الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
سوريا والخريطة الجديدة للصراع بين القوى العظمى
معتز حيسو
2018 / 3 / 10مواضيع وابحاث سياسية
ترتبط منهجية الاقتصاد السياسي لبلد ما، ببنية الدولة وطبيعة النخبة السياسية الحاكمة. ففي سوريا مثلاً تمارس السلطة فعل الهيمنة، فتفرض القوانين والآليات الناظمة بغض النظر عن مدى تلبيتها لمصالح السوريين. وفي كثير من الأحيان تكون تعبيراً عن مصالح فئات متنفِّذة في السلطة. مع ذلك يتم تجاوزها من قبل نخب سياسية ومالية وأمنية مؤثّرة بالقرار السياسي والاقتصادي. وذلك في سياق تتحول فيه الاعتبارات الخاصة لقاعدة يتم على أساسها تحديد معايير إدارة الموارد العامة.
في السياق ذاته يتم استغلال الانتماءات الهوياتية سياسياً لتمرير ما تقوم به تلك الفئات من تجاوزات للقانون، «وتجنّباً للمحاسبة». كذلك فإن كثير من أصحاب القرار يعملون لضمان سلطتهم، على توزيع المنافع والامتيازات لأشخاص وفئات تحولت مع الزمن إلى شبكات مافيوية. ولا يحتاج هؤلاء إلى إدارة حكومية قادرة على وضع وتنفيذ سياسات تحقق مصالح السوريين. وليسوا بحاجة أيضاً إلى متخصّصين قادرين على وضع الأسس اللازمة لإحداث تنمية شاملة، طالما أن بقاءهم في الحكم واستمرار مكاسبهم المادية مؤمّنة. ويفاقم من المخاطر المذكورة، أنهم يقدمون أنفسهم على أنهم الدولة، وذلك في سياق يكشف عن متلازمات مرضيّة مدمِّرة قادتنا إلى ما نحن عليه من دمار ذاتي.
إن الأوضاع الراهنة وتحديداً المتعلقة منها بالتحولات الاقتصادية ليست مفاجئة ولا طارئة. فهي بشكل وآخر تجليات مكثَّفة لأوضاع سياسية واقتصادية سابقة. لكن الحرب كما بات معلوماً أسهمت بشكل واضح بإظهار أشكال من العلاقات الاجتماعية العامة والاقتصادية لم تكن ظاهرة للعيان. وإذا دققنا قليلاً نلحظ أن من يمتلك حرية الحركة والقدرة على استغلال اللحظة الراهنة وتوظيفها لتحقيق مصالح خاصة، ليسوا جميعاً طارئين على المشهد السوري. ومن الواضح أن معظمهم استفاد من أوضاعه السياسية والأمنية والمادية/ المالية، ومن هويته الصغرى، لاستغلال فئات واسعة من السوريين، وتهميشهم وانتهاك حقوقهم السياسية والمدنية والدستورية بذريعة الحرب وما تفرزه من تداعيات. وتُفرض الممارسات المذكورة غالباً بالقوة المباشرة وغير المباشرة. حتى بات كثيراً منهم يمتلك ثروات خرافية تمكّنه من تجاوز أجهزة الدولة وسلطاتها الرئيسية. وهؤلاء لا يريدون انتهاء الأزمة ولا حتى أن تستعيد الدولة زمام وظائفها الأساسية ومهامها الاقتصادية التنموية. فهم أكثر المستفيدين من الدولة بشكلها الحالي. ما يزيد من احتمالية مشاركتهم بتعميق الأزمة وإطالة زمنها.
من جانب آخر نشير إلى أن مآلات الدولة السورية المركزية وأيضاً أوضاعها الجيو سياسية، أمام تحديات متداخلة ومتراكبة. نذكر منها: أولاًـ اشتغال الأمريكان على تمكين سيطرتهم في المناطق الشمالية والشمالية الشرقية. ويتزامن ذلك مع دعم سياسي وعسكري يهدف لإنشاء كيان كردي بمناطق شرق الفرات الغنية بالغاز والثروات النفطية والموارد الزراعية الإستراتيجية والمائية. يضاف لذلك إدّعاء واشنطن بأن استمرار دعهما لفصائل مقاتلة موالية لها، وأيضاً بقاء قوات لها في سوريا مرتبط بإنهاء النفوذ الإيراني، وتوصّل السوريين لحل سياسي لا يكون فيه للرئيس الأسد أي دور مستقبلي. كذلك فإنها تعمل على توظيف قواتها المتواجدة في سوريا والمجموعات التي تدعمها للتحكم بطبيعة الصراع، وضبط مخارجه السياسية. وذلك يُخفي خلفه اشتغال واشنطن على استنزاف الروس ريثما يتم يتجاوز ما بينهما من خلافات.
ثانياً: تسعي أنقرة من خلال حربها ضد الأكراد داخل سوريا لتحقيق جملة من الأهداف منها: منع الأكراد من إنشاء دولة تربط بين غرب الفرات وشرقه. ونظراً إلى طبيعة علاقتها العميقة مع واشنطن والبراغماتية مع موسكو، فإنها يمكن أن تقبل بإقامة كانتون كردي شرق الفرات. تمكين الفصائل الموالية لها من«الجيش الحر» من السيطرة على المناطق السورية المتاخمة للحدود التركية. وذلك لضمان نفوذها العسكري، وتحقيقاً لمصالحها الاقتصادية وللتأثير على مجريات التسوية السياسية. ما يدعم فرضية توصّل أنقرة مع أطراف دولية إلى تفاهمات تسمح لها: بطرد القوات الكردية من غرب الفرات إلى شرقه. إقامة منطقة عازلة داخل الحدود السورية، يُعاد إليها من هاجر من السوريين إلى تركيا، ويسيطر عليها فصائل تابعة لأنقرة. يضاف لذلك تمكينها من المشاركة والفصائل الموالية لها في التسويات السياسية.
ثالثاً: تعمل إيران على تأمين مصالحها السياسية والاقتصادية والعقائدية من خلال تمكين سيطرتها داخل محافظات ومدن خاضعة لسيطرة النظام. في السياق فإن التماثل البنيوي بين النظامين، وارتفاع مستوى المصالح المشتركة. يدفع القيادة الإيرانية لبذل ما بوسعها لتأمين حكم الرئيس الأسد. وجميعها عوامل تعزز من التأثير الإيراني على القرار السوري، ومن دورها الاقتصادي.
رابعاً: أما القيادة الروسية فإنها تشتغل على تمكين وجودها داخل سوريا لتحقيق عدة أمور أولها: ضمان مصالحها الإستراتيجية والحيوية الاقتصادية والسياسية والعسكرية. ثانياً: ضبط التحولات الشرق أوسطية. ثالثاً: الضغط على واشنطن لتسوية الملفات العالقة. رابعاً: ضبط مسار التحولات السورية العسكرية والسياسية والاقتصادية.
أخيراً: ضماناً لأمن إسرائيل من الممكن أن تدفع واشنطن بالتوافق مع روسيا إلى إقامة منطقة عازلة داخل الحدود السورية مع إسرائيل يسيطر عليها فصائل مسلحة «معارضة» تخضع للإرادة الإسرائيلية.
تأسيساً على ما عرضناه، وبالنظر إلى أوضاع النظام، والمعارضات السياسية والمسلحة. يُرجح أننا سوف نشهد أشكال مختلفة من الصراع، وتصدَّعاً لمركزية الدولة السورية وأوضاعها «الجيو سياسية» وتعميقاً للاستعصاء الديمقراطي. وجميعها تحولات سيكون لها تأثيرات عميقة على طبيعة النظام السياسي وبنيته وتركيبته. وعلى أوضاع السوريين، والميول الاقتصادية الكلية والجزئية، وبالتالي على بنية الاقتصاد السوري.
ولمزيد من التوضيح نشير إلى أن تداعيات الحرب وتأثيراتها السياسية وأيضاً الجيو سياسية، سيكون لها دور كبير في تعميق اقتصادات كانتونية ومناطقية منغلقة على ذاتها ومتخارجة نتيجة تباين مصالح زعمائها وارتباط بقائهم باستمرار دعم جهات دولية وإقليمية أهدافها وميولها ومصالحها متباينة. وأيضاً انتشار واحات استثمارية يسيطر عليها أصحاب المصالح والنفوذ والبارزين من أمراء الحرب، ومن تاجر بالأزمة السورية وأرواح السورين بغضِّ النظر عن جنسياتهم وهوياتهم. ما يعنى أن الموارد والثروات الوطنية سيتم تقاسمها بين أطراف دولية وإقليمية وأيضاً داخلية. أي أننا سنواجه هدراً مضاعفاً ونهباً ممنهج للموارد والثروات السورية. وليس بعيداً عن ذلك، فإن مشاريع إعادة الإعمار وفق المعطيات والمؤشرات الراهنة، ستكون مجالاً لاستغلال السوريين ونهب مقدراتهم، وأيضاً لإخضاعهم لشروط المؤسسات المالية الدولية وكبار المستثمرين. ما يعني دفع سوريا إلى أكثر أشكال النيو ليبرالية توحشاً. وذلك في سياق فتح المجال أمام سياسات التحرير الاقتصادي والمالي، ما يؤدي إلى إغراق سوريا بالمديونية وتكبيلها بالتبعية والارتهان، وتهديم الأسس التنموية البشرية والاقتصادية التي يمكن للدولة المركزية تأمينها.
فهل سيكون لصنّاع التاريخ قولاً آخر مختلف؟!.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. الحرب والسلام: صفقة مع بوتين على حساب أوكرانيا؟ | بتوقيت برل
.. حماة تسقط بيد فصائل المعارضة: الجيش السوري يقر بخسارة المدين
.. عاجل | الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم: لهذا السبب سنقف إلى
.. نعيم قاسم: انتصرنا لأن مقاومتنا باقية ومستمرة
.. كمائن القسام ضد الاحتلال.. كيف تدير المقاومة خططها العسكرية؟