الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اخطر الامراض المتفشية في العراق .. انعدام الوطنية

زهراء احمد العطية

2018 / 3 / 9
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير


عندما حدث الحدث الأكبر _ بالنسبة لنا _ و حينما بدأت خطواتنا الأولى انقسمت الجماعات الإنسانية إلى طوائف ومجتمعات تتنازع فيما بينها و كلٌ يرى جماعتَه محقةً غالبة , فيما بدأت معتقدات الإنسان بالتشكل ما بين آراء و مقاييس و استنتاجات و ما إلى ذلك , و من هذه المعتقدات ديانته بين مفاهيم تحدد أسلوب الحياة وبين إله يُعبد وعليه يتم الاستناد , معنى هذا انه عندما نشأت الجماعة البشرية و بدأت بالتزايد حالها كحال بقية الكائنات شعرت بالحاجة إلى الانقسام كي يقل عددها و بالتالي يتمكن المرء من الشعور بالترابط بشكل أسهل و كي يتمكن من إيفاء حاجة ملحة كامنة في داخلة ألا وهي ( الانتماء ) .
لذلك فإن حب الوطن فطرة أساسية في داخل الجميع لأنه جزء من الغايات و الأهداف التي تجعل للحياة معنى , حتى النزاعات بين الناس بسبب اختلاف أوطانهم قد تكون من الأمور التي تحرك الحياة و قد يؤدي " السلام التام " إلى الجمود لان الوطنية شعور لا بد من استيفائه لدى الجميع , وكذلك انه لا قيمة للفرد حينما تسود الأنانية و الفردية بلا اهتمام بما يجري حوله فمن الأمور الذي تؤدي إلى فشل ودمار أي مجتمع هو الفردية وعدم التدخل و محاولة الإصلاح , يقول لوثر كنغ : " أسوأ مكان في الجحيم محجوز لهؤلاء الذين يبقون على حيادهم في الأزمات الأخلاقية العظيمة " .
إضافة إلى أن أنانية الفرد و عدم مبالاته ببلده و شعبه بل بالإنسانية جميعا و بجميع الكائنات تؤدي إلى دماره ودمار الجميع , فليزرع نبتة واحدة فقط وسيرى , فلينر قلبا واحدا فقط وليعطه سعادة بسيطة فقط وسيرى , فليعمر بنيانا واحدا لأي كائن فقط وسيرى , فليبني وطنا فقط وسيرى , سيرى أن هذه قيمة الحياة .. في الإنجازات .
فلذلك فإن الحيادية تلك وعدم الانتماء ليست أمراً ناجحا إذ أنها تؤدي إلى تدمير البنية الأساسية لأي موطن أو مجتمع إذ يتفرق الجميع وتنهار البلاد , وبانعدامها كذلك يصبح الإنسان تائهاً , يقول نيلسون مانديلا : " ليس حرا من يهان أمامه إنسان ولا يشعر بالاهانة ".
قد تكون هناك علاقة طفيفة بين الدين و القومية فكلاهما انتماء إلى شيء ما و كلاهما يعطيان المرء شعورا روحانيا من نوع ما وغيابهما قد يصنع من حياة البشر شيئا رماديا فوضويا غير واضح المعالم , لكن قد تكون القومية محدودة نسبيا عند مقارنتها بالديانة , فالديانة مسَلَمات قليلة القابلية للجدال في شأنها من قبل معتنقيها وهي طريقة عيش وهي مبادئ .
الوطن الحر شيء ذو قيمة عالية و بإهمال أفراده قد يضيع من بين أيديهم , مثلا عندما يأخذ أبناءه أفكار و ثقافات من الأمم الأخرى ولا يقومون هم بصناعتها , هذا يجعهم مكبلين بأصفاد تلك الأمة الأخرى , يقول فولتير : " خبز وطنك أفضل من بسكويت أجنبي " .
تعاني الكثير من البلدان اليوم انهيارا تدريجيا و من هذه البلدان بلدنا ( العراق ) و كل ذلك يعود إلى نسيان شعبه حضارته وتاريخه و عدم مبالاته ولجوءه لحضارات وثقافات البلدان الأخرى وتقليدها ونسيان أمجاد الماضي , نسيانه التاريخ الذي يعود إلى آلاف السنين , من تشريعات حمورابي , من أولى الآلهة , من الاختراعات القديمة و العجائب , من أول المباني , من أولى القصص و الأساطير . و صحيح ما يقوله هتلر : " إنّ الإنسان لا يُناضل إلا من أجل ما يُحِبّ، ولا يُحِبّ إلا ما هو حريٌّ بالتقدير والاحترام، فكيف يُطلب من مواطن أن يُحبّ وطنه ويُقدّرُه وهو يجهل تاريخه " .
إضافة إلى انه يعود إلى تفكير يقول بان " لا فائدة من النهوض و الإصلاح لان ذلك ليس كاف و لن ينقذنا " , ولكن هذا اعتقاد كسول وغير صحيح , اقل شيء من الممكن له أن يساعد , تقول الأم تريزا : " إن لم تستطع إطعام المئات , إذاً اطعم واحدا فقط " .
جاء في قرآنه قوله تعالى : ((فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ )).
وفي العراق حاليا لا يجد الكثيرون مانعا من ترك الوطن وهجرته بل بعضهم يتمنى ذلك , ولكن من جعله على هذه الحال التي تجعل أهله راغبين بتركه و الاستسلام والتوقف عن محاولة إصلاحه ؟ نحن من فعلنا ذلك بسبب تكاسلنا و تهاوننا وعدم السعي للنهوض و اتكالنا على آخرين , وهذا ما يستمر بتدميرنا تدريجيا .
وبالتأكيد لكل شيء جانبان ايجابي و سلبي فكما إن للوطنية جانب ايجابي و لانعدامها جانب سلبي , كذلك هناك لها جانب سلبي و لانعدامها جانب غير سلبي .. إذ إن التعنت بها و التشدد الكبير والحب الأعمى لبلد واحد بحجة انك فقط ولدت فيه وعشت فيه لا يبدو أمرا شديد المنطقية , كما أنها تفرق بين البشر و تنشر الكراهية فيما بينهم , فليس من الجميل أن يتعادى الناس فقط لاختلاف الوطن والثقافة , و كم من السيئ الاقتتال و الحروب وقتل الإنسان لإخوته البشر و تفرق الأحباء فقط لاختلاف بلاد أو ديانة أو رأي , كالذي يقوله محمود درويش : " فارسٌ يغمد في صدر أخيه خنجراً باسم الوطن ويصلي لينال المغفرة ".
بالنسبة للعراق لقد أدخلنا انعدام الوطنية في مطبات و انحدارات كثيرة , و ليس لانعدام الوطنية جانب ايجابي , بعد أن كان العراق واحداً من البلدان الغنية أصبح يستجدي مالاً من البلدان الأخرى , وهذا يعود إلى إهمال الشعب وعدم محاسبتهم للمسئولين و عدم مبالاتهم و عدم معرفتهم أنهم هم القوة وأنهم هم الحكومة والقضاء و أن الحكم الديمقراطي يعني أن الحكم بيد الشعب , وكذلك كما يعود على الشعب يعود إلى أنانية الحكومات و فسادها و عدم شعورها بالوطنية بل فقط بالفردية. و بعد أن كان العراق مصدراً للعلم و الثقافة و للاختراعات أصبح مجرد دولة هامشية يستغلها الجميع بسبب غباء شعبها _ إذ إنهم بلا القيادة الحكيمة والوطنية والذكية يمسون مجرد خراف بلا راعي _ , وقد نجحت المؤامرات الهادفة إلى إسكار الشعب و تحويل اهتمامه بالتوافه و الأمور عديمة الأهمية كالاهتمام بديانة هذا وبأصل ذاك , وهذا هو المقصد " تفرقة الناس و تخديرهم " . و بعد أن كان للعراق حضارة و ثقافة أمست الأخيرة في خبر كان بعد أن دخلت ثقافات " بلدان أخرى " محاولةً محي الحضارة العراقية من الوجود , و حمق الناس قد ساعد على ذلك , فكم عراقيا سوف يظل متذكراً أمجاد ماضية _ والتي تحثه على المضي قدما في المستقبل _ بعد كل ما حل به من تشتيت و ما وضع على عينيه من غشاوة.
وجزء من الإصلاح يكون في انفتاح الناس قليلا و تبصير عقولهم جيدا لمعرفة الخاطئ من الصحيح , يقول كارل بوبر : " ليس الجهل في غياب المعرفة بل في رفض الكتاب ".
وكما يقال " كل شيء زاد عن حدِه انقلب ضدَه " فإن التعنت الشديد و التزمت بالوطنية أمر سيء يؤدي إلى الفرقة والى التعاسة , و انعدامها كحشرة الأرضة التي تأكل وتأكل في البنية الأساسية للبناء فتؤدي إلى انهياره , فالحل هو محاولة إيجاد الحب الوطني و بالتالي الإخلاص إليه .. إلى البلاد التي آوتك و منحتك السعادة , إلى الأرض التي أطعمتك من خيراتها , وفيها عرفت معنى المحبة و السعادة , والحل في الاعتزاز بالقومية بشكل معتدل و محبة بقية الشعوب و البلدان و التعايش معهم لأنهم جميعا إخوتنا رغم الاختلافات التي تميزنا و تجعل للحياة معنى و تجعلها ممتعة ومشوقة , فليس معنى الوطنية ومحبة الوطن كره بقية البلدان أو منازعتها بل احترامها _ لان الوطن غالباً لا يكون مُختارا وكما تحب وطنك يحب الآخرون أوطانهم _ و الذكي هو من يجعل الكون بأكمله وطناً له .
يقول محمد الغزالي : " إن العمل الصعب هو تغيير الشعوب , أما تغيير الحكومات فإنه يحدث عندما يريد الشعب ذلك " . فليس الحل بالاعتماد على الحكومات بل على الشعب لان الشعب هو الحكومة , و ليس الحل بالاعتماد على المنافقين ممن يدّعون الوطنية , بل الحل هو أن يبدأ الفرد من نفسه إذ يكفي أن يزرع شجره واحدة فقط في حديقة منزله .
ملاحظة : تم استعراض أكثر من وجهة نظر في هذا المقال بهدف النظر للمسألة من جوانب متعددة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. من المفاوض المصري المتهم بتخريب المفاوضات بين حماس وإسرائيل؟


.. غزة: ما الجديد في خطاب بايدن؟ وكيف رد نتنياهو؟




.. روسيا تستهدف مواقع لتخزين الذخيرة والسلاح منشآت الطاقة بأوكر


.. وليام بيرنز يواجه أصعب مهمة دبلوماسية في تاريخه على خلفية ال




.. ردود الفعل على المستويات الإسرائيلية المختلفة عقب خطاب بايدن