيا قبل أن يكون مرفوض شعبيا، لأن الشعب قد صوت لصالح الدستور الذي نعرفه، أما إذا كان الاعتراض على تولي الجعفري مهمة رئيس الوزراء، فلم التمسك بهذا الطلب وهو في واقع الأمر لا يختلف عن غيره من مرشحي الائتلاف، لأن الجميع سوف يصغون إلى أوامر لجنة السبعة التي يبدوا أنها ستكون رئيسا للوزراء في الظل نيابة عن كتلة الائتلاف؟ أما إذا كان الخوف من الجعفري كون من سعى لترشيحه أياد خفية من خارج الحدود، فلا أعتقد أن البديل سوف يكون بعيدا عن تأثير تلك الأيادي وليس بعيدا عن تأثير الجهات التي دعمت الجعفري من داخل الكتلة أيضا؟ ثم ولم الخوف من الكتلة التي يحق لها تشكيل الحكومة؟ فهي لا تستطيع أن تحقق أغلبية النصف ولا أغلبية الثلثين في حال اتفاقها مع كتلة أخرى، لذا فإن رئيس الوزراء، أو بالأحرى لجنة السبعة للائتلاف سوف لن تستطيع تنفيذ مآربها التي تخشاها الأطراف الأخرى، وسنعود لمناقشة هذا الموضوع بتفصيل أكثر من خلال السياق.
التوافق يعني التغاضي عن فساد أي طرف من الأطراف، وهذا يعني أن أهم مهمة من مهمات الحكومة القادمة والمتمثلة بمحاربة الفساد سوف تفشل بتحقيقها، بل العكس هو ما سوف يحدث، فإنها سوف تكون حكومة لصناعة الفساد بكل أنواعه، الإداري والمالي والأخلاقي، ولم يصوت العراقي للدستور إلا بعد أن عرف أنه سوف يضمن وجود معارضة، فهي القوة التي سوف يدعمها إلى أبعد الحدود فيما لو اكتشفت ما يتوجب محاربته، لا أن يتجاوز السياسيون على إرادة هذا الشعب بهذه السرعة معلنين بذلك فشلهم المطلق وعدم أهليتهم بإدارة نظام ديمقراطي.
كما أن التوافق يعني التراخي عن محاربة الإرهاب لأن هناك مكان لمن يدعمه في الحكومة التوافقية، وهذه هي الطامة الكبرى، لأنه سوف يبقى يعيش بيننا وترسخ أقدامه إلى أبعد حدود، والتوافق يعني السكوت على وجود عناصر مفسدة من القوات المسلحة الجديدة والتي مازالت بولائها للنظام القديم وترتبط بالعناصر الإرهابية، وهناك الكثير من المشاريع التي تسعى بمضمونها إلى إجهاض النظام الديمقراطي وإغراق العراق بأنهار من الدم ومن ثم العودة به إلى أزمنة الأنظمة الشمولية المقيتة.
التوافق يعني إن مصلحة العراقيين سوف تكون في مهب الريح، لأن مصالح السياسيين ستكون أولا ومن ثم النظر إلى مصالح المواطن، هذا إذا لم تتعارض مع مصالح أحدهم، وفي وجود حكومة التوافق فأن البرلمان المنتخب سيكون مجرد مقهى شعبي بلا صلاحيات ولا قوة ولا يفعل سوى ما يملى على أعضاءه توافقيا، وهكذا سوف يسمح النظام بالتجاوز على حقوق الناس المدنية ولا أحد يستطيع الاعتراض، لأن من يتجاوز مطمئن أن الحكومة توافقية وسوف يتم التغاضي عن أخطاءه وليذهب المواطن إلى الجحيم.
إن من يشارك بالعملية السياسية هم قبل غيرهم من ألائك الذين لا يعرفون معنى الديمقراطية، فهي حتى الأمس كانت مجرد شعار بالنسبة لهم ولأحزابهم، لكن في الواقع جميعهم يخشون معنى الديمقراطية الحقيقي، وها هم اليوم يواجهون الاستحقاق الحقيقي لها بتشكيل حكومة دائمة، فراحوا يهرشون بعد أن ارتفعت نسبة الهستامين بأجسادهم لمجرد أن تنسموا عبق الحرية من هذا القادم الجديد. وتحت مسمى التوافق وضعت الخطوط العريضة والتفصيلية أيضا لوئد النظم الديمقراطي.
التوافق كان ضروريا في المراحل الأولى للعملية السياسية في العراق، لأن الجميع مفروض عليه المضي بها لإقامة نظام ديمقراطي، ولكن بعد أن اكتملت أشهر الحمل لهذا النظام عليه أن يولد سليما معافى، حيث أصبح لدينا دستور تم استفتاء الشعب عليه وانتخابات تمخضت عن نتائج لا ينبغي أن تخيف أحدا، وأصبح لنا كشعب صوتا مسموعا، وقضاء لا يتدخل في شؤونه أحد، ولم يبقى سوى تشكيل السلطة التنفيذية من خلال آليات عمل البرلمان المنتخب ليصبح كل شيء جاهز ليوم الولادة الأول، لكن في واقع الأمر كان السياسيين من جميع الأطراف يخشى من ولادة هذا المخلوق الجديد، لأنه سوف يقضي على الأنا التي عاشوا من أجلها وناضلوا من أجلها عبر سني نضالهم المزعوم.
صحيح أن التوافق من شروط العملية السياسية، ولكن بعد ذلك يجب أن ينتهي دوره تماما، لأن هناك آليات جديدة يعمل عليها النظام الجديد، أي النظام الديمقراطي، والذي يجب أن يكون في حالة تضاد مع مفهوم التوافق، وهذا هو منطق التاريخ عموما إذ ينشأ النقيض من صلب نقيضه، لذا عليكم يا سادة البحث عن مخرج للمأزق الجديد من خلال آليات النظام الديمقراطي لا بالتجاوز عليه وإجهاضه من قبل أن يولد. صحيح إن المهمة ستكون صعبة وربما مستحيلة على البعض منكم، لكن قبول التحدي هو شرط من شروط المرحلة القادمة، وإلا فإن من لا ينجح في التوافق مع حركة النظام الديمقراطي سوف تسحقه العجلات ويذهب إلى مكانه الطبيعي في مزبلة التاريخ.
الوسائل كثيرة تلك التي يجب إتباعها للتناغم مع إيقاع النظام الديمقراطي، ومن لا يعرف الرقص على هذا الإيقاع عليه أن يتعلم، لا أن يضع العصي في العجلات ويعود بنا إلى عهود التحكم بمقدرات الشعب، نحن كغيرنا نعرف تماما أن الكثير منكم لا يجد له مكان في النظام الديمقراطي وفق ما يراه وما يرسمه لنفسه من مشاريع، فهو أصلا لا يؤمن بدور لشريك ولا مكان له في برامجه، لكن من يريد أن يستمر، عليه أن يتعلم لغة النظام الجديد، التي لا تعرف التهديد والترهيب وقلب الموائد، لأنها تعتبر وفق أعراف النظام الديمقراطي خروجا على القانون، وتحمل الشعب آلاما أكثر من آلامه، وجراحا أعمق من جراحه التي يدرك الجميع كم هي عميقة.
وكما أسلفنا، ما أفرزته نتائج الانتخابات أن ليس هناك فئة تشكل الأغلبية البسيطة في البرلمان، ومهما اصطف البعض ليكونوا كتلة ما، فإن هذه الكتلة ليس لها قواسم مشتركة سوى تلك التي تصب في مصلحة الشعب العراقي، وهذا يعني إجهاض أي مشروع سياسي محظور مهما كان شكله ولأي كتلة من أطراف البرلمان. صحيح أن الائتلاف قد ترك ملفات مهمة لهذه المرحلة من أجل ابتزاز الآخرين كملف كركوك المعلق وملفات أخرى بذات الأهمية من أجل تمرير حلقات من مشاريعه السياسية كنوع من المقايضة، وهي بلا شك كانت رغبة للائتلاف ولجنة السبعة التي بدأت العمل مع تولي الجعفري للسلطة، فهي رغبة ائتلافية ولست جعفرية، لكن الشريك الجديد هو الآخر يعتبر كركوك ليس خطا أحمر وحسب، بل جدارا أعلى من سور الصين لا يمكن عبوره، وهذا الأمر لا يمكن معالجته بإجهاض النظام الديمقراطي ولكن من خلال العمل بمهارة وفق آليات النظام الديمقراطي لكن بصبر جميل.
على الجميع أن يدركوا أن الديمقراطية، بقدر ما هي جميلة ورقيقة وشفافة، فهي أيضا عنيفة وقاسية وثقيلة اليد وحادة الأسنان على من لا يعرفون اللعب في ساحاتها الواسعة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تخطط لإرسال مزيد من الجنود إلى رفح


.. الرئيسان الروسي والصيني يعقدان جولة محادثات ثانائية في بيجين




.. القمة العربية تدعو لنشر قوات دولية في -الأراضي الفلسطينية ال


.. محكمة العدل الدولية تستمع لدفوع من جنوب إفريقيا ضد إسرائيل




.. مراسل الجزيرة: غارات إسرائيلية مستمرة تستهدف مناطق عدة في قط