الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في ققج (اكتناف) للدكتورة الشّاعرة فاطمة الزهراء زين

عماد نوير

2018 / 3 / 15
الادب والفن


قراءة في نص ققج للدكتورة فاطمة الزهراء زين/ الجزائر...
اِكتناف
بينما كان يُعدّها لوجبة عشائه السّريعة،
كانت تهيّئُ روحها رفاً رفاً؛
لتخبّئَه مؤونةً للعمر.
فاطمة الزهراء
....................
التّميّز
تطرّقنا كثيراً إلى موضوع التّناص التلقائي، تناص بدون تدبّر، لما لكل المواضيع من تطرّق و مرور بآلاف النّصوص و المئات و العشرات، فالمداد لم يتوقف تدفّقه، و الأفكار مازالت تنشط و تحاول إغراق القارئ بنفس النصوص ليفوز أجملها صياغة برضا القارئ، و يلقي بأقرانه من النصوص الأخرى إلى النسيان ليشمخ بذاته، و يُسكت من يمقت تكرير الأفكار.
إذاً فكل الأفكار مطروقة و ليس كل الصّياغات و لمساتها مقبولة، و هنا تبرز مهارة الكاتب و ندرة جودته في طرح منتوجه الأدبي و تميَزه في منحنا قدرة نسيان هذه الفكرة.
و لكي تكون نافذاً إلى الشغاف و مداعبة الأعماق عليك التقيّد بالمقوّمات التي من شأنها أن تولّد نصّا خلّابا، فالتكثيف، و الإيحاء، و اختيار المفردة الغنية بالمعنى، و انتهاج النفس الجملي القصير كفيل بإثراء النص بخصوصة مشعّة.
بين أيدينا نصّ مكثّف بطريقة مثالية، غاية في الحرفية و التحكّم بقواعد السير الحكائي بالطّرق المختصرة والمختزلة، فبثلاث جُمل قصيرة و من أربعة عشر كلمة فقط، لم تحتوِ على حروف جر أو عطف أو أدوات ربط أو وصل، مفردات موظفة بعناية و مرشّقة بإتقان، و ضحت لنا قصة كاملة جميلة تخوض في موضوع جميل، بإسلوب خاص مميّز.

تمليك و استرخاص
الحب لغز عجيب، و فخاخه منعشة مؤنسة، الحب غاية تهون دونها كل الغايات، العاشق يستميت بمحبوبه، يهبه قلبه، و يُرخص له الكرامة، يتذلّل بين يديه، فيستزيد سعادة و غبطة، فإن يُقابل بالمثل زادت فرص حظوظه في الانصهار بالآخر، و إن قابله الجحود عاش متأملا في كسب ودّه.
و تبقى ثيمة المتصيّدين في عالم الحب و استغلالهم هذه العاطفة الفيّاضة و تسخيرها لأغراضهم الدّنيئة، موضع جدل و تطرّق لها و الوقوف عندها، و البحث في نفوس هؤلاء المتاجرين باسم الرقّة و الوداعة قسوة و وحشية و نذالة و وضاعة، فمازال الكتّاب يسطّرون ملاحم الوفاء و التفاني في العشق، و المقابل هناك من يتحيّن الفرص ليصطاد الجمال و يستدرجه بأعذب الكلام ليريه أقبح الأفعال و أخسّ المعاملات، و قد لاح أمام ناظري في هذه اللحظة عشرات المقاطع المصوَّرة خلسة و بثها بكل صلافة، احتوت أقبح الاعتداءات على سمات الحب العظمية و محاولات نتنة للنيل من عفاف العاشقات.

اكتناف
الكتّاب المميّزون يعرفون قيمة العنوان جدا، و مدى علاقتة بنجاح النص، و مدى قدرته على اصطياد الرغبة الكامنة في أعماق المطّلع للذوق بنص شهي، و كلما كان النص على خلاف مع المباشرة، و الوداد مع الإيحاء و الإضمار كان إشارة مبشّرة لولادة نص راقٍ ناجح.
و هنا لابد من الإشادة باختيار العنوان اكتناف، كونه اتّصل بالمتن اتّصالا موحيا و ذكيا و اكتسب عمقا معنويا و ماديا لثيمة القصة، ليحتوي الحكاية كاملة بذاك المعنى الذي جاء احتواءا و احتضانا و اطِّلاعا موسّعا و حنانا فيّاضا و تبن لفكرة الحب و التضحية.
فهو اكتناف يلف غموض العلاقة من جانب البطل النذل، و هو اكتناف و حضن دافئ و حنون من قبل البطلة المسكينة التي لا تحلم إِلَّا أن تكون له حبيبة و عشيقة و حليلة و خليلة و أما تحتضنه طفلا مدلّلا.

((بينما كان يُعدّها لوجبة عشائه السّريعة))
استهلال جميل و ذكي آثر الكاتب تضمينه عنصر المفاجأة، حيث كانت البداية مع الظرف الزمني المجهول الوقت، و الموحي إلى عامل المفاجأة و الاستنكار، و غالبا ما تحتاج جملة بينما جواب شرط يفيدالمفاجأة و الإدهاش، لذا فهي محفزة الوقع عند القارئ، ومغازلة لاستنتاجاته، مغرية لتطلعاته.
لو دققنا جيدا في الجملة، لوجدنا إن مفرداتها تكلمت جميعا لتضيف كل واحدة ما يخصّها من معنى للقصة، و لم تبق واحدة صامتة أو تُظهر زينتها فحسب، كان يعدّها، الإعداد ليس وليد لحظة، أو اجتهاد ظرفي، بقدر ماهو دراسة و تحليل، والنظر في كل جوانب الموضوع، فالإعداد هنا كان حصيلة تخطيط مدبّر، و استغلال و اسغفال لثقة الطرف الآخر التي جاءت من اعتقاد بحب حقيقي، لوجبة عشائه السريعة، الوصف هنا مقصود، و التسمية بالوجبة إنما لا بد أن تتلوها وجبات، فوجبة الفطور لا تشبه وجبة الغداء و لا العشاء، مما يعني إنه لعوب يتشهى و و يستلذ بكل فتاة يوقعها في شباكه، وجبة عشائه السريعة، غالبا ما تكون هذه الوجبة خفيفة و وقتها سريع خلافا لوقت الغداء أو الفطور و تلك الفسحة الزمنية التي يمتلكانها، فوجبة عشائه السريعة، توحي مدى الاستخفاف بالعلاقة التي ينظر إليها بهذا الشكل المستهجن، ضاربا عرض الحائط كل العواطف الجيّاشة والبريئة التي تكنّها له.
فهي في نظره ليست سوى سندويجا لذيذا في جدول حمية، يمارس بعده رياضته المفضلة، قفز الزانة على العقول البريئة.

((كانت تهيّئُ روحها رفاً رفاً))
النص أنثوي، ميّال لإظهار صفة التحنان و العذوبة و التفاني في العشق، لدرجة عدم إعطاء فرصة التشكيك بنوايا العشيق، و النظر إليه بالكيفية التي تنظر إليه بها.
و الكاتب يحاول أن يعرض علينا لوحة ذات بعدين مختلفين، يعرّي من خلالها أباطيل الرجل الذي غالبا ما يكذب أو يتسامح في الخوض في ملحمة الحب، و ينفض الغبار عن مشهد المرأة المجنونة في ساعات حبها و تمليك روحها لمن تحب، و توضيح الجريمة التي تقع بحق الإنسانية و الحب من جرّاء اغتصاب اللحظات البريئة و تحويل الفضاء الوردي إلى مشهد دمودي، يُذبح به الحب بطريقة بشعة، و يُعرض بطريقة مبتذلة.
فهو يُعدّ و هي تهيئُ، و لا حظ الفارق المبكي، فبعد أن عرفنا ما كان يعدّ، فقد كانتْ تهيّئ بنفس وقت إعداده، نفسها له، بطريقة روحية، و هو يعدّها لالتهامها بطريقة جسدية، كانتْ تهيّئُ نفسها له رفاً رفاً، و صف جميل، هي سيدة بيت ناجحة، تنظف رفوف بيتها واحدا واحدا، بعد تنظيف أي واحد منها، تبتعد قليلا لتتأمل ما آل إليه و كيف بدا منظره، و هل يليق بها من جانب، و بالقادم من جانب آخر، هكذا كانت تعدّ نفسها له، تستنفر كل طاقاتها المشعّة بالحب، و المشبعة بالحنان، و المتأهبة للتضحية و تمليك النفس بالطريقة التي ترضيه و تجعل منه سعيدا بفيض حبها دافئا بحنو أحضانها، هي معادلة صعبة، و نظرة نفسانية مرهقة، حيث يعرض النّص قدرة المرأة على اكتساب الثقة من تمثيل برّاق، و يعرض قدرة الرجل على التلاعب بالأحاسيس بطريقة لا تحرّك فيه المشاعر الإنسانية، أو انعدام صفات رقية كثيرة، و إحلاله بدلها عدم الحياء من نفسه أولا قبل الرُقي بروح محترمة، و تأنف عن طباع حيوانية طالما نفرَ منها أمام الملأ حين مرورها أمامه بأي صيغة كانت.

((لتخبّئَه مؤونةً للعمر))
سياق الحكاية في النصّ يسير بصيغة القفلة العاطفية، إذا ما عرفنا بأن النصّ لقصره و لتكثيفه الشديد انتهج مبدأ المفاجأة العامة التي شملت جوانب القصة كلها منذ الاستهلال، و خدم النصّ قصره الذي لم يرهق القارئ، فالأزمة بدأت مع بواكير النص، و لم نحتج إلى عقدة كبيرة متورطة للتنوير عند الخاتمة.
لم تكتفِ البطله بأن تجعل نفسها رفاً تركنه فيه عند حاجته، أو أن يكون حاجة زائدة، تتحرك فقط حينما تقتضي الحاجة لها، أبدا، فهي إنما جعلت من نفسها رفوفاً مهيّأة لتنزله فيها منزلا حسنا، و أمدا طويلا، ليس أقلّ من العمر كله، و ليس كنزا مدفونا، إنما مؤنة عمر، تقتات من حبه شيئا فشيئا، لم تدّخر غيره أبداً، فهو مؤنتها الوحيدة، التي سوف تبقيها على قيد الحب، تأكلها، تشربها، تتنفسها، تفرحها، تثملها، تكون سر بقاءها و ديمومة حبها.
فتخبئه، جاءت هنا إيحاء و تلميحا للاحتفاظ بشيء ثمين، خاص لا عام، فهو كنز مُخبأ و ليس حالة طارئة أو عابرة، و ما كونه مؤونة إلّا وصف روحي، فهو لن ينقص و لاشك، ليس كمؤنة الإطعام و المشرب عبر الجوارح، لكنه مؤنة الحب الذي يخلد إلى الأبد، الحب الذي يخلق الحياة، يداوي القروح، يبدد الآهات، ينعش الرّوح، و يُزهر العمر.
النص قصة واقعية مؤثرة تحدث يوميا، يغتال الحب فيه نفوس شرّيرة، تكره أن ترى الأشياء جميلة للأبد، لا يعجبها إلّا أن ترى التماثيل الرخامية مُكسَّرة....
شكرا لك دكتورة فاطمة الزهراء هذا النص الجميل...
تحيّتي و الودّ ..
عماد نوير....








- [ ]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنانة غادة عبد الرازق العيدية وكحك العيد وحشونى وبحن لذكري


.. خلال مشهد من -نيللى وشريهان-.. ظهور خاص للفنانة هند صبرى واب




.. حزن على مواقع التواصل بعد رحيل الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحس


.. بحضور شيوخ الأزهر والفنانين.. احتفال الكنيسة الإنجيليّة بعيد




.. مهندس الكلمة.. محطات في حياة الأمير الشاعر الراحل بدر بن عبد