الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العقل في أرض الجنون

حنان محمد السعيد
كاتبة ومترجمة وأخصائية مختبرات وراثية

(Hanan Hikal)

2018 / 3 / 9
مواضيع وابحاث سياسية


اتذكر مسرحية الكاتب الكبير توفيق الحكيم "نهر الجنون" كلما دعنتي الحاجة للحديث مع أحد أبناء الشعب المصري بعيدا عن أصدقاء السوشيال ميديا، فعلى ما يبدو أننا أصبحنا في وسط هذا الشعب كما الملك والوزير اللذين رفضا الشرب من نهر الجنون، فكان مصيرهما العزلة وأن يتهمهما الشعب هما بالجنون.

إن محاولة طرح أي مسألة للنقاش بالمقاييس المنطقية في مصر هي محاولة محكومة بالفشل الذريع، فعلى سبيل المثال هناك من يرى أن الحكومة تقوم باصلاحات اقتصادية، فإذا قلت له أن رفع الأسعار ومضاعفة الدين العام وفرض الضرائب لم يحسّن من عجز الموازنة، بل أن العجز يتفاقم عاما بعد عام على الرغم من كل ذلك وعلى الرغم من عمليات البيع والتأجير التي تقوم بها الحكومة للأراضي والآثار والشركات والخدمات والمناجم وكل ما تطاله يدها، سيظل هو مقتنعا أن كل هذا بمثابة "إصلاح اقتصادي" بل وربما ينظر إليك على أنك "مجنون" لا تعي ما تقوله!

وربما يقول لك أحدهم بثقة يحسد عليها "إن الحكومة تكافح الفساد" فإذا ما حاولت تملك أعصابك ووضعت بين يديه تقرير منظمة الشفافية الذي يظهر تراجع مصر في العام الماضي من المركز 108 الى المركز 117، ووضحت له أن رئيس الجهاز المركزي للمحاسبة أقيل من منصبه عند حديثه عن الفساد، وأنه لا أحد يحاسب على سرقة المال العام أو الغش وضربت له مثلا بقضية فساد القمح التي تم إغلاقها بدون سبب وجيه، وقضية الدجاج الفاسد الذي لم يحاسب أحد على استيراده أو قضية اختفاء اكثر من 32 الف قطعة أثرية من مخازن الدولة دون أن تقيم هذه الكارثة الدنيا ولا تقعدها! ستجده يردد بلا وعي وكأنه تحت تأثير مخدر ما "السيسي يكافح الفساد"! بلد لا يحكمها قانون يفعل فيها أصحاب النفوذ والمال ما شاء لهم ، بلد فاسد من أعلاه إلى أدناه.

ولحظك العاثر قد يخرج عليك شخص ما ويقول لك ان بيع تيران وصنافير أفضل وأن تأجير اراضي سيناء لا شئ فيه فالبلد في حاجة للمال، فإذا قلت له أن التفريط في تيران وصنافير واعطاء دولة ثانية الفرصة في التحكم في حدود مصر بمثابة كارثة تهدد الأمن القومي وأن هذه المناطق لو أرادت الدولة استغلالها بشكل صحيح لدرت إلى خزائن الدولة أموال وفيرة! سيهز رأسه ويقول لك بكل بلاهة أننا اشقاء وأنه لا فرق بين مصر والسعودية، فإذا ما حاولت تمالك نفسك أكثر من ذلك وقلت له فلماذا لا تعطي السعودية مصر أجزاء من أراضيها إذا كان الوضع كما يقول، سيقول لك يا خائن يا عميل يا اخوااان!

أما مصيبة تدمير الأراضي الزراعية والتفريط في ماء النيل فهي مصيبة أخرى يبدو أنها لا تعني أحدا، ويبدو أن القلة القليلة التي ابتليت بالضمير الحي وبالقدرة على التفكير والتحليل والتي يعنيها هذا البلد ويعنيها بقاءه قد كتب عليهم الموت كمدا وسط شعب مغيب يساق بلا عقل الى حتفه ويتم بيع مقدراته والقضاء على مستقبله ومستقبل ابناءه وهو يضحك ببلاهة معتقدا أن الخير قادم بل ويناصب من يدافع عن حقه في الحياة العداء ويكيل له الإتهامات!
لقد تفهمت مشاعر نبي الله نوح وهو يحاول أن يقنع شعبه أن الطوفان قادم وهم غافلون، وان كان نوحا قد وعده الله بالنجاة فهذا الأمر غير متوفرا لنا نحن القلة القليلة التي لم تشرب بعد من نهر الجنون!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القمة العربية تدعو لنشر قوات دولية في -الأراضي الفلسطينية ال


.. محكمة العدل الدولية تستمع لدفوع من جنوب إفريقيا ضد إسرائيل




.. مراسل الجزيرة: غارات إسرائيلية مستمرة تستهدف مناطق عدة في قط


.. ما رؤية الولايات المتحدة الأمريكية لوقف إطلاق النار في قطاع




.. الجيش الاسرائيلي يعلن عن مقتل ضابط برتبة رائد احتياط في غلاف